Channel: مشاعر .
عندما توشك السفينة على الغرق، يُفكر المسافر على متنها في قدره الشخصي مُباشرة، ويهمل أمر الآخرين، يُريد أن ينجو بحياته قبل كل شيء، فيقفز إلى قارب النجاة في أول فرصة، وبعد أن يصل إلى الشاطئ، يبدأ بالبحث عن ناس يعيش معهم بقية حياته، لكنهُ للأسف سيفشل لأنه سيبقى مشدوداً بقوة الذاكرة إلى غيرهم، إلى أولئك الذين تطور بينهم تاريخه الروحي، لذلك سيبقى غريبًا إلى الأبد، هل تعرفون جيدًا معنى أن يكون الإنسان غريبًا إلى الأبد؟ أن يتنازل عن اللهجة التي تأسس في داخلها تاريخه الروحي؟ هو أن يمضي بقيّة حياته ضد قوانين هذهِ الروح، لذلك كانت الغربة وفي كل الأزمان هي غربة الروح، نزاع أبدي بين الجسد والروح يُمزق وجوده ويرميه في العاصفة .
مُبعثرين نحنُ، كُل ما فينا مُبعثر، ذواتُنا، عُقولنا، وحتى مشاعِرُنا التي ندّعي بأنها تخصنا وبأننا نستطيع التحكم فيها مُبعثره، نحنُ البحر الذي لا يهدأ ويضرب بكُل حَرقةٍ الساحل الحزين، حتى الساحل لا أمرَ لهُ بما يفعل البحر، نحنُ الشمسُ التي تشتعل بكل ما فيها وبالنهاية لا أحد يحُبها كما القمر، نحن الذين نشتعل حُبًا، خوفًا، غضبًا، شوقًا، رهبةٍ من كُل الأمور، نحنُ الذين يسكُننا القهر، والأسى، والحُزن ولا أحد يُعيرُنا إنتباهه، نحنُ الذين توسدت البعثره حياتهم ويخرجون للناس بكل ترتيب .
أعلم أن الإنسان أحياناً يصل لمرحلة لا يقوى فيها على الحديث، يمنعه تعب، يمنعه بقايا عتب وأحياناً يمنعه لا شيء.. ذاك اللاشيء في حد ذاته تراكمات لأشياء عديدة يكاد ينفجر من فرط كتمانها إلى أن تتحول للاشيء كبيرة، ذاك اللاشيء هو حب انتهى دون حديث، عتاب بقي داخلنا دون حديث، دموع حصرت في أجوافنا دون حديث، واشتياق عصر أحشاءنا دون حديث، تبدأ حياتنا محاولين فهم كل شيء، والحديث في كل شيء، ثم ينتهي بنا المطاف محاولين النجاة من فهمنا، وتحويل الحديث المُعلق في حناجرنا لصمتٍ طويل، لصمتٍ رهيب، صمت إذا ما سُئلنا عن سببه أجبنا : "لا شيء".
لا ترمِ ذاكرتَك في البحر، سيعيدُها الموج، لا تلقها فتاتاً للطيور، ستقتلك غناءً، لا تفكر في محوها أبداً، ستصادفك في كل فراغ، حافظ عليها، على أحزانك، الذين ينسون أحزانهم، يبكون لأشياء لا يعرفونها .
أشعر هذهِ الأيام وكأنني شخت فجأة، وكأنني نمت ليلة البارحة وأنا في منتصف العشرينيات لأستيقظ اليوم في منتصف الثلاثينيات، أشعر وكأنني كبرت عقداً كاملاً في غضون ليلة واحدة .
"كل ساقطٍ له لاقط "
مثل يحمل في طياته من الحكمة ما يكشف عن طبائع البشر وحقيقة ما يجري في الحياة، ف في الحياة، تجد لكل شيء، مهما بدا في أعين البعض بأنه بلا قيمة، تجد من يرغب فيه ويطلبه، كأن النفوس تسير وفق ما يوافقها من العقول والطبائع، فتنجذب كل ذات إلى شبيهها، ويقع كل ناقص في يد من يُجاريه في النقص، أو يُكمل عجزه بما يشبهه، فالناس في معادنهم كالذهب والحصى، ولكل معدن طالبه، فلا عجب أن ترى من يُعجب بالبالي ويزهد في النفيس، إذ لكل عقلٍ منطقه، ولكل خُلقِ شبيهه، فلا شيء مهجورٌ في هذه الدنيا إلا وكان له من يراه كنزًا، ولا ساقطَ إلا وجد من يلتقطه، لا عن جهلٍ أحيانًا، بل لأن النفوس تتآلف على أشكالها، إنما الحكمة هُنا أن نُدرك أن القيمة ليست بما ترغبه الأنفس فحسب، بل بما يزنه العقل وينقّيه من هوى النفس، فليس كل مطلوبٍ مُستحقًا، ولا كل مهجورٍ منكورًا، فاحرص على أن تكون ممّن يلتقط القيم والمبادئ، لا ممّن ينحني لالتقاط ما أسقطته النفوس التافهة .
مثل يحمل في طياته من الحكمة ما يكشف عن طبائع البشر وحقيقة ما يجري في الحياة، ف في الحياة، تجد لكل شيء، مهما بدا في أعين البعض بأنه بلا قيمة، تجد من يرغب فيه ويطلبه، كأن النفوس تسير وفق ما يوافقها من العقول والطبائع، فتنجذب كل ذات إلى شبيهها، ويقع كل ناقص في يد من يُجاريه في النقص، أو يُكمل عجزه بما يشبهه، فالناس في معادنهم كالذهب والحصى، ولكل معدن طالبه، فلا عجب أن ترى من يُعجب بالبالي ويزهد في النفيس، إذ لكل عقلٍ منطقه، ولكل خُلقِ شبيهه، فلا شيء مهجورٌ في هذه الدنيا إلا وكان له من يراه كنزًا، ولا ساقطَ إلا وجد من يلتقطه، لا عن جهلٍ أحيانًا، بل لأن النفوس تتآلف على أشكالها، إنما الحكمة هُنا أن نُدرك أن القيمة ليست بما ترغبه الأنفس فحسب، بل بما يزنه العقل وينقّيه من هوى النفس، فليس كل مطلوبٍ مُستحقًا، ولا كل مهجورٍ منكورًا، فاحرص على أن تكون ممّن يلتقط القيم والمبادئ، لا ممّن ينحني لالتقاط ما أسقطته النفوس التافهة .
ما يُؤلمني أنني كلما كبرت ضاقت الهدايا، كلما كبرت اتسع القلق وانكمشت الأحلام، الكبر يعني أن أقول ما يجب أن يُقال وليس ما أرغب قوله، أن أفعل ما يجب أن يُفعل وليس ما أرغب أن أفعله، كلما كبرت يعني أن يدخل الآخرون حياتي شيئاً فشيئاً، ويقضمون فردانيتها شيئاً فشيئاً .
على أُرجُوحَة الأرض المنفيّة، يتمايل الإنسان الوحيد بِخوفٍ، للحُصول على واقعٍ حَقيقي فَلا يُمسِك غير العَدم .
وقد يغفر المرء، لا عن محبّة ورضا، بل عن زهد العارف بما سينتهي إليه كل هذا .
تَكح بداخلي هِمّة قديمة، تُصدر صخبًا يائس، وتدغدغ بوحشية . . الخيبة في صدري .
البُعدُ عن الأشياءِ يدفعكُ إلى أن تراها من حيثُ أنت، كم تبدو صغيرةً تلكَ الأشياءُ العملاقة- أو هكذا تراءت لَك-، الأمرُ لَم يتعلق يومًا بها، إنّهُ أنتَ دومًا وأينَ تقِفُ منها حين تبتعد، تُدرك أنّك ياللدهشة تستطيعُ العيشَ بدونها، تفقِدُ الأشياءُ تأثيرَها بالتعلّقٍ عليك، تبدو كما هي مجردةً من كلٍ بريقٍ ألبستُه نفسكَ إياها، وأحيانًا قد تبدو باهتةً و مملة تِلكَ الأمورُ التي كنتَ تقفزُ لأجلها، ابتعدتُ كثيرًا عن أمورٍ شتى، ومع كُل عودةٍ تتضائلُ الأشياءُ في نفسي، هناك براحُ ما في البُعد، فسحةَ يعبرُ منها الهواء، ثِقَلّ يخِفُّ من على القلب، مركزُ ما من مراكزِ الدماغِ يتوقفُ عن العمل، فتهدأُ الأفكارُ قليلاً في رأسك، فلا تعودُ تعبأُ أو تهتم، كمنطادٍ يَقطعُ حبالهُ شيئًا فشيئًا ويبتعدُ عن الأرض، فيسهُلُ على الهواءِ حمله، يُريدُ الطيران، لكن في داخلِهِ خوفُ ما من تسليم نفسه للرياح، تُرى إلى أين ستحملُه، هل سيكون وحيدًا أم ستؤنسهُ الطيور، وان كان يا تُرى يودُّ الهبوط هل ستقبلهُ أرض؟ أم أنّهُ في حقيقةِ الأمرِ لم يقُمْ إلاّ بنفي نفسِه !
لا يستطيع العقل المُفكّر أن يفهم "الحضور" وبالتالي يُحاول دائماً أن يسيء تفسيره، يقول لك إنك غير مُبال، وبعيد، ولا عاطفة لديك، ولا تتواصل، والحقيقة هي أنك تتواصل لكن على مستوى أعمق من الفكر والعاطفة، في الحقيقة عند هذا المستوى هناك تواصل فعلي، تضامن حقيقي، يتجاوز التواصل المألوف، في سكون "الحضور" يُمكنك أن تحسّ بالجوهر مُنعدم الشكل في ذاتك، وفي الطرف الآخر، على أنهُ واحد، معرفة الوحدة في ذاتك وفي الآخر هي حبّ حقيقي، واهتمام حقيقي، وتعاطف حقيقي لا يفهمه أكثر الناس .
إذا أردت أن تلتقط صورة لنفسك، فلتتصوّر وحدك، ولا تتصوّر في مكانٍ لك فيه حكاية، فكل صورة تجمع اثنين تنطوي على مصيدة مؤجلة للحنين، كل صورة يُمكنها أن تكون صيغةً موحشةً للعالم .
HTML Embed Code: