TG Telegram Group & Channel
علم النفس (مقالات وأبحاث) | United States America (US)
Create: Update:

هذا، وإنه لأمرٌ يبعث على الذهول مقدارُ ما يؤخذ الناس بالكلمات. يتصوَّرون دائمًا أن الاسم يفترض صحة الشيء — تمامًا كما لو أننا نلحق أذًى شديدًا بالشيطان عندما نسميه عُصابًا! هذه السمة الطفولية بقية أخرى خلَّفها لنا العام الأول للميلاد، عندما كانت البشرية لا تزال تعمل بكلمات السحر. لكن الذي يكمُن وراء الشيطان أو العُصاب لا يهتم بالاسم الذي نسميه به. طبعًا، نحن لا نعلم ما هي النفس، ونحن نتكلم عن «الخافية» لمجرد أننا لا نعرف ما هي في الحقيقة. نحن لا نعرف ما هي الخافية إلا بمقدار ما يعرف عالم الفيزياء ما المادة. كل ما يملك عنها ما يعدو أن يكون نظريات وآراء تصورها طورًا على هذا النحو، وطورًا على ذاك. وتظل هذه الصورة مناسبة وقتًا ما، ثم ما يلبث أن يأتي اكتشاف جديد برأي مغايِر آخر. لكن هذا ليس له تأثير على المادة. أم هل نقصت حقيقة المادة على نحو من الأنحاء.

كل ما في الأمر أننا لا نعرف ماهية هذا الشيء الغريب والباعث على القلق عندما نسميه «الخافية» أو «النفس الموضوعية». في شيء من مظهر التبرير، عُرِّفت بالغريزة الجنسية أو إرادة السيطرة. لكن هذا لا ينصف معناها الحقيقي. ما وراء هاتين الغريزتَين، اللتين ليستا قطعًا بداية الوجود ونهايته، وما هما إلا تمثيل لحدود فهمنا؟ في هذا الميدان، من حق كل تفسير أن يلعب دوره بحُرية؛ فبوسعك مثلًا أن تعتبر الخافية مظهرًا من غريزة الحياة، وتسوِّي القوة، التي تخلق الحياة وتشد أزرها، ﺑ ÉLAN VITTAL الذي يقول به برغسون، أو حتى بالديمومة المبدعة DURÉE CRÉATRICE التي يقول هو بها أيضًا. ولعلنا نجد موازيًا آخر في «إرادة» شوبنهور. أعرف أناسًا يشعرون أن القوة الغريبة في نفوسهم شيء إلهي، لا شيء إلا لأنها منحتهم فهمًا لما هو المقصود بالخبرة الدينية.
أسَلمُ بأنني أفهم تمامًا خيبة أمل جمهوري عندما أشير إلى الأحلام كمصدر للمعلومات في هذه الفوضى الروحية التي يعيش فيها عالمنا الحديث لا شيء طبيعيًّا أكثر من أن تستوقفنا بادرة كهذه البادرة، البادية التناقض، البالغة السخافة. ماذا بوسع حلم أن يفعل، هذا الشيء الذاتي والتافه إلى أقصى حدود التفاهة، ماذا يستطيع أن يفعل في عالم طافح بالحقائق البالغة القوة؟ الحقائق يجب أن نقابلها بحقائق تساويها حسِّيةً، لا بأحلام لا تفعل أكثر من أن تزعجنا عن نومنا وتُعَكر مزاجنا في اليوم التالي. إنك لا تستطيع أن تبني بيتًا، أو تدفع ضرائب، أو تكسب معارك، أو بحل أزمة عالمية، بالأحلام. لذلك أتوقع أن يطلب مريضي مِنِّي، مثلما أتوقع من جميع الناس من ذوي الحساسية غيره، أن أقول له عما يمكن فعله في هذا الوضع الذي لا يطاق، وبأساليب الحس السليم المناسبة. والصعوبة الوحيدة التي تعترضنا أننا قد سبق لنا وجربنا جميع الأساليب التي تبدو مناسبة، لكن بدون أن نظفر بشيء على الإطلاق، أو أنها تتكون من تخيُّلات رغبيَّة متعذِّرة التطبيق. لقد جرَّبنا استعمال جميع هذه الأساليب لمعالجة الوضع القائم. مثلًا، عندما تضرب الفوضى في أعمال أحدنا، من الطبيعي أن ينظر في كيفية ترتيبها وتنظيمها وإيقافها ثانيةً على قدميها، فيلجأ إلى استعمال جميع العلاجات الموصوفة لكي يعود عمله صحيحًا معافًى. لكن ماذا يحدث، بعد أن يكون قد جرَّب جميع هذه العلاجات، لو تدَهوَر الوضع من سيئ إلى أسوأ، خِلافًا لجميع التوقعات المعقولة؟ لا بد له من أن يَيْئَس من جميع هذه الأساليب، المفترض أنها معقولة، بأسرع ما يمكن.

إن مريضي، وربما عصرنا بكامله، هو في مثل هذا الوضع؛ فهو يسألني في لهفة: «ماذا أستطيع أن أفعل؟» فأجيبه: «وأنا مثلك لا أعلم.» «إذن، لا شيء يمكن عمله؟» لكني أجيبه أيضًا بأن البشرية وجدت نفسها في هذه المسالك العمياء مرَّاتٍ لا حصرَ لها في أثناء مجرى التطور، وما من أحدٍ عرف ما عساه أن يفعل؛ لأن كل أحد كان منصرفًا إلى رسم خطط بارعة من أجل معالجة الوضع. ما من أحد كان لديه الشجاعة لأن يعترف بأنه قد سلك الطريق الغلط. ثم ما تلبث الأشياء أن تعود إلى الحركة ثانيةً حتى تظل نفس البشرية موجودة، وإن تكن اختلفت بعض الاختلاف عن ذي قبل.

عندما ننظر إلى التاريخ البشري، لا نرى إلا ما يحدث على السطح، وحتى هذا يتشوَّه في مرآةِ التقليد الباهتة. لكن الذي يحدث حقيقة يروغ من عين المؤرخ الباحثة. ذلك أن الحدث التاريخي الحقيقي مدفون في العمق، اختبره الكل، لكن لم يراقِبه أحد. هو أكثر الخبرات النفسية خصوصية وأكثرها ذاتية. ما الحروب والأسر المالكة والفتن الاجتماعية والفتوحات والأديان إلا أعراض سطحية من الموقف النفسي السري الذي يجهله حتى الفرد نفسه، ولا يرويه المؤرخ. ربما يعطينا مؤسسو الأديان أوفر المعلومات بهذا الخصوص. الأحداث الكبرى في تاريخ العالم هي، في القعر، ليست هامة إلى حد عميق في التحليل الأخير، الشيء الجوهري هو حياة الفرد. هذا وحده يصنع التاريخ. هنا فقط أول ما تحصل التحوُّلات العظمى.

7

هذا، وإنه لأمرٌ يبعث على الذهول مقدارُ ما يؤخذ الناس بالكلمات. يتصوَّرون دائمًا أن الاسم يفترض صحة الشيء — تمامًا كما لو أننا نلحق أذًى شديدًا بالشيطان عندما نسميه عُصابًا! هذه السمة الطفولية بقية أخرى خلَّفها لنا العام الأول للميلاد، عندما كانت البشرية لا تزال تعمل بكلمات السحر. لكن الذي يكمُن وراء الشيطان أو العُصاب لا يهتم بالاسم الذي نسميه به. طبعًا، نحن لا نعلم ما هي النفس، ونحن نتكلم عن «الخافية» لمجرد أننا لا نعرف ما هي في الحقيقة. نحن لا نعرف ما هي الخافية إلا بمقدار ما يعرف عالم الفيزياء ما المادة. كل ما يملك عنها ما يعدو أن يكون نظريات وآراء تصورها طورًا على هذا النحو، وطورًا على ذاك. وتظل هذه الصورة مناسبة وقتًا ما، ثم ما يلبث أن يأتي اكتشاف جديد برأي مغايِر آخر. لكن هذا ليس له تأثير على المادة. أم هل نقصت حقيقة المادة على نحو من الأنحاء.

كل ما في الأمر أننا لا نعرف ماهية هذا الشيء الغريب والباعث على القلق عندما نسميه «الخافية» أو «النفس الموضوعية». في شيء من مظهر التبرير، عُرِّفت بالغريزة الجنسية أو إرادة السيطرة. لكن هذا لا ينصف معناها الحقيقي. ما وراء هاتين الغريزتَين، اللتين ليستا قطعًا بداية الوجود ونهايته، وما هما إلا تمثيل لحدود فهمنا؟ في هذا الميدان، من حق كل تفسير أن يلعب دوره بحُرية؛ فبوسعك مثلًا أن تعتبر الخافية مظهرًا من غريزة الحياة، وتسوِّي القوة، التي تخلق الحياة وتشد أزرها، ﺑ ÉLAN VITTAL الذي يقول به برغسون، أو حتى بالديمومة المبدعة DURÉE CRÉATRICE التي يقول هو بها أيضًا. ولعلنا نجد موازيًا آخر في «إرادة» شوبنهور. أعرف أناسًا يشعرون أن القوة الغريبة في نفوسهم شيء إلهي، لا شيء إلا لأنها منحتهم فهمًا لما هو المقصود بالخبرة الدينية.
أسَلمُ بأنني أفهم تمامًا خيبة أمل جمهوري عندما أشير إلى الأحلام كمصدر للمعلومات في هذه الفوضى الروحية التي يعيش فيها عالمنا الحديث لا شيء طبيعيًّا أكثر من أن تستوقفنا بادرة كهذه البادرة، البادية التناقض، البالغة السخافة. ماذا بوسع حلم أن يفعل، هذا الشيء الذاتي والتافه إلى أقصى حدود التفاهة، ماذا يستطيع أن يفعل في عالم طافح بالحقائق البالغة القوة؟ الحقائق يجب أن نقابلها بحقائق تساويها حسِّيةً، لا بأحلام لا تفعل أكثر من أن تزعجنا عن نومنا وتُعَكر مزاجنا في اليوم التالي. إنك لا تستطيع أن تبني بيتًا، أو تدفع ضرائب، أو تكسب معارك، أو بحل أزمة عالمية، بالأحلام. لذلك أتوقع أن يطلب مريضي مِنِّي، مثلما أتوقع من جميع الناس من ذوي الحساسية غيره، أن أقول له عما يمكن فعله في هذا الوضع الذي لا يطاق، وبأساليب الحس السليم المناسبة. والصعوبة الوحيدة التي تعترضنا أننا قد سبق لنا وجربنا جميع الأساليب التي تبدو مناسبة، لكن بدون أن نظفر بشيء على الإطلاق، أو أنها تتكون من تخيُّلات رغبيَّة متعذِّرة التطبيق. لقد جرَّبنا استعمال جميع هذه الأساليب لمعالجة الوضع القائم. مثلًا، عندما تضرب الفوضى في أعمال أحدنا، من الطبيعي أن ينظر في كيفية ترتيبها وتنظيمها وإيقافها ثانيةً على قدميها، فيلجأ إلى استعمال جميع العلاجات الموصوفة لكي يعود عمله صحيحًا معافًى. لكن ماذا يحدث، بعد أن يكون قد جرَّب جميع هذه العلاجات، لو تدَهوَر الوضع من سيئ إلى أسوأ، خِلافًا لجميع التوقعات المعقولة؟ لا بد له من أن يَيْئَس من جميع هذه الأساليب، المفترض أنها معقولة، بأسرع ما يمكن.

إن مريضي، وربما عصرنا بكامله، هو في مثل هذا الوضع؛ فهو يسألني في لهفة: «ماذا أستطيع أن أفعل؟» فأجيبه: «وأنا مثلك لا أعلم.» «إذن، لا شيء يمكن عمله؟» لكني أجيبه أيضًا بأن البشرية وجدت نفسها في هذه المسالك العمياء مرَّاتٍ لا حصرَ لها في أثناء مجرى التطور، وما من أحدٍ عرف ما عساه أن يفعل؛ لأن كل أحد كان منصرفًا إلى رسم خطط بارعة من أجل معالجة الوضع. ما من أحد كان لديه الشجاعة لأن يعترف بأنه قد سلك الطريق الغلط. ثم ما تلبث الأشياء أن تعود إلى الحركة ثانيةً حتى تظل نفس البشرية موجودة، وإن تكن اختلفت بعض الاختلاف عن ذي قبل.

عندما ننظر إلى التاريخ البشري، لا نرى إلا ما يحدث على السطح، وحتى هذا يتشوَّه في مرآةِ التقليد الباهتة. لكن الذي يحدث حقيقة يروغ من عين المؤرخ الباحثة. ذلك أن الحدث التاريخي الحقيقي مدفون في العمق، اختبره الكل، لكن لم يراقِبه أحد. هو أكثر الخبرات النفسية خصوصية وأكثرها ذاتية. ما الحروب والأسر المالكة والفتن الاجتماعية والفتوحات والأديان إلا أعراض سطحية من الموقف النفسي السري الذي يجهله حتى الفرد نفسه، ولا يرويه المؤرخ. ربما يعطينا مؤسسو الأديان أوفر المعلومات بهذا الخصوص. الأحداث الكبرى في تاريخ العالم هي، في القعر، ليست هامة إلى حد عميق في التحليل الأخير، الشيء الجوهري هو حياة الفرد. هذا وحده يصنع التاريخ. هنا فقط أول ما تحصل التحوُّلات العظمى.

7


>>Click here to continue<<

علم النفس (مقالات وأبحاث)




Share with your best friend
VIEW MORE

United States America Popular Telegram Group (US)