TG Telegram Group & Channel
قناة طلال الحسّان. | United States America (US)
Create: Update:

مدرسة الليل 🌧️🌱

ما أجمل وصية ذلك الرجل الصالح لابنه حينما قال له: " يا بنيّ، إنك لن تكون شيئًا حتى تكون لك أنّةٌ في الأسحار، ودمعةٌ بين يدي العزيز الجبار".


نعم، فما ترقى أحدٌ في معارج الإيمان، ولا بلغ ذُروة الكمال، إلا وقد خاض غمار الليل، وسجد حين هجَع النُّوَّام، وناجى ربَّه في سكون الأنام.

إن الليل هو موضع السر من القلب، ومهبط الرحمة، ومستودع نجوى الأولياء، ففي جوف الليل مائدة السماوات، لا يأوي إليها إلا من كان له عند الله سرٌّ.

وقيام الليل، هو غسل النفس من أدران النهار، وهو كفّارة الذنب الجاثم على القلب، وهو الميدان الذي تُعرف فيه مراتب القرب، وتُوزن فيه منازل العارفين. وقد كانوا يستدلّون على محبة الله لعبده، بتوفيقه لقيام الليل، حتى جاء في بعض الآثار أن الله ينادي كل ليلة: "يا جبريل، أقم فلانًا وأَنِم فلانًا".

والليل هو الميدان الذي يُبتلى فيه الصادقون، ويُفرز فيه المخلصون، وتُنسج فيه حبال القُرب بين العبد ومولاه. ولذا كان قيام الليل، مغتسلٌ باردٌ يطفئ جمرات الذنب، ومسلكٌ وضيءٌ يسلكه أرباب العزائم، ومفتاحٌ من مفاتيح القرب، لا يحمله إلا من طهّر قلبه من الرِّياء، وملأه بالرجاء والخشية واليقين.

كم من عبدٍ سجد في الليلِ، فاستيقظ على بشارةٍ من السماء، فيها إجابة ذلك الدعاء، وتحققُ تلك الأمنية التي ناجى الله بها في ظلمته وخلوته.

فهنا المحاريبٌ التي تصنع الرجال، والمقامات التي تُسكب لأجلها العبرات، يا لها من ركعات يسيرة لكنها عند الله عزيزة؛ تهز أبواب السماء حتى تُفتح، وتنقلك من مقام إلى مقام حتى يُقال لك: قد أوتيتَ سُؤلك.

ومن ثبت في ظلمة الليل ساجدًا، أثبته الله في فتن النهار قائمًا، وكيف يقدر الشيطان على قلبٍ قد بكى بين يدي مولاه، وسكب عند عتبته خطاياه، وأحاط إيمانه بسور نفحات الأسحار؟

أجل، إن قيام الليل ليس عملاً يُؤدَّى، ووِردًا يُقضى، بل هو منزلةٌ يُرتقى إليها، فمتى وفّقك الله للقيام، فقد أهدى إليك مفتاح القرب، فإياك أن تُغلقه بمعاصيك. سئل الحسنَ أقوامٌ أنهم لم يستطيعوا قيام الليل كما كانوا، فقال: "قيَّدتكم الذنوب".
هو جزاءُ النهار للصالحين، ومكافأةُ الطاعة للمؤمنين، قال سليمان الداراني: "من أحسن في نهاره، كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله، كوفئ في نهاره".

وفي ثلث الليل الأخير، ساعةً يفيض فيها الله على عباده من جوده، ويقرّبهم من فضله، ويناديهم نداء الحُب والمغفرة، فطوبى لمن سمع النداء، فأجابه قلبه قبل أذنه، وسجدت جوارحه قبل أن تنهض قدماه.

فأشرف الخلوات، وأسمى المجالس، وأرفع المقامات، هي تلك التي ينفرد فيها العبد بمولاه، يناجيه بمقلةٍ دامعة، وقلبٍ خاشع، ولسانٍ ذاكر.

أتعلم أن خلوتك بربك في الثلث الأخير أعظم من ألف حضور في المجامع. وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك، فذاك هو الوقت الذي يأذن فيه الملوك لأحبتهم للخلوة بهم، أما أهل الغفلة والمخالفة فليسوا لهذا المقام بأهل، فما يؤهَّل أهل القرب لخلوة الملوك إلا إذا أخلصوا ودّهم، وصدقوا في صحبتهم، كما قال ابن رجب: "فما يؤهّل الملوك للخلوة بهم إلا من أخلص في ودّهم، وأما من كان من أهل المخالفة فلا يؤهّلونه".


أما إني والله لست من أهل ما سبق، ولكن لا أجمع على نفسي التركين؛ ترك العمل وترك التذكير به. فكم من ناصحٍ ينسج الثوبَ لغيره، وثيابه تمزّقها المعصية!

أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لِذِي عُقُمِ

أَمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به
وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ: اسْتَقِمِ.

مدرسة الليل 🌧️🌱

ما أجمل وصية ذلك الرجل الصالح لابنه حينما قال له: " يا بنيّ، إنك لن تكون شيئًا حتى تكون لك أنّةٌ في الأسحار، ودمعةٌ بين يدي العزيز الجبار".


نعم، فما ترقى أحدٌ في معارج الإيمان، ولا بلغ ذُروة الكمال، إلا وقد خاض غمار الليل، وسجد حين هجَع النُّوَّام، وناجى ربَّه في سكون الأنام.

إن الليل هو موضع السر من القلب، ومهبط الرحمة، ومستودع نجوى الأولياء، ففي جوف الليل مائدة السماوات، لا يأوي إليها إلا من كان له عند الله سرٌّ.

وقيام الليل، هو غسل النفس من أدران النهار، وهو كفّارة الذنب الجاثم على القلب، وهو الميدان الذي تُعرف فيه مراتب القرب، وتُوزن فيه منازل العارفين. وقد كانوا يستدلّون على محبة الله لعبده، بتوفيقه لقيام الليل، حتى جاء في بعض الآثار أن الله ينادي كل ليلة: "يا جبريل، أقم فلانًا وأَنِم فلانًا".

والليل هو الميدان الذي يُبتلى فيه الصادقون، ويُفرز فيه المخلصون، وتُنسج فيه حبال القُرب بين العبد ومولاه. ولذا كان قيام الليل، مغتسلٌ باردٌ يطفئ جمرات الذنب، ومسلكٌ وضيءٌ يسلكه أرباب العزائم، ومفتاحٌ من مفاتيح القرب، لا يحمله إلا من طهّر قلبه من الرِّياء، وملأه بالرجاء والخشية واليقين.

كم من عبدٍ سجد في الليلِ، فاستيقظ على بشارةٍ من السماء، فيها إجابة ذلك الدعاء، وتحققُ تلك الأمنية التي ناجى الله بها في ظلمته وخلوته.

فهنا المحاريبٌ التي تصنع الرجال، والمقامات التي تُسكب لأجلها العبرات، يا لها من ركعات يسيرة لكنها عند الله عزيزة؛ تهز أبواب السماء حتى تُفتح، وتنقلك من مقام إلى مقام حتى يُقال لك: قد أوتيتَ سُؤلك.

ومن ثبت في ظلمة الليل ساجدًا، أثبته الله في فتن النهار قائمًا، وكيف يقدر الشيطان على قلبٍ قد بكى بين يدي مولاه، وسكب عند عتبته خطاياه، وأحاط إيمانه بسور نفحات الأسحار؟

أجل، إن قيام الليل ليس عملاً يُؤدَّى، ووِردًا يُقضى، بل هو منزلةٌ يُرتقى إليها، فمتى وفّقك الله للقيام، فقد أهدى إليك مفتاح القرب، فإياك أن تُغلقه بمعاصيك. سئل الحسنَ أقوامٌ أنهم لم يستطيعوا قيام الليل كما كانوا، فقال: "قيَّدتكم الذنوب".
هو جزاءُ النهار للصالحين، ومكافأةُ الطاعة للمؤمنين، قال سليمان الداراني: "من أحسن في نهاره، كوفئ في ليله، ومن أحسن في ليله، كوفئ في نهاره".

وفي ثلث الليل الأخير، ساعةً يفيض فيها الله على عباده من جوده، ويقرّبهم من فضله، ويناديهم نداء الحُب والمغفرة، فطوبى لمن سمع النداء، فأجابه قلبه قبل أذنه، وسجدت جوارحه قبل أن تنهض قدماه.

فأشرف الخلوات، وأسمى المجالس، وأرفع المقامات، هي تلك التي ينفرد فيها العبد بمولاه، يناجيه بمقلةٍ دامعة، وقلبٍ خاشع، ولسانٍ ذاكر.

أتعلم أن خلوتك بربك في الثلث الأخير أعظم من ألف حضور في المجامع. وإذا أردت أن تعرف مقامك فانظر فيما أقامك، فذاك هو الوقت الذي يأذن فيه الملوك لأحبتهم للخلوة بهم، أما أهل الغفلة والمخالفة فليسوا لهذا المقام بأهل، فما يؤهَّل أهل القرب لخلوة الملوك إلا إذا أخلصوا ودّهم، وصدقوا في صحبتهم، كما قال ابن رجب: "فما يؤهّل الملوك للخلوة بهم إلا من أخلص في ودّهم، وأما من كان من أهل المخالفة فلا يؤهّلونه".


أما إني والله لست من أهل ما سبق، ولكن لا أجمع على نفسي التركين؛ ترك العمل وترك التذكير به. فكم من ناصحٍ ينسج الثوبَ لغيره، وثيابه تمزّقها المعصية!

أَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ قَوْلٍ بِلاَ عَمَلٍ
لقد نَسَبْتُ به نَسْلاً لِذِي عُقُمِ

أَمَرْتُكَ الخَيْرَ لكنْ ما ائْتَمَرْتُ به
وما اسْتَقَمْتُ فما قَوْلِي لَكَ: اسْتَقِمِ.


>>Click here to continue<<

قناة طلال الحسّان.




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)