TG Telegram Group Link
Channel: عبد الرحمن القلاوي
Back to Bottom
في رمضان الفائت جلست أقرأ الورد بعد صلاة العصر في غرفتي بصوتٍ خافتٍ حتى دخل فجأةً زميل بنجلاديشي من زملاء السكن، أشار إليَّ وابتسمنا لبعضنا ثم ظننت أنه جاء ليأخذ شيئًا من الغرفة ويرحل، وإذ به يقف مكانه عند الباب لدقائق لم أنتبه لها؛ يدقق النظر إلى المصحف ويستمع بإنصاتٍ شديد وعينه تبرقُ بكلام كثير كأنها صفعة ذكرتني بالنعمة التي ألفتها ونسيت شكر الله عليها. أعي جيدًا أن زميلي هذا لا يعرف من العربية إلا بعض الكلمات البسيطة بلهجة أهل الخليج، ولا يحسن قراءة القرآن إلا مترجمًا، لكنها الآيات وإعجازها في النفس، وشرف هذا الدين الذي يجمع القاصي بالداني والأبيض بالأسود؛ لا فرق بينهم إلا بالتقوى.
‏لما سافرت وعشت شعور المرتحل من إقامة مؤقتة، إيجار سكن، مواصلات خارجية وخلافه؛ تبصرت قليلًا في حديث: "كُن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، يثقلني أنني أعاملها كموطني الحقيقي؛ تغويني بمشتتات وهموم وآمال منقطعة وتمنيني بطول الأمل، كما لو أنني اشتريت منزل وسيارة وقطعة أرض في هذه الغربة؛ ثم غادرت وتركتهم.

بالطبع سيراني الناس مجنونًا لأنني امتلكت أغراضًا ثمينةً في مكان لن أمكث فيه إلا النذر اليسير بدلًا من استئجارها. وبالمثل لماذا لا أتخفف من عناء التفكير في شهوات الدنيا وملذاتها ويأكلني القلق على فوات الفرص وضنك العيش وسوء الحال، وأترك التدبير على الله وأمعن النظر لما في الآخرة!
كلما سَاقه الأمل؛ قيَّدته المخاوف.
‏لا أعلم تعريفًا دقيقًا للنضج، ولا أدَّعيه، لكني أشعر بتغيرٍ ملحوظٍ في نفسي حين روَّضت ذلك الجزء الغاضب المتحمس للدفاع وقصف جبهات الأعداء الافتراضيين وتقليم أظافرهم للإحساس بنشوة النصر ولذة الوعي، وصرت إنسانًا منشغلًا بمعاركه الداخلية وأحلامه ورحلته في الحياة، ويقدم سلامه النفسي عن تغيير قناعات الناس بالقوة.

أتذكر جيدًا بداياتي مع وسائل التواصل؛ برنامج "الأسك" والأسئلة الثعبانية والفضول الشخصي لتتبع حيوات الآخرين، والنقاشات الحامية "الفيسبوكية" وتراشق المذاهب والملل وجدالات الإسلاميين المعهودة، وأخيرًا معارك النسوية والذكورية والعلاقات؛ دائرة مستمرة لا تخلو من أمراض القلوب والغضب والضغط النفسي.

تحولٌ غريبٌ لكنه مرضي، لم أصل إليه بسهولة، بل جاهدت نفسي مرارًا لأتخلص من شهوة الكلام والنقد اللاذع وشيطنة كل مختلف عني، وصرت أكثر رحمة بالناس وكذلك إعراضًا عنهم حين أبصر دخان المعارك من بعيد؛ ليس جبنًا أو جهلًا أو تقهقرًا؛ إنما فطنت أن الحياة أقصر من إهدارها في عداءٍ إنسانٍ مجهولٍ وراء شاشة.
تُنجيني اللغة كل يومٍ من جنونٍ محقَقٍ، وتمنحني الحروف رئةً ثالثةً أتنفس بها، أقيِّد بها هذه الخواطر التي يعصف بها العقل والقلب قبل أن يذهب ريحها، ثم أبثها إلى الآخرين لتنطق بما تضيق به نفوسهم وتعجز ألسنتهم عن حسن الإبانة عنه؛ كأنما خلقَ الله البشر متباينون يخفف بعضهم ثِقل بعض.
يبدو أن بعض الأشياء لا يمكن أن يُعوَّل عليها طالما لا تقف عند الإنسان وحده؛ حتى أن القدرة على الإقناع كانت للأسف في اتجاهٍ واحدٍ!
‏حياكم الله يا أصدقاء، يعزّ على نفسي أن أطلب شيء شخصي على وسائل التواصل ولم أعهد من قبل ذلك؛ ولكن لأول مرة أواجه مشكلة صعبة بخصوص "الإقامة ونقل الكفالة ومكتب العمل" والأمر برمته سيتوقف عليه تغيرات كثيرة في حياتي وسفري واستقراري، ولا أرى لها مخرجًا إلا بحول الله ولطفه وتدبيره.

فقط أحتاج دعواتكم الطيبة!
ما أشقىٰ هذا القلب؛ يتَّسع لكل الناس، ويضيقُ بصاحبه!
لقد طالَ هجري للقلم، وطال معه ليلُ الروح بلا مصباح. وإنّي لأشتاق إلى سطرٍ أبثه، وإلى ورقةٍ أضع فوقها هذا الهمّ الثقيل أو الغضب العارم أو السرور العابر كنسيمٍ هفافٍ يتخلل قيظَ الصيف الحارق؛ كأنما أكتب لأُشفى من لوعةٍ الصمت.
يكفي إنك بخير يا أبو زيد، وحمد لله على السلامة.
أعرفكِ من بين ألف ظلٍّ، من بين نبض العابرين، وأتساءل: كيف لوجهٍ واحدٍ أن يحفظني من التشظي، أن ينتشلني من غيابة الحزن إلى روضة الفرح!
يا صاحبي ليست التجارب في الحياة سُلّمًا من الحوادث، بل هي منازلُ في النفس تُبنى بالحكمة والعظة، وتهدّها الغفلة والتجاهل. فمن ظنّ أنه يسير في الدنيا على وجهه، فهو في الحقيقة يدور على عقِبِه؛ وما من خُطوةٍ يخطوها المؤمن إلا وفيها امتحان: إمّا لثباته، أو لرجائه، أو لِقَدْر صبره على ما لم يُرد.

والنضجُ -وإن رآه الناس بلوغًا للعقل- فهو عند من جرَّب وقطعَ ما قطع من دروب الدنيا، انكسارٌ هادئٌ فيه ترفُّق بالناس، وفيه شدّة على الهوى، وفيه سكينةٌ من عرف أن أكثر المصائب والمِحن ليست في الحياة ذاتها؛ بل في النفس التي تُعظِّم الأشياء، وتُهوِّل الخطى، وتنسى أن الزمان طبيب من لا يعجَل.

ويُخيَّل إلى الناس أن السعيَ في هذه الدنيا حتمي الوصول، ولكنه -عند أولي الفهم- عبادةٌ لا تُجْزَى على ظاهرها وإن تحققت الغاية عند أغلب الناس، بل يُكتب أجرها في كُنه النية الصادقة، وسِرّ الاحتمال، ورضا النفس حين يتأخر الوصل أو يؤجل بحكمة الله.

فالذي يسعى لله، لا تضِلّ خطاه، وإن تعثرت.
ما كنتُ أحسب أن الجمال قد يُؤخذ مأخذ الحجة والدليل، حتى رأيتكِ، فإذا بكِ برهان من براهين الخلق تُقَاس به سائر المحاسن والفضائل، كأنكِ المعنى الخفي الذي دار حوله القلب منذ خفق، فلم يستقر إلا فيكِ ولم تنعقد أواصره إلا بكِ. هيئتكِ لا تُشبَّه الورد، فذاك تشبيه العوام، ولا بالقمر، فإنما يستمد القمر ضوءه من الشمس وأنتِ مهبط الضوء ذاته؛ بل أقربُ ما تكونين إلى سُبحَة من اللؤلؤ انفرطت على صدر اللغة، فما نُظمت إلا في أبيات الشعراء.
والله يا أصدقاء كلما أشحت نظري ولو قليلًا عن صورة غزة وأشغلتني همومي الشخصية عن مآسي أهلها؛ أقضم أناملي من الحسرة والندم وأتجرع مرارة العجز أضعافًا، ولا أستسيغ كالعادة لحن الكربلائيات وتفريغ الغضب باللوم والتقريع.

لكنها الحقيقة وإن أنكرت، كأنما حين تغفلُ عن القتل والقصف والجوع، لا تُشيح ببصرك عن مشهدٍ فقط، بل تُسقط من وعيك سؤالًا وجوديًا:
ماذا يعني أن تكون إنسانًا في عالمٍ يقبل بالدم كاعتياد؟

ذلك الألم الذي تشعر به حين تشاهد إخوانك، ليس تأنيبًا نفسيًا عابرًا، بل ارتجاجٌ في البنية الأخلاقية لذاتك، يُنبهك أن انشغالك بهمومك وأحوالك -وإن بدا مشروعًا- هو تواطؤٌ غير مقصود، لكنّه تواطؤٌ على كل حال.

ليس ما يجري هناك صراعًا على الأرض فحسب، بل هو صراع على المعنى.
ففي عالم يُعاد تشكيله منذ عقود على مائدة الأقوياء، أصبحت فلسطين بمثابة "المرآة الكاشفة"؛ من نظر فيها رأى صورة العالم الحقيقي لا صورته الدعائية، ورأى موقعه هو في هذا العالم لا كما يُروى له، بل كما هو.

فالمشهد العالمي، وإن ازدحم بالكلمات، فإنه يفضح نفسه بالصمت، صمتٌ دوليٌّ مطبق تجاه مذابح يومية، جوع منهجيّ، حصار مُقنّن، وقصف بلا ذاكرة.

وكأنّ الفلسطيني لا يدخل ضمن معادلة "الإنسان النموذجي" التي حددها العقل الأداتي الغربي:
هو ليس ضحية كاملة، لأنه لا يخدم سرديّات الهيمنة، وهو ليس مقاومًا مشروعًا، لأنه يهدّد رمزية التفوق الأخلاقي التي تدّعيها حضارة القوة.
التسويف هو المُسكِّن الفوري المستمر لتفادي إحباط البدايات، خشيةَ أن تنكسر مثالية التوقع الحالم للأمور أمام عنفوانية الواقع الخَشن.

‏- (محاولة متواضعة لتبسيط أحرف العمدة المُكثفة).
كم الأخبار والحوادث البشعة المؤسفة هذه الفترة يفوق الحد والوصف؛ طفل يُغتصب لعامٍ كاملٍ وهو داخل أول مؤسسة للتربية والتعليم، وفتاة جامعية تسقط من مبنى الكلية وتترك لتزهق روحها على الأرض دون أن يتحرك لها عميد أو مُعيد أو طالب أو رجل صحت فيه الرجولة، وأخرى تنفجر فيها ماسورة بترول بسبب إهمال عامل، وأخرى وأخرى وأخرى. لا أرى هذا إلا أن قلوب الناس لم تقسُ على دماء إخوانهم فحسب، بل تخطت إلى مستوى أعمق من البشاعة والدناءة والخسة.

وأخشى أن يكون هذا غضبٌ من الله على عباده؛ أن سلب منهم الرحمة إلى أن يُهلكوا أنفسهم.
ولست أرى فيكِ جمالًا ظاهرًا؛ إنما وقفتُ عندكِ فإذا بكِ دليلٌ قائمٌ على معنى الجمال.
الهند المارقة المؤازرة للخنازير بدأت منذ ساعات في قصف مناطق مدنية في باكستان، لكن سلاح الجو الباكستاني يفلح في إسقاط 3 طائرات حربية وبعض الشاحنات.

اللهم احفظ أهلنا في باكستان والأقلية المسلمة في الهند وجنبهم ويلات هذه الفتنة.
دعوني أخبركم بسر لطيف يا أصدقاء؛

هذه شالة (Chellah) موقع أثري يقع بالرباط (عاصمة المغرب الشقيق)، وهي مكونة من منطقة جنائزية مرينية.

ولي عادة كلما جمعني معرفة أو تواصل افتراضي بشخص يعيش في بلد عربي أو أجنبي، أطلب منه صورًا التقطها بنفسه للمعالم الأثرية والطبيعية لهذا البلد لشغفي الشديد بالجغرافيا والتاريخ.

وإن كان لي أمنية فهي أن أتخذ صديقًا حميمًا من كل بلد عربي أو إسلامي عمومًا، حتى إذا زرت بلاده يومًا ما فنخوض رحلة استكشافية أتعرف فيها عن قرب على المعالم.

بقيت لي الجزائر وتونس والعراق والأردن وسورية وتركيا والسودان واليمن السعيد والبلد الأبي أهله وكل بلد يحبه قلبي.
HTML Embed Code:
2025/07/03 00:25:08
Back to Top