TG Telegram Group Link
Channel: عبد الرحمن القلاوي
Back to Bottom
كنت أمشي على الكورنيش فرأيت شاب وفتاة يتحدثان ببرائة وخجل، عصافير متحمسة أفسدها الدلال وحلاوة البدايات، فقلت: يا وعدي، يا دبلة الخطوبة عقبالنا كلنا؛ متى سأتحدث مع خطيبتي أنا أيضًا في كل القضايا الدينية والعلمية والسياسية المهمة؛ أقولها يا بت، تقولي يا ولا، أسألها عن تهافت الفلاسفة فتجيبني بهجوم العمالقة، ونتبادل الآراء حول أزياء العصر الڤيكتوري وعصر النهضة وعصير القصب، وهندام اللباس الجزائري وأدب التراث ولوحات ڤان جوخ وكم زقزوقة في الزقازيق، وليش الدكاترة على تويتر زعلانين إن الصيادلة والتمريض كاتبين "ميدكال ستيودنت" يكونوش طمعانين في 2000 جنيه بتوع الامتياز، ونختم النقاش بسر خلطة محشي ورق العنب!

بقولِك: الدهب بكام صحيح؟
فيا رَبِّ سَوّي الحُبَّ بَيني وبينها
يكونُ كَفافًا لا عَلَيَّ ولا لِيا

مسكين قيس؛ أحسه أصدق من ذاق مرارة الحب لدرجة أنه استفرغ كل حيلته في وصل ليلى، فلما يَئِسَ لم يبقَ له إلا أن يسوي الله الحب بينه وبين حبيبته فلا ترهقه زيادةٌ أو نقصانٌ؛ وإلا فليبغضها الله إليه خشية أن يموت قلبه عشقًا، وقد مات.

رحم الله مجنون بني عامر.
من تمام كمال المرء، والإيمان الداعم لاتِّزانه النفسي؛ أن يَتقبَّل ألا يُتقبَّل، وأن يرضى بسخط الناس كما يرضى محبتهم، وأن يبصر ما في نفسه من مواطن القوة والضعف ما يجنِّبه أن يُؤذِي، وأن يُؤذَىٰ، وما يعينه على تحمل الأذىٰ.
تخف الجروح بتواليها، وتهدأ الصدمات بالتكرار، فأفكر طيلة الوقت فيما قاله بيجوڤيتش: بين الحُزن واللامبالاة سأختار الحُزن؛ هكذا تخير الرجل شعوره بشجاعة ليهرب إلى حريته، وظللت طويلًا أناور بالملامبالاة.

منذ بطء الطوفان وأنا أبصر مراحل الملل في نفسي قبل الناس، لأنني أعي جيدًا طاقة البشر في تحمل الأحداث العِظام. لكن العاقل يعرف كيف يفرق بين أن يَمَلّ، وبين صفع الضمير بإلف المَصاب. أليس هذا داء الحمق؟ أطمئن نفسي بأن البلاء بلاء غيري، لأن رغيف خبزي لا زال كاملًا، وسقف بيتي على ما يرام.

بين الحزن واللامبالاة، يختار القلبُ الشريفُ أن يحزن، فالحزن قرارٌ إيمانيٌّ والألم أنبل في النهاية من اللا شيء، كما لا يستقيمُ القلب بإنسانيته إلا بهذا الجُرح النبيل. ربّما نجَتْ اللامبالاة بصاحبها مرّة، لكنّها لا تُعينه مرّتين، فهي تمويهٌ على القلب، وتمرّد على الحسّ، والمتمرّد على نفسه لا يُفلح.

قد لا يكونُ الحزن خيارًا مباشرًا، لكنه طارئٌ يُخيَّل إليك أن لك فيه يدًا، ولا يبقَ لك إلا أن تفتح له الباب، أو أن تواريه بغطاءٍ من لامبالاة زائفة وعجز تليد. ولكنّ التمثيل لا يطول، والكذب على النفس لا يورث سلامًا، بل يخلّف وجعًا خفيًا لا يهدأ، ويظهر إذا خمد ضجيج الأيام.

إنّ الخوفَ أشدُّ من الألم، لأنه يعقِّلكَ عن تقبله، فلا تُكابدُه، وليس يُخشى من الحزن أن يقتلك، ولكن يُخشى منك أن تهرب منه فتفقد ما يُبقيك حيًّا: شعور صادق بالولاء. وما ذلّ إنسانٌ إلا إذا استوحش من شعوره، وما هلك إلا إذا رضي بأن يعيش فارغ القلب جبان.

بين الحزنِ واللامبالاة سأختار الحزن كل مرة، لعلني أرتجل في نفسي ما يكفي من الشجاعة أن أحيا قبل أن أموت.
تؤرقني آلاف الأسئلة، وترميني الحياةُ بأنصاف الإجابات.
عند وفاة والدة صديقي، مضيتُ مع رَهطٍ من الأصدقاء نعزّيه، شعرت كعادتي في كل خطوةٍ من خُطايَ بثقل الحزن وأسى الموقف. صافحتُ الرجالَ مصافحةَ من أدّى واجبًا، وجلست حتى جاء صديقي فاحتضنته لبضع ثوانٍ نسيت فيهم كل ألفاظ المواساة التي رددتها في طريقي، حتى نطقت: البقاء لله يا صاحبي، شد حيلك.

في زفاف صديقي ذهبت مع ثُلةٍ من الأصدقاء نُفرحه، كعادتي تمنيت أن تطويني الأرض قبل أن ترمقني أنظار الحاضرين الذين لا يعرفني أكثرهم ولن يأبهوا لي. التصقت بمقعدٍ بعيدٍ خلف الجميع، بينما ارتدى الشيطان أصحابي ليتخبطوا جميعًا رقصًا من المسّ، والكل سعيد.

الكرسي الوحيد في المقهى يشهد لي بأني آلف وَحدتي راضيًا، أبررها بجمال التفرد قبل أن يزدحم المكان بأهله، وقناع الصمت الذي يرتديني ينجيني كل مرة حين تعلو أصوات الأصحاب في جدلٍ عقيمٍ.

لقد تجرَّعتُ انطوائيتي طويلًا قبل أن أعتاد مرارتها، أتتبع الدمعة التي لا تسقط أبدًا أمام الناس، مهما اشتد المَصاب، وتنسكب مني بلا توقفٍ حين تنفضُّ الجموع. وأعجب للفرحة التي تملأ قلبي، فيتراقص داخلي، دون أن يمسَّني من الشيطان جنون. لقد بتُّ أعرفني بعد أن أكلني الجهل سنين عددًا، وأسقطت من يدي آلاف الأقنعة التي أخفت عجزي التليد.

هل نضجت؟ كثيرًا، بل لست أدري، لكني أتعلم ولو شيئًا واحدًا بمرور الأيام. رأسي يعج بصخبٍ لا يهدأ، تؤرقه آلاف الأسئلة، ثم ترميني الحياة بأنصاف الإجابات كل حين. أحب القليل وأتجنب من الأشياء كثيرها، وأفضل سكون الواقع الذي يرحيني من زخم الحشود؛ ربما لا أكون متفردًا بالنهاية بشيءٍ، لكني راضٍ بالاختلاف.

ولا عزاء لي إلا أن أمضي من الدنيا بسلام.
هناك شيء أغالب نفسي مرارًا لتقبله وأفشل، ولأنني شخص شفاف تفضحه مشاعره، فهذه حقيقة أفضل أن أصارح نفسي بها قبل الآخرين:

وهي أنني أحبُّ أصدقاء واقعيِّين قلائل وربما ألعن وجودَهم افتراضيِّا، وأحبُّ آخرين كُثرٌ خلف الشاشات وأعلنُ عداوتي لهم عند اللقاء. هذا ما يجعلني أحيانًا أتجنب بعض الناس هنا وآراءهم، بل وألغي صداقتي بهم، حفظًا للود الذي بيننا في الواقع، أو العكس.

ربما لا أعرف السبب الحقيقي ولكني أعرف أن مشكلة السوشل ميديا عمومًا في "الاجتزاء" الذي يظهر بعضًا حقيقيًا منا، لكنه مقتطع من سياقه وزمنه وأحداثه، وما نشعر به تجاه هذا "البعض" هو انعكاس لنا ولتجاربنا.

ضربت الأستاذة "أروى الطويل" في هذا السياق مثالًا أذكره:
"فلان الذي أكرهه، لا أكرهه لسوء في ذاته حقيقة، بل لأن هذا الجزء الذي ظهر منه لا يشبهني ولا أحبه، وربما أكرهه لأن هذا الجزء الذي ظهر منه هو شيء مثير يستفزني إيجابًا أو سلبًا.

وفلان الذي أحبه لا أحبه لجمال متأصل فيه، بل لأن الجزء الذي ظهر منه يمثل أحد أحلامي، أو يخاطب شيئًا جميلًا فيّ، وهو ليس حقيقي أيضًا تمامًا، ربما كان هناك شيء بالغ السوء لا يظهر علي الشاشة.

لكن هذا معقد، من يقدر عليه؟
لا أحد".

وأنا مثلها، إنسانٌ تخذله القدرة، ولم أعد أحتمل تكلف محبةٍ افتراضيةٍ تأخذ من روحي لإنسان، حتى وإن سرني منه جوانب أخرى، لعلني أدخر ما يكفي من مودةٍ لأقابله بصدر رحب.

والسلام.
‏تراني مهمومًا أصارع قلقي والدنيا والناس، فتخرج منها "لا بأس بكَ، لا بأس عليكَ"، فتصغُر في عيني كل المعارك.
من بين الكثير من الإجابات والاستنكارات والسخرية والجدية على هذا السؤال، لم يلفت انتباهي ولم أتوقف لأقرأ بعناية المعنى المراد إيصاله إلا في رد "د. عماد رشاد عثمان" متحدثًا عن حياته الأسرية وعلاقته بزوجته. (رغم أنه واقعيًا يصعب تحقق وتعميم هذا البناء الأسري والمنطق الذي اعتنى بترسيخه، لكل اثنين، إلا بتوفر بعض العوامل الاجتماعية والقيمية المشتركة والنضج التام والتفاهم المستمر بينهما).

سأترك لكم الإجابة في الرسالة التالية:
عبد الرحمن القلاوي
من بين الكثير من الإجابات والاستنكارات والسخرية والجدية على هذا السؤال، لم يلفت انتباهي ولم أتوقف لأقرأ بعناية المعنى المراد إيصاله إلا في رد "د. عماد رشاد عثمان" متحدثًا عن حياته الأسرية وعلاقته بزوجته. (رغم أنه واقعيًا يصعب تحقق وتعميم هذا البناء الأسري…
‏يقول د. عماد: "كزوج لامرأة عاملة مهتمة بوظيفتها ودراستها، طبيبة نفسية وعصبية، تمتد علاقتنا الآن لأكثر من ثمانية عشر عامًا، يمكنني أن أجيب كالتالي، وأتمنى حسن الظن:

‏إن المكسب الحقيقي لوظيفة الزوجة هي (الاستثمار النفسي خارج حدود العلاقة)، فما الذي أقصده بهذا المفهوم؟

‏هناك خلط رهيب بين مفهومين في الخطاب الشعبي المتعلق بعمل المرأة: مفهوم (أولوية العلاقة الزوجية) ومفهوم (حصرية التمحور حول العلاقة الزوجية).

‏إن العائلة أولوية، لكنها ليست كل شيء، وتحول العائلة لمساحة وحيدة في حياة المرء ليس نافعًا كما يتوهم البعض، فاستثماراتنا النفسية والانفعالية والوجدانية ينبغي أن توزع بين أكثر من مسار، أهمها عائلتنا لكن لا ينبغي أن يكون استثمارنا الوحيد، وذلك من أجل صحة عائلتنا نفسها!

‏فصب استثماراتنا النفسية وتوظيف كامل طاقاتنا العاطفية والانفعالية في موضع واحد يجعله أكثر اضطرابًا، إذ نكون أكثر تحفزًا، وأشد تحسسًا للإحباط، وربما أكثر تطلبًا وإرهاقًا ونحيل حياة من حولنا لشيء من الاختناق!

‏ينبغي أن أعترف أن وظيفة زوجتي وإن لم تنفعني على المستوى المادي إلا أنها تنفعني على المستوى النفسي وتفيد علاقتنا بشدة، فأفكارها موزعة بين عائلتنا وكذا في عملها، الذي يمنحها بعض الاشباع الذاتي والشعور بالقيمة فلا تصبح تستمدها فقط وحصريًا من علاقتنا أو من تربيتها لأبنائها، فتسبب لهم ضغطًا كبيرًا لأنهم لم يعودوا شخصيات مستقلة وإنما (مشاريع لاثبات الذات لامرأة محبطة ليس لديها مسار تفريغ نفسي أو نمو لامكاناتها سواهم)!

‏فإن لم يكن لدى الزوجة / أو حتى الزوج مسارات أخرى للحصول على الاشباع، وميادين موازية للاستثمار النفسي أصبحت كل المشاعر مصبوبة في جهة واحدة، فتجد التقلبات المزاجية تصب في غضبات تجاه الأولاد أو ارتياب تجاه الشريك أو تحسس مفرط لأي تغير في حرارة العلاقة!

‏أما إن كانت لدينا مسارات أخرى لاثبات الذات، فيمكن لها أن تتحرر من حظ النفس في الأمومة وتتمكن من استيعاب كون أطفالها ليسوا مشاريع اثبات جدارتها، وليسوا استثمارات خاصة وحصرية لحياة فارغة وإنما أناس لهم أقدارهم ورغباتهم فتقوم بحق رعايتهم دون هوس أو هلع أو فرط حماية أو قمع! ومن ثم تصبح أمومتها وزوجيتها أكثر نضجًا واستقرارًا!

‏إن كل إنجاز تحققه زوجتي في عملها يصب في شعورها بشكل أفضل تجاه نفسها فتصبح أكثر ثباتًا في صورتها الذاتية وبالتالي أكثر إشراقًا في علاقتها بزوجها وأبنائها!

‏ودعوني أعترف بأمر آخر، إن عمل زوجتي يخبرني الكثير عن جودة علاقتنا، فهي تستطيع أن ترحل وقتما شاءت، يمكنها أن تنفق على ذاتها بل وعلى أولادها (إن أصابني الشيطان بلوثة أفقدتني مروءتي)، لذا فبقاءها ليوم إضافي في هذه العلاقة هو لكونها تريد، لا لكونها مضطرة، فهي ليست أسيرة في علاقة لأن الحياة سترهقها دونها، ولا أشعر أني أتخذها رهينة بانفاقي وأنها خارج أموالي ستعاني، ولا أشعر أني (أختطفها) لكون حياتها خارج عائلتنا فارغة، بل ينتابني شعور يربت على مخاوفي الإنسانية الاعتيادية: إن هذه المرأة يمكنها أن ترحل متى شاءت، فمعنى بقاءها ليوم آخر هو أن الأمور على ما يرام.
‏هي ليست جواري انطلاقًا من الاضطرار بل بكامل اختيارها، وأي حب لا يرتكز على حرية لا يعول عليه!

‏والأهم من ذلك كله أن عمل زوجتي يوصل رسالة مهمة لأبنائي: لا حاجة لكم إن أحببتم شخصًا أن تفنوا حياتكم بأسرها من أجله، يمكنكم أن تقوموا برعاية من تحبون ولكن في نفس الوقت لا تغفلوا رعاية ذواتكم والاعتناء بأنفسكم وتحقيق أحلامكم، فالحب والرعاية لا يعني الفناء في الآخر، بل إن لكم نصيبكم في هذا العالم فلا تدعوه!

‏وبالتالي نحن نتفق على قاعدة تشملنا وهي (كون أسرتنا أولوية لا تعني أنها كل شيء أو أن حياة أيًا من أفرادها خاوية دونها).

‏لذا أعترف بوضوح: أنا منتفع وأسرتنا منتفعة على المستوى النفسي والتربوي بشكل واضح من عمل زوجتي، بل أقول بكل وضوح ربما كنت سأصاب باحتراق نفسي إن كان كل الزخم الانفعالي لزوجتي موظفًا فقط في علاقتنا، وهكذا هي، لا أظن أن أعصابنا مخلوقة لتتحمل كامل الطيف الانفعالي لإنسان ليس لديه غيرنا!
‏جحيم هو حبٌ بين طرفين منصهران بلا مسافات براح لالتقاط الأنفاس، وبغيضة هي عائلة لا تسمح لك بكينونة خارج حدودها!

‏والسلام.
عبد الرحمن القلاوي
‏يقول د. عماد: "كزوج لامرأة عاملة مهتمة بوظيفتها ودراستها، طبيبة نفسية وعصبية، تمتد علاقتنا الآن لأكثر من ثمانية عشر عامًا، يمكنني أن أجيب كالتالي، وأتمنى حسن الظن: ‏إن المكسب الحقيقي لوظيفة الزوجة هي (الاستثمار النفسي خارج حدود العلاقة)، فما الذي أقصده بهذا…
تعقيبي المتواضع على الدكتور:

ربنا يبارك زواجهما؛ أسسا بناء أسري متين، أوافقه وأختلف معه في بعض الأفكار، وواقعيًا يلزمه عدة عوامل وشروط ألخصها في نقاط:

‏1- زوجة متزنة عاقلة تعي الفرق بين الأولوية الأسرية والاحتراق الوظيفي حتى لا يحصل تطرف مضاد تنهار معه ترتيب الأولويات.

‏2- تنوع العمل والاستثمار الخارجي:
أنا متفق مع د. عماد على مبدا الاستثمار النفسي خارج العلاقة الزوجية ذاتها وعدم التمحور حولها، ولكن أحب أن أزيد عليه عبر قنوات وسبل مختلفة تناسب كل امرأة مثل طلب العلم ومجالس القرآن والرياضة والأنشطة النسائية والمشاريع النسائية كالتطريز والرسم والكتابة وبيع المنتجات ...وإلخ. كل هذه منافذ مختلفة لتفريغ الشحنات النفسية المتراكمة وتخفيف الثقل النفسي من على كاهل الزوج والأبناء حتى تظل الأسرة مفعمة بالسواء والازدهار ودفعًا لملل والرتابة.

وبهذا لا يُحصر الأمر في قالب واحد ألا وهو "الوظيفة الرأسمالية" (خاصة لو لم يكن العمل من فروض الكفاية: كالطبيبة النسائية ومعلمة الأطفال، والتي قد يفسد المجتمع بالتخلي عن هذه الوظائف لصالح الرجال).

‏3- تفهم حجم الضريبة النفسية وموازنة التغيرات (كما أشارت بمثال شخصي د. هبة رؤوف عند تأجيلها لدراسة الدكتوراه فترة من حياتها لتزامنها من الحمل أو تربية الأبناء)، وأن الزوجين أحيانًا قد يضطران للتخلي/تأجيل بعض الأهداف الشخصية لحماية الأسرة/الأبناء من التمزق.

4- تجديد رابطة الحب والتفاهم، بالتواصل النفسي بين الزوجين فلا تُقتل العلاقة بالروتين والاعتياد الممل، وهذا أحد ركائز الاستثمار النفسي والعاطفي.

5- إكمالًا للنقطة رقم (1/2): بعض الأعمال تتيح التفرغ الجزئي والتحكم في ساعات العمل، بل والحرية للتوقف الكامل ثم الاستكمال، خاصة لو أحبت الزوجة عملها الحر ذاك واستثمرت فيه (كعيادات الأطباء والصيدليات والمشاريع الخاصة)؛ كل هذا يخفف من عبء التقيد التام والمضني داخل المنظومة الوظيفية وما يتخللها من مساوئ بعض بيئات العمل والشرور المجتمعي في التعامل مع الخلائق عمومًا في هذا الزمان.

*المجال الطبي واكلنها والعة عمومًا بس يتحججون بمرتب الامتياز عشان الحسد. "))

‏6- العلاقات ذاتية التجارب ولا يمكن تعميمها: فاختلاف طبائع الناس وأذواقهم وأنماطهم النفسية والمعيشية والمنظومة القيمية والأخلاقية التي يحتكمون إليها، كل هذا سيحدد الخيارات المناسبة لكل زوجين فيصلان معًا إلى علاقة زوجية وأسرية ناضجة وناجحة دون نسخ لعلاقات الآخرين التي قد لا تناسب طبائعهم وبيئاتهم.

وختامًا بعض التنبيهات المهمة واللازمة لحساسية الطرح:

- رغم اتفاقي مع مبدأ "الاستثمار النفسي" الذي طرحه الدكتور، لكن يظل عندي شخصيًا تحفظات على رأيه بل مدرستة الغربية المتأثر بها ويستقي منها الطب النفسي، ولكن أعتقد اعتقادًا راسخًا أن وظيفة زوجته كونها طبيبة نفسية -ولها أكيد عيادتها الخاصة- وجدولها الشخصي المناسب والمرونة التامة للموازنة بين الأسرة والعيادة، وأيضا وضعهم الاجتماعي الذي يفترض أن يكون جيدًا كأطباء = كل هذا ساعد على صياغة وترتيب أوراقه بهذا الشكل فيما يتناسب مع حياته هو الشخصية، ولا يمكن تعميم ذات التجربة بذات الكفاءة على كل الناس خصوصًا مع وضعنا المهبب في مصر.

- ليست كل النساء سواء في اختياراتهن وأنماطهن السلوكية والأعمال المناسبة لفطرتهن، وكذلك ليست كل الظروف مناسبة كذلك للعمل الوظيفي ذاته: أنا آسف يعني لا يمكن أن تتساوى بيئة العمل لمعلمة في مدرسة/درسها الخاص أو طبيبة في عيادتها مع موظفة بنك تحت مدير أول ومدير ثان HR وتحكمات وظيفية أو كمضيفة طيران عملها اليومي لا يخلو من التلطف والتواصل المستمر مع الركاب مهما تمسكت بمنظومتها القيمية والأخلاقية. الأعمال الوظيفية متشعبة ولا يمكن حصرها في بوتقة أخلاقية وقيمية واحدة، وكل واحد حر يختار من تناسبه وتناسب أفكاره.

- وأخيرًا رغم البلاغة التي يتميز بها د. عماد، لم أستحسن اختيار هذه العبارة: "هذه المرأة يمكنها أن ترحل متى شاءت، فمعنى بقائها ليوم آخر هو أن الأمور على ما يرام".

فرغم فهمي لما يرمي إليه -وهو وصوله لمرحلة من الاطمئنان ضد أقصى هاجس قد يصل إليه الرجل تجاه زوجته- لكن مد الخط على استقامته سيجعل منظومة الزواج بذاتها هشة، بلا ضوابط أخلاقية ومجتمعية، للحد الذي يجعل المرأة أو الرجل قد يستيقظان صباحًا ويقرران الرحيل وترك البيت فجأة لتغير طارئ في المشاعر أو التعامل والسلوك، بهذه البساطة، كأنها وظيفة، دون حساب لحجم التكاليف النفسية والأسرية لهذا القرار وتبعاته ومحاولة علاجه والبحث عن حلول حقيقية قبل هذا التفكير في هذا الأمر.

شعرت ببعض الأنانية والحرية الغربية المغلوطة هنا، والتي تتعارض مع الحقوق والواجبات ومعاني الأنس والسكينة التي كفلها الدين كأساس لهذه العلاقة المقدسة.

أريجاتو جوزيماس لمن وصل إلى هنا بسلام.
إن كان لا بد من هوية، فهويتي الإسلام، وإن كان لا بد من قبيلة، فأنا فلسطينيٌّ سوريٌّ يمنيٌّ اليوم، كما كنت شيشانيًّا بوسنيًّا أفغانيًّا أمس، وأنا البلد المسلم المكافح غدًا. قلبي كبيرٌ لا حدَّ له، نزيف صمامه في غزة يغرق ميادين القاهرة، وكسر ضلعي في حلب يؤرق منامي في بغداد. دمي هذا مفرَّقٌ بين القبائل والمدائن، وجسدي درع إخوتي في الدين والوطن.
أحب أن تكون الجمعة يومًا خالصًا لله، يومًا طاهرًا لا رفثَ فيه ولا وصبَ ولا جدالَ مع الخلائق. يومًا مباركًا يصحو فيه المسلم مبكرًا ليغتسل ويتوضأ ويكثر من صلاته على النبي ﷺ، ثم يتدبر سورة الكهف ليجدد وعيه بجهله؛ بحكمة الله التي أخفاها في ثقب سفينةٍ وقتل غلامٍ وإقامة جدارٍ.

أحبها أن تكون يومًا فاصلًا من أيام الإنسان المليئة بالأشغال والأعمال والرخاء والشقاء وطول الأمل، ليجد فيها فسحةً للبكاء والدعاء لنفسه وللمسلمين، ومساحةً للتضرع والتذلل والخشوع والخضوع، فسحةً يرمي عنه فيها أثقاله وأحزانه وخيباته كاملةً وهو ساجدٌ رأسه على الأرض لملكٍ واحدٍ وإلهٍ واحدٍ وخالقٍ واحدٍ يناجيه: إنك رب المستضعفين، وأنت ربي؛ إلى من تكلنا!

ليجيبه: لبيك عبدي، أنا كافيك وناصرك.
ارتديتُ الكثير من الأقنعة أمام الناس، حتى أوشَكتُ أن آلف النسخة وأجهل الأصلَ الفريد.
أفتقد مع الوقت لياقة البدايات وحماسة التجارب؛ أتمنى لو تقذفني الحياة عنوةً في منتصف الأشياء، فأجد الحب والسكينة والسلام قد بسطَ جناحيه، بغير شقاءٍ في الطلب، ولا عناءٍ في السعي.
لأول مرة أتحدث مع صديق عزيز من "بابل" العريقة -مع حماسة أخذتني لعصر الخلافة- فتطرقنا إلى اللغة والكرد وبلاد فارس، والطائفية ومحافظات تمركز السنة والشيعة واختلاطهم في الجامعات والأسواق، وعن الظلم الواقع على بعض النساء وحرمانهم من التعليم -خصوصًا الجامعي- وتأثير القبلية على فرص الزواج، والتمست حب أهل العراق وولعهم الشديد لمصر خاصة فترة ما قبل الألفينيات.

منذ فترة جمعني حديث آخر مع شخص لطيف من الجزائر عن نفس التحديات عند المجتمع الجزائري بشأن التعليم والعمل والزواج، والاستحقاقية المتوارثة لبعض الرجال تبعًا لاختلاف الجنوب الشرقي والشمال الغربي وتقاليد كل منطقة، وفهمت أن عاداتهم تشبه كثيرًا عادات أهل الشام في ترتيبات الخطبة والعقد، وتطرقنا قليلًا للوضع السياسي والاقتصادي وأيضًا حب أهل الجزائر لأهل مصر.

العجيب في كل حديث يجمعني بصديق عربي على اختلاف اللهجات والثقافات، أجد بعضًا من التشابه في التحديات والظروف والعقبات الاجتماعية وإن اختلفت في أشكالها وتفاصيلها، وتأثير مصر الظاهر على أهل الشام والعراق والمغرب العربي خاصة في معمار القاهرة القديمة والتراث الإسلامي وقراء مصر وعلمائها، بغض النظر عن سلبيات الوضع الراهن.
من مسلمات هذا الزمان أن يسلبك لذة العيش وطيب المعاش وصفاء الفكر وسلامة الصدر، وخلاف ذلك يعد ضمنيًا من الترف الزائد وإلف النعم ووهم استحقاقها عند الناس. لذا من عواقب الاغترار، أن يغفل المرء حديث رسول الله ﷺ: «من أصبح منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسده، عندهُ قوتُ يومِه، فكأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا».
مشكلتي مع الحياة المعاصرة أنها تسلب الإنسان جوهر رحلته فيها، ينظر إلى الوراء، إلى كل الشوارع والأماكن والذكريات والتجارب التي خاضها، ليدرك أن طفولته هي آخر شيء صادق حقيقي عاشه بكل تفاصيله، بينما كل سنواته اللاحقة وهو يكبر ويدرس ويتشابك مع الواقع ومع الناس، قد سُرقت منه عنوةً، وهو يسجل حضوره العابر، رغم نضجه، بفعل القلق والحمق وخوض سباق عبثي مع الآخرين، ثم يتساءل: متى ستمنحه الحياة فرصة عادلة لكي يحيا؟!

في الحقيقة هي لن تمنحه ذلك أبدًا، ما دام قد قرر أن يعيشها عبثًا بذات الطريقة.
من أعجب ما يُرسِّخه في النفس هذا الزمان، أن أوثقَ ما تُبنى عليه صلات الإنسان وعلائقه من رباط الصداقة أو الزواج ليس بالحب فقط ولا بحُسن الطلعة ولا ببريق الكلام، بل هو التلاقي في معارج الأفكار والطباع، والتشابه في ميزان القيم، والتقارب في أصل الإيمان ومقاصده، ووحدة المنهج في النظر إلى الكون والحياة وهموم هذه الأمة حتى لا يبيت المرء غريبًا في معقد السكينة بين اثنين.
HTML Embed Code:
2025/06/27 12:36:26
Back to Top