TG Telegram Group Link
Channel: قراءات
Back to Bottom
-الرواية و الرواية الضمنية :
الرواية الدستوبية تشكل جرس إنذار لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في حال استمر التعسف تجاه قضية ما دون أن تتم معالجتها . إنها طريقة الكاتب في الصراخ و القلق و الإنذار و الدعوة للالتفات . في الخط الأبيض من الليل مازج الكاتب بين الواقع و الخيال بعدة وجوه و بأكثر من موضع في الرواية ، إذ عرّض البلاد " المكان " إلى تطورات عديدة في تغير المنحنى البياني لسقف الحريات الفكرية ، كان آخرها سيطرة الفكر الشمولي و معاملة الكتب على أنها ممنوعات ، و تطور الوضع إلى الملاحقات و سجن الكُتاب . وقدم الكاتب إسقاطات لافتة لتطوير الحبكة و ابتكار أشياء النص مثل جهاز " صائدة الكلمات " على سبيل المثال أو مخاريط حرق الكتب ، أو شخصية شيطان المكتبات .تلك الإسقاطات تم توزيعها بتناغم " متكامل " ضمن روايتين ، الرواية و الرواية الضمنية .
و لكن أيهما يتضمن الآخر في عمل الخط الأبيض من الليل ، هل يكتب المدقق على جدران العالم السفلي قصة الفتى القارئ الذي يلاحقه و صديقيه " عليوي و المهذب" شيطان المكتبات ؟ أم يسرد الفتى القارئ قصة المدقق الذي غاب في نفق مظلم و لم يعرف إلى الآن مصيره كما آلاف الكتب المنتظرة على رف الإجازة أو الرفض .
الخط الأبيض من الليل رواية شديدة الذكاء .
ولادات متوالية للحدث
في حارس سطح العالم
 
لن نُضيفَ جديدا إذا أكدنا أن رواية حارس سطح العالم لبثينة العيسى الصادرة عن منشورات تكوين تقوم على أعمال أخرى ، بارزة و مبطنة ، أو مُشار إليها من خلال لمحة أو ومضة في الرواية ، أو قُدّمت بعض أشيائها الدلالية ، غير أننا لا يمكن أن نتجاهل اشتغال الكاتبة على النص الكُليّ لتشكيل عالمه الخاص و ابتناء صوت يُقرّ القارئ بفرادته ، فتصير الأعمال الروائية المُوظفة بمثابة قاعدة ولّادة تستمر بخلق المتواليات السردية.

يقدم العمل حكاية الرقيب القارئ الذي يسحبه شغفه - في عالم يُحرّم القراءة الحرة - إلى طريق قسري يتذبذب فيه بين ما يود أن يكونه و بين ما يسحبه إليه ولعه ، فطيلة العمل نجد الرقيب يتذمر مما يصير إليه و يود أن يستمر مواطنا نموذجيا يقرأ وفق تكاليف عمله كمراقب كتب و يشاهد البرامج الوثائقية و يلتزم بظاهر اللغة و سطحها دون السقوط في فخاخ المعاني و التأويلات ، لكنه – وكما يبدأ العمل – يكتشف أنه أصبح قارئا نهما يحفر في السطح ليصل إلى العمق . و لا ندري هل فتحت له الممارسة باب التحول أم أن هذه ( الهبة / اللعنة ) جزء من تكوينه الموروث ، الأمر الذي نستدل عليه من طبيعة ابنته العالقة في عالم من الخيال ذي نبوءات تستمر بإثبات نفسها .

-واقع فجيع وواقعية سحرية: 
ما يؤكد أننا نعاين اشتغالا خاصا للناصة هو تحررها من مسار القاعدة القائمة على الروايات المُوظفة –مع إبقاء خيط اتصال نابض بالدهشة – و تقديمها لصور مبتكرة خاصة بها ، وفق معايير متناسبة مع بيئة العمل ، فمزجت بين الواقعية البسيطة في المجتمع الوظيفي إذ قدمت الأسرة و مخاوفها و طبيعة العلاقات المتبادلة بين الزملاء و الرؤساء و الموسومين بالمعصية و الشرطة و الأطباء و بين الواقعية السحرية التي لونت العمل و ساهمت بتحريك عجلته .
في بداية العمل مثلا تشير الرواية إلى أن الكتب التي يقرؤها الرقيب – خلسة – صار لها أسنان ، و تكاثرت ، و لمّحت إلى أنها سرقت الرقيب من حياته و صارت تعبث بعقله أو ربما تصحح مساره و تريه ما لا يرى الآخرون ، ما أسمته الرواية " بالسقوط في فخ المعنى " . وترسم الرواية صورا أخرى من الواقعية السحرية مثل أذيال الأطفال العالقين في المخيلة. هذه الواقعية السحرية التي تضافرت مع الواقع الفجيع الذي يحكم المكان الروائي فشكلت تدفقا مستمرا يُغدي الحدث .

لماذا نقول أن هنالك تدفق يصنع التوالي السردي ؟ لأن العمل يشبه انتقلات متدرجة من عالم إلى آخر / حدث إلى آخر مع الحفاظ على ترابط و قوة مفاصل العمل ، فمن عالم ألس في بلاد العجائب إلى جمهورية الأخ الكبير إلى مقبرة الكتب المنسية و أخيرا – كما وصلتُ – إلى حمام دار سعودي السنعوسي الذي تُجادل فيه الشخصية الروائية صانعها و تصارعه للإعلان عن وعيها الخاص،مرورا ببينوكيو و الليمون العجيب و ذات الرداء الأحمر. انتقالات يكبر فيها الحدث الرئيس و تستزيد فيها الشخصية الرئيسية لتفهم نفسها و تكتشف تحولاتها من مواطن صالح إلى متمرد إلى بطل و من ثم إلى خائن تقوده خطوط الضغط إلى الوشاية بأصحابه و من ثم إلى شخصية روائية تحترق في سبيل إنارة العتمة و إفصاح المعرفة أو الإنذار ربما مما هو قادم .

-إسقاطات من الواقع و تخييل ذاتي :

من المُسلمات في العمل الأدبي نقله للواقع بصورة يُحسن فيها المبالغة ، و يجعلها مُقنعة مثيرة لاهتمام القارئ ، تمس مواطن وجعه أو تكشف عورات مجتمعه بصورة تمازج بين التلميح و التصريح . تحمل حارس سطح العالم هم قضية رقابة الكُتب و تسيير العقول و ذلك القلق من يوم تُفرض فيه القناعات ، و من الواضح أن هذا القلق مُبرر لما مرت به قضية رقابة الكتب و رقابة المُجتمع بشكل عام في الآونة الأخيرة .فالرواية تُعالج المسألة بذلك الاشتغال السردي و حمل المتلقي إلى ذلك العالم الذي هو نتاج و مآل ما سيكبر من جراء تلك الممارسة المفروضة ووضعه في قلب الحدث ، ليرى كيف سيؤول مصير الإنسان بلباس موحد و مشاعر مبرمجة و مخيلة فارغة .
و أعتقد أن الرواية قالت ما لديها بهذا الصدد بنحو كبير من الإقناع و لعل التعامل مع طفلة الرقيب و طرق معالجتها كانت من أشد مناطق الرواية سوداوية .
من اللافت أيضا تضمين الناصة للتخييل الذاتي في شخصية الوراقة ، و التي أحالتني مباشرة لكاتبة العمل ، الأمر الذي أجده بالغ التأثير و عاملا مساعدا في تمكين القارئ من تلمس صدق المعاناة و حمل أثقال هذا الهم .
رحلة صغيرة في غرفة العالم
مع رواية " ما لا نراه " لـ شيماء الوطني
 
تقترب الكاتبة شيماء الوطني – بخفة – من عالم اليافعين عبر رواية " ما لا نراه " الصادرة عن دار أفكار للثقافة و النشر، و التي تخاطب هذه الفئة ذات السمات الخاصة ، فتُنشئُ عالما مُجتزءً، حساسا ، يوشك على التكامل الذاتي ، بل هو متكامل فعلا ، بطبيعته و شخوصه و حوداثه التي تُهيء له عزلة خاصة رغم اتصاله بالعالم الأكبر .
و تقوم روايات الناشئة – عادة – على تجربة المغامرة التي تخوضها الشخصية جراء مشكلة ما ، و تغذي عجلةَ السرد بعد ذاك التحولات الطارئة ، ومسارات الأحداث المتنامية وصولا لفكرة النص الأساسية التي هندسها الكاتب و رتب النص على ضوئها . روايتنا هذه تقوم أيضا على أساس المغامرة ، لكن ليس بمعناها الدارج إنما بتأطير الأحداث و التحولات داخل حدود المكان الذي تجري فيه كل التفاعلات . المكان في هذه الرواية هو المقهى الهادئ ، بأشيائه و أجوائه ، بصاحبه الذي أسمته الرواية بالمعلم ، و بالعاملين الصبية و الناضجين ، و بالرواد الذين يحملون إلى المقهى حكاياهم و عطشهم و رغبتهم الصباحية في التماهي مع ذلك النسيج . فشخصية النص الرئيسية شاب في الصف التاسع ، يجبره والده على العمل في المقهى / المكان خلال إجازة الصيف ، و مع تعاقب الأيام يبدأ بالتعرف على ذاته الجديدة من خلال تطور الأحداث ، و اكتشاف تفاصيل المكان .
لا تعتمد الرواية على المفاجأة في سعيها لتحصيل الدهشة ، فالأحداث تجري بنحو من الهدوء ، غير أنها على هدوئها تملك صوتا دافئا يربطها بالمتلقي ، و يمسه بشكل يناغم طبيعتها ، فيشعر أنه يمر مع الشخصية بمراحل الاكتشاف ، و يكتسب قنوات أخرى لفهم رسالة النص .
تُحيلني الرواية إلى رواية " أنشودة المقهى الحزين " لـ كارسن ماكالرز رغم الاختلاف الشاسع في الفكرة و المسارات ، لكن يبقى أن للمقهى في الروايتين تلك السطوة على الشخوص فكما تقول الكاتبة في أنشودة المقهى الحزين :
لكن روح المقهى مختلفة تمامًا. حتى أغنى الأنذال وأكثرهم طمعًا يؤدب نفسه… والفقراء ينظرون إلى أنفسهم باعتراف بالجميل ويمسكون بالملّاحة بأسلوب متأنق ومتواضع. لأن جو المقهى اللائق يوحي بهذه السمات: الرفقة، وشبع المعدة، وبهجة خاصة، وكياسة السلوك.
و مقهى روايتنا لا يبتعد عن هذا التوصيف ، و تكاد روحه تتلاقى مع ما كتبته كارسن ماكالزر ، فرواده مهذبون ، يحملون حيواتهم الحاضرة و ذكرياتهم الماضية إليه ، و يتزودون منه إشباعا خاصا يغنيهم في أيامهم . حتى الفقراء كان لهم نصيب فيه ، يحرص عليهم " المعلم " و يراعيهم بالأسعار، في الوقت الذي يُلزم فيه من يتعد حدود الأدب المغادرة، هذا التفاعل ما بين المعلم و الرواد منح شخصية النص رابطه تجمعه بالمقهى و حدت من نفوره السابق تجاهه و تجاه التجربة بشكل عام .

-فضاء متحرر :
من الملاحظ أن الناصة هيأت المقهى ليكون مستقلا بذاته ، نائيا عن توصيف إقليمي ، فلم تربطه بمكان خاص إذ كان هو المكان في الرواية ، و لم تضمنه ضمن دولة معينة ، حتى أنها لم تقدم الشخوص كلها – من الشخصية الأساسية – إلى الأبوين و الأختين و الرواد من خلال الأسماء ، بل تركت المتلقي يتعرف على الشخصيات حسب وظائفها : النادل – المعلم – الرجل العجوز – المصور – المرأة الأرملة ، و هذا أعطى النص فضاء متحررا و مرونة ممكنة لخلق قوالب أوسع للتجربة ، فرغم محدودية مكان الرواية إلا أن عدم تقييده بثقافة معينة ساهم في امتداد أثره . فكأن المتلقي يتجول في غرفة من غرف العالم و الأثر الأمضى هنا للثقافة الإنسانية : التسامح ، و لذة الكسب بعد بذل الجهد و الراحة بعد التعب و التعرف على نعيم الأسرة التي كان تراها الشخصية بعين الاعتياد و الاستحقاق .
 
 
 
 
قراءات
السباحة للداخل.docx
السباحة للداخل
محاولة الإنصات لصوت الطفل في الرواية ..
نظرة في روايات عدة .
القفز على حواجز المكان
التجول في رواية شوك الريحان لـ سامي طلاق

هل من الممكن أن نعطي المكان بطولة في الرواية إن لم يتفاعل مع الحدث ليقدم تركيبة متجانسة ؟ بمعنى أن يكون المكان مجرد - وسط - يرفع الحدث للمتلقي بنكهته الخاصة دون تفاعل تام .

قد يعتبرُ الناص أن عنايته برسم التفاصيل من الأحياء إلى البيوت إلى طبيعة الحيوات و التركيبة السكانية و الطقوس و الأهازيج و عرض المعتقدات الإيمانية ؛ قد يعتبر كل ذاك اشتغالا على بطولة المكان ، و هذا - كما أخال - اعتقاد غير صحيح ، لأنه حين يقدم أشياء المكان يُسهم في عملية تضمين الحدث وفق حدوده و لا يُحقق ذلك شرطا من شروط التفاعل وصولا للتمازج و التجانس التام.

أضرب مثلا على ذلك رواية تقدم صراعا بين غني و فقير ، أو بين استغلالي و متفانٍ ، أو لنقل أنها تعرض حكاية عن الخيانة أو البطولة ، فنقول حينها أن لهذا الحدث قابلية الحدوث في أي مكان ، و أن مكان الرواية هنا مطلق ممتد و غير محدود ، و بالطبع لا يُشابه هذا رواية تتحدث عن صراع البيض و السود في الولايات المتحدة في حقبة ما ، و لا يشبه ذلك رواية تحكي عن صراع ممتزج مع المكان و متداخل بحيثياته و مختص بخصوصيته .

و السؤال هنا ، هل يُعد هذا الحدث المطلق القافز على حدود المكان نقيصة للرواية ، بمعنى هل ينتقص من قدر العمل الروائي غيابُ ذلك التفاعل بين المكان و الحدث ؟

كمفهوم عام ، أعتقد أن القفز على حواجز المكان لا يُخل بالرواية ، بل يعد أسلوبا من الأساليب المتنوعة لتقديمها ، و ربما تكون رواية شوك الريحان للكاتب سامي طلاق مقدمة بهذا النحو ، فرغم أن الحدث يدور في أحياء القطيف ، و تحديدا في حي الشويكة ، و رغم أن الناص رصد بتكثيف أسلوب الحياة في تلك البيئة إلا أن الحدث الرئيس " مقتل قارئة المقتل " حدث يعبر خصوصية المكان و يمكن أن يدور في أية بيئة ليرسم ملامح ذاك الصراع الإنساني المطلق ، كالخيانة و الغدر و سوء الدخيلة و أمراض الروح .

مع ذلك ، فالناص قدم توليفة المكان و الحدث بانسجام بحيث سار الخط الروائي بما يُشبه التنسيق المُعد سلفا ، إضافة لكونه اشتغل على رفد ملامح ذلك المجتمع من طقوس الموت ، و العزاء ، و طبيعة تجمع الأفراد في المآتم الحسينية ، كما ضمن النص الكثير من الأهازيج الشعبية و النعاء المعروف الذي يصنع إحالة كاملة للمتلقي ليعيش التفاصيل . و هذا ما يُشعر ضيف الرواية أن الناص - هنا - ابن بيئته و يكتب حولها بشفافية و موضوعية و صدق دون أن تُفسد عاطفته الخاصة تصاعد الحدث .

و لكي أُقرّب الفكرة التي أرجو إيصالها ، فإن رواية شوك الريحان لا تشبه مثلا رواية " قارئ الألواح " للكاتبة البحرينية " مريم المدحوب " رغم انطلاقهما من البيئة الشيعية ، و رغم كونهما يرصدان بنحو من الدقة ملامح تلك البيئة ، لأن الحدث في شوك الريحان قد ينفصل عن البيئة صانعا قوالب أخرى بينما الحدث في قارئ الألواح متداخل حد التوحد ، و هذا ما يُعطي لكل عمل خصوصية و ميزة .

و في شوك الريحان لا يقفز الحدث على المكان فحسب ، بل أشعر أن النص يقفز على انطباعات المسطرة النقدية للرواية ، ذلك أن الناص يقدمه فوق عدة تقنيات :
-كتعدد الأصوات ، فمرة نننصت لصفاء و مرة لزوجها و مرة لوردة الناعية الشامية الغريبة التي تفد مع زوجها و ابنتها حسنا إلى القطيف.
-و كتعدد الأجناس الأدبية ، فهناك فصول سارت كشريط سينمائي ، و هناك فصول قُدمت كرسائل ، و هناك فصول قدمها الناص غارقة في التأمل الوجداني ، مثل الفصول التي يتم فيها استنطاق " الكافورة " مُحملا ذلك رمزية عالية لشجرة السدر في الرواية .
أدب الطفل و القيمة المعرفية
مع نص مسابقة الطباخين لـ هدى الشوا:
.
.
تخوضُ النصوصُ الموجهة لليافعين تحديا دقيقا لتحصيل قبول تلك الشريحة المتطلبة في ما يجذب انتباهها و يفعّل دهشتها . و حين يقوم النص على التراث و يستمد منه المواد الأولية قد يكون التحدي حينها أصعب .
مع ذلك فإن نص مسابقة الطباخين للكاتبة هدى الشوا يقدم للناشئ حكاية محفزة ، تدور في مطابخ خمس طُهاة محترفين ، يتبارزون في تقديم الوجبة الأشهى للسلطان . تلك الحكاية التي تتحدى أشياء الماضي لتقدم له " للمتلقي الناشئ " متعة القص ، و القيمة المعرفية ، و أخيرا القيمة الإنسانية ، عبر خط سردي يحاول أن يبقيه قيد الانتباه في ملاحقة مفاجآت الحكاية .
بعد إتمام قراءتي للنص ، بَرقت في خاطري فكرتان كانتا موضع نقاش حيوي سابق ، هما :
١/ هل يُحبّذ لنصوص اليافعين أن تعتمد على اللغة المعجمية ؟
٢/ و ألا يثقل تلك النصوص الخوض في التفاصيل الدقيقة ؟ كوصف الحِرف و أشيائها مثلا ؟
.
.
أما التساؤل الأول ، فرغم أن نص الأستاذة هدى الشوا لا يعتمد على لغة مستعصية ، فالسرد واضح ، تسيل فيه ملامح الحدث ، غير أن النص مُطعم بمفردات الماضي المتعلقة بروح الحكاية ، كأسماء الأكلات و البهار و الأواني و الأقمشة ، و أوصاف الأثاث الملكي ، و حتى أسماء الشخصيات كابن خرداذبة( على سبيل المثال ) ، و قلت في نفسي بعد فراغي من العمل أن تلك المفردات جاءت كضرورة من ضروراته ، و التي أثق تماما أنها- رغم نبرتها البعيدة - سترفع قارئها إليها ليصل إلى حقيقة المعنى ، و هذا ما أظنه من فنون السياق .
.
.
أما الفكرة الأخرى التي تتعرض إلى إشكالية تعزيز النص بالتفاصيل الدقيقة ، و فيما إذا كان الاستغراق بوصف التفاصيل إثقالا للعمل ، فأشعر أن هذا التقديم هو الذي يميّز العمل الجاد الذي يحترم ذائقة الناشئ و يكسبه قيمة معرفية منسجمة بروح الحكاية .
في نصنا هذا ، تتعرض الكاتبة لتفاصيل التفاصيل ، كأنواع المكاييل و طُرق الطهو ، و حفظ الطعام ، و بعض أوصاف الكائنات ، و حتى أن النص تضمن - في سياق لطيف - طريقة إعداد السموم و خُتم بطريقة إعداد حلوى " لقيمات القاضي " ، و لم يكن في تضمين تلك التفاصيل إثقالا للعمل ، على العكس .. قامت التفاصيل هذه بتجسيد تضاريسه ، و إكسابه روحا خاصة و خروجه من برودة التسطيح إلى توهج التجربة الحياتية الحقيقية و الحسية .
الماضي بوابة لفهم الحاضر
أبواب سرية في رواية بلا غالب لـ عبد الوهاب الحمادي
 
 
أعتقد أن الرواية المختلفة هي الرواية التي تقول أكثر من شاغلها ، بمعنى أنها تقدم بؤرا عدة لامتدادات ممكنة قادرة على الإحالة إلى مناطق أخرى لصنع تجربة إنسانية أكبر من موضوع الرواية المحدد . رواية بلا غالب لعبد الوهاب الحمادي تظهر للوهلة الأولى أنها رواية قومية الشاغل ، و أنها تعتني بالإرث العربي و التاريخي بشكل عام ، و تحاول من خلال سرد ماتع أن تناقش في خطابها سقوط الأندلس و الانتكاسات التي جرها على المسلمين آنذاك و إلى اليوم . غير أن المتلقي و بمجرد التقادم في قراءة العمل – و تعزيز ذلك في قراءة ثانية – يكتشف أبعادا أكبر في العمل ، عاطفية و إنسانية و وطنية  و قلق أدبي و نقدي أيضا .
يقوم العمل على فكرة الفصول المتباينة ، أو لنسميها الأبواب الواضحة و السرية ، فالسرد يأتي بعدة أصوات و لا نعني هنا أصوات الشخوص كراو أول أو ثان ، بحيث تكون الحبكة مقدمة من عدة وجهات نظر ، إنما القصد هنا أن رواةَ العمل متباينون بنحو أكثر تفصيلا مثل :
1-رواي أول يمثل صوت شخصية من النص و هو الطبيب ، زوج غادة الراحلة ، الذي يسرد العمل في فصوله الخاصة مخاطبا إياها و ساردا لها كل الأحداث بدرجة أعتقدها أعمق من صوت تيار الوعي .
2-كاتب يسرد العمل بصوت الرواي العليم ، و أعتقد أن الناص هنا رغم استخدامه لهذا الصوت لم يعليه ليكون عليما بل كان في مستوى الرواة الآخرون .
3-أصوات شخصيات أخرى ، مثل صوت الإعلامي ، و المؤرخ الإسباني ، و السائق .
4-ثم نعتقد لوهلة أن الرسائل المتبادلة بين الكاتب و الشخصيات الأخرى مثل الدكتور واصل الشرقاوي و فرحان السيوفي و مثلا عاهد سليمان و غيرهم نوع من الترف الأدبي أو لنقل الاشتغال التجريبي الذي يُشرك المتلقي في عملية نقد النص و معاينة أسلوبه و مقايسة عناصره وفق المساطر النقدية المعروفة غير أننا نكتشف و بنوع من الإمتاع الخالص أن تلك الرسائل جزء هام و حيوي من الحبكة ، و متعلق بالحكاية ذاتها و غير متعلق فقط بسيمياء النص إنما بروحه و مايقوله ، فرغم أن الرسائل الأولى حوت  حوارا متبادلا و ربما ساخنا ،  حول فنيات الفصول المسرودة بأصوات الشخصيات و الكاتب إلا أن الرسائل اللاحقة شكلت معالم أخرى للشخصيات و سردت جزءا من تاريخها مثل تاريخ أخ الداعية الذي قدم من خلال المتن بنحو يختلف عما تقديمه من خلال الرسائل و هذا ما أخاله لعبة سرية تشبه ملاحقة الأبواب لفهم النص بشكل أفضل .

هاجس العودة للماضي:
يشكل الماضي عنصرا ضاغطا وفق متجهين ، الأول ما يتعلق بشخصية الطبيب و حنينه الدائم لزوجة متوفاة ، يخاطبها طيلة اليوم ، و يعتاش على ذكراها ، و يلف حول عنه شالا مضمخا بعطرها ، و يسرد الحكاية مخاطبا إياها .
و الثاني ما يتعلق بخطاب الرواية ، حيث يأخذنا الناص طيلة العمل في دروب الحنين لازدهار الأندلس ، و يشرح عبر شخوصه و سرده و صفه ماضي القصر الأحمر و الانتكاسة التي سببت سقطوط غرناطة و تسليمها " أبو عبد الله محمد الصغير " للأعداء بعد شهور الحصار . غير أن الناص بعد أن يخدر المتلقي - طيلة العمل - بأحلام الحنين و الماضي المزدهر ، يحييه بدبوس اليقظة في قفلة العمل ، حيث يؤكد أن المسار التاريخي المفتعل لم يكن ليغيّر الحقيقة الحاضرة القاسية ، و مع ذلك ، يبقى ذلك الماضي بما يحمله من أحداث عايشتها شخصية النص عبر باب سري في القصر أفضى به إلى ذلك المنعطف مليء بالدروس أو لنقل بالعلل التي تكشف أسباب النكسات و تفضحها .

التجانس و المُفارقات :
يشتغل الناص في العمل " بوجهي المكان : الماضي و المعاصر " و " بقطبي أحداثه " و حتى بشخوصه المستدعاة من نصوص معينة مثل " الداعية البدين و الإعلامي النحيف" اللذين يشبهان دينكيشوت و مرافقه ؛ على التجانس المتين الذي لا يترك ثغرة للنشاز في العمل ، و ذلك على مستوى لغته ، الوصفية و الحوارية و السردية .
فتظهر الرواية بكل ذلك التجريب و التنقل بين الأزمنة كنواة خلاقة قادرة على إرفاد المتلقى إلى عدة عوالم و عدة أفكار دون التسبب بحواجز تفقده انساحبه إليها . و مع هذا كان في الرواية مفارقات ، كأن يكون الطبيب الذي ينقذ حيوات الآخرين عاجز عن إنقاذ حياة زوجته ، أو تلك المفارقات " الممتعة " في الرسائل المتبادلة بين الكاتب و قرائه و ناقديه و التي حوت الكثير من الملاحظات المبطنة على المستوى الأدبي بشكل عام ومستوى سرد العمل بشكل خاص ، و هذه المفارقات حركت عجلة العمل و سمحت له بامتدادات نوعية قادرة في كل قراءة على قول المزيد .
غصن هش : الاقتراب بلُطف من هشاشة الوحدة

لابد من وجود مساحة مُتسامحة و سخية ما بين رأي القارئ القطعي و احتمالية تداول العمل عبر الذائقة الخاصة ، و لنبتعد هنا عن معايير النقد الصارمة التي تقيس النص بشريط القياس .
لنقل أن علينا الإقرار بأن عملا ما قد يؤثر تأثيرا مُتفاوتا على قرائه بنحو أو آخر ، لتتباين بعد ذلك الآراء حوله حسب مناطق التأثير و تحققها و تفاعلاتها المستمرة ، و قد تحكم ذلك التأثير عدة عوامل ، كتجربة المتلقي الخاصة و مدى تماسه مع الخطاب الروائي و الحبكة .
و في تجربتها الروائية الأولى تقدم الكاتبة شيماء الأطرم حكاية مُكرسة و متوقعة غير أنها مع ذلك لم تسقط في فخ التكرار إنما حاورت - بلطف - متلقيها لتحمله إلى عالم الإنسان الوحيد و مكابداته لظروف الحياة ، وفقا لقناعاته . و بالطبع لا أستطيع معاملة الكاتبة شيماء الأطرم معاملة الكاتب ذي التجربة القليلة رغم أن رواية " غصن هش " الصادرة عن الدار العربية للعلوم هي روايتها الأولى ذلك أني أعرف جيدا أن للناصة عدة تجارب و لها نشاط ملحوظ في قراءة الرواية . و مع ذلك فإني أتجرد في عملها هذا من المعايير المسبقة لأتبع التأثير الإنساني النقي و أجيب على سؤال وحيد : مالذي تريد الناصة قوله ؟

قُدم العمل بصوت السارد العليم المتعاطف تماما مع شخصية النص: " إيمان " ، الأرملة الشابة ، الكادحة ، الأم لولدين ، و التي تواجه ظروف حياتها وحيدة و خلية و عزلاء من المواساة و مشاطرة المحن . و تمت معالجة الأحداث عبر تركيز الحوار الجواني للشخصية بنحو يجرنا لإدراك أن الراوي العليم تحيز لها ، و قدم أفكارها . و تذوق كل أشياء الرواية بذائقتها و ثوابتها ، و أعتقد أن في ذلك إزاحة لروح الناصة أيضا كون أن الرواية الأولى تخرج شديدة الشبه بعوالم كاتبها و مدموغة بملامحه ، و الكاتبة شيماء الأطرم مرشدة في شؤون التربية و اليافعين فلا عجب أن تكون الرواية تعبيرا مُحررا لما تؤمن . فالرواية تعالج قضايا التربية و تجارب المراهقين و تمرر الدور التربوي للوالدين - أو المربي الوحيد - للتغلب على تلك المواجهات و المحن الصغيرة الي تتراكم و تتورم نتيجة الوحدة و التجديف بذراع وحيدة في بحر الحياة .
هذا التعاطف في صوت الراوي العليم لم يربك السرد إنما جعل تجربة القراءة حساسة و قريبة و قابلة للتمثيل الذاتي .
تركز الرواية أيضا على عدة قيم ، مثل الصدق ، و التسامح ، و مواجهة الشخصيات المسمومة و كيفية التغلب على مواطن الضعف في هشاشة الوحدة .
و اللافت أن العمل أشبه محاورات مستمرة بين الشخصية و ظروفها ، محاورات مترفعة قدمت معاناة الوحدة الروحية بلحاظ نابه و ذكي . و هذه المحاورات هي التي تحرك الأحداث مع تدخل بسيط من عنصر المفاجأة ، دون تكلف صنع دهشة لا تنسجم مع بيئة العمل الواقعية و هذا ما جعل العمل سيالا رغم محدودية منطقة السرد .
أبعاد حانية في قصة ساق الوردة
.
.
" على ساق واحدة تقف الوردة ، فلا تقلق يا صديقي من ساقك الواحدة "

.
.
قصة ساق الوردة لـ @qasim.saudi قاسم سعودي و المنشورة عبر دار مصابيح تعالج مشكلة إنسانية خاصة قد تكون ذات عدة أبعاد .
- البعد الأول ؛ خطاب للأطفال ذوي الهمم :
تحكي القصة عن الطفل أحمد الذي يبدأ يومه بلقاء بائع الورد في طريقه المعتاد إلى المدرسة ، فيقابله بعبارة جميلة ، تُفلسف ما يمكن أن يُنطر إليه " كنقيصة " و ترفعه لمعنى آخر فيه عمق جمالي و دلالي . و أعتقد أن مثل هذه المعاجلة قادرة على توجيه مشاعر هذه الفئة نحو جهة أكثر تفاؤلا .
.
.

- ومن جهة أخرى قد تخاطب الطفل المختلف في المجتمع :
و ربما يكون هذا البعد يعطي نظرة أكثر شمولية ، فيجعل من أحمد رمزا للطفل المختلف بعيدا عن مفهوم " الإعاقة " ، و يأخذ المتلقي إلى جهة قبول اختلاف الذات و الغير .
.
.
- و من جهة تعزز قيمة الصداقة :
فالصديق في هذه القصة صاحب فكرة " ثورية " على لطفها ، استطاع بعبارة حانية و متأملة و مؤثرة أن يكرّس قيمة المواساة ، و المؤازرة البعيدة عن التعاطف السلبي ، و يوزع هذه القيمة على مجتمع كامل ، بائع الوررد و شرطي المرور و أطفال الحافلة ، و الطلاب بالمدرسة و أخيرا الوالدين . مما يجعل شخصية النص تحارب قيد الخجل و ترفع تقديرها الشخصي للذات .
.
.
النص جميل ، و تمت معالجته بصورة بسيطة تناسب الطفل ، لكنها على بساطتها تنتفح على عدة أبعاد ، ربما تغيّر بعض القناعات المُعلبة المنتشرة حاليا ، و التي مفادها مثلا أن قبول الذات يبدأ من الذات ، لتتبدل و تصير :إن قبول الذات يبدأ من الذات بمساعدة الأحبة .
الرصد بالإحالة : في رواية باقي الوشم لـ عبد الله الحسيني  
 
" فغرت فاها ، انفرج حاجباها بعد تقطيبة ، لهثت ، هللت؛ خليف يا خليف ، حسبناها تبشر بعودة محمد ، " هذا سرب القطا ياي صوبنا "


هل يشكل رصد الواقع مهمة من مهام الرواية ، و هل يعد توثيقه هو المُحرّك الذي يسيّرها و يحركها و يصنع تطوراتها و تحولاتها ؟ نحن نجد أن أبلغ الروايات هي تلك التي تنطلق من الواقع المعاش أو من معاناة حقيقية يُحسن الناص تجلية تفاصيلها و تضمينها بفنية عالية، غير أني أجد في رواية باقي الوشم للكاتب عبد الله الحسيني و الصادرة حديثا عن منشورات تكوين انزياحا يبتعد عن الرصد الصرف ، و يفوق أيضا الرصد الفنيّ ، بل يوجهه من خلال الانزياحات البسيطة التي تشبه " بؤرا " ولاّدة ، و التي قد تتعدى إلى الرمزيات في محاولة لمواكبة و تضمين معاناة شريحة الكويتيون البدون . 
و حين نقول مواكبة علينا استيعاب أن الرواية كائن حي متطور و إننا لا نمشي - حين نُبيّن ذلك - بدرب الترف الروائي ، إنما يتأكد من خلال ملاحظة ما وصلت إليه الرواية اليوم بعد نمو معرفي بالقضية ، و مدى تأثير عاملي :
⁃ الزمن .
⁃ تراكم الأعمال السابقة التي قدمت القضية .

فرواية باقي الوشم كرست قضية البدون لكنها تفردت بذاتها و قدمت صوتا خاصا يعتمد على الإحالات التي من أهمها : البرد و انتظار الربيع الذي تعيشه شخصية النص " حمضة السحاب " ؛ فرمزية البرد هنا هي العَين التي تفجر التدفق السردي لأحداث العمل ، و تبيّن بفنية تتعمد عدم الرصد المجرَّد للصعوبات و المآزق التي تعيشها عائلة نموذجية من البدون تُعايش في يومياتها المصاعب المتنامية ، من استحالة العمل ، و صعوبات الدراسة ، و مكابدات الارتباط الزوجي ، و عدم صدور شهادات الدراسة و الولادة و الوفاة ، و حتى النبش في ثالوث الصراع : الهوية - الأسرة - الذات.

هذا التضمين لصعوبات البدون جاء في العمل بنحو متدفق ، يشبه المواجهات ، و لم يأتِ كتطعيم مستقصد . الأمر أشبه بلعبة الاكتشاف ، أو بفتح النوافذ على مغامرة الممكن ، فالمتلقي يُنصت للراوي الذي نعرف منه : اسمه - طبيعة مسكنه ، انتظاره بعثة الدراسة - عدم حيازته على رخصة القيادة ؛ و نتبع ذلك الإنصات متتبعين للحكاية الطاغية للجدة " حمضة السحاب " التي يجرّ بردُها اللاسع كل قاطرة الألم ، و التي تتفتح من خلالها حكايا سكان الدار كمريم الهايشة ، و محمد ، و الأب المخذول ، و حتى الأم التي تبدو كمن يعيش حياة مُستعارة .فصار المتلقي يتبع الحكاية الأهم ليستقبل الحكايا الصغيرة مطواعا و مشرعا باب الفهم لاستثنائية تلك الشريحة .

و مع ذلك ، نجد أن النص نبش في جذور القضية ، كما ورد في الرواية في صفحة : ١٠٩
"ظل يقول إنها ورقة لا تضر و لا تنفع ، هاهو يسكن هنا وحياته متيسرة ، فلم هذا العنا؟ "

و أعتقد أن هذا المميز في العمل ، كون أن سطرا واحدا مكثفا يجيب عن الكثير من الأسئلة المتعلقة باستثنائية حالة البدون و ما يمكن لفعل عابر ماض أن يصنع في حيوات الأجيال اللاحقة .

⁃ لغة الرواية :

تُظهر لغة العمل قدرا كبيرا من النضوج الروائي لدى الناص ، كون أن اللغة مُشبعة بظروف المكان و خصوصية البيئة الروائية و ما يعتمل فيها من أحداث ، و نضاحة بمفرداته و تراكيبه التي تسيل على لسان الراوي بنحوه يشبهه و لا يغرّب المتلقي عنه ، فصارت اللغة في العمل يَدا ساحبة أو مغناطيسا جاذبا يمسك بوعي القارئ . فنجد مثلا هذا التركيب اللغوي :
" و كما يندفع القيء فجأة اتدفع البكاء من عينيها و اختض جسدها كما لو كانت تُنقل الحزن لفرط ثقله بين أضلعها"
تركيب متناغم مع البيئة بعيد تماما عن التكلف.
كما نجد تعمد الراوي على استخدام كلمات مثل : قدّام بدل أمام باشتغال متناسق مع روح العمل ، و نضيف على ذلك الحورات المحكية المتنوعة بين سكّان الجهراء و أهل الحاضرة ، و بالطبع لهجة الجدة الخاصة القادمة من جهة الشمال . على أن عبارة في النص استوقفتني حين تحدثت الجدة للمرة الأولى باللهجة الكويتية ، إذ قالت :
" هذا سرب القطا جاي صوبنا "
فهل كان الكاتب يتقصد هنا استبدال لهجة حمضة السحاب بالكويتية مقابل لهجتها الدارجة ، إذ توجب أن تقول :
"هذا سرب القطا جاي مقابيلنا مثلا "
و العبارة الموالية أيضا إذ قالت الجدة :
"اتركني خليف هدني"
و المفترض أن تقول " عوفني" مثلا .
فهل كان اقتراب الربيع المنتظر ولادة جديدة لحمضة ، و نقطة انبعاث تفتح من خلالها مخابئ الروح لتتحرر من كل الأحمال و أوزار الهوية التي تخجل منها حفيدتها ، و التي تُعد عائقا عسيرا أمام حُلم المواطنة ؟

ما يمكن الركون إليه ، أن هذه الرواية قالت الكثير مما يمكن قوله عبر الإحالات ، و أيقظت عين المتلقى على قِران النجوم في محاولة تقصي الربيع المنتظر ، و أبقت على حياة حمضة التي كما تقول الرواية :
"لم يذكر اسمها في نشرة أخبار التاسعة ..لم تكتب في قائمة وفيات الغد كما لم تكن لها شهادة وفاة كأنها كانت محض خيال في رؤوسنا".
و إن كانت حمضة السحاب ماتت بردا كما ماتت ابنتها وضحة في الغربة ، فإنها كما غيرها من أبناء البرد مرابطون على انتظار الربيع .
قراءات pinned Deleted message
HTML Embed Code:
2025/07/08 05:32:16
Back to Top