TG Telegram Group Link
Channel: القناة الاحتياطية (التاريخ الذي لم ندرسه في مدارسنا)
Back to Bottom
كان من أهم نتائج ثورة البراق عام 1929 انعقاد المؤتمر الإسلامي العام في القدس في كانون الأول/ديسمبر 1931 كأول إجماع إسلامي عام، وقد كان دليلاً على مركزية القضية دينياً وعقائدياً، وأول من أعطى القضية أولوية على قضايا محلية في أي قطر إسلامي آخر. فقد جاءت الدعوة للمؤتمر عقب صدور تقرير لجنة شو البريطانية التي حققت في أسباب ثورة البراق، تلك الثورة التي شكلت أحداثها بداية اشتداد الصراع الإسلامي - الصهيوني على القدس والمسجد الأقصى، وقد أظهرت مدى ضعف الموقف العربي الرسمي، فكان المؤتمر تأكيداً على إسلامية القضية منذ مراحلها الأولى، وعلى مدى إدراك المسلمين لأبعاد المشروع الغربي - الصهيوني ومخاطره على الأمة والوطن.
فقد "كانت ثورة البراق عام 1929 وما انبنى من اهتمام العالم الإسلامي الكبير بفلسطين وبروز التضامن الإسلامي من مختلف بلاد المسلمين قد أوجد مناخاً ملائماً لعقد المؤتمر الإسلامي العام". وقد انعقد المؤتمر رسميا ليلة 27 رجب 1350هـ. من 7-17 كانون الأول/ديسمبر 1931، وقد حضره عدد كبير من العلماء من جميع أنحاء الوطن الإسلامي، ألقى عدد كبير منهم كلمات في المؤتمر، جميعها أكدت على إسلامية القضية ومركزيتها للأمة، منها كلمة الشيخ أمين الحسيني التي جاء فيها:
أن أكثر الأقطار الإسلامية قد فقدت عزها وسلطانها وأصيبت بمحن وكوارث عديدة أثقلت كاهلها ولكن فلسطين هذه البلاد المقدسة التي قامت بالدعوة إلى هذا المؤتمر أصيبت زيادة على ذلك كله بمصيبة كبيرة تهدد كيانها بإنشاء وطن قومي صهيوني في هذه البلاد العربية الإسلامية المقدسة. من أجل ذلك، ولما كانت هذه البلاد تهم المسلمين جميعاً لما لها من الموقع الديني والجغرافي العظيم ... فقد رأينا عملاً بقوله تعالى: "وأمرهم شورى بينهم" وبقوله عليه الصلاة والسلام "المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضاً" أن ندعو إلى هذا المؤتمر العظيم من كافة الأقطار الإسلامية للبحث في هذا الأمر الجلل وفي الشؤون الإسلامية التي تهم المسلمين جميعا.
وقد اتخذت قرارات ذات أهمية فيما يخص قضايا الأمة، وقرارات خاصة فيما يتعلق بالوضع الإسلامي لفلسطين كقضية إسلامية تهم جميع المسلمين.
الغرب والإسلام
محاولات الغرب والصهاينة تغييب البُعد الإسلامي (43)
مصطفى إنشاصي
البعد الإسلامي الأصيل في الصراع كانت ضرورة تغييبه أمراً مشتركاً داخلياً وخارجياً، لذلك سعت جميع الأطراف الرسمية داخل الوطن وخارجه لإضعاف دوره في المواجهة وتغييبه عن ساحة العمل السياسي والمقاوم. وقد كان أعداءنا مطمئنين جداً إلى سلامة سير اتجاه الصراع لصالحهم، طوال العقود السابقة على بداية عودة الإسلام السياسي والمقاوم لأخذ دوره المفترض له في هذا الصراع. وذلك ما فاخرت به صحيفة يديعوت أحرونوت الصهيونية ودعت في مقال نشرته بتارخ 11/3/1978، وسائل الإعلام اليهودية إلى عدم غفلتها عن هذا الخطر، وسعيها لتغييبه دائماً، جاء فيه:
"إن على وسائل إعلامنا ألا تنسى حقيقة هامة هي جزء من إستراتيجية (إسرائيل) في حربها مع العرب، هذه الحقيقة: هي أننا قد نجحنا بجهودنا وجهود أصدقائنا في إبعاد الإسلام عن معركتنا مع العرب طوال ثلاثين عاماً، ويجب أن يبقى الإسلام بعيداً عن المعركة إلى الأبد، ولهذا يجب ألا نغفل لحظة واحدة عن تنفيذ خطتنا تلك في استمرار منع استيقاظ الروح الدينية بأي شكل وبأي أسلوب، ولو اقتضى الأمر الاستعانة بأصدقائنا لاستعمال العنف لإخماد أي بادرة ليقظة الروح الإسلامية في المنطقة المحيطة بنا".
هذا الاهتمام والتضامن الإسلامي بهذا الكم والكيفية لا يحدث إلا مع فلسطين والقدس والأقصى لما لهما من مكانة عظيمة في نفوس المسلمين وما يستشعرونه من واجب ديني عليهم للدفاع عنها، وهو نفسه الذي يخيف ويرعب أعداءنا ويدفعهم للتحرك لممارسة الضغوط على المعنيين من أجل عدم اتخاذ قرارات أو توصيات تؤثر على خططهم، وفي حال الرفض العمل على إفشاله وعدم عقده أو العمل على إجهاض أي نتائج له، وكذلك محاولة تشويه مثل هذه المؤتمرات والجهود وذلك ما حدث فعلاً مع هذا التحرك الإسلامي الكبير سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي.
فقد أشاع الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية آنذاك أن المؤتمر سوف يبحث في مسألة الخلافة واختيار خليفة جديد، وقد كتب الحاج أمين الحسيني حول ذلك في رسالة إلى شوكت علي في لندن جاء فيها حول اتهام المفتي والثعالبي وشوكت علي بأن غايتهم: "أن يؤتَ بالخليفة عبد المجيد وينصب خليفة على المسلمين في القدس الشريف. وقد قصدوا من نشر هذه الأراجيف أن يضطرب الرأي العام الإسلامي في جميع الأقطار".
وأشاعت الصهيونية أيضاً أن المؤتمر سوف يطالب بمخصصات الحرمين، وإنشاء جامعة إسلامية في القدس، ولما وصلت هذه الشائعات إلى القاهرة ثار طلاب الأزهر الشريف ومشوا في مظاهرة عدائية ضد المؤتمر، وكان اعتقادهم بأن إنشاء جامعة في القدس سوف يشكل خطراً كبيراً على الأزهر، والواقع أن ثورة طلاب الأزهر نفسها كانت سياسية ولم تكن دينية، فقد غضب الملك أحمد فؤاد لدى سماعه بموضوع الخلافة وهو الذي كان يُعد نفسه ليصبح خليفة المسلمين، فأثار بواسطة رئيس وزراءه إسماعيل صدقي حملة واسعة ضد المؤتمر في الصحافة الأزهرية.
مما اضطر الحاج أمين الحسيني السفر فجأة إلى القاهرة، وقد بذل جهدا في إقناع رئيس الوزراء بأن الأبحاث في المؤتمر ستكون بعيدة كل البعد عن أن تمس الشؤون المصرية البحتة من سياسية وقومية، أو أن تتعرض للأزهر الشريف، كما أوضح أن الجامعة في القدس يقصد منها خدمة مسلمي فلسطين، ثم نفى الإشاعات حول البحث في الخلافة. أما الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر فقد وافق في النهاية بعد شرط مكتوب بعدم بحث موضوع الخلافة في المؤتمر.
أما في الداخل، فقد حرك الاحتلال البريطاني خصوم الحاج أمين الحسيني لمقاومته، فأشاع هؤلاء بأن الحكومة البريطانية أخذت عهداً على إلحاح أمين ألا يبحث في المؤتمر السياسة البريطانية وألا يجري التعرض لصك (الانتداب)، واتخذوا من جريدتي "مرآة الشرق" و"الصراط المستقيم" ميداناً لهم، ثم قاموا بعقد مؤتمر معاكس في فندق الملك داود أثناء انعقاد المؤتمر الإسلامي العام وأسموه "مؤتمر الأمة الإسلامية الفلسطينية"، وكان على رأس هذا المؤتمر كبار المعارضين من راغب النشاشيبي وفخري النشاشيبي وعمر الصالح البرغوثي والشيخ أسعد الشقيري، وأما أبرز مقرراتهم فقد كانت مقاومة المجلس الإسلامي الأعلى ومقاومة رئيسه وباعتراف الشباب الوطنيين الذين لم يكونوا منتمين إلى أي من الفئتين السياسيتين، أن انعقاد المؤتمر المشاغب أثناء انعقاد المؤتمر العام كان فضيحة أثارت نفور الشعب واشمئزازه.
ذلك الذي حدث في وقت مبكر من نشأة القضية المركزية لم ينفك يلازمها حتى اليوم، ويمكن لأي باحث أن يرصد عشرات الأحداث من هذا النوع حدثت في مراحل عصيبة من المراحل التي مرت بها قضية الأمة، وكلها تهدف لامتصاص التفاعل والتضامن الجماهيري والشعبي من المحيط إلى المحيط الذي لو كان هناك معارضة حقيقية في وطننا وأحسنت استغلاله واستثماره لأطاحت بكثير من العروش وما انتظرت أمريكا أن تقوم لصالحها بذلك، ولأوقفت مهزلة الهرولة العربية والإسلامية للتطبيع مع كيان العدو الصهيوني
والتآمر على مقاومة وتضحيات الجماهير الفلسطينية. كما قامت الأنظمة بتجفيف منابع الدعم المالي الشعبي لصمود ومقاومة الجماهير الفلسطينية بحجة توحيد قنوات توصيل هذا الدعم وحصرها في الاتجاه الرسمي!
وذلك ما يحاك في الخفاء والعلن لإجهاض الثورة المشتعلة في فلسطين، في كل فلسطين، فلتحذر الفصائل المقاومة ذلك ...
القدس كلمة السر لوحدة المسلمين!
نصح الباحث الأمريكي (توماس ريكس) من جامعة (فيلانوفا)، مخاطباً الفلسطينيين بقوله:
"هل تعرفون ما هي قوتكم كشعب؟ إنها القدس، لقد كنت في منطقة نائية في أقصى جنوب أفغانستان، والتقيت نساءً وشباباً في مقتبل العمر، وكذلك شيوخاً أوشكوا على الموت، ما كان يأتي ذكر اسم هذه المدينة المقدسة على لساني إلا وانهمرت دموعهم"!
الغرب والإسلام
زرع (إسرائيل) في قلب الأمة والوطن (44)
مصطفى إنشاصي
كانت بريطانيا أكثر الشعوب الغربية حماسة وتعصيباً لمساعدة اليهود في العودة إلى فلسطين وإقامة (الدولة اليهودية) فيها من منطلق ديني عقائدي بحكم اعتقادهم بالمذهب البروتستانتي، فقد كان البروتستانت منتشرين في غرب أوروبا وأمريكا الشمالية وكان أتباع المذهب التطهيري البيوريتاني البروتستانتي ومذهب عصمة الكتاب المقدس الحرفية مهووسين بالخرافات اليهودية عن (شعب الله المختار) و(أرض الميعاد) و(نهاية العالم) و(السيادة اليهودية العالمية)... وقد "كانت البيوريتانية نوعاً من يهودية جديدة، يهودية محولة إلى مصطلحات أنجلو ـ سكسونية. ركز هؤلاء البروتستانت، في رجوعهم إلى نص الكتاب المقدس، على العهد القديم، وحاول بعضهم تقبلها حرفياً كأي يهودي أرثوذكسي"
تلك النصرانية المتهودة قد بلغت "ذروتها في القرن العشرين في مذهب العصمة الحرفي الأمريكي الذي يصر على أن (إسرائيل) هي التحقيق الواقعي للنبوءة في العصر الحديث". فقد رسخ هذا المذهب في أذهان النصارى البروتستانت البريطانيين والأمريكيين "أن هناك علاقة قومية بين أرض فلسطين والشعب اليهودي باعتبارها السلالة المباشرة لقبائل إسرائيل العبرانية القديمة. وكان الفقه البروتستانتي (المسيحي) هو الذي رسخ التواصل المستمر بين الأرض والشعب).
وقد كانت الدعوة لإعادة اليهود إلى فلسطين في بريطانيا الأشد حماسة والأكثر تأثيراً على صعيد عامة الجماهير والمثقفين والفكرين والسياسيين ورائدهم رجال الدين البروتستانت، وقد استغل اليهود تلك الحماسة وذلك الشعور والرغبة الجامحة لديهم في إعادة اليهود إلى فلسطين في تحقيق أهدافهم للعودة بالتحالف مع بريطانيا.
واختزالاً للأحداث الكثيرة التي قام بها البروتستانت في بريطانيا وأمريكا سواء المفكرين والمثقفين ورجال الدين في القرن التاسع عشر وبخاصة الجهات الرسمية الحكومية مع الدولة العثمانية للحصول منها على موافقة رسمية لفتح باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين أو منحهم حق إقامة وطن قومي لهم فيها، نقول: أن القرن التاسع عشر كان بامتياز قرن الدعوة لإقامة الدولة اليهودي في فلسطين على الصعيد اليهودي والغربي ومحاولة اليهود شراء الأراضي فيها وبناء المغتصبات اليهودي على أرضها.
ونذكر من تلك الجهود خاصة الرسمية ما قام به اليهودي المتنصر دزرائيلي الذي وصل إلى رئاسة الوزراء في بريطانيا حيث عمل على توريط بريطانيا في المنطقة تمهيداً لتحالفها المشروع الصهيوني القادم في فلسطين للحفاظ على مصالحها في وطننا، فقد كان أول عمل قام به بعد تسلم رئاسة الوزراء هو تشجيع بريطانيا على شراء أسهم مصر في شركة قناة عام 1875، محاولاً الاستيلاء على الشركة وإضعاف كوقف كل من مصر وفرنسا، ومثبتاً أقدام بريطانيا في المنطقة مهيئ للتسلل اليهودي إلى وطننا، وقد اشتراها بل سرقها "بأربعة ملايين من الجنيهات تسلمها الخديوي إسماعيل لتسديد ديونه وكانت تساوي أضعاف هذا المبلغ وحينما عجزت الحكومة البريطانية عن دفع هذا المبلغ اقترضه من المليونير اليهودي روتشيلد مقابل عمولة قيمتها 100 ألف جنيه إسترليني". وذلك في تشرين الثاني، نوفمبر 1875، وتمثلت في شباط، فبراير1876 بثلاثة أعضاء في مجلس إدارة الشركة.
وهكذا ربط دزرائيلي مصالح بريطانيا في قناة السويس وأعطى لحاييم وايزمن رئيس الحركة الصهيونية بعد ربع قرن ورقة رابحة يلوح فيها للإمبراطورية العظمى لتقف إلى جانب المشروع اليهودي الصهيوني بكل ثقلها حيث بدأ منذ بداية القرن العشرين يردد على مسامع الساسة البريطانيين: أن اليهود "أفضل ضمانة لحماية مصالح بريطانية العظمى في قناة السويس".
كما قام دزرائيلي أثناء الحرب التركية الروسية عام 1878 بوضع يد بريطانيا على قبرص بحجة الحفاظ على مصالح بريطانيا في أسيا الصغرى مع أن العسكريين في بريطانيا قد شككوا في مدى فاعلية موقع قبرص لهذا المهمة. ولكن اصرار دزرائيلي راجع إلى أهمية قبرص في المستقبل للمشروع اليهودي، حيث أنها ستكون نقطة لتجميع المهاجرين اليهود للانطلاق بهم منها إلى فلسطين كما أنها تقع ضمن حدود إسرائيل الكبرى. وكما نعلم أن قبرص كانت جزء من مشروع تريتش (إسرائيل الكبرى) الذي تعاطف معه هرتزل إلى أبعد الحدود وقد قال تريتش عن قبرص: "أن مسألة قبرص لا تحتاج إلى الصهيونية لكن الصهيونية تعتمد على قبرص".
وما يؤكد أهمية قبرص في المخطط اليهودي أن هرتزل كان يفاوض البريطانيين في لقاءاته من أجل الحصول عليها وعلى ميناء حيفا الفلسطيني من أجل إقامة جسر عبر البحر المتوسط بربط قبرص بحيفا لنقل المهاجرين اليهود إلى فلسطين، للأسباب السابقة وغيرها أنتهز دزرائيلي فرصة الحرب التي دارت بين روسيا والدولة العثمانية "وفي غمرة البحث عن قاعدة بريطانية يمكن الاشراف منها على حماية المصالح البريطانية وللدفاع عن آسيا الصغرى وأرمينيا ضد أي هجوم روسي في المستقبل كان دزرائيلي سابقاً إلى اقتراح جزيرة قبرص، فما كان من بريطانيا إلا أن أسرعت إلى
احتلال الجزيرة وأملت على الباب العالي اتفاق لتكريس ذلك الاحتلال ... هذا مع العلم بأن خبراء التحصينات البريطانية أعربوا عن شكوكهم بفعالية قبرص كمركز للدفاع عن تركية الأسيوية وهكذا تم توقيع اتفاقية قبرص في الرابع من حزيران/يونيو 1878".
كما أن دزرائيلي بذل جهوداً كبيرة عند السلطان العثماني من أجل تحقيق الحلم اليهودي للحصول على موافقته بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين، وعند فشل جهوده عاد وطرح المشروع في المؤتمر الأوروبي عام 1878 طالباً من الدول الغربية مساعدة اليهود إقامة وطنهم القومي في فلسطين، وأخيرا استطاع "انتزاع وعد من الملكة فكتوريا عام 1889 يلزمها بالسعي لاحتلال فلسطين لتقديمها لليهود خالية من سكانها العرب وكما استطاع هرتزل أن يأخذ منها توصية لعبد الحميد الثاني".
إن دزرائيلي يعتبر من أهم الشخصيات اليهودية التي تسترت بالنصرانية ولعبت دوراً بارزاً وخطيراً في أحياء آمال اليهود وتقوية أحلامهم باقتراب أيام عودتهم إلى فلسطين وإقامة دولتهم فيها، وعندما تسلم البارون اليهودي السونونو رئاسة الوزراء البريطانية بعد دزرائيلي مرتين كأن آخرها عام 1909 قد سار على نفس النهج وأكمل السياسة اليهودية المرسومة.
ومع بدايات القرن العشرين شهدت المساعي اليهودي لاغتصاب فلسطين تطوراً كبيراً بعد عقد مؤتمر لتدن عام 1905 وما تمخض عنه من نتائج تضمنها تقرير كامبل بنرمان عام 1907، وقد سبق الحديث عنهما، حيث أوصى التقرير بالتعجيل في زرع أسفين غريب في فلسطين ليشطر الوحدة الجغرافية للأمة والوطن، وليحافظ على الكيانات المصطنعة التي أيضاً أوصى التقرير بتمزيق جغرافية الوطن إلى دويلات وذلك ما تم في اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916، وقد تجسد التحالف اليهودي – الغربي في إصدار وزير خارجية بريطانيا نيابة عن الدول الأوروبية وأمريكا الذين اجمعوا على التحالف مع اليهود في (وعد بلفور) بتاريخ 2 تشرين ثاني/نوفمبر 1917.
الغرب والإسلام
الإسلام المستهدف الرئيس (45)
مصطفى إنشاصي
أصبح واضحا لنا أن الصراع بيننا وبين الغرب اليهودي - الصليبي أبعد وأعمق مما يبدو عليه ولا يقف عند حدود فلسطين فقط وأنه هو في جوهره صراع بين دينين وحضارتين متباينتين لم يهدأ منذ ظهر الإسلام حتى هذه اللحظة، ومنذ تحقق الانتصار للحضارة الغربية وتحولت من موقف الدفاع إلى الهجوم في أواخر القرن السابع عشر وغدت تصفية الإسلام وملاحقته بكل الوسائل والأساليب تشكل محوراً أساسياً في الهجمة والإستراتيجية الغربية، وأن إخراج فلسطين من أيدي المسلمين يعتبر انتصاراً لكل الغرب على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم السياسية والفكرية، وأن إقامة (إسرائيل) لتكون "أداة" الحفاظ على "أنظمة التجزئة" التي رسمت حدودها معاهدة سايكس - بيكو وغيرها أخطر ما في الهجمة، لأن فلسطين في المنظور التوراتي – الصليبي دينياً واستراتيجياً مهم لفرض هيمنتهم الحضارية على الوطن من المحيط إلى المحيط، واستمرار الهيمنة الثقافية والسياسية والعسكرية والتبعية الكاملة للغرب، ونهب ثرواتنا ومواردنا المادية والبشرية.
وسوف أعرض بعضاً من أقوال وتصريحات ومخططات الغرب التي تؤكد وحدة العداء بين كل دوله ومذاهبه للإسلام.

موقف الدول الصديقة ظاهراً
نبدأ بموقف الدول التي ظاهرها أنها كانت صديقة ومازالت لنا ولحركات التحرر في العالم على رأسها روسيا القيصرية ووريثها الاتحاد السوفيتي، وسنعرض لموقفها من (وعد بلفور) و(الوطن القومي اليهودي) في فلسطين منذ قبل انتصار الثورة البلشفية علم 1917 وقيام النظام الشيوعي الماركسي:
وقبل ذلك نذكر بموقف روسيا القيصرية التي كانت شريك مع بريطانيا وفرنسا في اتفاقية سايكس – بيكو التي مزقت وحدة وطننا جغرافياً ووافقت أيضاً على أن تكون فلسطين مشروعاً لـ(الوطن القومي اليهودي)!
أما إتباع ماركس داعية الأممية وتحرير الشعوب من هيمنة النظام الرأسمالي وظلمه فقد سبقوا الغرب في وضع أيديهم بأيدي اليهود لإقامة (الوطن القومي اليهودي) في فلسطين، ففي عام 1916 تم اللقاء بين لينين (للعلم لينين ومعظم قادة الثورة البلشفية كانوا يهود) ووايزمان خلال سلسلة الاجتماعات التاريخية التي عقداها في زيورخ بسويسرا قبل الثورة البلشفية بأكثر من عام، حيث قال لينين لوايزمان: "على نجاح الثورة الاشتراكية في روسيا يتوقف تحرير اليهود من كابوس ملوك أوروبا وحكامهم ورفعهم إلى أعلى المناصب في الدولة وفرض احترامهم وشخصيتهم في العالم وسوف تحقق الثورة للشعب اليهودي ما عجزت عن تحقيقه لهم الثورة الفرنسية 1789م". فقال وايزمان: "إن فتح أبواب الشرق لاستقرار اليهود في فلسطين يتوقف بالدرجة الأولى على تدمير الإمبراطورية العثمانية، وفي تدميرها تزول الحواجز والعقبات التي تعترض المسيرة إلى أرض الميعاد.. لا بد من إنشاء دولة يهودية في فلسطين على أسس اشتراكية بعد أن تحقق الثورة الروسية الاشتراكية أهدافها".
وبذلك التقى وعد لينين 1916 من الشرق الشيوعي مع وعد بلفور 1917 من الغرب الصليبي على إقامة (الوطن القومي اليهودي) في فلسطين تنفيذاً لمخططات اليهودية العالمية. وبعد انتصار الثورة البلشفية في روسيا عام 1917 وفي الأسبوع الأول من حكم لينين أصدرت الحكومة السوفيتية قرارين رئيسيين كما أوردتهما مجلة "فرنسا القديمة" في العدد 160 مجلد 1920:
الأول: "يؤكد اعتبار العداء لليهود جريمة يعاقب عليها القانون خصوصاً وأن الغالبية الساحقة من زعماء الحكم البلشفي في روسيا كانوا من اليهود".
الثاني: "إعلان الحكومة السوفيتية برئاسة لينين التأكيد الكامل لحق اليهود في وطن قومي لهم في فلسطين".
وقد أشارت المصادر الرسمية السوفيتية إلى هذين القرارين 1917".
وكما أن الموقف الغربي الصليبي والموقف الأمريكي التوراتي لهما جذورهما التاريخية في العداء بالإسلام والمسلمين ودعم الخرافات اليهودية التوراتية، فإن الموقف الروسي الذي تمثله الحكومة الاشتراكية الأممية في موسكو أيضاً له جذوره التاريخية التي رسمها له أساتذته الأولون التي تفوح منهم رائحة الحقد والعداء للإسلام، ومن يقرأ الكلمات التالية ويعرف من قائلها ومتى؟ سيعرف أي حقد يضمره الإنسان الغربي للإسلام بغض النظر عن الفلسفة التي يتبناها أو يتحرك من خلالها، اقرأ معي:
"لن يكون ممكناً قهر قرصنات دول البربر الجزائر- تونس- المغرب التي امتنعت الحكومة الإنجليزية عن التدخل في شئونها ما دامت لا تتحرش بسفنها إلا بإخضاع واحدة من هذه الدول" هذه العبارة قالها أبو الماركسية الثاني انجلز. أما المناسبة فهي غداة ضرب المقاومة الجزائرية بقيادة الأمير عبد القادر حيث بارك انجلز الاستعمار الفرنسي للجزائر وبرره واعتبر ذلك عمل ميمون من أجل تقدم المدنية واعتبر أعمال بيجو الوحشية لا تستحق اللوم، لأننا قوم متوحشون وبرابرة في نظره نستحق كل ذلك.
وهنا يلاحظ كيف أن أبا الماركسية يقف موقفاً مناهضاً لكل الفلسفة الماركسية التي علمونا إياها، فهو بدل أن يقف مع المضطهدين أي نحن ضد الرأسماليين، يقف مع الرأسماليين ضدنا نحن المضطهدين! وتفسير ذلك أنه لم يستطع تجاوز عنصريته باعتباره أوروبياً كما لا يستطيع تجاوز انتماءه الحضاري، إذ لما أصبح الأمر يتعلق بين الوقوف مع الحضارة المادية الغربية أو مع الحضارة الإسلامية، وقف مع الأولى بالرغم من تناقض موقفه مع فلسفته. ومعنى هذا أن انتماءه الحضاري غلب على انتماءه الطبقي، وهي ضرورة في الصميم للنظرية الماركسية".
أما عن الأحزاب الشيوعية التي أسسها اليهود في فلسطين والمنطقة العربية والإسلامية وعداءها الصارخ للإسلام والمسلمين ولقضايا أمتها المصيرية ووقوفها على أرضية العداء المطلق لأمتها وتاريخها وانتماءها الحضاري وتبني موقف اليهودية والشيوعية من قضايا أمتها، فالحديث يطول كثير جداً لكن مختصر القول فيها: إنها كانت تبني مواقفها في صراعها مع اليهود على أساس من الموقف الروسي بكل حذافيره، بل إن الحملة التي قادتها وسائل الإعلام الروسية ضد المجاهدين المسلمين في فلسطين عام 1948م ترددت أصداءها على لسان الأحزاب العربية الشيوعية وهذا دليل على مدى التبعية لقبلتهم الجديدة موسكو وتحديهم الصارخ لمشاعر أمتهم وعدائهم لها، فكما قلنا كانوا يتبنون الموقف الروسي بحذافيره دون مناقشة أو تغيير، ويزول العجب إذا ما عرفنا "أن معظم – إن لم نقل كل - مؤسسي الأحزاب الشيوعية وقادتها في الوطن العربي كانوا من اليهود ففي مصر مثلاً كان هناك أربعة تنظيمات شيوعية، ورؤساؤهم كلهم يهود هنري كوربيل، إيلي سوارترز، أوديت وزوجها سلامون سدني، يوسف درويش وريموند دويك كذلك فإن السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني السوري جاكوب تبير يهودي جاء من فلسطين ليتراس الحزب، وعندما تشكلت قيادة جديدة برئاسة خالد بكداش تم اختيار فرج الله الحلو حيث أرسل إلى تل أبيب للتنسيق، كما تم استقدام نخمان ليفنسكي اليهودي ليكون مستشاراً للقيادة الجديدة...".
ولمزيد من معرفة الموقف الروسي من مجموع المخططات الغربية بعد الثورة البلشفية: في لقاء عام 1943م بين الحاخام اليهودي الأمريكي الإصلاحي ستيفن وايز والرئيس الأمريكي روزفلت لمناقشة بعض القضايا المتعلقة بـ(الوطن القومي اليهودي) في فلسطين ومستقبله وموقف السوفيت منه، نجد أن وايز لم يكن "مهتما بالمعارضة السوفيتية وقد نقل الحاخام لروزفلت ما قاله له الرئيس التشيكوسلوفاكي بنس من أن الزعيم السوفيتي ستالين لا يعارض فكرة الدولة اليهودية إذا وافقت أمريكا وبريطانيا على ذلك". وما هي إلا أربع سنوات تقريباً على هذا اللقاء حتى تأكد كلام وايز لروزفلت عن الموقف الروسي المتعاطف مع المنظمة الصهيونية العالمية، بل وكان صوت روسيا في الأمم المتحدة عام 1947 لدى التصويت على قرار التقسيم هو الصوت الذي رجح صوت الغالبية وهكذا كان موقف الدعم لإسرائيل من بدايتها.
الغرب والإسلام
موقف الدول العدو (46)
مصطفى إنشاصي
وقد جاء في كلمة أندريه غروميكو رئيس وفد روسيا في الأمم المتحدة: "إن الدول الغربية قد أثبتت عجزها في الدفاع عن الحقوق الأولية للشعب اليهودي، وهذا ما يبرر طموح اليهود إلى إنشاء دولتهم بأنفسهم ومن غير العدل ألا يوافق على هذا الطموح أو أن ننكر حق الشعب اليهودي في تحقيق ما يصبوا إليه".
إنها الحرب الصليبية التي لا تنتهِ ضد الإسلام والمسلمين ومركزها اليوم فلسطين، والروح الصليبية كانت قائمة ولا تزال ولا يغير منها دعاة العلمانية والاشتراكية في وقتنا الراهن "وإذا ما راجع المرء محاضر جلسات الأمم المتحدة لعام 1948م غداة القرار بقيام دولة يهودية في فلسطين فإن التشابه المذهل بين لهجة غروميكو وزير خارجية الاتحاد السوفيتي والمندوب الأمريكي، والمندوب البريطاني والفرنسي يشكل تصديقاً للقبول الوطيد بأن القوم سواء في كراهة الإسلام والتعصب ضده لأمر يمت إلى تحدي الحق للباطل على امتداد الحياة الإنسانية. وبأن القوم مهما اختلفت كنائسهم وتوجهاتهم وصبغة دولهم فهم جميعاً ملتقون في معارك الإسلام".
أعلن القائد البريطاني أللنبي عند دخوله القدس عام 1918م انتهاء الحروب الصليبية. وقال القائد الفرنسي المتعجرف غورو وهو واضعا قدمه على قبر قبر صلاح الدين الأيوبي: "ها نحن عدنا يا صلاح الدين". دون أن يراعي حرمة ميت أو يحترم إحسان وتسامح وخلق صلاح الدين في معاملته لأبناء جلدته من النصارى بعد أن تخلى عن إخوانهم في الدين، إلا أنها الروح الصليبية الحاقدة. كما أننا لا ننسى ما فعله قائد الجيش البريطاني "عندما دخل الخرطوم وحفر قبر المهدي وقطع رأسه وأرسلها إلى أحد عاهري بريطانيا مطفأة للسجائر. هذا ورغبته في هدم الكعبة وأخذ جثة رسولنا الكريم صلَ الله عليه وسلم لوضعها في متحف اللوفر في لندن". وتتجلى الروح الصليبية فيما قال مسيو جورج بيدو وزير خارجية فرنسا عن المعركة عن المعركة الدائرة في مراكش : "إنه لن يترك الهلال يتغلب على الصليب".
أما راندوف تشرشل حفيد السياسي البريطاني تشرشل الذي دفع السياسة البريطانية لإرساء دعائم الكيان اليهودي في فلسطين قال بعد سقوط القدس عام 1967: "لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء، إن سرور المسيحيين لا يقل عن سرور اليهود، لأن القدس خرجت من أيدي المسلمين ولن تعود إلى أيدي المسلمين في أي مفاوضات مقبلة بين اليهود والمسلمين". الكلمة نفسها سبق أن قالها البابا عام 1917 عندما سقطت القدس قي يد البريطانيين مع أن البابا كاثوليكي وتشرشل بروتستانتي.
إن كان ذلك ما قاله ذلك الصحفي البريطاني المغرور تشرشل فإننا نجد جان بول سارتر الفيلسوف الوجودي الفرنسي الجنسية الذي لا يقيم وزناً للمعتقدات الدينية وقيمها يخرج مظاهرات في باريس قبل حرب عام 1967 لجمع التبرعات للصهاينة حاملاً لافتات كتب عليها "قاتلوا المسلمين" ورافعاً بذلك شعار اليهود في بناء حضارتهم العبرانية". وقد تبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الغربية، محاربة الإسلام.
إنها ترسبات قرون من الصراع والعداء في اللاوعي الغربي والعداء الصارخ للإسلام في وعي الأوروبيين وشعورهم مفكرين وسياسيين وغيرهم من الذين يرون في الإسلام خطراً عليهم وأنه الجدار الوحيد الذي يمكنه الصمود أمام الاستعمار والهجمة الغربية، ويقول لورانس براون: "... ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وقدرته على التوسع والاخضاع وفي حيويته، أنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي".
ويعلن غلادستون رئيس وزراء بريطانيا الحقد الصليبي على القرآن الكريم في إحدى جلسات مجلس العموم البريطاني قائلا: "مادام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان". كما أننا نجد موقف روسيا الشيوعية لا يختلف عن موقف الغرب الصليبي فقد كتبت جريدة كازخستان الشيوعية عام 1952 في افنتتاحيتها إنه: "من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائيا".
كما أن سالازار ديكتاتور البرتغال يصرح عن خوفه من وحدة قيادة المسلمين فيقول في مؤتمر صحفي: "أخشى أن يخرج منهم المسلمون من يوجه خلافاتهم إلينا". هذا ويرى المستشرق جاردنر أن الخطر على أوروبا يكمن في الإسلام، فيقول: "إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا". أما هانوتو وزير خارجية فرنسا يرى أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة وذلك مكمن الخطر في نظره، فيقول: "لا يوجد مكان على سطح الأرض إلا واجتاز الإسلام حدوده وانتشر فيه فهو الدين الوحيد الذي يميل الناس إلى اعتناقه بشدة تقوف كل دين آخر".
كما أننا نرى المبشرين أيضا دعاة السلام والمحبة يشتركون مع السياسيين والمفكرين والقادة العسكريين في عداءهم للإسلام لأنه القوة والجدار الصلب الذي يقف في وجه تنصير المسلمين، يقول أ.ل شاتيلة "وتقضي إرساليات التبشير لبناتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية التي لم تحفظ كيانها وتراثها إلا بعزلتها وانفرادها". ضيف المستر بلسن: أن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في أفريقيا والمسلم فقط هو اللدود لنا". أما وليام جيبور بلكراف يرى مثل غلادستون أن القرآن هو العقبة في طريق إدخال العرب والمسلمين إلى النصرانية، فيقول: "متى توارى القرآن والمدينة ومكة عن بلاد العرب يمكن حينئذ للعربي أن يتدرج في سبيل الحضارة التي لم تبعده عنها إلا محمد وكتابه".
وهكذا كانت فلسطين وأهلها ضحية المؤامرة الكبرى على الإسلام وكانا كبش الفداء عن الأمة الإسلامية والوطن الإسلامي. وهذه الحقيقة نهيب بالمسلمين أن يعوها اليوم أكثر من أي وقت مضى فقد أدركها كثير من المسلمين في الماضي ومنهم من صرخ في العرب والمسلمين محذراً من أن تصبح فلسطين أندلس ثانية منهم رشيد رضا إلا أنه ناديت لو أسمعت حياً، وقد كتب الداعية والمفكر الإسلامي الجزائري عبد الحميد بن باديس في الشهاب عام 1938م تحت عنوان فلسطين الشهيدة قائلاً: "تزاوج الاستعمار الإنجليزي الغاشم بالصهيونية الشرهة فأنجبا لقسم كبير من اليهود الطمع الأعمى، وقذف بهم على فلسطين الآمنة والرحاب المقدسة فأحالوها إلى جحيم لا يطاق وجرحوا قلب الإسلام والعرب حرجاً لا يندمل.
جاء الزواجان المشئومان الصهيونية والاستعمار الإنجليزي فكانا بلاء على فلسطين كلها عرباً ويهوداً، فليست الخصومة بين كل عرب فلسطين ويهودها، ولكن الخصومة بين الصهيونية والاستعمار الإنجليزي من جهة، والإسلام والعرب من جهة، والضحية فلسطين! والشهداء حماة القدس الشريف، والميدان رحاب المسجد الأقصى وكل مسلم مسئول أعظم المسئولية عند الله تعالى على كل ما يجري هناك. من أرواح تزهق، وصغار تيتم، ونساء ترمل، وأموال تهلك، وديار تخرب، وحرمات تنتهك، كما لو كان ذلك كله واقعاً بمكة أو المدينة، إن لم يعمل لرفع الظلم الفظيع بما استطاع".
الغرب والإسلام
اليهود وتقرير كامبل بنرمان (47)
مصطفى إنشاصي
للحق أن الغرب واليهود فهموا واستوعبوا بعمق مقومات وخصائص الإسلام وعوامل قوته التي تشكل خطراً وجودياً عليه من تجربة الحروب الصليبية ومنها الوحدة الإسلامية، بشكل لم يدركه أو يفهمه كثير من أبناء أمتنا ومثقفيها ومفكريها. لذلك لم يكن الاختيار الغربي لفلسطين لتكون مركز الهجمة على الأمة والوطن اختيار الصدفة أو اختياراً عبثاً أو عشوائياً، لكنه جاء بعد دراسة وبحث سنتان استحضر فيه الدارسون كل تجارب الماضي والحاضر واستشرفوا احتمالات المستقبل القريب والبعيد الذي يمكنها أن تشكل تهديداً للحضارة والسيادة الغربية، ولازالوا إلى اليوم وغداً حريصين على استحضار تلك الاحتمالات ووضع الخطط والمشاريع لإفشالها والقضاء عليها في مهدها أو تأخير نضوجها واكتمال بنائها وقوتها. وقد تحدثنا عن مؤتمر لندن وتقرير كامبل بنرمان كنتاج للتجربة الغربية ولم نكمل بقية قصته لكن أكملها صحفي وكاتب يهودي عميق الفكر والمكر والفهم لأمتنا وتاريخها وأهمية تمزيق وحدتها وذلك ما قدمه كنصيحة للغرب.
بعد أن صدرت نتائج مؤتمر لندن في تقرير كامبل بنرمان تم تسليم التقرير لوزارة الخارجية البريطانية واختفى التقرير نهائياً ولم يعد أحداً يذكره، ومعلومة لخطورة التقرير بذل الدكتور أنيس صايغ رئيس مركز الدراسات والأبحاث الفلسطينية التابع لمنظمة التحرير جهوداً مضنية للحصول على التقرير كادت تكلفه حياته ونجى من محاولة اغتيال أصيب فيها وفقد ساقه، وفي عام 1939 كتب صحفي يهودي بريطاني مقالات عن التقرير وكأنه حصل على نسخة منه لا أذكر المعلومة قديمة منذ عام 1985، وألف كتاباً يحث فيه الغرب على تنفيذ مقررات التقرير والإسراع في إقامة (الدولة اليهودية) في فلسطين واستكمل جوانب أخرى في التقرير في كتاب صدر في بريطانيا في العام نفسه.
والكاتب اليهودي اسمه (كادمي كوهين) وعنوان الكتاب "دولة إسرائيل" يدعو فيه الغرب إلى عدم تمكين شعوب وطننا من النهضة ثانية واستعادة قوتها وذلك بالإسراع بإقامة كيان العدو الصهيوني في فلسطين، ودعم الحركة الصهيونية للقيام بدورها في المؤامرة العالمية على وطننا قبل فوات الفرصة، وقبل أن تنفك المنطقة من عقال الاحتلالات الغربية وتستعيد وحدتها ونهضتها من جديد في دولة واحدة. وضمنه رؤيته لتأمين وجود كيان العدو الصهيوني المزمع إقامته في فلسطين حتى لا يواجه أي تهديد حقيقي بعد إنشاءه! ونظراً لخطورة ما جاء في الكتاب من أفكار نرى نتائجها ماثلة للعيان وتحكم واقعنا السياسي العربي منذ ضياع فلسطين، نقتطف منه بعض ما جاء فيه عن أهمية فلسطين وتجزئة وطننا لمن يريد السيطرة على العالم القديم.
جاء فيه عن أهمية فلسطين بالنسبة لآسيا وأوروبا والتحذير من خطر استيقاظ شعوب المنطقة على السياسة العالمية:
"إن الساحل الشرقي للبحر المتوسط يشكل بالنسبة لأوروبا رأس جسر واسع نحو آسيا، وعلى طرفي هذا الإقليم الممتد من البحر المتوسط إلى جبال هملايا يتحرك شعبان "الشعب الهندي"، وفيه نسبة كبيرة من المسلمين في ذات الوقت و"الشعب المصري"، وفي الداخل تستيقظ الشعوب على الحياة السياسية العالمية".
وبعد أن يحذر الغرب خاصة بريطانيا وفرنسا من تحرك تلك الشعوب التي بدأت فيها عملية البعث والثورة مثل أفغانستان وفلسطين وغيرهما يوجه لهم النصيحة باتخاذ إجراءات من شأنها أن تعرقل تلك النهضة أو توجه هذه الحركة التي بدأت إشعاعاتها تبشر بانتفاضات مقبلة، لأنه إن لم تفعل أوروبا ذلك فلن تتمكن من بسط الأمن والسلام في تلك المنطقة المهمة من العالم والغنية بثرواتها، ويذكر أن تلك المنطقة كانت مهد حضارات قديمة رائعة، يسارع إلى تقديم وصفته الناجعة للغرب بعدم تكرار ذلك فيقول: ويذكر أن تلك المنطقة كانت مهد حضارات قديمة رائعة، وسرعان ما يكشف اللثام عن مصدر خوفه وقلقه الحقيقي عندما يقول:
"إن فرنسا مثل إنجلترا إنهما تواجهان قوتان إسلاميتان كبيرتان تصطدمان بهما حيث توجد مشكلة عربية، نقول مشكلة إسلامية، هذا هو الجانب الثاني للمسألة الشرقية الجديدة".
ونجده أكثر صراحة في دعوته فرنسا وبريطانيا لتنسيق سياستيهما اتجاه وطننا لأن الخطر الذي يتهددهما كما يتهدد غيرهما واحد، هو الإسلام، وليس هو الجانب الثاني للمسألة الشرقية بل هو المعضلة الأساسية والهدف الوحيد لكل ما يقوم به الغرب الصليبي اتجاه وطننا وأمتنا. وهو الخطر الوحيد الذي يهدد وجود أوروبا وكيان العدو الصهيوني على حد سوء. وبعد أن يذكر في سطور كيف استطاع الإسلام أن يوحد القوميات المختلفة في أمة إسلامية واحدة يسارع إلى تقديم وصفته الناجعة للغرب الصليبي بعدم تكرار ذلك فيقول:
"وإذا أرادت السياسة الأوروبية أن تتحرر من العقبات الكؤود التي ترهق مستعمراتها ينبغي عليها أن تسعى لتفكيك هذه الهوية المصطنعة التي تتحرك ضدها: هوية بين المفاهيم "العربية" والمفهوم "الإسلامي" وعندما تتجرأ على حل المسألة العربية فإنها تحطم آلية التشابك الموجود بين المفهومين وتفتت الوحدة الإسلامية كما أن القوميات الاستعمارية الأوروبية تُؤمن بهذا هدوء لم تعرفه منذ أمد طويل. إن نظرية الوحدة العربية هي خير علاج وأفضل ترياق ضد الوحدة الإسلامية فهي لا تشكل خطراً أكثر مما تشكله القومية التركية الحالية، إذ عندما تنصرف عن الدعوة إلى المشاعر الدينية ولأنها هي على العكس تشكل عرقية أساسية تصبح عنصراً صحيحاً للتوازن السياسي في العالم القديم. إن تفتيت الهوية التي تجمع بين الإسلام والعروبة هو القادر على جعل الضفة الشرقية للبحر المتوسط ما يجب أن تكون في الحقيقة: واجهة القارة الآسيوية التي تطل على العالم الغربي ورأس جسر لأوروبا نحو آسيا الكبرى". يعني ضرب القومية بالإسلام!
"إن الوحدة العربية تصبح قادرة على مقاومة الوحدة الإسلامية إذا ما نظمت سياسياً فإيقاظ الشعور القومي العربي هو الذي ولد الإيمان الجديد عند العرب بتشكيل الأمة الإسلامية: إن القومية الإسلامية تتفوق على الفكرة العائلية وعلى العصبية العشائرية أو القبلية التي كانت معروفة لحد الآن، فإذا ما تراجع الغرب أمام تلك الديانة الجديدة وإذا ما أقره أكد على وجود قومية عربية تمتد من البحر المتوسط، وحتى بلاد فارس قومية مختلفة في جوهر تحديدها على التتر والهندوس والبربر، فإنه يحرر بذلك قوة هائلة إذا ما تأطرت بشكل مناسب استطاعت أن تلعب دوراً في العالم المتمدن تؤهلها له أصالتها الرفيعة".
الكلام السابق ليس في حاجة إلى تعليق لأن الواقع الذي نعيشه اليوم أكبر دليل على نائج ضرب القومية بالإسلام. كما أنه لم يترك للغرب فرصة الغفلة أو التهاون أو الاتكال على أعوانهم من أبناء أمة الإسلام فيدعوه ليتولى بنفسه تنظيم وطننا، فيقول:
"من أجل أن نتجنب هذا الاحتمال المرعب الذي ينطوي على أخطار جسيمة مجهولة ينبغي على العالم المتمدن أن يتولى بنفسه تنظيم العالم العربي كي يجعل منه عاملاً سياسياً نافعاً وليس عامل فوضى".
الواقع الذي نعيشه اليوم أكبر دليل على أن الغرب أخذ بنصيحة هذا اليهودي اليقظ وأفكاره ـومَنْ سبقه من يهود آخرين وسارعوا لإخراج كيان العدو الصهيوني إلى الوجود تحقيقاً لتوصيات لويس التاسع ورسالة روتشيلد لبالمرستون وإعلان هرتزل عن دور كيانهم في كتابه "دولة اليهود" وحاييم وايزمن وغيرهم، وقد تكلل كل ذلك في تقرير كامبل بنرمان. واليوم تقوم الولايات المتحدة باستكمال ما بدأه سلفها الأوروبي تتولى بنفسها تنظيم العالم العربي كي نجعل منه عاملاً سياسياً نافعاً وليس عامل فوضى وتُصر على إعادة ترسيم حدود خريطة سايكس – بيكو من جديد تنفيذاً لمخطط يهودي آخر وضعه في ثمانينيات القرن الماضي.
الغرب والإسلام
الغرب وإثارة النعرات الجاهلية (48)
ذكرنا في حلقات سابقة: أن تفكيك وتمزيق وحدة الأمة على اختلاف قومياتها من خلال نسج تاريخ قديم لكل قطر ليشكل هوية وطنية جديدة تكون بديل له عن تاريخه الإسلامي هي ركن أساس في مخططات الغرب لاختراق وإضعاف الأمة وتدمير الإسلام وفرض هيمنته عليها، وقد كانت البداية مع حملة نابليون التي بعثت أول نعرة جاهلية في تاريخ الأمة الحديث وهي الدعوة إلى الفرعونية، وقد انتشرت بعد ذلك في كل أرجاء الوطن، الدعوة إلى البابلية في العراق، الآرامية في سوريا، الأنباط في الأردن، الكنعانية الفينيقية في فلسطين ولبنان، الأمازيغية في شمال إفريقيا، الطورانية في تركيا ...، والآن يخطط الغرب لمزيد من التفتيت بنعرات الطائفية والمذهبية والأثنية و...!
وقد كانت توصيات تقرير كامبل بنرمان العاجلة تتمثل في: "ضرورة فصل الجزء الإفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي وضرورة إقامة الدولة العازلة إذ أن إقامة حاجز بشري قوي على الجسر الذي يربط أوروبا بالعالم القديم ويربطهما معا بالبحر المتوسط بحيث يشكل من هذه المنطقة، وعلى مقربة من قناة السويس قوة عدوة لشعب المنطقة، وصديقة للدول الأوروبية ومصالحها هو التنفيذ العملي العاجل للوسائل والسبل المقترحة".
وقد كان من الوسائل والسبل أيضاً: "العمل على إيجاد التفكيك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة لتلك الدول وخاضعة لسيطرتها وأوصى بشكل خاص على محاربة اتحاد هذه الجماهير العربية أو ارتباطها بأي نوع من أنواع الاتحاد الفكري أو الروحي أو التاريخي وبضرورة إيجاد الوسائل العلمية القوية لفصلها عن بعضها بعض ما استطاع الاستعمار إلى ذلك سبيلاً".

العرب قبل الإسلام
من شدة عشقي لتاريخ أُمتي قبل وبعد الإسلام وأنه مسيرة متصلة لا تنفصل، وأن حاضرنا مبني على ماضينا، وأننا كأمة أصبحنا خارج الفعل والتأثير عالمياً، ولتغيير واقعنا نحن بحاجة لثقافة التاريخ، الوعي بالتاريخ: دروس وعبر وتجارب لاستعادة ثقتنا بأنفسنا كأمة كانت عظيمة قبل الإسلام وبعده، وأنها منذ فجر تاريخها وفضلها الحضاري والإنساني على العالم لا ينكره إلا جاحد أو جاهل، بل هي أصل كل العلوم والحضارة الإنسانية! لذلك سأكتب عن تاريخنا قبل الإسلام الذي أثاره الغرب لتمزيق وحدتنا بحلة مختلفة عن حلة المستشرقين وتلامذتهم المتغربين في وطننا.
اسمحوا لي أن أفتاح هذه الدراسة بجزء من رسالة بتاريخ 2 صفر 1420ه الموافق 17/5/1999م، أرسلتها لأحد الأصدقاء الذين هاجروا إلى الغرب وكان يدعوني للهجرة لحاقاً به، خاصة أن ظروفي في اليمن صعبة ولا يبدو في الأفق ما يوحي بتحسنها، وقد كنت سأترجمها للغة الإنجليزية لكن لضعف لغتي الإنجليزية وطول الرسالة أرسلتها باللغة العربية. وأسأل الله أت تصل الفكرة التي قد لا أحسن التعبير عنها بكلمات أو مقالة:

عزيزي/ ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تستغرب لأنني أكتب إليك باللغة الإنجليزية رغم عدم إجادتي لها! لكنه الزمن زمن التغير في كل شيء، في الشكل والمضمون، زمن الانكسار والانتكاس، زمن الهزيمة المعنوية والنفسية، زمن التبعية الفكرية والحضارية، زمن فقدان الذات والهوية، وتغير معالم الشخصية، إنه زمن التراجع والانحطاط، زمن التغريب والغُربة، إنه زمن سيادة قيم الحضارة الغربية ونماذجها الحضارية. لذلك أكتب لك بلغتك الجديدة، خوفاً أن تكون قد نسيت لغتك الأم! كما نسيت كثير من الأمور إن لم يكن جميعها، ومنها موقف العداء الغربي المطلق في وعيه ولا وعيه للشرق والإسلام بالتحديد، على الرغم من علمهم أن الإسلام خلاف ما يصورونه لأنفسهم ومواطنيهم. اسمح لي يا صديقي العزيز اصطحابك في جولة سريعة لعلاقة الشرق بالغرب، سواء قبل الإسلام أو بعده، لنرى ماذا نجد فيها؟!
بداية أقول: إن هذا الغرب الذي يرى نفسه اليوم أفضل وأرقى من المسلمين وكل شعوب الأرض، وأنه وحده من له الحق في السيادة على العالم، ويرى أن حضارته فقط التي تستحق أن تسود وتنتصر، وأن السيادة على الأرض هي للرجل الأبيض كما قال الفيلسوف الإنجليزي براند راسل منتصف هذا القرن (العشرين)، ومن قبله المؤرخ توماس أرنولد توينبي بدايات القرن، وفرانسيس فوكوياما الياباني الأصل والأمريكي الجنسية في كتابه "نهاية التاريخ"، واليهودي الأمريكي صموئيل هننغتون في كتابه "صدام أو صراع الحضارات والثقافات" نهاية القرن وغيرهم كثيرين.
إن هذا الغرب على كل ما هو عليه من قوة اليوم لا زال يشعر في أعماقه بالخوف وعقدة النقص والدونية تجاه الشرق، لذلك هو يبالغ في سياسته العدوانية وممارساته الإجرامية ضده وخاصة الوطن الإسلامي منه، عله يستطيع سحقه والقضاء عليه حتى يتخلص من شعور الخوف والدونية لديه الذي يطارده. إن الغرب الذي أصله القارة الأوروبية، هذه القارة بداية من اسمها، انتهاءاً بحضارتها مدينة بوجودها للشرق ...
فاسمها كما تروي الأسطورة الأوروبية نفسها في الأصل هو اسم أميرة سورية، فرت من سوريا على إثر صراع حدث بينها وبين أخاها على العرش، وقد فرضت تلك الأميرة سيطرتها على القارة الأوروبية كلها، ولشدة ما كانت تتمتع به من جمال وقوة أطلق اسمها على القارة الأوروبية. أو كما يقول الباحثون الأوربيون أن أصل التسمية يرجع الى الأسطورة اليونانية المأخوذة عن الفينيقيين: أن (أوربا، عوربا، غوربا، اوربا)، أميرة فينيقية، ابنة ملك صور(لبنان)، عندما كانت تتمشى على شاطئ البحر، شاهدها (زيوس، إله اليونان) وانبهر بجمالها، فتنكر على هيئة ثور واختطفها نحو الشواطئ الغربية من البحر المتوسط. وتخليداً لذكرى هذه الأميرة، أطلق الفينيقيون واليونان اسمها على (قارة أوروبا).
وإذا ما تركنا الأسطورة وعدنا إلى حقائق التاريخ، فإن بعض المؤرخين يقول: أن أوروبا مأخوذة من كلمة "الغاربة"، والغاربة في الأصل كلمة عربية تعني الأراضي الواقعة إلى جهة الغرب من بلاد الشام والعراق. أي أن أوروبا في كلتا الحالتين هي كلمة عربية.
كما أن المؤرخين يؤكدون أن أوروبا قبل الإسلام تدين للشرق بالكثير الكثير إن لم يكن بكل شيء، بدء من جزء كبير من سكان جنوب أوروبا والإغريق تحديداً وأصولهم العربية، مروراً معتقداتها الدينية وآلهتها التي عبدتها، وكثير من آرائها الفكرية والفلسفية، إلى كثير من أدوات التقدم الحضاري والمدنية، انتهاءً بـ(النصرانية)، تلك الرسالة السماوية التي اعتنقتها ولم تسلم من وثنيتها وهمجيتها، فكثير من الآلهة اليونانية والرومانية القديمة في الأصل آلهة كنعانية وفينيقية وبابلية ومصرية ... إلخ، أخذتها أوروبا عن الشرق، ونزعت عنها الطابع الشرقي المسالم والموادع وطبعوها بالطابع الغربي الهمجي.
وتذكر أساطيرهم القديمة أن تلك الآلهة الأوروبية قد تعلمت الحكمة من الشرق، وأخذت عنه الكثير عن أسرار الحياة والكون. كما أنه في الوقت الذي كانت فيه أوروبا ودولها منغلقة على نفسها داخل حدودها ضاربة في غياهب العزلة والجهل - كما كان حالها في عصورها الوسطى، عصور الازدهار والتقدم الحضاري الإسلامي - كانت أساطيل الشرق التجارية وخاصة الفينيقية (الكنعانية) تجوب بحار العالم المعروفة آنذاك، ناقلة معها إلى جانب حمولتها التجارية فنون حضارتها الزاهرة والمتقدمة على حضارات العالم القديم، من فن الكتابة والحساب والزراعة والصناعة والفلك ... وغيرها من العلوم والفنون.
وكانت أساطيلهم البحرية تفتح وتكتشف الأراضي والجزر المجهولة، وتقيم فيها المدن وتعمرها وتبعث فيها الحياة وتشيد الحضارات، وذلك بدءاً من ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي مروراً بجزره كلها وصولاً إلى أسبانيا والجزر البريطانية في أقصى الغرب والشمال الغربي، إلى درجة أن بريطانيا هذه تدين باسمها هذا للفينيقيين الذين هم أول من اكتشفها وأطلقوا عليها هذا الاسم الذي يعني في لغتهم "أرض أو بلاد القصدير" لكثرة ما كان فيها من قصدير. كما أن مضيق جبل طارق اليوم قبل أن يعبره القائد المسلم طارق بن زياد ويحمل اسمه بعدها، كان اسمه "مضيق هرقول" نسبة إلى أحد آلهة الكنعانيين "الإله هرقول"، وقد كان على كلا جانبيه نصب تمثالين للإله هرقول. كما أن الفينيقيين اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح قبل أن يكتشفه البرتغاليون بما يزيد على ألف سنة، وفي وقت لم تكن فيه أوروبا تجرؤ على الإبحار أمتاراً فيما كانوا يسمونه "بحر الظلمات" المحيط الأطلسي حالياً.
كما أن كثير من المؤرخين يقولون: أن الكنعانيين ومن بعدهم المسلمون هم أول من اكتشف الأمريكتين، وأن الأوروبيين عندما نزلوا على سواحل أمريكا الجنوبية قد وجدوا صخرة على الشاطئ عليها كتابة كنعانية. وأن علماء الجغرافية والملاحين المسلمون هم الذين ساعدوا الغرب على الوصول وليس اكتشاف رأس الرجاء الصالح أو رأس العواصف كما كان الغرب يسميه، والوصول إلى جزر الهند الشرقية "إندونيسيا والفلبين"، وعلى الوصول إلى الأمريكتين، وذلك بعد سقوط الأندلس.
كما أن الغرب والعالم يدين للشرق والكنعانيين والفينيقيين خاصة في معرفة الحروف الهجائية قبل الإسلام، وبالأرقام الحسابية بعده، وبكثير من معتقداته وأفكاره وآرائه الفلسفية والاجتماعية والإنسانية والعلمية قبل وبعد الإسلام. وكثير لا مجال لحصره هنا مكتوب ومدون في كتب الغرب نفسه القديمة والحديثة بدءً من كتاب المؤرخ الشهير هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد، إلى كتب المؤرخ ول ديورانت وويلز ورالف لينتون حديثاً وغيرهم.
وبعد، إذا ما سألت عن صورة العربي في كتب الغرب التاريخية القديمة قبل الإسلام، وخاصة الفينيقي (الكنعاني) الذي لا ينكر تقدمه العلمي والحضاري وفضله الكبير على الغرب؟ ستجد الإجابة هي الصورة نفسها التي تجدها للإسلام والمسلمين الذين يدمغ فضلهم الغرب في جميع ميادين الحياة والعلم، فقد شوهوا صورة العربي قبل الإسلام ووصفوه بالتخلف والهمجية والقسوة وسوء الطباع والخلق ... إلخ.
إنها عقدة الشعور بالنقص وجحود أهل الفضل فضلهم، إنها عقدة الخوف من أن يستعيد الشرق المسلم قيادة العالم من جديد.
الغرب والإسلام
الغرب وإثارة النعرات الجاهلية (49)
مصطفى إنشاصي
لأن فلسطين هي نقطة الارتكاز في التحالف الذي جرى قبل مائة عام بين المشروع اليهودي – الغربي لم يكتفِ بفصلها عن جسد الأمة والوطن وزرع اليهود فيها، ولكنه سعى أيضاً جهده إلى تجريدها من بُعدها العربي وعمقها الإسلامي، والعالمي، من خلال تسميتها (قضية الشرق الأوسط)، وذلك لتزييف حقيقة وطبيعة الصراع الجاري منذ عقود على أرض فلسطين. فقد غدى المصطلح الدارج في الخطابات الرسمية بين الدول، وفي وسائل الإعلام المحلي والعالمي عند ذكر قضية الأمة المركزية – فلسطين - هو (قضية الشرق الأوسط)! فهل هذا المصطلح يُعبر حقيقة عن مضمون وأبعاد الصراع الذي تمثل فلسطين قلبه وميدانه الرئيس ومركزيته؟!
قضية الأمة لا قضية (الشرق الأوسط)
جاء في موسوعة السياسة تحت هذا المصطلح: أنه "مصطلح غربي (استعماري) كثر استخدامه إبان الحرب العالمية الثانية، وهو يشمل منطقة جغرافية تضم سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والخليج العربي ومصر وتركيا وإيران وتتسع لتشمل أفغانستان وقبرص وليبيا أحيانا.. كما أن للمصطلح دلالة على مركزية أوروبا في العالم وهو (شرق أوسط) لموقعها الجغرافي".
كما يحاول أعداء الأمة والوطن الاستفادة من تعدد الأعراق التي تنتمي لها الشعوب التي يشملها مصطلح (الشرق الأوسط) جغرافياً، للفصل بين تلك الشعوب وقضية (الشرق الأوسط)، التي هي في الأصل قضيتهم المركزية. يقول أبا إيبان: "من الحيوي أن نذكر أن (الشرق الأوسط) والعالم العربي ليس شيئين متساويين أو متطابقين. و(الشرق الأوسط) يسكنه حوالي 60 مليون عربي إذا أخذنا اللغة كأساس و75 مليوناً من غير العرب. وهناك (شرق أوسط) غير عربي يمتد من تركيا وإيران عبر (إسرائيل) إلى أثيوبيا، وإذا وسعنا المنطقة لتشمل أفغانستان وباكستان، فإن ذلك سوف يزيد من وضوح صفة اللا عرب الغالبة على المنطقة ... إن (الشرق الأوسط) لم يكن في الماضي ولا في الحاضر ولا يمكن أن يكون في المستقبل ملكاً خالصاً للعرب".
يقول أحد المختصين اليهود بالشؤون العربية: "(الشرق الأوسط) ليس سوى موزاييك شعوب وثقافات وأنظمة تحكم شعوباً ومجموعات غير راضية. إذا استطاعت (إسرائيل) الاتصال بهذه المجموعات كافة، المعادية للعروبة والإسلامية، فإنها ستتمكن من تفتيت العالم الإسلامي قطعاً".
إذن مصطلح (الشرق الأوسط) مصطلح دخيل وغريب عن تاريخ الأمة والوطن، ولا يعبر عن حقيقة الترابط والنسيج العقائدي والعرقي والاجتماعي والسياسي للمنطقة التي يطلق عليها ذلك المصطلح، وأيا كانت حدود المنطقة التي فرض عليها الغرب مصطلح (الشرق الأوسط)؛ التي تتفاوت حدودها الجغرافية ضيقاً واتساعاً في المفاهيم والمناظير الغربية، بتفاوت مصالح الغرب في وطننا، التي تحكمها ظروف كل مرحلة من مراحل صراعه مع أمتنا للسيطرة والهيمنة على ثرواتنا، وتدمير مقومات قوتنا، ودفاعاتنا، التي نستمدها من عقيدتنا وديننا وتاريخنا. فإن مصطلح (الشرق الأوسط) يقصد به في المفاهيم الغربية وطننا الإسلامي، الذي يشكل فيه الجزء العربي المركز والثقل، ويبقى سكانه العرب هم مادة الإسلام وحملته الأوائل، وبهم يصلح حال الأمة أو يفسد. وبلادهم هي مخزون العالم الإستراتيجي، من الثروات المختلفة، وعلى رأسها البترول والغاز الطبيعي، وهي حلقة الوصل بين قارات العالم القديم، وذات الموقع الجغرافي والإستراتيجي المتقدم، الذي يسيطر على كل شرايين المواصلات العالمية البرية والجوية والبحرية في العالم، هذا الوطن الذي من أجل تفتيته إلى وحدات متعددة ومتنافرة، وفصل شقه الشرقي عن شقه الغربي، تم التحالف بين المشروع اليهودي الصهيوني والمشروع الغربي الصليبي بدايات القرن الماضي، والاتفاق بينهما على زرع كيان العدو الصهيوني في قلب الأمة والوطن، فلسطين.
أما مصطلح قضية (الشرق الأوسط)؛ فقد جاء تحت هذا المصطلح في موسوعة السياسة: أنه "ترجمة تعبير غربي يرتبط بتعبير آخر هو (أزمة الشرق الأوسط) يقصد من استخدامه تمويه حقيقة الصراع في المنطقة العربية من جهة، وإجمال عدة مسائل متشابكة في وسائل متشابكة في تعبير واحد من جهة أخرى، فاستخدام تعبير (الشرق الأوسط) يرمي إلى نفي الطابع العربي عن المنطقة، وكلمة قضية في هذا المجال تشير إلى:
أ‌) القضية الفلسطينية.
ب‌) الصراع العربي- الصهيوني.
ت‌) وجود (إسرائيل) والنتائج المترتبة على هذا الوجود والحروب التي سببتها.
ث‌) العامل الدولي.
ج‌) التسويات المطروحة.
وتستخدم هذا المصطلح وزارت الخارجية ووكالات الأنباء في الغرب.
بناءً على ما تقدم فإن مصطلح (الشرق الأوسط) المقصود به الوطن الإسلامي، وقضية أو (أزمة الشرق الأوسط) المقصود بها فلسطين، وإن استخدام هذه المصطلحات له أهداف وأبعاد خطيرة على حاضر ومستقبل الأمة والوطن، فمصطلح (الشرق الأوسط) يهدف إلى تجريد الوطن من هويته وانتمائه العربي والإسلامي.
ومصطلح قضية (الشرق الأوسط) يهدف إلى تجريد قضية الأمة المركزية من هويتها وبعدها العربي والإسلامي، في محاولة لعزل الجماهير الفلسطينية عن عمقها العربي والإسلامي.

فلسطين سايكس – بيكو، الانتدابية، لا التاريخية!
في العقود الأخيرة خاصة بعد توقيع اتفاق أوسلو كثر استخدام مصطلح (فلسطين تاريخياً)، والبعض يبرر استخدامه مصطلح (فلسطين التاريخية) من أجل الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية في حدود تلك الحدود وإبطال مزاعم الرواية الصهيونية! برأي أن ذلك يخدم الرواية الصهيونية ولا يضعفها، ويضيفِ عليها شرعية تاريخية ويضعف الرواية الفلسطينية، ويفصل فلسطين جغرافياً وتاريخياً وعرقياً ودينياً وثقافياً عن عمقها ومحيطها التاريخي العربي قديماً، واﻹسلامي حالياً، ويختزلها من قضية أمة إلى قضية شعب.
مصطلح فلسطين تاريخياً كان يطلق على إقليم إداري وليس على أرض ومساحة جغرافية لشعب بعينه، وقد المؤرخ الإغريقي هيرودوت في كتابه "التاريخ" كأحد أقاليم الدولة الفارسية، ويطلق على المنطقة من جنوب دمشق إلى صحراء سيناء، وبقيت مساحة فلسطين كإقليم إداري تضيق وتتسع جغرافياً من فترة ﻷخرى، ومن إمبراطورية لأخرى! كما أن هيرودوت أول من أطلقه على جنوب فلسطين الحالية من يافا إلى غزة نسبة إلى قبيلة أو قبائل بلست التي سكنت ذلك الجزء بعد عودتها إلى موطنها الأصلي الذي هاجرت منه إلى جزيرة كريت فبل قرون طويلة، مع يُرف باسم غزوات قبائل البحر.
أما مصطلح (فلسطين التاريخية) الذي يستعمله كثير من الكتاب فهو مصطلح حديث مصطنع يحمل مضامين دينية ومزاعم تاريخية كاذبة مزورة ويخدم أهداف معادية للأمة والوطن، لأنه يشير إلى فلسطين التي رسمت حدودها اتفاقية (سايكس – بيكو) عام 1916، أو فلسطين (الانتدابية) نسبة إلى قرار عصبة الأمم عام 1922 الذي وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني. واستخدامه يضفي شرعية عالمية على صحة مزاعم العدو الصهيوني ومطالبه، بأنها تعني:
(فلسطين التوراتية)، (أرض الميعاد)، (الأرض الموعودة) لليهود، (وطن اليهود التاريخي)، حدود دولتهم (اليهودية التاريخية) المزعومة، دولة داود وسليمان عليهما السلام، التي يزعمون أنها أول دولة أنشئت في فلسطين وعمرتها وأنشأت فيها أول حضارة في العالم أعطت وعلمت العالم القيم الحضارة والأخلاق اﻹنسانية!
وقد اشترط نتنياهو على السلطة عام 2009 - 2010 للعودة لطاولة المفاوضان أن يعترف الفلسطينيين بـ(العلاقة التاريخية) بين (الشعب اليهودي) و(أرضه التاريخية). أي فلسطين سايكس – بيكو!
كما أن أكثر رؤساء وزراء العدو الصهيوني زعموا في لقاءات إعلامية متنوعة أن فلسطين والقدس الموحدة عاصمة دولتهم التاريخية منذ إنشاءها قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وهم يقيمون فيها ولم تنقطع صلتهم بها.
يعني أنك توافق على قانون القومية اليهودية، أي (دولة يهودية) لا تقبل بغير اليهود داخل حدودها، يعنى من حقها أن تُرحيل كل الفلسطينيين للحفاظ على نقاءها العرقي كما أمرت التوراة.
المصطلح ليس فقط يضفي شرعية على المزاعم الصهيونية بل ويعتبر اختراق للعقل الفلسطيني والعربي والمسلم.
هل كان هذا الجزء المعروف اليوم باسم فلسطين يوماً جزءً مستقلاً أو منفصلاً جغرافياً أو تاريخياً أو ثقافياً أو حضارياً أو عرقياً عن محيطه الجغرافي والسكاني؟ أم أنه كان جزءً من وحدة كلية تجمع دول المنطقة العربية كلها؟ ما أحوجنا في هذا العصر الذي تفرق فيه (الشعب العربي) ذي الأصل العرقي الواحد إلى قبائل وشعوب، وتمزق وتشتت الوطن الواحد إلى أوطان وكيانات فسيفسائية، أُنشئت على أسس وتقسيمات ونعرات إقليمية؛ من صنع مستشرقي وعلماء الآثار الغربيين من اليهود والنصارى الذين كانوا يضعون المخططات اليهودية - الصليبية لتمزيق الأمة والوطن كأحد أهم أهداف وغايات عمليات تنقيبهم ودراساتهم عن آثار القبائل العربية التي عمرت وسكنت الوطن العربي.
سنحاول كتابة تاريخ فلسطين كوحدة متصلة بالهلال الخصيب الذي هو جزء من الجزيرة العربية...
الغرب والإسلام
تاريخ أوروبا العربي (50)
مصطفى إنشاصي
هل سمعت أو قرأت يوما أن أصول الإغريق والرومان وغيرهما من سكان جنوب أوروبا أنهم عربا، وأن لغتهم كانت العربية، وأن الغرب زور تاريخهم العربي ونسبه لنفسه؟! سأحدثك عن ذلك التاريخ العريق في حلقات من خلال قراءة بعض الكتب التي تحدثت عن ذلك وأبدأ ب:

قراءة في كتاب "مدينة إيزيس التاريخ الحقيقي للعرب"
افتتح المؤرخ الفرنسي الشهير المحب للعرب والحضارة العربية بيير روسي ترجمته الخاصة بالنسخة العربية لكتابه "مدينة إيزيس التاريخ الحقيقي للعرب" بالقول: "لقد آن الآوان الذي ينبغي للعالم الشرقي أن يبدأ في اكتشاف حقيقة تاريخه وثقافته اللتين، لولاهما، لغدا الغرب فارغاً. ولقد أتى على الناس حين من الدهر كانت مدارس الغرب، وجامعاته قد خفضت فيه، مخطط، القيمة الواسعة لحضارة امتدت عدة آلاف من السنين بين نهري السند والراين وجبال البيرينه، رغبة منها في تمجيد أثينا وروما، في حين كانت هتان العاصمتان قد أنشأهما الشرق، وسكنهما الشرق، وعلمتهما وكونت ثقافتهما الأنهار، والمدن كممفيس، وبابل ونينوى وبعلبك وقرطاجة، التي أصبح العرب اليوم ورثتها الحقيقيين".
المعنى لمن لم تصله الفكرة: أن أثينا وروما وما نسبه لهما الغرب من علم وحضارة لم يكونا وقتها عاصمة أمبراطوريات أوروبية لكنهما كانتا ولايات أو دولة عربية، وسياتي معنا أنهما كانا وغيرهما تسكنهما وقبائل عربية، ويتحدثون اللغة العربية سواء كانت اللهجة الكنعانية أو الآرامية. وذلك ما يؤكده بالقول:
والحقيقة أن أثينة وروما ليسا سوى انعكاساً للحضارة العربية الكبرى التي بسطت منذ فجر التاريخ معرفتها وآداب سلوكها على الأرض من الهند إلى التاج، ومن النيل الأزرق إلى بحر البلطيق: "إننا حين نعيد إلى أسيا، وإلى الوطن العربي الواسع مكانتهما الحقيقية، فإننا وعندما نؤكد بشرف على إبراز دورهما في إعداد ثقافتنا فإنما نتمنى، من وراء العتبات الآثينية والرومانية، إعادة صلات القربى التي ضمت أوروبا إلى مجموعة واحدة من المساحات التي كانت أوسع مما نتصور، وحيث سنقرأ هناك ـ بشكل أجود ـ جميع سطور مستقبلها. إن أوروبا ليست مركز العالم ولا مرآة العاهل الفاضل. ذلك أنها لا تمثل، وهي ابنة الشرق الآسيوي الإفريقي، وفي محيط الزمان والمكان هذا، سوى منطقة تتمرس وتتدرب فيها قوى كانت تجذبها، فثلما كان القياصرة يتدربون ذات يوم، لكن الأحكام المسبقة تبقى، وتعليماً مذهبياً يزيف آراءنا وأحكامنا".
يقصد بالأحكام المسبقة التزوير الذي أحدثه الغرب بقطع علاقتهما مع جذورهما العربية، وزعموا أنهما من فحر تاريخهما أوروبيتان وأنهما أصل علوم العالم وحضارته (المعجزة الإغريقية)! ويضيف في إنصافه للعرب وفضل حضارتهم على الغرب:
"إن العالم العربي هو الذي أعطى روحنا الغربية طموحها الشرقي الذي لم تكن لتستطيع من دونه تحديد هويتها أو الاستقرار ضمن انسجامها الخاص". لذلك يرى إنه "لخطأ فادح القول الذي يدعي أن الاسكندر أو بومبي أو قيصر قد احتلوا، أو بالأحرى قد حضّروا، الأرض المتوسطة والآسيوية الشاسعة التي تتحدث عنها كتب تاريخ الغرب، كما أن من الخطأ الفادح أن يكون أرسطو أو أفلاطون قد أثرا في الفكر العربي، هي على العكس من ذلك".
وبعد أن ثبت لدى علماء الغرب أن النهضة العربية قد رافقت نهضة الحقيقة، ذلك ما دفع الجهاز الجامعي الأوروبي إلى تزوير الحقيقة التاريخية، وتزوير التاريخ كله لجعل الشرق العربي تلميذاً للغرب مناقضين الحقيقة التاريخية أن الغرب هو تلميذ العرب، "كما لو أنها جعلت منبع النهر مصبه ونهايته".
وقد وضع الغرب نظريته المقدسة عن العرب التي تجعل من العربي شخصية صحراوية انبثقت من التاريخ في وقت غير محدد ولا معروف، فقد كتبت دائرة معارف الإسلام الغربية: "إن عهود العرب الأولى في التاريخ غامضة جداً، إننا لا نعرف من أين أتوا ولا ما هو وجودهم البدائي". وقد تم تعميم تلك النظرية عالمياً كحقيقة علمية تدرس في بلادنا العربية والإسلامية كما تدرس في الغرب وبقية العالم: "إننا نعتقد أن دروس التاريخ، التي نُعطيها في مدارسنا، مطابقة لتلك الدروس التي تُعلمها القاهرة وطهران وكابول وكلكتا. وليست هذه الحقيقة، ذلك أننا لم نقم الدليل ذات يوم على صحة ادعاءاتنا في تعليم الأمم غير الأوروبية".
... يتبع
الغرب والإسلام
تاريخ أوروبا العربي (51)
مصطفى إنشاصي
هل سمعت أو قرأت يوما أن أصول الإغريق والرومان وغيرهما من سكان جنوب أوروبا أنهم عربا، وأن لغتهم كانت العربية، وأن الغرب زور تاريخهم العربي ونسبه لنفسه؟! سأحدثك عن ذلك التاريخ العريق في حلقات من خلال قراءة بعض الكتب التي تحدثت عن ذلك وأبدأ ب:

قراءة في كتاب "مدينة إيزيس التاريخ الحقيقي للعرب"
افتتح المؤرخ الفرنسي الشهير المحب للعرب والحضارة العربية بيير روسي ترجمته الخاصة بالنسخة العربية لكتابه "مدينة إيزيس التاريخ الحقيقي للعرب" بالقول: "لقد آن الآوان الذي ينبغي للعالم الشرقي أن يبدأ في اكتشاف حقيقة تاريخه وثقافته اللتين، لولاهما، لغدا الغرب فارغاً. ولقد أتى على الناس حين من الدهر كانت مدارس الغرب، وجامعاته قد خفضت فيه، مخطط، القيمة الواسعة لحضارة امتدت عدة آلاف من السنين بين نهري السند والراين وجبال البيرينه، رغبة منها في تمجيد أثينا وروما، في حين كانت هتان العاصمتان قد أنشأهما الشرق، وسكنهما الشرق، وعلمتهما وكونت ثقافتهما الأنهار، والمدن كممفيس، وبابل ونينوى وبعلبك وقرطاجة، التي أصبح العرب اليوم ورثتها الحقيقيين".
المعنى لمن لم تصله الفكرة: أن أثينا وروما وما نسبه لهما الغرب من علم وحضارة لم يكونا وقتها عاصمة أمبراطوريات أوروبية لكنهما كانتا ولايات أو دولة عربية، وسياتي معنا أنهما كانا وغيرهما تسكنهما وقبائل عربية، ويتحدثون اللغة العربية سواء كانت اللهجة الكنعانية أو الآرامية. وذلك ما يؤكده بالقول:
والحقيقة أن أثينة وروما ليسا سوى انعكاساً للحضارة العربية الكبرى التي بسطت منذ فجر التاريخ معرفتها وآداب سلوكها على الأرض من الهند إلى التاج، ومن النيل الأزرق إلى بحر البلطيق: "إننا حين نعيد إلى أسيا، وإلى الوطن العربي الواسع مكانتهما الحقيقية، فإننا وعندما نؤكد بشرف على إبراز دورهما في إعداد ثقافتنا فإنما نتمنى، من وراء العتبات الآثينية والرومانية، إعادة صلات القربى التي ضمت أوروبا إلى مجموعة واحدة من المساحات التي كانت أوسع مما نتصور، وحيث سنقرأ هناك ـ بشكل أجود ـ جميع سطور مستقبلها. إن أوروبا ليست مركز العالم ولا مرآة العاهل الفاضل. ذلك أنها لا تمثل، وهي ابنة الشرق الآسيوي الإفريقي، وفي محيط الزمان والمكان هذا، سوى منطقة تتمرس وتتدرب فيها قوى كانت تجذبها، فثلما كان القياصرة يتدربون ذات يوم، لكن الأحكام المسبقة تبقى، وتعليماً مذهبياً يزيف آراءنا وأحكامنا".
يقصد بالأحكام المسبقة التزوير الذي أحدثه الغرب بقطع علاقتهما مع جذورهما العربية، وزعموا أنهما من فحر تاريخهما أوروبيتان وأنهما أصل علوم العالم وحضارته (المعجزة الإغريقية)! ويضيف في إنصافه للعرب وفضل حضارتهم على الغرب:
"إن العالم العربي هو الذي أعطى روحنا الغربية طموحها الشرقي الذي لم تكن لتستطيع من دونه تحديد هويتها أو الاستقرار ضمن انسجامها الخاص". لذلك يرى إنه "لخطأ فادح القول الذي يدعي أن الاسكندر أو بومبي أو قيصر قد احتلوا، أو بالأحرى قد حضّروا، الأرض المتوسطة والآسيوية الشاسعة التي تتحدث عنها كتب تاريخ الغرب، كما أن من الخطأ الفادح أن يكون أرسطو أو أفلاطون قد أثرا في الفكر العربي، هي على العكس من ذلك".
وبعد أن ثبت لدى علماء الغرب أن النهضة العربية قد رافقت نهضة الحقيقة، ذلك ما دفع الجهاز الجامعي الأوروبي إلى تزوير الحقيقة التاريخية، وتزوير التاريخ كله لجعل الشرق العربي تلميذاً للغرب مناقضين الحقيقة التاريخية أن الغرب هو تلميذ العرب، "كما لو أنها جعلت منبع النهر مصبه ونهايته".
وقد وضع الغرب نظريته المقدسة عن العرب التي تجعل من العربي شخصية صحراوية انبثقت من التاريخ في وقت غير محدد ولا معروف، فقد كتبت دائرة معارف الإسلام الغربية: "إن عهود العرب الأولى في التاريخ غامضة جداً، إننا لا نعرف من أين أتوا ولا ما هو وجودهم البدائي". وقد تم تعميم تلك النظرية عالمياً كحقيقة علمية تدرس في بلادنا العربية والإسلامية كما تدرس في الغرب وبقية العالم: "إننا نعتقد أن دروس التاريخ، التي نُعطيها في مدارسنا، مطابقة لتلك الدروس التي تُعلمها القاهرة وطهران وكابول وكلكتا. وليست هذه الحقيقة، ذلك أننا لم نقم الدليل ذات يوم على صحة ادعاءاتنا في تعليم الأمم غير الأوروبية".
... يتبع
الغرب والإسلام
زور الغرب تاريخ أوروبا العربي والعالم مستندا لمثيولوجيا التوراة (52)
مصطفى إنشاصي
في الحلقة السابقة تحدثنا عن الأسباب التي دفعت الغرب لتزوير تاريخ أوروبا الغربي، وتتزامن هذه الحلقة مع ذكرى النكبة 15/5/1948 وضياع فلسطين وإقامة كيان العدو الصهيوني على أرضها مستندين إلى المثيولوجيا التوراتية نفسها، علما أن الثابت القطعي أن التوراة هي مجموع ميثولوجيات وأساطير العالم القديم بكل خرافاتها، وأنها لا تصلح لا كتاب دين، ولا مرجع تاريخي، لكنه الحقد الغربي الذي وجد ضالته في التوراة ليحقق تحذير المولى عز وجل الأمة من خطر الموالاة والتحالف بين اليهود والنصارى ضد الإسلام وأمته: "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود النصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض".

خرافة العالم الالماني شلوتسر وكذبة السامية
بداية المؤامرة الغربية الحديثة وجدت ضالته لتزوير ذلك التاريخ العربي الحقيقي في الخرافة التي صاغها العالم الألماني أ. ل. شلوتسر عام 1781 في كتابه (فهرس الأدب الشرقي) وكأن الأدب التوراتي ليس شرقياً... "، وأصبغها بالصبغة العلمية والعلمية منها براء، "والواقع أنه انطلاقاً من الوثائق والمصادر والمواد التي كانت تحت يد العالم، يبدو أن من المستحيل البرهان على وجود شعوب سامية وآرية، وبالأحرى إعطاء الفروق الخاصة بينها، كما أنه يبدو كذلك خاطئاً في منطلقاته كما هو خاطئاً في عرضه ووقائعه"
ويؤكد عدم صحة أو علمية ما زعمه شلوتسر لأن (سام بن نوح وأخوته) شخصية أسطورية وليست حقيقة تاريخية: "بيد أنه لا شيء في ميدان الحقيقة يفرض تمييزاً سليماً أو مريباً بين (الآريين) و(الساميين). إن التعبير الأول من التعبيرين اختراع بسيط وصاف، أما الثاني فهو تعبير منطقي جديد مشتق من سام بن نوح، وهو شخصية أسطورية، يضاف إلى هذا أننا، من أجل احترام التراث التوراتي، ينبغي أن نقول (اليافثيون) وليس (الآريون)، لأن (يافث) من أبناء نوح الثلاثة وهو الذي نسل اليونانيين، والأناضوليين، وأقارب الأوروبيين فبأية غفلة لا تغتفر تقدمت مدرستنا العلمية في ميدان ليس فيه شيء من الثبات والصحة". ِ
ويعتبر بيير روسي ذلك التمييز بين الآريين والساميين المصطنع هو تفرقة لا تنسجم مع الحقيقة التي ستر عيوبها الغرب بالخرافة التوراتية (نظرية شلوتسر عن أصل الشعوب واللغات السامية)، لأن "الشرق والغرب ليسا أبداً ميدانيين متناقضين، فالإغريق شرقيون، والرومانيون يعترفون بأنهم أبناء أينيوس وهو أبوهم الإغريقي. إن الجذور الصوتية والخطوط هي من هذه النقطة مربوط بعضها ببعضها الآخر ...". كما "أن تعبير (سامي) لم يرد له ذكر بين مفردات اللغة الإغريقية أو اللاتينية؟".
وقد ثبت أن حقيقة موطن الشرقيين العرب (الساميين) هو الجزيرة العربية: "لقد سجل حديثاً أن جزيرة العرب المركزية كانت مهد الساميين. لقد كان الساميون الذين بقوا في جزيرة العرب أجداد الشعب العربي. وهؤلاء الذين استقروا في الفرات الأدنى وتألقوا وانتشروا في آسيا الغربية كانوا الآشوريين والـ... والإسرائيليين".
وبناءً على تلك الحقيقة الثابتة بدلاً من كلامنا عن الساميين الأبطال المختلقين من أصل خيالي الأصح "لو أننا تكلمنا عن العرب، ذلكم الشعب الحقيقي والذي يمتلك وجوداً اجتماعياً مستمراً، وجوداً ثقافياً ولغوياً يعطي حياة وتوازناً لهذا البحر المتوسط منذ عدة آلاف من السنوات. وإن الأبنية الأثرية قائمة هناك لكي تشهد وتثبت وتقرر أن الحضارة، التي هي حضارتنا، قد ولدت وازدهرت وتفجرت في أرض تمتد بين النيل ونهر السند، بين القوقاز ومضيق باب المندب. وأن أربعة من الدول قد اقتطعت من إمبراطورية عاشت طويلاً: إنها دولة المصريين، والسوريين الكنعانيين، والإغريق الحثيين، والبابليين. إن لغة واحدة مكتوبة ومتخاطب بها قد انتهت إلى فرض نفسها وتغطية هذا المجموع الكبير: إنها اللغة الآرامية والإغريقية تابعتها الملحقة بها التي تقترب كل منهما من الأخرى بصورة دقيقة، ثم تطورت الآرامية منذئذ طبيعيا، ودون معارضة، إلى اللغة العربية التي وجدت نفسها منذ ذلك الحين وارثة الماضي المصري والكنعاني والحثي والبابلي. ها هو ذا المعيار الدقيق للثقافة العربية، أُم الثقافة الهيلينستية والموحية بها والتي صاغت وشكلت عقلها وقوانينها. إن العرب والإغريق يتواصلون ويتوالون لإعطاءنا ما نسميه (الحضارة) التي هي، شرقية مقدار ما هي غربية، وسامية بمقدار ما هي آرية، على أنها واحدة ولا تتجزأ في جميع أقسامها، سواء كانت روحية أو مادية".الغرب والإسلام
زور الغرب تاريخ أوروبا العربي والعالم مستندا لمثيولوجيا التوراة (52)
مصطفى إنشاصي
في الحلقة السابقة تحدثنا عن الأسباب التي دفعت الغرب لتزوير تاريخ أوروبا الغربي، وتتزامن هذه الحلقة مع ذكرى النكبة 15/5/1948 وضياع فلسطين وإقامة كيان العدو الصهيوني على أرضها مستندين إلى المثيولوجيا التوراتية نفسها، علما أن الثابت القطعي أن التوراة هي مجموع ميثولوجيات وأساطير العالم القديم بكل خرافاتها، وأنها لا
تصلح لا كتاب دين، ولا مرجع تاريخي، لكنه الحقد الغربي الذي وجد ضالته في التوراة ليحقق تحذير المولى عز وجل الأمة من خطر الموالاة والتحالف بين اليهود والنصارى ضد الإسلام وأمته: "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود النصارى أولياء. بعضهم أولياء بعض".

خرافة العالم الالماني شلوتسر وكذبة السامية
بداية المؤامرة الغربية الحديثة وجدت ضالته لتزوير ذلك التاريخ العربي الحقيقي في الخرافة التي صاغها العالم الألماني أ. ل. شلوتسر عام 1781 في كتابه (فهرس الأدب الشرقي) وكأن الأدب التوراتي ليس شرقياً... "، وأصبغها بالصبغة العلمية والعلمية منها براء، "والواقع أنه انطلاقاً من الوثائق والمصادر والمواد التي كانت تحت يد العالم، يبدو أن من المستحيل البرهان على وجود شعوب سامية وآرية، وبالأحرى إعطاء الفروق الخاصة بينها، كما أنه يبدو كذلك خاطئاً في منطلقاته كما هو خاطئاً في عرضه ووقائعه"
ويؤكد عدم صحة أو علمية ما زعمه شلوتسر لأن (سام بن نوح وأخوته) شخصية أسطورية وليست حقيقة تاريخية: "بيد أنه لا شيء في ميدان الحقيقة يفرض تمييزاً سليماً أو مريباً بين (الآريين) و(الساميين). إن التعبير الأول من التعبيرين اختراع بسيط وصاف، أما الثاني فهو تعبير منطقي جديد مشتق من سام بن نوح، وهو شخصية أسطورية، يضاف إلى هذا أننا، من أجل احترام التراث التوراتي، ينبغي أن نقول (اليافثيون) وليس (الآريون)، لأن (يافث) من أبناء نوح الثلاثة وهو الذي نسل اليونانيين، والأناضوليين، وأقارب الأوروبيين فبأية غفلة لا تغتفر تقدمت مدرستنا العلمية في ميدان ليس فيه شيء من الثبات والصحة". ِ
ويعتبر بيير روسي ذلك التمييز بين الآريين والساميين المصطنع هو تفرقة لا تنسجم مع الحقيقة التي ستر عيوبها الغرب بالخرافة التوراتية (نظرية شلوتسر عن أصل الشعوب واللغات السامية)، لأن "الشرق والغرب ليسا أبداً ميدانيين متناقضين، فالإغريق شرقيون، والرومانيون يعترفون بأنهم أبناء أينيوس وهو أبوهم الإغريقي. إن الجذور الصوتية والخطوط هي من هذه النقطة مربوط بعضها ببعضها الآخر ...". كما "أن تعبير (سامي) لم يرد له ذكر بين مفردات اللغة الإغريقية أو اللاتينية؟".
وقد ثبت أن حقيقة موطن الشرقيين العرب (الساميين) هو الجزيرة العربية: "لقد سجل حديثاً أن جزيرة العرب المركزية كانت مهد الساميين. لقد كان الساميون الذين بقوا في جزيرة العرب أجداد الشعب العربي. وهؤلاء الذين استقروا في الفرات الأدنى وتألقوا وانتشروا في آسيا الغربية كانوا الآشوريين والـ... والإسرائيليين".
وبناءً على تلك الحقيقة الثابتة بدلاً من كلامنا عن الساميين الأبطال المختلقين من أصل خيالي الأصح "لو أننا تكلمنا عن العرب، ذلكم الشعب الحقيقي والذي يمتلك وجوداً اجتماعياً مستمراً، وجوداً ثقافياً ولغوياً يعطي حياة وتوازناً لهذا البحر المتوسط منذ عدة آلاف من السنوات. وإن الأبنية الأثرية قائمة هناك لكي تشهد وتثبت وتقرر أن الحضارة، التي هي حضارتنا، قد ولدت وازدهرت وتفجرت في أرض تمتد بين النيل ونهر السند، بين القوقاز ومضيق باب المندب. وأن أربعة من الدول قد اقتطعت من إمبراطورية عاشت طويلاً: إنها دولة المصريين، والسوريين الكنعانيين، والإغريق الحثيين، والبابليين. إن لغة واحدة مكتوبة ومتخاطب بها قد انتهت إلى فرض نفسها وتغطية هذا المجموع الكبير: إنها اللغة الآرامية والإغريقية تابعتها الملحقة بها التي تقترب كل منهما من الأخرى بصورة دقيقة، ثم تطورت الآرامية منذئذ طبيعيا، ودون معارضة، إلى اللغة العربية التي وجدت نفسها منذ ذلك الحين وارثة الماضي المصري والكنعاني والحثي والبابلي. ها هو ذا المعيار الدقيق للثقافة العربية، أُم الثقافة الهيلينستية والموحية بها والتي صاغت وشكلت عقلها وقوانينها. إن العرب والإغريق يتواصلون ويتوالون لإعطاءنا ما نسميه (الحضارة) التي هي، شرقية مقدار ما هي غربية، وسامية بمقدار ما هي آرية، على أنها واحدة ولا تتجزأ في جميع أقسامها، سواء كانت روحية أو مادية".
HTML Embed Code:
2024/06/02 09:16:55
Back to Top