TG Telegram Group Link
Channel: قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني
Back to Bottom
#اخلاق
#العفو_الرحمة

🍃شبكة المعارف الإسلامية
🍃العفو والرحمة

مقدمة:
عفا: في أَسماءِ الله تعالى "العَفُوّ"ُ، وهو فَعُولٌ من العَفْوِ، وهو التَّجاوُزُ عن الذنب وتَرْكُ العِقابِ عليه، وأَصلُه المَحْوُ والطَّمْس، وهو من أَبْنِية المُبالَغةِ.

يُقال: عَفَا يَعْفُو عَفْواً، فهو عافٍ وعَفُوٌّ. قال الليث: العَفْوُ عَفْوُ الله عزّ وجلّ عن خَلْقِه، والله تعالى العَفُوُّ الغَفُور.

وكلُّ من اسْتحقَّ عُقُوبةً فَتَرَكْتَها فقد عَفَوْتَ عنه2.

إنّ من الفضائل الأخلاقية التي لا يصل الإنسان إلى مراتب الكمال دونها، هي صفة العفو عن زلّات الآخرين وهفواتهم، وترك الانتقام منهم.

وهي من الصفات الإلهية والإنسانية، وعكسها أي الانتقام من الصفات الحيوانية، لذلك نجد أنبياء الله وأوليائه المتّقين الذين يمثّلون بصدق معاني الإنسانية يتّصفون بها. ومن هنا نرى أنّ القرآن الكريم يجعلها من صفات المحسنين، يقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾.

وعلى العكس من ذلك نجد أنّ الكافرين والمنافقين والفسّاق الجهلة والحكّام الظلمة يتّسمون بصفة الانتقام.

الحثّ على العفو في الإسلام:

هذا والآيات القرآنية والروايات الإسلامية زاخرة في بيان فضيلة العفو والصفح وذمّ روح الانتقام والثأر، وفي سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام في هذا الباب الكثير من النماذج الراقية.

يقول سبحانه: ﴿وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ﴾3.

﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾4.

يظهر من الآيتين المباركتين الحثّ على فضيلة العفو وأرجحيّته على المعاقبة بالمثل، فإنّ العفو قد يكون له إيجابيّات أكثر من المعاقبة بالمثل، وذلك حسب اختلاف الأشخاص والحالات. فعلى الإنسان الحكيم أن يُعْمِل حكمته لكي يعرف متى يعاقب بالمثل ومتى يعفو.

بين العفو والعقاب:

هناك موارد يكون العفو والصفح فيها سبباً لجرأة المجرمين والمنحرفين، ولا شكّ أنّه لا أحد يرى في العفو في مثل هذه الموارد فضيلة أخلاقية، بل إنّ حفظ نظام المجتمع والنهي عن المنكر والتصدّي لمنع وقوع الجريمة تقتضي عدم التساهل مع المجرم، وترك العفو في مثل هذه الموارد، بل العمل بمقتضى العدل وما يفرضه من العقاب على المجرم.

ونجد في الأحاديث الإسلامية أيضاً إشارة إلى هذا الاستثناء، ومن ذلك ما ورد في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "العَفوُ يُفسِدُ مِنَ اللَّئِيمِ بِقَدَرِ إِصلاحِهِ مِنَ الكَرِيمِ"5.

ونقرأ في حديث آخر عن هذا الإمام قوله: "العَفوُ عَنِ المُقِرِّ لا عَنِ المُصِرِّ عَفو"6.

وأيضاً ورد في الحديث الشريف عن هذا الإمام عليه السلام أيضاً قوله: "جـازِ بِالحَسَنَةِ، وَتَجـاوَزَ عَنِ السَّيئَةِ مـا لَم يَكُن ثَلماً فِي الدِّينِ أَو وَهناً فِي سُلطـانِ الإسلامِ".

ففي مثل هذه الموارد يجب التحرّك على مستوى إلحاق الجزاء العادل بالمسيء.

وجاء في حديث آخر عن الإمام زين العابدين عليه السلام في تأييد هذا المعنى، حيث قال: "حَقُ مَنْ أَسـاءَكَ أَنْ تَعفُوَ عَنهُ، وَإِنْ عَلِمتَ أَنَّ العَفوَ عَنهُ يضِرُّ انتصرت، قـالَ اللهُ تَبـارَكَ وَتَعـالَى: ﴿وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾7.

ولكن لا ينبغي أن يكون وجود هذا الاستثناء سبباً لسوء التصرّف في بعض الموارد، وأن يجعلها بعض الناس ذريعة للانتقام في مورد العفو، بحجّة أنّ العفو هنا يتسبب في زيادة الجرأة لدى المذنب والمجرم، بل ينبغي النظر بإخلاص، وبعيداً عن حالات التعصّب، إلى أصل العفو والصفح وموارد الاستثناء بدقّة كبيرة، والعمل طبق هذه الموارد والاستثناءات.

العفو عن الأرحام:

ومن الموارد التي يحسن فيها العفو، التعامل مع الارحام، فينبغي أن يحكّم التسامح بينهم، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾8.

نقرأ في هذه الآية خطاباً لجميع المؤمنين في دائرة الاختلافات والنزاعات العائلية، ولا شكّ أنّه لولا وجود العفو والصفح في أجواء العائلة من قبل الأب والولي على أمور الأهل والأطفال، أو كان كلّ فرد من أفراد الأسرة يتحرّك في تعامله مع الآخرين من موقع الانتقام وأخذ الحقّ والمقابلة بالمثل، فإنّ هذه الأجواء الأسريّة ستتحوّل إلى مكان يعيش فيها الأفراد القلق والاضّطراب الدائم وعدم الأمن والراحة، وبالتالي يتسبّب ذلك في انهدام العائلة وتلاشيها.

الصفح:
ورد في بعض الآيات الحثّ على الصفح بعد العفو، يقول سبحانه: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ﴾﴿أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾9.

أما ما هو الفرق بينهما؟ فيقول الراغب في مفرداته، إنّ العفو بمعنى المغفرة، والصفح ترك اللّوم والتوبيخ، والذي هو مرحلة أعلى من العفو، لأنّه يمكن أن يعفو الإنسان عن الطرف المقابل إلاّ أنّه لا يترك لومه وتوبيخه أو معاتبته، ولكن بما أنّ الصفح في اللغة
يعني الإعراض بالوجه عن الإنسان المذنب، فيمكن أن يكون إشارة إلى لزوم تناسي ذنب المذنب ووضعه في زاوية الإهمال والغفلة ولا يكتفي بترك اللّوم فقط، أي أن لا يترتّب أي أثر سلبي على العلاقة بين الطرفين.

الإحسان:

هناك مرتبة فوق العفو والصفح وهي مرتبة الإحسان في التعامل مع زلّات الاخرين، يقول تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ﴾10. ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾11.

ويُستفاد من الآيتين أنّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المؤمنين، مأمورون بتجاوز حالة العفو والصفح والصعود إلى مرتبة أرقى منها، وردّ السيئة بالحسنة، وهو العمل الذي لا يتيسّر من أي شخص كان، ولهذا فإنّ الآية التي بعدها تقول: ﴿وَمَا
يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾12.

وفي الحقيقة، فإنّ مقابلة السيئة بالحسنة عمل ثقيل جدّاً لا يستطيع النهوض به إلاّ من أوتي القدرة على النهوض بالأعمال الخيّرة المهمّة، والذين يعيشون الإيمان والتقوى والقيم الإنسانية بالمستوى الأعلى.

العفو والصفح والإحسان في مدرسة أهل البيت عليهم السلام:

يقول سبحانه: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾13. الآية تأمر النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأوامر أخلاقية ثلاثة، ويتّضح منها تكليف الآخرين أيضاً. هذه التعليمات الثلاث التي وردت في الآية الشريفة بمثابة أوامر صادرة من الله تعالى إلى نبيّه الكريم باعتباره قائداً للأمّة وأسوة حسنة لسائر المسلمين، وبذلك توضّح في مضمونها أهميّة العفو والصفح في دائرة المسؤولية الملقاة على عاتق القادة الإلهيين. فالأمر الأوّل من هذه الأوامر الإلهية هو الأمر بالعفو والصفح، والأمر الثاني إشارة إلى أنّ على القائد أن لا يحمّل الناس فوق طاقتهم وقدرتهم، وأن لا يطلب منهم سوى المعروف الممكن، وفي الأمر الثالث نجد التوصية بإهمال الكلمات اللامسؤولة الصادرة عن الجاهلين والمخالفين، وعدم ترتيب الأثر على ما يرتكبونه تجاه أتباع الحقّ من ممارسات سلبية وكلمات شانئة.

إنّ القادة الحقيقيين والسالكين طريق الحقّ يواجهون في مسيرتهم الإلهية الكثير من الأفراد المتعصّبين والجاهلين والمعاندين، الذين لا يجدون فرصة للإيقاع بأصحاب الحقّ وإيجاد الأذى والضرر بهم إلاّ استغلّوها. فالآية السابقة وكذلك الكثير من الآيات القرآنية الاُخرى تؤكّد على المؤمنين السالكين في خطّ الله والتقوى أن يجنّبوا أنفسهم الصراع مع هؤلاء، وأنّ الأفضل لهم التعامل مع مثل هذه المسائل من موقع اللامبالاة والإهمال والإعراض، والتجربة العملية تشير إلى أنّ أفضل طريق لإيقاظ هؤلاء من غفلتهم وإطفاء نار غضبهم وصدّهم وتعصّبهم هو هذه الطريقة في التعامل معهم من موقع قوّة الشخصية وكبر النفس.

وقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه عندما نزلت هذه الآية الشريفة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبرائيل عن ذلك، فقال: لا أدري حتّى أسأل العالم، ثمّ أتاه فقال: "يـا مُحِمَّد، إِنّ اللهَ يَأَمُرُكَ أَنْ تَعفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَتُعطِي مَنْ حَرَمَكَ، وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ"14.

نماذج من عفو النبي وآله:

إنّ سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة المعصومين عليهم السلام طافحة بمثل هذه النماذج من السلوكيات الأخلاقية والإنسانية، حتّى أنّه أحياناً يؤدّي سلوكهم الإنساني هذا إلى انقلاب الطرف الآخر من موقع الشرّ والعداوة إلى موقع الخير والمحبّة، والتجارب العملية الكثيرة تشير إلى التأثير الكبير لهذه الأعمال الأخلاقية في دائرة السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية.

عن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أُتي باليهودية التي سمّت الشاة للنبي، فقال لها: ما حملك على ما صنعت؟ فقالت: قلت: إن كان نبيّاً لم يضرّه، وإن كان ملكاً أرحت الناس منه، فعفا رسول الله عنها"15.
وعفا صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة كثيرة، بعد أن أباح دمهم، وأمر بقتلهم، ويكفينا نموذجاً راقياً في العفو ما كان منه من العفو عن كفّار مكّة عند فتحها. ويروى أنّ شامياً رأى الإمام الحسن راكباً، فجعل يلعنه، والحسن لا يردّ، فلما فرغ، أقبل الحسن عليه السلام فسلّم عليه، وضحك، فقال: "أيها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلك شبّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك الينا، وكنت ضيفنا الى وقت ارتحالك، كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كثيراً". فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثم قال: "أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبُّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم"16.

وروي أنّ غلاماً للإمام الحسين عليه السلام جنى جناية توجب العقاب عليه، فأمر به أن يُضرب، فقال: "يا مولاي، والكاظمين الغيظ، قال: خلّوا عنه. قال: يا مولاي، والعافين عن الناس، قال: قد عفوت عنك، قال: والله يحبُّ المحسنين، قال: أنت حرّ لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك"17.

ولكن الإمام الحسين عليه السلام عندما رأى أنّ الدين في خطر من يزيد ثار عليه، فليس المحلّ محلّ عفو وصفح، إنّما المقام مقام جهاد ومقاومة.

بين القصاص والعفو:

يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾18.

تتعرّض هذه الآية إلى الحديث عن مسألة القصاص، والتي تعدّ أحد الأحكام الاجتماعية المهمّة في الإسلام، والتي تضمن حقوق الناس وتحفظ لهم أنفسهم ودماءهم من أشكال العدوان، بحيث إنّ القرآن الكريم يعبّر عن القصاص بكلمة "الحياة".

وبعد أن تذكر الآية موارد القصاص بالمثل، تقول: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾19.
فلو أنّ القصاص تبدّل إلى الدية، فعلى الطرف الآخر أن يتّخذ سبيل المعروف في عملية أداء الدية إلى وليّ المقتول، وهذا المعنى بمثابة التخفيف والرحمة من الله تعالى للناس.

والتعبير بكلمة (أخيه) في الآية المذكورة يشير إلى أنّه حتى لو وقعت حادثة قتل بين المسلمين، فإنّ ذلك لا يعني قطع رابطة الأخوّة بينهم، وفي صورة عدم وجود ضرورة للقصاص فلا ينبغي اتّخاذه سبيلاً لحلّ الأزمة، وهذا التعبير يدلّ على أنّ الإسلام يرجّح العفو على القصاص، ويتحرّك من موقع تفعيل الشعور بالمحبّة والأخوّة لدى الأولياء بدلاً من روح الثأر والانتقام.

وكذلك عبارة: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ تدلّ مرّة اُخرى على المفهوم القرآني في ترجيح العفو والصفح على القصاص أو تبديله بالدية.

آثار العفو الفردية والاجتماعية:

إنّ العفو تجتمع فيه آثار إيجابية ومعطيات حميدة كثيرة في حركة الحياة الفردية والاجتماعية، حيث يمكن بيان خلاصتها:

1- إنّ سلوك طريق العفو والصفح يمكنه أن يبدّل العدوّ الشرس أحياناً إلى صديق حميم، وخاصّة فيما لو كان متزامناً بالإحسان إلى الطرف المقابل، أي بالإجابة بالحسنة مقابل السيئة كما وردت الإشارة إلى ذلك في الآية: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾20.

2- إنّ العفو والصفح يتسبّبان في دوام الحكومات واستمرار القدرة السياسية بين ذلك الحاكم الذي يمارس العفو مقابل أعدائه، حيث يقلِّل من حالة العداء والخصومة لدى مخالفيه، ويزيد من جماعة الأصدقاء والمحبّين، ونقرأ ذلك في الحديث الشريف عن النبي
الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "عَفوُ المُلُوكِ بَقـاءُ المُلكِ"21.

3- إنّ العمل بمقتضى العفو والصفح يتسبّب في زيادة عزّة الشخص وتقوية مكانته وشخصيته في المجتمع، لأنّ ذلك علامة على قوّة الشخصية والشرف وسعة الصدر، في حين أنّ ممارسة الانتقام والثأر يدلّ على ضيق الأفق وعدم التسلّط على النفس، وانفلات قوى الشرّ وتسلّطها على الإنسان، وقد جاء في الحديث الشريف عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "عَلَيكُم بِالعَفوِ، فَإِنَّ العَفوَ لا يَزيدُ إِلاّ عَّزاً"22.
4- إنّ العفو يقطع تسلسل الحوادث اللأخلاقية في واقع الناس من الحقد والبغضاء، وكذلك السلوكيات الذميمة والقساوة والجريمة. وفي الواقع، فإنّ العفو بمثابة المحطّة الأخيرة التي تقف عندها كلّ عناصر الشرّ هذه فلا يتجاوزها، لأنّ الانتقام والثأر يتسبب من جهة إلى تسعير نار الحقد في القلوب، ويدعوها إلى التعامل بقساوة أشدّ، ويفعّل فيها الكراهية وعناصر الخشونة، وهكذا يستمرّ الحال في عملية تصاعدية، وأحياناً يؤدّي الحال إلى نشوب معارك طاحنة بين طائفتين أو قبيلتين كبيرتين أو تسفك في ذلك الكثير من الدماء وتدمّر الكثير من الطاقات والأموال والثروات.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "تَعـافُوا تَسقُطُ الضِّغـائِنُ بَينَكُم"23.

5- إنّ العفو يتسبّب في سلامة الروح وهدوء النفس وسكينة القلب، وبالتالي يتسبّب في طول العمر كما ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "مَنْ كَثُرَ عَفوُهُ مُدَّ فِي عُمره"24.

وبالطبع، فما ذكرنا أعلاه هو من قبيل الآثار الإيجابية الدنيوية والبركات الاجتماعية للعفو والصفح، وأمّا النتائج المعنوية والأجر والثواب الأخروي فأكثر من ذلك بكثير، ونكتفي في هذا المعنى بحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول فيه: "العَفوُ مَعَ القُدرَةِ جُنَّةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ سُبحـانَهُ"25.

* كتاب محاسن الكلم، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- سورة آل عمران، الآيتان 133 – 134.
2- لسان العرب، ابن منظور، ج15، ص72.
3- سورة الشورى، الآية 40.
4- سورة النحل، الآية 126.
5- شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد، ج20، ص270، ح124.
6- المصدر نفسه، ص330، ح783.
7- ميزان الحكمة، ج3، ص2015، ح13225.
8- سورة التغابن، الآية 14.
9- سورة النور، الآية 22.
10- سورة المؤمنون، الآية 96.
11- سورة فصلت، الآيتان 34 – 35.
12- سورة فصلت، الآية 35.
13- سورة الأعراف، الآية 199.
14- الشيخ الطبرسي، مجمع البيان، ج 4، ص 415، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1995م.
15- الكافي، ج 2، ص 108.
16- بحار الأنوار، ج43، ص 344.
17- بحار الأنوار ج44، ص195.
18- سورة البقرة، الآية 178.
19- سورة البقرة، الآية 178.
20- سورة فصلت، الآية 34.
21- بحار الأنوار، ج74، ص168.
22- الكافي، ج2، ص108.
23- المتقي الهندي، كنز العمال، ج3، ص373، ح7004، مؤسّسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1989م.
24- ميزان الحكمة، ج3، ح13184.
25- غرر الحكم.
zad_ashuraa_1445.pdf
4.3 MB
زاد عاشوراء للمحاضر الحسينيّ

حرصنا في هذا الإصدار، على ذكر أبرز المواعظ التي ترتبط بالأولويّات الثقافيّة لهذا العام، آملين من المبلّغين والخطباء الكرام الاستفادة منها في عمليّة التبليغ، سائلين المولى أن يتقبّل أعمالكم ويعظّم أجوركم.
قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني pinned «فهرس القناة محاضرات اضافية ◾️خطبة السيدة زينب ع في الشام ◾️خطبة الامام زين العابدين ع في الشام ◾️رقية عليها السلام١ ◾️السيدة رقية عليها السلام ٢ ◾️السيدة رقية ع وخربة الشام ◾️مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي ◾️ الاختلاط ◾️ العفة والحياء ◾️ لا تؤخر صلاتك ◾️»
قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني pinned «خطباء المنبر الحسيني -تلغرام قسم المحاضرات فهرس📚 (اضغط على الهاشتاغ وحرك بالاسهم صعوداً ونزولاً) #الرسول_الاكرم #الامير #السيدة_الزهراء #الامام_المجتبى #الامام_الحسين #الامام_السجاد #الامام_الباقر #الامام_الصادق #الامام_الرضا #الامام_الجواد #السيدة_زينب…»
#اخلاق

#الدنيا


🍂شبكة المعارف الإسلامية
🍂 العلاقة مع الله
🍂التفكير في الآخرة والتحوّلات الأخلاقية


ضرورة الاعتقاد بالآخرة

إن وجهة نظر الإنسان نحو الموت وما بعده مهمة جداً في حياته، فكلما كانت نظرته واقعية وموضوعية وصحيحة، كلّما كانت حياته سعيدة ونشطة ومتحركة ومتفائلة، والعكس صحيح أيضاً.

فتركيبة الإنسان النفسية ومن ثم سلوكه وأخلاقه تتأثر جداً من خلال نظرته إلى الموت وما بعده.

فليس التفكير في الموت وما بعده أو بالأحرى ليس الاعتقاد بوجهة نظر معينة تجاه الموت وما بعده فكرة عابرة تمر بالخيال وترحل، ولو حاول الإنسان أن يخرجها من خياله وشعوره، فإنها ستنزل رغماً عنه إلى لا شعوره وعقله الباطني وكيانه النفسي وتطبعه بطابع معين إما سلباً أو إيجاباً.

فعلى هذا ليس التفكير في الموت وما بعده موتاً بل حياة، أي له دخالة في حياة الإنسان وبنائه الروحي والنفسي والعقلي.

وأنتم إذا دقَّقتم جيداً ستعرفون أن الإنسان إذا كانت نظرته إلى الموت على أنه فناء ستكون تركيبته النفسية معقّدة خائفة متشائمة مضطربة مستهترة متحلِّلة، أما إذا كانت نظرته على النقيض من ذلك واعتقد بأن الموت ليس انحلالاً تاماً ولا فناء محضاً، إنما حياة ثانية لها نكهتها الخاصة، فستكون حياته النفسية وتركيبته الروحية متفائلة مطمئنة ملتزمة.

التفكير بالحياة بعد الموت هاجس إنساني‏
إن التفكير بما بعد الموت هاجس إنساني، ليس له طائفة أو دين خاص، فكل الناس إلى أي دين انتموا، حتى الملحد منهم، لا بد وأن يأتيه تساءل، ماذا بعد الموت؟

وإذا استقرأتم التاريخ ترون أن هذا التساءل، لا يخلو من أمَّة، أو من شخص. ولكن الناس يحاولون أن ينسوا هاجس ما بعد الموت، ليبعدوا الخوف عن أنفسهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

يقول أحد علماء النفس: إن الخوف من الموت يقود الإنسان إلى طرح الأسئلة التالية: لمَ، وإلى أين؟ ومعنى ذلك أن فكر الإنسان أكثر ما يشغله المصير النهائي للحياة البشرية2.

ولقد اخترع الناس الكثير لنسيان الموت، يقول بعض المفكرين: "إن الناس قد اخترعوا شتّى ضروب اللهو أو التسلية حتى يتجنّبوا الخوف من الوحدة أو العزلة".

ويقول أيضاً: "إنه لمّا كان الناس لم يهتدوا إلى علاج للموت والشقاء والجهل، فقد وجدوا أن خير الطرق للتنعم بالسعادة هي ألا يفكروا في هذه الأمور على الإطلاق"3.

وفي الحقيقة إن نسيان الناس لمصيرهم النهائي، أو بالأحرى تناسيه، ما هو إلا كما تفعل النعامة، حيث تطمر رأسها في التراب، وتحسب أن الذئب الآتي لن يأكلها!

اكتشاف ما بعد الموت يحيي أمماً وأفراداً
يقول بعض المفكرين: "إن اكتشاف الموت هو الذي ينقل بالشعوب والأفراد إلى مرحلة النضج العقلي أو البلوغ الروحي"4.

فعلاً إن قول هذا المفكر صحيح وتؤيده الوقائع التاريخية، للتدليل على هذه الفكرة نعطيكم مثالاً واحداً.

الأمة العربية قبل الإسلام أكثرها كان منكراً للحياة ما بعد الموت، يقول تعالى: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾(الجاثية:24).

﴿أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، أَو َآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ﴾(الصافات:16-17).

فكيف كانت حياتهم؟ كانت حياتهم حياة جهلٍ وتخلّف وتبعيّة، ولكن عندما جاء الإسلام، وغيّر نظرتهم إلى الموت وما بعده، تغيَّر العرب تغيّراً جذرياً، فانطلقوا في الدّنيا بكل انشراح وقوّة وغيّروا مجرى التاريخ بعد أن كانوا هملاً لا يخافهم أحد.

القرآن والموت وما بعده‏
لقد اهتم القران الكريم بموضوع الحياة بعد الموت اهتماماً لافتاً، مما يشير إلى أهميّة هذا الموضوع على حياة الأمم والأفراد، حتى أن القران الكريم قد قرن كثيراً بين الإيمان باللَّه واليوم الاخر، مما يشير إلى أن الإيمان باللَّه لا يكفي الإنسان (الفرد والأمة) في كماله الروحي وسكينته النفسية وصلاحه الأخلاقي والسلوكي، إن لم يكن مؤمناً باليوم الاخر.

يقول تعالى: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾(البقرة:232).
﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...﴾(ال عمران:114).

إلى كثير من الآيات التي تقرن الإيمان باللَّه مع اليوم الأخر.

وهنا نماذج من الآيات المتعلقة بالآخرة:

• التفكير في الدنيا والآخرة
﴿يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ* فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾(البقرة:219+220).

• الدار الآخرة خير للمتقين
﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾(الأنعام:32).

• اللَّه يريد الآخرة
﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾(الأنفال:67).

• الموعظة تنفع المؤمن بالآخرة
﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾(الطلاق:2).
• الأعمى في الدنيا أعمى في الآخرة
﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾(الإسراء:72).

• الحياة البرزخيّة
﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾(المؤمنون:99-100).

﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾(آل عمران:169).

الأحاديث وما بعد الموت
يحدثنا التاريخ أنه لما انهزم أصحاب الجمل ركب الإمام علي عليه السلام بغلة رسول اللَّه الشهباء وسار في القتلى يستعرضهم فمرَّ بكعب بن سور قاضي البصرة وهو قتيل، فقال: أجلسوه، فأُجلس، فقال عليه السلام: "ويلُمِّك يا كعب بن سور، لقد كان علم لو نفعك... ولكن الشيطان أضلَّك فأزلّك فعجلّك إلى النار"5.

وفي نهج البلاغة أنه لما بلغ الإمام عليه السلام مقبرة كانت خلف سور الكوفة، فخاطب الموتى، فقال كلاماً في تقلُّب الدّنيا، ثم قال: "هذا ما عندنا فما خبر ما عندكم"، ثم أضاف عليه السلام: "أما لوا أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى"6.

• مخلوقون للآخرة
عن الإمام علي عليه السلام: "إنك مخلوق للآخرة فاعمل لها، إنك لم تخلق للدنيا فازهد فيها"7.

• بين العمل للدنيا والعمل للآخرة
عن الإمام علي عليه السلام: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً"8.

• ثمرات ذكر الآخرة
عن الإمام علي عليه السلام: "ذكر الآخرة دواء وشفاء، وذكر الدنيا أدوء الأدواء"9.

وعنه عليه السلام: "من أكثر ذكر الآخرة قلَّت معصيته"10.

خاتمة
أيُّها الأخوة، في نهاية المطاف، لا بد لنا أن نكون متوازنين بين الدنيا والآخرة، وأن يكون همُّنا الأساس هو النجاة في اليوم الأخر، في يوم القيامة، لأن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل، فاعملوا وجدّوا واجتهدوا، ليومٍ لا ينفع فيه إلا العمل، وليس كل عمل، بل العمل الخالص للَّه تعالى.

موعظة للعبرة
كراهة الموت‏
لا بد أن نعرف بأن كراهتنا للموت، وخوفنا منه نحن الناقصين، لأجل... أن الإنسان حسب فطرته التي فطرها اللَّه سبحانه، وجبلّته الأصيلة، يحب البقاء والحياة، ويتنفر من الفناء والممات، وهذا يرتبط بالبقاء المطلق والحياة الدائمية السرمدية، أي البقاء الذي لا فناء فيه والحياة التي لا زوال فيها. إن بعض الكبار قد أثبتوا المعاد يوم القيامة مع هذه الفطرة التي تحب الحياة والبقاء.

وحيث أن في فطرة الإنسان هذا الحب وذاك التنفر، فإنه يحب ويعشق ما يرى فيه البقاء، ويحب ويعشق العالم الذي يرى فيه الحياة الخالدة، ويهرب من العالم الذي يقابله. وحيث إننا لا نؤمن بعالم الآخرة، ولا تطمئن قلوبنا نحو الحياة الأزلية، والبقاء السرمدي لذلك العالم، نحب هذا العالم، ونهرب من الموت حسب تلك الفطرة والجبلَّة.

أن الإدراك العقلي يختلف عن الإيمان والاطمئنان القلبي. نحن ندرك عقلاً أو نصدق أحاديث الأنبياء تعبداً بأن الموت... حق، ولكن قلوبنا لا تحظى بشي‏ء من هذه المعرفة، ولا علم لها عن ذلك، بل إن قلوبنا قد أخلدت إلى أرض الطبيعة... ونعتبر الحياة في هذه الحياة، ولا نرى بقاء وحياة للعالم الثاني، عالم الاخرة11.


*أغنى الناس، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، شوال 1424هـ ، ص19-27.

1- الري شهري، محمد، ميزان الحكمة، ج 7، ص‏297.
2- تغلب على الخوف، مصطفى غالب، ص‏73.
3- القول للفيلسوف باسكال نقلاً عن: ن.م، ص‏13.
4- القول للفيلسوف الإسباني أونامونو: ن.م، ص‏74.
5- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ص‏248.
6- نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم 130.
7- ميزان الحكمة، الري شهري، مج 1، ص‏37، ح 126.
8- ن.م، ص‏37، ح 129.
9- ن.م، ص‏36، ح‏120.
10- ن.م، ص‏37، ح‏121.
11- الأربعون حديثاً، الإمام الخميني قدس سره، ص‏329، ط 1991،
#اخلاق
#الدنيا

🍂شبكة المعارف الإسلامية
🍂وصايا الأولياء
🍂العمل في الدُّنيا


ورد في الكافي الشريف عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عليه السلام: "تَعْمَلُونَ لِلدُّنْيَا وَأَنْتُمْ تُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ عَمَلٍ وَلَا تَعْمَلُونَ لِلْآخِرَةِ وَأَنْتُمْ لَا تُرْزَقُونَ فِيهَا إِلَّا بِالْعَمَلِ..."1.

و عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السلام: "إِنَّ الدُّنْيَا قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً وإِنَّ الآخِرَةَ قَدِ ارْتَحَلَتْ مُقْبِلَةً ولِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ ولَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا أَلَا وكُونُوا مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا الرَّاغِبِينَ فِي الآخِرَةِ أَلَا إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا اتَّخَذُوا الأَرْضَ بِسَاطاً والتُّرَابَ فِرَاشاً والْمَاءَ طِيباً وقُرِّضُوا مِنَ الدُّنْيَا تَقْرِيضاً"2.

الموازنة بين الدنيا والآخرة

إن من غرائب الإنسان رغم ما يحمل من قوة عقل وفكر انه يعطل تفكيره في الآخرة وعمله لها، ويستغرق في الدنيا فكراً وعملاً، مع أن الدنيا فانية والآخرة باقية، وبالحسابات المنطقية التفكير والعمل للدائم أولى منهما للزائل.

وليس معنى ذلك أن الدين الإسلامي يمنع التفكير والعمل للدنيا ، كلا فالدين الإسلامي متوازن يحث على الاعتدال في كل شيء ، فهو دين الاعتدال.

يقول تعالى: ﴿...كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ﴾3.

فنلاحظ أن الآية الكريمة تقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة، وهي واضحة فيما قلناه من التوازن الإسلامي.

ويقول تعالى: ﴿...وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا...﴾4.

روي عن الإمام الحسن عليه السلام: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"5. يقول المولى صالح المازندراني قدس سره: قال الله تعالى لأهل الدنيا: ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾6، ولأهل الآخرة: ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾7، فطلب العمل للدنيا مع أَنَّها تنال بدونه، وترك العمل للآخرة مع أَنَّها لا تنال إِلَّا به، دلّ على نقص الإيمان، وأنّه مجرّد التقوّل باللسان.

وقد خاطب المسيح عليه السلام بقوله:

(وَيْلَكُمْ عُلَمَاءَ سَوْءٍ):
علماء الدين بالنداء، وذمّهم بترك العمل بعلومهم توقّع الأجر إنكاراً لذلك، وحثّهم على العمل بقوله: (يُوشِكُ رَبُّ الْعَمَلِ أَنْ يُقْبَلَ عَمَلُهُ)، إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شراً فشرٌّ.

(وَيُوشِكُ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ):
فيجدوا ما كانوا فيه من خير وشرّ حاضراً، وفيه ترغيبٌ في ترك الدُّني، لقلّة مدّتها وسرعة زوال شدّتها، وتحريضٌ على العمل لما بعدها، والأعمال الصالحة أنوارٌ تدفع ظلمات القبر والقيامة.

(كَيْفَ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ هُوَ فِي مَسِيرِهِ إِلَى آخِرَتِهِ وَهُوَ مُقْبِلٌ عَلَى دُنْيَاهُ وَمَا يَضُرُّهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِمَّا يَنْفَعُهُ):
ما يضرّه الدُّنيا وأعمالها المطلوب منها متاعه، وما ينفعه الآخرة وأعمالها المستلزمة رفيع درجاتها، ومن أدبر عن الثاني وأقبل إِلَى الأوّل، وأحبّ الدّنيا والاستكثار منها، وصحبة أهلها للجاه والمال، فليس بعالمٍ، وإنّما العالم من عرف الله وعظمته وعزّه وقهره وغلبته ودينه وكتابه وسنته وبعثه، ذلك على الورع والتقوى والزهد في الدنيا، ودوام الهيبة والخشية والعمل للّه وهو الّذي وصفه اللّه تعالى بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾8.

الدُّنيا الملعونة ودنيا البلاغ

في الحديث عن الإِمام السجاد عليه السلام: "الدُّنْيَا دُنْيَاءَانِ دُنْيَا بَلَاغٌ وَدُنْيَا مَلْعُونَةٌ"9.

وعَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "فِي مُنَاجَاةِ مُوسَى عليه السلام يَا مُوسَى إِنَّ الدُّنْيَا دَارُ عُقُوبَةٍ عَاقَبْتُ فِيهَا آدَمَ عِنْدَ خَطِيئَتِهِ وَجَعَلْتُهَا مَلْعُونَةً مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا مَا كَانَ فِيهَا لِي"10.

هذا معيارٌ كاملٌ للدّنيا الملعونة وغيرها، فكلّ ما كان في الدّنيا ويوجب القرب إلى الله تعالى من المعارف والعلوم الحقة والطاعات وما يتوصل به إليها من المعيشة بقدر الضرورة والكفاف، فهي من الآخرة وليست من الدّنيا، وكلّ ما يصير سبباً للبعد عن الله والاشتغال عن ذكره، ويلهي عن درجات الآخرة وكمالاتها، وليس الغرض فيه القرب منه تعالى والوصول إلى رضاه فهي الدنيا الملعونة.
قيل: ما يقع في الدنيا من الأعمال أربعة أقسام:
الأول: ما يكون ظاهره وباطنه لله، كالطاعات والخيرات الخالصة.
الثاني: ما يكون ظاهره وباطنه للدنيا، كالمعاصي وكثير من المباحات أيض، لأنّها مبدء البطر والغفلة.
الثالث: ما يكون ظاهره لله وباطنه للدّنيا، كالأعمال الريائية.
الرابع: عكس الثالث، كطلب الكفاف لحفظ بقاء البدن، والقوة على العبادة، وتكميل النفس بالعلم والعمل11.

خطورة حب الدنيا وعلاجه

إن الإقبال على الدنيا والاستغراق فيها يؤدي بالإنسان إلى الانزلاق في وحول الأخطاء والمعاصي، ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: "رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ الدُّنْيَا"12، وذلك لأنّ خصال الشرّ مطوية في حبّ الدّنيا وكل ذمائم القوة الشهوية والغضبية مندرجة في الميل إليه، ولذا قال الله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾13.

و يمكن التخلّص من حبّ الدنيا بأمور:

1- العلم بمقابحها ومنافع الآخرة وتصفية النفس وتعديل القوتين:
جاء في الكافي في الصحيح عن أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ لَمْ يَتَعَزَّ بِعَزَاءِ الله تَقَطَّعَتْ نَفْسُهُ حَسَرَاتٍ عَلَى الدُّنْيَا وَمَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ كَثُرَ هَمُّهُ وَلَمْ يُشْفَ غَيْظُهُ وَمَنْ لَمْ يَرَ لِله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ فَقَدْ قَصُرَ عَمَلُهُ وَدَنَا عَذَابُهُ"14.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له"15.

2- الصبر على البلايا وما فات من الدنيا:
والحاصل أنّه من لم يصبر على ما فاته من الدنيا وعلى البلايا التي تصيبه فيها بما سلاه الله في قوله: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ﴾16، وسائر الآيات الواردة في ذم الدنيا وفنائها، ومدح الرضا بقضائه تعالى، تقطّعت نفسه للحسرات على المصائب، وعلى ما فاته من الدنيا، وربما يحصل الحسرات على ما يحصل له عند الموت من مفارقتها.

3- عدم النظر إلى أهل الترف:
(وَمَنْ أَتْبَعَ بَصَرَهُ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ)، أيْ: نظر إلى من هو فوقه من أهل الدنيا، وما في أيديهم من نعيمها وزبرجها نظر رغبة وتحسّر وتمن (كَثُرَ هَمّهُ)، لعدم تيسّرها له، فيغتاظ لذلك ويحسدهم عليها، ولا يمكنه شفاء غيظه، إلّا بأنْ يحصل له أكثر مِمّا في أيديهم، أو يسلب الله عنهم جميع ذلك، ولا يتيسر له شيء من الأمرين، فلا يشفي غيظه أبداً ولا يتهنّأ له العيش.

لذلك عليه أن ينظر إلى من هو دونه دنيوياً حتى يقنع ولا يحسد، ورد عن الامام الرضا عليه السلام: "انظر إلى من هو دونك في المقدرة ، ولا تنظر إلى من هو فوقك ، فإن ذلك أقنع لك، وأحرى أن تستوجب زيادة"17.

4- أن ينظر إلى النعم الإلهية غير الظاهرة:
(وَمَنْ لَمْ يَرَ لِله عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ نِعْمَةً إِلَّا فِي مَطْعَمٍ أَوْ مَشْرَبٍ أَوْ مَلْبَسٍ)، أيْ: مَنْ توهّم أَنَّ نعمة الله عليه منحصرة في هذه النعم الظاهرة كالمطعم والمشرب والمسكن وأمثالها فإذا فقدها أو شيئاً منها ظنّ أنّه ليس لله عليه نعمة، فلا ينشط في طاعة الله، وإنْ عمل شيئاً مع هذه العقيدة الفاسدة وعدم معرفة منعمه لا ينفعه ولا يتقبّل منه، فيكون عمله قاصراً وعذابه داني، لأنَّ هذه النعم الظاهرة حقيرة في جنب نعم الله العظيمة عليه من الإيمان والهداية والتوفيق والعقل والقوى الظاهرة والباطنة، والصحة ودفع شرّ الأعادي وغيرها مما لا يحصى، وإن أردت أن تعرف نعم الله عليك فاغمض عينيك.

والحاصل: أَنَّ من لم يصبر أو لم يحسن الصبر والسلوة على ما رزقه الله من الدنيا، بل أراد الزيادة في المال والجاه مِمّا لم يرزقه إياه تقطعت نفسه حسرة بعد حسرة على ما يراه في يدي غيره مِمَّن فاق عليه في العيش، فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدي الناس، ومن اتّبع بصره ما في أيدي الناس كثر همّه، ولم يشفَ غيظه، فهو لم يرَ أَنَّ لله عليه نعمة إِلَّا نعم الدُّنيا، وإنّما يكون كذلك من لا يؤمن بالآخرة، ومن لم يوقن بالآخرة قصر عمله، وإذ ليس له من الدنيا إِلَّا قليل بزعمه، مع شدة طمعه في الدنيا وزينتها فقد دنا عذابه، نعوذ بالله من ذلك.

ومنشأ ذلك كلّه الجهل وضعف الإيمان. وأيضاً لمّا كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليهم عاجلاً وآجلاً، لا جرم مَنْ لم يرَ من النعم عليه إِلَّا القليل، فلا يصدر عنه من العمل إِلَّا القليل، وهذا يوجب قصور العمل ودنوّ العذاب.

مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القزّ
في الكافي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: "مَثَلُ الْحَرِيصِ عَلَى الدُّنْيَا مَثَلُ دُودَةِ الْقَزِّ كُلَّمَا ازْدَادَتْ مِنَ الْقَزِّ عَلَى نَفْسِهَا لَفّاً كَانَ أَبْعَدَ لَهَا مِنَ الْخُرُوجِ حَتَّى تَمُوتَ غَمّاً وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام: أَغْنَى الْغِنَى مَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْحِرْصِ أَسِيراً وَقَالَ لَا تُشْعِرُوا قُلُوبَكُمُ الِاشْتِغَالَ بِمَا قَدْ فَاتَ فَتَشْغَلُوا أَذْهَانَكُمْ عَنِ الِاسْتِعْدَادِ لِمَا لَمْ يَأْتِ"18.

فأغنى الغنى يكون بترك الحرص، وليس بكثرة المال، فإنّ الحريص كلّما ازداد ماله، اشتدّ حرصه، فيكون أفقر وأحوج مِمَّن لا مال له.

وقد أنشد بعضهم في التمثيل بدودة القزّ:
أَلَمْ ترَ أَنَّ المرءَ طولَ حياتِهِ حريصٌ على ما لا يزال يناسجه
كدود القزّ ينسج دائماً فيهلك غمّاً وسط ما هو ناسجه

وفي الكافي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام، قَالَ: "مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى وَالدُّنْيَا أَكْبَرُ هَمِّهِ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَشَتَّتَ أَمْرَهُ وَلَمْ يَنَلْ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قَسَمَ الله لَهُ وَمَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى وَالْآخِرَةُ أَكْبَرُ هَمِّهِ جَعَلَ اللهُ الْغِنَى فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ أَمْرَهُ"19.

وذلك لأنّه كلما يحصل له من الدّنيا يزيد حرصه بقدر ذلك، فيزيد احتياجه وفقره،لعدم قناعته التي هي كنز لا يفنى، أما الحرص فهو حسرة لا تفنى.

* كتاب وصايا الأولياء، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.

1- الشيخ الكُلَيْني، مُحَمَّد بن يعقوب، الكافي، ج2، ص319، تصحيح وتعليق على أكبر غفاري، الطَّبعة الثّالثة 1367ش، دار الكتب الإسلاميَّة، طهران.
2- م. ن، الكافي، ج2، ص132.
3- سورة البقرة، الآيتان: 219 - 220.
4- سورة القصص، الآية: 77.
5- الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج1، ص146.
6- سورة هود، الآية:6.
7- سورة النجم، الآية: 39.
8- انظر: المولى المازندراني، محمد صالح، شرح أُصول الكافي، ج9، ص330، تحقيق: أبو الحسن الشعراني، الطبعة الأولى 1382هـ، نشر: المكتبة الإسلامية، طهران.
9- م. ن، ص317.
10- م. ن.
11- العلامة المجلسي، مرآة العقول في شرح أخبار الرسول، ج10، ص235.
12- م. ن، ص315.
13- العلامة المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج10، ص228، تصحيح وتحقيق: السَّيِّد هاشم رسولي، نشر: دار الكتب الإسلامية، الطبعة الثانية 1404، طهران.
14- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص316.
15- الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص129
16- سورة البقرة، الآيتان: 155 ـ 156.
17- القمي، علي بن بابويه، فقه الرضا،ص356.
18- القمي، فقه الرضا، ص 356.
19- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 319.
" أجمعُ حوائجي طوال العام وأدعو بها في الأيام الفاطمية لأنها حتماً تُقضى "
(السيد_الخامنائي)


#الليالي_الفاطمية



أحبتي أشملوني في دعائكم هذه الليالي🌷
Channel name was changed to «قسم المحاضرات/خطباء المنبر الحسيني»
#الامام_المجتبى


🌸ولادة الإمام المجتبى(ع)
🌸كرمه وجوده


إنّ السخاء الحقيقي هو بذل الخير بداعي الخير، وبذل الإحسان بداعي الإحسان، وقد تجلّت هذه الصفة الرفيعة بأجلى مظاهرها وأسمى معانيها في الإمام أبي محمد الحسن المجتبى عليه السلام حتى لُقّب بكريم أهل البيت.

فقد كان لا يعرف للمال قيمةً سوى ما يردّ به جوع جائع، أو يكسو به عارياً، أو يغيث به ملهوفاً، أو يفي به دين غارم، وقد كانت له جفان واسعة أعدّها للضيوف، ويقال: إنّه ما قال لسائل "لا" قَطّ.

وقيل له: لأيّ شيء لا نراك تردّ سائلاً ؟ فأجاب: " إنّي لله سائل وفيه راغب، وأنا أستحي أن أكون سائلاً وأردّ سائلاً، وإنّ الله عوّدني عادةً أن يفيض نعمه عليَّ، وعوّدته أن أفيض نعمه على الناس، فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة ". واجتاز عليه السلام يوماً على غلام أسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة ويدفع لكلب كان عنده لقمة أخرى، فقال له الإمام: " ما حملك على ذلك؟ فقال الغلام: إنّي لأستحي أن آكل ولا أطعمه". وهنا رأى الإمام فيه خصلة حميدة، فأحبّ أن يجازيه على جميل صنعه، فقال له: "لا تبرح من مكانك، ثم انطلق فاشتراه من مولاه، واشترى الحائط البستان الذي هو فيه، وأعتقه وملّكه إيّاه ".

وروي أنّ جارية حيّته بطاقةٍ من ريحان، فقال عليه السلام لها: " أنت حرّة لوجه الله، فلامه أنس على ذلك، فأجابه عليه السلام: أدّبنا الله فقال تعالى ﴿وإذا حُيّيتم بتحيّة فحيّوا بأحسن منها﴾، وكان أحسن منها إعتاقها ".

ومن مكارم أخلاقه أنّه ما اشترى من أحد حائطاً ثمّ افتقر البائع إلاّ ردّه عليه وأردفه بالثمن معه. وجاءه فقير يشكو حاله ولم يكن عنده شيء في ذلك اليوم فعزّ عليه الأمر واستحى من ردّه، فقال عليه السلام له:" إنّي أدلّك على شيء يحصل لك منه الخير، فقال الفقير يا ابن رسول الله ما هو؟ قال عليه السلام: إذهب إلى الخليفة، فإنّ ابنته قد توفيت وانقطع عليها، وما سمع من أحد تعزيةً بليغة، فعزّه بهذه الكلمات يحصل لك منه الخير، قال: يا ابن رسول الله حفّظني إيّاها، قال عليه السلام: قل له: "الحمد لله الذي سترها بجلوسك على قبرها، ولم يهتكها بجلوسها على قبرك"، وحفظ الفقير هذه الكلمات وجاء إلى الخليفة فعزّاه بها، فذهب عنه حزنه وأمر له بجائزة، ثم قال له: أكلامك هذا؟ فقال: لا، وإنّما هو كلام الإمام الحسن، قال الخليفة: صدقت فإنّه معدن الكلام الفصيح، وأمر له بجائزة أخرى ".

لقد كان عليه السلام يمنح الفقراء برّه قبل أن يبوحوا بحوائجهم ويذكروا مديحهم، لئلا يظهر عليهم ذلّ السؤال.
*سلسلة أعلام الهداية،المجمع العالمي لأهل البيت ع، ط1، 1422هـ، ج4،ص 36-38.
#الاسراء_المعراج



🌸شبكة المعارف الإسلامية
🌸الإسراء والمعراج


﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾1

معنى الإسراء والمعراج:
الإسراء هو السير ليلا، ويطلق على سير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الليل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمعراج من العروج وهو الصعود، ويطلق على صعود النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسجد الأقصى إلى السموات العلى وما فوقهن..

زمان الإسراء ومكانه:
ومن المعروف أن الإسراء كان بعد مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاث سنوات على الأرجح، حيث أسري بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس، حسب نص القران الكريم، وعرّج به من هناك إلى السماء بحسب ما ورد في أخبار كثيرة.

مدة الإسراء وكيفيته
استغرقت مدة الإسراء والمعراج أقل من ثلث الليل بحسب الروايات، وكانا بالروح والجسد معا.

هدف المعراج:
ذهب المفسرون إلى أن الله سبحانه وتعالى حيث أراد لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن ينهض بأعباء الرسالة وهداية البشر مع ما في ذلك من مخاطر وصعوبات جمة، كان من المناسب أن يطلعه على عالم الغيب إطلاع شهود وعيان لا إخبار وسماع، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حين يدعو الناس للإيمان بالله تعالى ويخبرهم عن عوالم غيبه لا يكون في ذلك مجرّد ناقل للخبر، بل يخبر عما راه وشاهده عيانا، وهذا ما كان صلى الله عليه وآله وسلم يخبر عنه بين الحين والاخر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "لما أسري بي إلى.. وقد كشف القران الكريم عن هذا الجانب حيث ذكر علة الإسراء والمعراج بأنها: ?لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا?. كما أخبر عن ذلك بقوله تعالى: "لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى".

وفي الرواية عن ثابت بن دينار أنه سأل الإمام زين العابدين عليه السلام عن علة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء؟ فقال عليه السلام: "ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدائع خلقه".

وعليه فمن الواضح أن مجرد نقل الخبر الحاكي عن عالم الغيب لا يكون مؤثرا كما لو كان الإخبار عن رؤية سابقة للايات وشهود تام للحقائق والأسرار.

ويظهر من بعض الروايات أن العروج إنما كان لمصلحة البشر في قبول الدعوة، وإلا فإن عروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يعتبر تشريفا وتكريما للبشرية المتمثلة بشخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو أيضا تكريم وتشريف لعالم الغيب، فقد أراد الله سبحانه من عروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يشرّف ملائكته وسكان سماواته ويكرمهم بمشاهدته كما جاء في الخبر المذكور في كتاب علل الشرائع. وكما جاء في بعض الأخبار من أنه أمّ الملائكة في الصلاة، فهو إمام الخلق إلى الله تعالى، وفي هذا غاية التكريم والتشريف لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

كيف نستفيد من مناسبة الإسراء والمعراج؟
من خلال الإطلاع على الحقائق في عالم الغيب، وكشف هذه الأسرار بالنصوص الشريفة، كان ينبغي في هذه المناسبة أن نتعرف على حقيقة أعمالنا، وكيف تتجلى في روايات الإسراء والمعراج.

الولاية
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنه لما أسري بي إلى السماء انتهي بي إلى قصر من لؤلؤ فراشه من ذهب يتلالا فأوحى (ربي) إلي أو فأمرني (ربي) في علي بثلاث خصال: إنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين".

في تفسير الثعلبي لما صلى محمد بالأنبياء ليلة الإسراء بعث الله إليه ميكائيل أن يقول للأنبياء: "على ما أرسلتم ؟ فقالوا:" على ولايتك وولاية علي بن أبي طالب، وروى صاحب النخب أنهم كانوا تسعين نبيا منهم موسى وعيسى".

الأعمال الصالحة
عن علي عليه السلام: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة، فرأيت فيها قصرا من ياقوت أحمر، يرى باطنه من ظاهره لضيائه ونوره، وفيه قبتان من در وزبرجد، فقلت: يا جبرئيل، لمن هذا القصر؟ قال: هذا لمن أطاب الكلام، وأدام الصيام، وأطعم الطعام، وتهجد بالليل والناس نيام. قال علي عليه السلام: فقلت: يا رسول الله، وفي امتك من يطيق هذا ؟ قال: أتدري ما إطابة الكلام؟ فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: من قال: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)؟ أتدري ما إدامة الصيام؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: من صام شهر رمضان ولم يفطر منه يوما، أتدري ما إطعام الطعام؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: من طلب لعياله ما يكف به وجوههم عن الناس، أتدري ما التهجد بالليل والناس نيام؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من لم ينم حتى يصلي العشاء الاخرة، والناس من اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين نيام بينهما".
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى ليلة الإسراء هذه الكلمات مكتوبة على الباب الأول من الجنة: "لا إله إلا الله. محمد رسول الله. علي ولي الله. لكل شئ حيلة، وحيلة العيش أربع خصال: القناعة، وبذل الحق، وترك الحقد، ومجالسة أهل الخير. وعلى الباب الثاني مكتوب: لا إله إلا الله. محمد رسول الله. علي ولي الله. لكل شئ حيلة، وحيلة السرور في الاخرة أربع خصال: مسح رؤوس اليتامى، والتعطف على الأرامل، والسعي في حوائج المؤمنين، والتفقد للفقراء والمساكين. وعلى الباب الثالث مكتوب: لا إله إلا الله. محمد رسول الله. علي ولي الله. لكل شئ حيلة، وحيلة الصحة في الدنيا أربع خصال: قلة الكلام، وقلة المنام، وقلة المشي، وقلة الطعام".

في الخبر الطويل في المعراج، رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعذيب الذين يأكلون الحرام، والهمازين، والذين يأكلون الربا، قيل: "إنما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن قوما في الجنة يتنعمون، وقوما في النار يعذبون، يحمل على أنه رأى صفتهم وأسماءهم".

إن قصة الإسراء تبقي المسجد الأقصى المحتل من قبل أعداء الله في ذاكرة المجاهدين السائرين على طريق تحريره.

* مركز نون للتاليف والترجمة

1- الإسراء:1.
HTML Embed Code:
2024/04/27 19:52:15
Back to Top