عزيزي، يا صاحب القلب العنيد...
ها أنا، بعد كل ما حصل، أعود لأنفض تعبي من الأيام بكتابتي إليك.
أنا متعبة، متعبة إلى حد التعفّن.
أتَعرف ما يعني هذا؟
متعبة لا إلى حد التهشم، بل إلى درجة تعفّن العظام وأنا على قيد الحياة.
أشعر أن جسدي يتآكل ببطء، ولن يبقى إلا القليل ليُعلن وفاته.
لم أعد أرجو قدومك من عدمه، ففي كلتا الحالتين أنا لن أعود.
منذ رحيلك، وأشيائي الجميلة هجرتني تباعًا، كأنها تنبأت بما سأؤول إليه.
حتى صديقتي المفضّلة غادرت، وإن كانت موجودة، لكنها في الحقيقة بنصف حضور، باتت ترحل أيضًا.
لن أحزن، فهذه طبيعة البشر، ربما.
تغيّرتُ كثيرًا بفضلك.
أصبحتُ أقسى، وأقوى، وألْيَن في الوداع.
أُودّع الجميع كأني أُصافح المارّين.
لم أعد أضع استثناءات لأحد.
رغم أنه جاء كثيرون بعدك يرجون فرصة ليحظوا بنظرة من قلبي،
لكنهم أخذوا ردودًا قاسية.
لا أريد أن أكون مثلك، أعلّق الأشخاص بشبح غائب،
وأنا أعرف أني مفارِقة، وأيامي معدودة.
أتمنى أن يجدوا الأفضل، والأحنّ مني.
رغم أني مُحاطة بالكثير من الأصدقاء والرِفقة،
إلا أن شعور الوحدة لا يفارقني.
هل من المعقول أن يكون غياب شخص واحد كفيلًا بإلغاء حضور الجميع؟
فكرة مرعبة...
كيف لإنسانٍ واحد أن يُطفئ ضوء الجميع في عينيك؟
وها أنا، أعمى بدونك،
أسمع أصواتهم، ولا أراهم.
لهذا قررتُ الرحيل بكُلّي،
بدل العيش بجسدٍ خاوي وبائس إلى هذه الدرجة.
أشعر أني ما عدت أنتمي لهذا العالم.
شعور أني دخيلة، وغريبة أينما كنتُ، وحيثما ذهبت،
بات يقتلني.
لا أشعر بالأُلفة لأيّ شيء،
حتى وأنا في وسط عائلتي،
أشعر بضرورة الاختفاء.
ربما لا تفهمني، لا بأس.
لا أعلم إن كنتُ سأكتب لك مرة أخرى،
أو إن كنتُ سأواصل الحياة أصلًا،
لكن...
أتمنى أن تكون بخير.
أحبّ وجهك وهو سعيد،
وعيونك الضاحكة تُبهج روحي رغم كل ما حصل.
ابقَ بخير.
أكتب لك في السادس والعشرين من أيّار.
>>Click here to continue<<