Channel: قصص 🌹الانبياء🌙
💎موعظة بليغة💎
💡قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إن هذه الدنيا كلها تمضي، وكل شيءٍ فيها فإنه عبرة، إن نظرت إلى الشمس تخرج في أول النهار ثم تأفل في آخر النهار وتزول، هكذا وجود الإنسان في الدنيا يخرج ثم يزول.
• إن نظرنا إلى القمر كذلك يبدو أول الشهر هلالاً صغيرًا، ثم لا يزال ينمو ويكبر فإذا تكامل؛ بدأ بالنقص {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}.
كذلك؛ إذا نظرنا إلى الشهور تجد الإنسان يتطلع إلى الشهر المقبل تطلع البعيد، فمثلاً يقول: نحن الآن في الشهر الثاني عشر بقي على رمضان ثمانية أشهر فما أبعدها! وإذا به يمرُّ عليها بسرعة، وكأنها ساعة من نهار!
• هكذا العمر أيضًا -عمر الإنسان- تجده يتطلع إلى الموت تطلعًا بعيدًا ويؤمِّل وإذا بحبل الأمل قد انصرم، وقد فات كل شيء!
• تجده يحمل غيره على النعش ويواريه في التراب ويفكر: متى يكون هذا شأني؟ متى أصل إلى هذه الحال؟ وإذا به يصل إليها وكأنه لم يلبث إلا عشية أو ضحاها!
• أقول هذا من أجل أن أحمل نفسي وأحمل إخواني على المبادرة باغتنام الوقت، وألا نُضيِّع ساعة ولا لحظة إلا ونحن نعرف حسابنا فيها،
هل تقرَّبنا إلى الله بشيء؟
هل نحن ما زِلنا في مكاننا؟ ماذا يكون شأننا؟
• علينا أن نتدارك الأمور قبل فوات الأوان، وما أقرب الآخرة من الدنيا!
•وكان أبو بكر رضي الله عنه يتمثَّل كثيرًا بقول الشاعر:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقِنا عذاب النار.
•أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، وأن يجعل مستقبل أمرنا خيرًا من ماضيه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته".
📚لقاء الباب المفتوح: [179/2].
💡قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"إن هذه الدنيا كلها تمضي، وكل شيءٍ فيها فإنه عبرة، إن نظرت إلى الشمس تخرج في أول النهار ثم تأفل في آخر النهار وتزول، هكذا وجود الإنسان في الدنيا يخرج ثم يزول.
• إن نظرنا إلى القمر كذلك يبدو أول الشهر هلالاً صغيرًا، ثم لا يزال ينمو ويكبر فإذا تكامل؛ بدأ بالنقص {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}.
كذلك؛ إذا نظرنا إلى الشهور تجد الإنسان يتطلع إلى الشهر المقبل تطلع البعيد، فمثلاً يقول: نحن الآن في الشهر الثاني عشر بقي على رمضان ثمانية أشهر فما أبعدها! وإذا به يمرُّ عليها بسرعة، وكأنها ساعة من نهار!
• هكذا العمر أيضًا -عمر الإنسان- تجده يتطلع إلى الموت تطلعًا بعيدًا ويؤمِّل وإذا بحبل الأمل قد انصرم، وقد فات كل شيء!
• تجده يحمل غيره على النعش ويواريه في التراب ويفكر: متى يكون هذا شأني؟ متى أصل إلى هذه الحال؟ وإذا به يصل إليها وكأنه لم يلبث إلا عشية أو ضحاها!
• أقول هذا من أجل أن أحمل نفسي وأحمل إخواني على المبادرة باغتنام الوقت، وألا نُضيِّع ساعة ولا لحظة إلا ونحن نعرف حسابنا فيها،
هل تقرَّبنا إلى الله بشيء؟
هل نحن ما زِلنا في مكاننا؟ ماذا يكون شأننا؟
• علينا أن نتدارك الأمور قبل فوات الأوان، وما أقرب الآخرة من الدنيا!
•وكان أبو بكر رضي الله عنه يتمثَّل كثيرًا بقول الشاعر:
كُلُّ امْرِئٍ مُصَبَّحٌ فِي أَهْلِهِ وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقِنا عذاب النار.
•أسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة، وأن يجعل مستقبل أمرنا خيرًا من ماضيه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته".
📚لقاء الباب المفتوح: [179/2].
إذا شاء الله أمرًا، فلا مردّ له
في رحلة الحياة، قد تقف أمام عقبات تظن أنها لن تزول، وتُغلَق في وجهك أبواب تظن أنها لن تُفتح، فتشعر بالعجز وتتساءل: أين الطريق؟ ولكن كن على يقين أن الله إذا شاء أمرًا، كان، ولو رفضته قلوب أهل الأرض جميعًا، ولو لم يكن له سبب ظاهر، ولو وقفت الدنيا بأسرها في طريقه، فإن أمر الله نافذ لا مرد له.
خلق الله الأسباب، لكنه ليس بحاجة إليها، فهو القادر إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. كم من مستضعفٍ ظن أن لا طريق له، فأذن الله بنصره؟ وكم من محرومٍ أُغلقت في وجهه الأبواب، ففتح الله له من حيث لا يحتسب؟ كم من سقيمٍ أعيته العلل، فشفاه الله بلُطفه؟
الثقة بمشيئة الله ليست استسلامًا، بل يقين بأن الخير فيما اختاره لك، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا سلطان لأحدٍ على إرادته. فإن تأخّر عنك ما تُحب، فاعلم أن الله يُدبّر لك ما هو خير، وإن زالت عنك نعمة، فاعلم أن الله يمهد لك ما هو أعظم.
طِب نفسًا، وسلّم أمرك لمن إذا قضى أمرًا، فلا مردّ له.
في رحلة الحياة، قد تقف أمام عقبات تظن أنها لن تزول، وتُغلَق في وجهك أبواب تظن أنها لن تُفتح، فتشعر بالعجز وتتساءل: أين الطريق؟ ولكن كن على يقين أن الله إذا شاء أمرًا، كان، ولو رفضته قلوب أهل الأرض جميعًا، ولو لم يكن له سبب ظاهر، ولو وقفت الدنيا بأسرها في طريقه، فإن أمر الله نافذ لا مرد له.
خلق الله الأسباب، لكنه ليس بحاجة إليها، فهو القادر إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون. كم من مستضعفٍ ظن أن لا طريق له، فأذن الله بنصره؟ وكم من محرومٍ أُغلقت في وجهه الأبواب، ففتح الله له من حيث لا يحتسب؟ كم من سقيمٍ أعيته العلل، فشفاه الله بلُطفه؟
الثقة بمشيئة الله ليست استسلامًا، بل يقين بأن الخير فيما اختاره لك، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا سلطان لأحدٍ على إرادته. فإن تأخّر عنك ما تُحب، فاعلم أن الله يُدبّر لك ما هو خير، وإن زالت عنك نعمة، فاعلم أن الله يمهد لك ما هو أعظم.
طِب نفسًا، وسلّم أمرك لمن إذا قضى أمرًا، فلا مردّ له.
- هو اَللَّهُ ﷻ أَمَانُ الخائفين من كل شيء، وَمَعاذ العائذين من كل شيء، ومغيث المسْتغيثين من كل شيء، من اِلتجَأ إِلَيه اِطمأَن وهو كان عدوه من كان، وَمن عاذ بِه سكن ورتاح، لََا حِصْن أَعظَم مِن حِصْنِه الذي لا يمس بسوء، ولَا جُنْد أَقوَى مِن جندَه الذي لا يعلمهم إلا هو، غَالِب لََا يغلِب، وعزيز لََا يطلُب، فيَا فَوْز الواقفين بِبابه الكريم العظيم، اللَّائذين بِجنابه وهو أرحم الراحمين بعبادة الموحدين 🔖.
(الإنسان إلى النذير أحوج منه إلى البشير)
قالﷺ: "إنما مثلي ومثلكم، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها، فأنا آخذ بِحُجزكم ،فتغلبوني وتقتحمون فيها".
وفي رواية: "وأنا آخذ بِحُجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي".
#متفق_عليه
(حجزكم): جمع حُجزة، وهي موضع شد الإزار، وذلك لأن أخذ الوسط أقوى لمنعهم وإبعادهم عن النار.
قال #ابن_حجر:
-فيه: إشارة إلى أن الإنسان إلى النذير أحوج منه إلى البشير، لأن جبلته مائلة إلى الحظ العاجل دون الحظ الآجل
-وفيه: أن جهل الآدمي أشد من جهل الفراش، لأنها إذا احترقت انتهى عذابها في الحال
والآدمي يبقى في النار مدة طويلة أو أبدا..
قالﷺ: "إنما مثلي ومثلكم، كمثل رجل استوقد نارا، فجعلت الدواب والفراش يقعن فيها، فأنا آخذ بِحُجزكم ،فتغلبوني وتقتحمون فيها".
وفي رواية: "وأنا آخذ بِحُجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي".
#متفق_عليه
(حجزكم): جمع حُجزة، وهي موضع شد الإزار، وذلك لأن أخذ الوسط أقوى لمنعهم وإبعادهم عن النار.
قال #ابن_حجر:
-فيه: إشارة إلى أن الإنسان إلى النذير أحوج منه إلى البشير، لأن جبلته مائلة إلى الحظ العاجل دون الحظ الآجل
-وفيه: أن جهل الآدمي أشد من جهل الفراش، لأنها إذا احترقت انتهى عذابها في الحال
والآدمي يبقى في النار مدة طويلة أو أبدا..
سلسلة السيرة النبوية_السيرة وبناء الأمة أعظم مخلوق وطئ الثرى هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله عز وجل في حياته من العبر والعظات ما يجعل كل ناظر فيها يتعجب منها، ويأخذ من حياته عليه الصلاة والسلام نبراساً يستضيء به، فهو شخصية عظيمة جداً، كيف لا وهو خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، وكل حركة من حركاته مؤيدة بالوحي.
عظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وكبير مقامه بين الخلق] إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فها نحن اليوم مع موضوع من أهم الموضوعات في حياة المسلمين، بل في حياة الأرض بأكملها، نحن مع سيرة رجل هو أعظم رجل خلقه الله عز وجل منذ خلق آدم وإلى يوم القيامة. الناس عادة يتفوقون في مجال ويتأخرون في آخر، لكن هذا الرجل تفوق في كل مجال، تفوق في عبادته، في معاملاته، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في زهده، في حكمته، في ذكائه، في تواضعه، في كل شيء، إن هذا الرجل بحق قد سبق غيره! فمع سيرة الإنسان الذي خاطبه الله عز وجل وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. بل قد أقسم الله جل وعلا بحياة هذا الرجل فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]. مع سيرة الرجل الذي لن يحاسب الله عز وجل الخلائق يوم القيامة إلا عندما يشفع لهم، وكل نبي في الموقف لن يشفع حتى لأتباعه المؤمنين به إلا بعد أن يشفع هذا الرجل. مع سيرة الرجل الذي لن ندخل الجنة إلا خلفه، ولن نروى يوم القيامة إلا من حوضه وكوثره، وهذا متوقف على معرفتنا بسيرته ونهجه، واتباعنا له فيهما، فإن صنعنا ذلك كانت لنا النجاة في الدنيا والآخرة، وإن جهلنا طريقته أو خالفناها قيل لنا: سحقاً سحقاً. نحن أمام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الماحي الذي محا الله عز وجل به الكفر، وأول من يبعث من الخلائق يوم القيامة، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلم. أمام سيرة الرجل الذي فتحت له أبواب السماء ليخترقها بجسده إلى ما بعدها، لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل في رحلة المعراج إلى السماء وطرق الباب أجاب الملك فقال: (من؟ قال: جبريل.
عظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وكبير مقامه بين الخلق] إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فها نحن اليوم مع موضوع من أهم الموضوعات في حياة المسلمين، بل في حياة الأرض بأكملها، نحن مع سيرة رجل هو أعظم رجل خلقه الله عز وجل منذ خلق آدم وإلى يوم القيامة. الناس عادة يتفوقون في مجال ويتأخرون في آخر، لكن هذا الرجل تفوق في كل مجال، تفوق في عبادته، في معاملاته، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في زهده، في حكمته، في ذكائه، في تواضعه، في كل شيء، إن هذا الرجل بحق قد سبق غيره! فمع سيرة الإنسان الذي خاطبه الله عز وجل وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. بل قد أقسم الله جل وعلا بحياة هذا الرجل فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]. مع سيرة الرجل الذي لن يحاسب الله عز وجل الخلائق يوم القيامة إلا عندما يشفع لهم، وكل نبي في الموقف لن يشفع حتى لأتباعه المؤمنين به إلا بعد أن يشفع هذا الرجل. مع سيرة الرجل الذي لن ندخل الجنة إلا خلفه، ولن نروى يوم القيامة إلا من حوضه وكوثره، وهذا متوقف على معرفتنا بسيرته ونهجه، واتباعنا له فيهما، فإن صنعنا ذلك كانت لنا النجاة في الدنيا والآخرة، وإن جهلنا طريقته أو خالفناها قيل لنا: سحقاً سحقاً. نحن أمام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الماحي الذي محا الله عز وجل به الكفر، وأول من يبعث من الخلائق يوم القيامة، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلم. أمام سيرة الرجل الذي فتحت له أبواب السماء ليخترقها بجسده إلى ما بعدها، لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل في رحلة المعراج إلى السماء وطرق الباب أجاب الملك فقال: (من؟ قال: جبريل.
قال: ومن معك؟ قال: محمد. قال: أو أرسل إليه؟ قال: نعم) ففتح باب السماء، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان لم يدخله بشر قبل ذلك وهو حي. نعم، هذا هو الرجل الذي وصل إلى مكان لم يصل إليه بشر، ولم يتجاوزه حتى جبريل الملك العظيم، ويصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنه الرجل الذي شاهد الجنة والنار بعينه لا بعقله. ونحن هنا لا نقارن عظمة هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بعظمة بوذا وكونفوشيوس وهتلر ولينين وستالين كما فعل صاحب كتاب الخالدون المائة، وإن كان قد جعل أعظمهم محمداً، والعجيب أنك تجد الناس فرحين بذلك الكتاب. إن مقام هذا الرجل لا يسمح إلا بأن نضعه في مصافِّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ في رتبة أعلى من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل أنبياء الله عز وجل عليهم الصلاة والسلام أجمعين، في مقام ضخم جداً نقارنه بالملائكة أجمعين، بملك الأرزاق، بملك البحار، بملك الجبال، بحملة العرش، بل وبجبريل عليه السلام، جبريل لما وصل إلى سدرة المنتهى لم يستطع أن يتقدم، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تقدمت خطوة لاحترقت)، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم مكنه الله عز وجل أن يتقدم، فتقدم للقاء الله عز وجل. إن عظم مقام هذا الرجل جعل له ذكراً خالداً، وعلى قدر هذه العظمة يجب أن يكون اهتمامنا بسيرته وحياته، وبكل دقيقة مرت من حياته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
[أهمية بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل الأرض وضرورة الدعوة إلى دين الإسلام في وقتنا الحاضر]
كانت الأرض على اتساعها قبل البعثة النبوية تعيش الانهيار الشديد في الأخلاق والقيم والعادات والعلاقات والعقيدة، ظلمات بعضها فوق بعض، من هنا ندرك فعلاً قيمة النور الذي أنزله الله عز وجل على الأرض ببعثة الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم،
{قدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15 - 16].
كان من الواضح أن الأرض تحتاج في هذا التوقيت إلى الإسلام، إلى وحي السماء، إلى الهداية إلى الطريق المستقيم، في زمان تشعبت فيه طرق الضلال حتى استحال حصرها، كان ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فماذا عن حالنا الآن، هل الأرض تحتاج إلى الإسلام كما كانت تحتاج إليه قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل حال الأمم المختلفة في الأرض الآن لا يحتاج إلى تقويم إلهي وتعديل رباني وهداية سماواية وشريعة إسلامية؟ إن الناظر إلى حال الأرض في زماننا يرى الأوضاع شديدة الشبه بما كانت عليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرى الجرائم الأخلاقية، والانحراف في السلوك وصل إلى درجات شنيعة، تجد شعوباً كاملة غارقة تماماً في الجنس والإباحية والشذوذ، فمعدل الزنا في أمريكا تحت (18) سنة مراهقين وصل إلى (55%)، في إنجلترا (65%)، في العالم الإسلامي معدلات الزنا في ارتفاع رهيب، لكن الحمد لله ما زال المجتمع المسلم لا يسمح بالمجاهرة بمثل هذه الفواحش....
كانت الأرض على اتساعها قبل البعثة النبوية تعيش الانهيار الشديد في الأخلاق والقيم والعادات والعلاقات والعقيدة، ظلمات بعضها فوق بعض، من هنا ندرك فعلاً قيمة النور الذي أنزله الله عز وجل على الأرض ببعثة الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم،
{قدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [المائدة:15 - 16].
كان من الواضح أن الأرض تحتاج في هذا التوقيت إلى الإسلام، إلى وحي السماء، إلى الهداية إلى الطريق المستقيم، في زمان تشعبت فيه طرق الضلال حتى استحال حصرها، كان ذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان، فماذا عن حالنا الآن، هل الأرض تحتاج إلى الإسلام كما كانت تحتاج إليه قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل حال الأمم المختلفة في الأرض الآن لا يحتاج إلى تقويم إلهي وتعديل رباني وهداية سماواية وشريعة إسلامية؟ إن الناظر إلى حال الأرض في زماننا يرى الأوضاع شديدة الشبه بما كانت عليه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرى الجرائم الأخلاقية، والانحراف في السلوك وصل إلى درجات شنيعة، تجد شعوباً كاملة غارقة تماماً في الجنس والإباحية والشذوذ، فمعدل الزنا في أمريكا تحت (18) سنة مراهقين وصل إلى (55%)، في إنجلترا (65%)، في العالم الإسلامي معدلات الزنا في ارتفاع رهيب، لكن الحمد لله ما زال المجتمع المسلم لا يسمح بالمجاهرة بمثل هذه الفواحش....
[حال أمة الإسلام في الوقت الحاضر] إخواني في الله! إن دراسة السيرة النبوية مهمة في كل زمان، وهي ولا شك في زماننا أهم، فحال الأمة وما أصيبت به من تصدع وتفكك وانهيار في أجزاء، وانحلال في أجزاء أخرى، ما هو إلا أزمة خطيرة تمر بها أمة الإسلام، ونجد تبايناً كبيراً بين ما وصف الله عز وجل به هذه الأمة في كتابه الكريم وبين حال الأمة الواقع الذي نراه بأعيننا، فالله عز وجل يقول في كتابه مثلاً: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]. ويقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143]. ثم تأتي بعد ذلك لتنظر إلى واقع المسلمين وحالهم، فتجد التأخر في كل المجالات التي يجب أن تنافس أمتنا غيرها فيه، فمثلاً على الصعيد العسكري انظر إلى أي دولة إسلامية، وضع في الحسبان أن على مساحة الأمة الإسلامية أكثر من ستين دولة، تجد أن معظم الدول الإسلامية تسليحها أقل من تسليح الدول المحاربة لها. ولأول مرة في التاريخ نسمع عن دولة تؤمر بتدمير أسلحتها بنفسها وإلا عوقبت، والدول المحيطة من دول العرب والمسلمين اعتقدت أن هذا هو الطريق الأمثل للنجاة، ثم تتتابع إليها الخطابات الحادة، والكلمات اللاذعة: ما زال هناك سلاح لم يدمر، ما زال هناك سلاح مداه طويل، ما زال هناك سلاح عند عدوك مثله ويصبح الأصل أن تدمر الدولة أسلحتها بنفسها، وإلا عوقبت. لأول مرة في التاريخ نسمع عن دول توقع على نفسها أنها لا تنتج سلاحاً يمتلكه عدوها، بل ونفتخر بهذا الأمر، ويعلن بصيغة الفخر، وأننا نشارك في هذه المعاهدات، مع أن معظم دول الأرض عندها نفس السلاح، وتصبح منتهى أحلام المسلمين أن ينزع السلاح من إسرائيل فقط، مع أنهم يعلمون أن فرنسا وإنجلترا وأمريكا وروسيا وحتى كوريا تمتلك نفس السلاح، لكن لا ينزع السلاح من هؤلاء. وما هذا في الحقيقة إلا تأخر عسكري رهيب لم يسبق في تاريخ المسلمين. أما الجانب الاقتصادي فإن التأخر فيه غير مفهوم مع إمكانيات الأمة الضخمة، فأمة الإسلام مشتهرة بالبترول والمعادن والكميات الهائلة من منتجات المواد الخام، ومن سيطرتها على ممرات بحرية، ولا أحد يعرف ما سبب هذا التخلف الضخم مع كل هذه الأمور؟! كذلك يوجد تأخر علمي، بل فجوة هائلة بيننا وبين غيرنا تقدر بمئات السنين، لا أقول بعشرات السنين أو بآحاد السنين. تأخر حتى في الوحدة، فلا تجد دولتين مسلمتين إلا وبينهما صراع ونزاع على الحدود. وهذا أمر يشق كثيراً على النفس. حتى في المجال الأخلاقي، نحن دائماً نقول: إن الحضارة ليست هي الأشياء المادية فقط، ليست السلاح أو المعمار أو الأموال، بل الحضارة أشياء كثيرة مجتمعة مع بعضها، ومن أهمها الأخلاق، ثم انظر إلى الأمور الأخلاقية في العالم الإسلامي، لا تسأل عن كيفية التعامل بين الجيران في البلاد الإسلامية، أو كيف يعامل الموظفون الجمهور، أو ما هي أخبار الرشوة والفساد، وأخبار الإعلام وشاشات الأفلام، والإباحية المفرطة في الأغاني والإعلانات والشوارع وفي كل مكان، حتى في أماكن العلم كالجامعات والمدارس نرى أموراً كنا نتخيل أنها لا توجد إلا في ملهى ليلي، ثم وجدناها في الجامعة، في مكان العلم، في المكان الذي يفترض أن تركز الناس فيه أكثر تركيز على رفعة هذه الأمة.
[الحكمة من إرسال محمد صلى الله عليه وسلم في جزيرة العرب]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فمع الدرس الثالث من دروس السيرة النبوية: الفترة المكية. هناك سؤال قد يستغربه البعض: لماذا ينزل الوحي في مكة؟ لماذا تحدث قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية؟ لماذا لم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في فارس أو الروم، أو في فلسطين مثل بقية الأنبياء، أو في مصر مثل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام؟ إخواني! لا توجد نقطة واحدة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشوائية؛ إذ كل شيء بحساب، كل شيء مقصود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون قدوة لكل المسلمين إلى يوم القيامة، فلابد أن تكون كل خطوة في هذه الشخصية محسوبة تماماً. كان الوضع في جزيرة العرب هو الوضع المناسب لقيام الدعوة الإسلامية, يتضح ذلك من آثار التجربة الإسلامية الأولى، فقد كانت تجربة ناجحة تماماً، والبيئة التي نشأت فيها الرسالة كانت بيئة صالحة، فقد رأينا الإسلام ينتشر بسرعة في الأرض، ففي غضون سنوات قليلة لا تحسب في التاريخ بشيء وصل الإسلام من أقصى الأرض إلى أقصاها، بل ودخل الناس في دين الله أفواجاً، راغبين غير مكرهين. إذاً: فنحن نسأل هذا السؤال ونهدف من ورائه لمعرفة المقومات التي أنجحت رسالة الإسلام. من المعلوم أن الرسالة من الممكن أن تحقق نجاحاً ذاتياً في أي مكان تقوم به؛ لأن الرسالة في ذاتها عظيمة تصلح لكل زمان ومكان، لكن من منظور هذه المجموعة من الدروس نحن نقول: كيف نبني أمة؟ فأول البناء هو وضع الأساس، ونحن نريد أن نعرف لماذا ربنا سبحانه وتعالى اختار هذا المكان بالذات لوضع الأساس لهذا المشروع العظيم، مشروع الإسلام. ما هي مواصفات هذا المكان؟ ما هي ظروفه؟ ما هي طبيعته؟ لو استطعنا أن نعرف هذه المواصفات لسوف نستخرج قواعد في غاية الأهمية لإعادة بناء الأمة الإسلامية على أساس صحيح، وسوف نعلم ما هي البيئة التي يمكن أن تكون أصلح لنشأة الدعوة الإسلامية، ولنشأة هذا الدين وتمكينه. أما الحكمة الكامنة وراء ذلك الأمر فلا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن نحاول أن نبحث على قدر الاستطاعة، ونسأل الله عز وجل التوفيق.
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فمع الدرس الثالث من دروس السيرة النبوية: الفترة المكية. هناك سؤال قد يستغربه البعض: لماذا ينزل الوحي في مكة؟ لماذا تحدث قصة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية؟ لماذا لم يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم في فارس أو الروم، أو في فلسطين مثل بقية الأنبياء، أو في مصر مثل سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام؟ إخواني! لا توجد نقطة واحدة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم عشوائية؛ إذ كل شيء بحساب، كل شيء مقصود؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سيكون قدوة لكل المسلمين إلى يوم القيامة، فلابد أن تكون كل خطوة في هذه الشخصية محسوبة تماماً. كان الوضع في جزيرة العرب هو الوضع المناسب لقيام الدعوة الإسلامية, يتضح ذلك من آثار التجربة الإسلامية الأولى، فقد كانت تجربة ناجحة تماماً، والبيئة التي نشأت فيها الرسالة كانت بيئة صالحة، فقد رأينا الإسلام ينتشر بسرعة في الأرض، ففي غضون سنوات قليلة لا تحسب في التاريخ بشيء وصل الإسلام من أقصى الأرض إلى أقصاها، بل ودخل الناس في دين الله أفواجاً، راغبين غير مكرهين. إذاً: فنحن نسأل هذا السؤال ونهدف من ورائه لمعرفة المقومات التي أنجحت رسالة الإسلام. من المعلوم أن الرسالة من الممكن أن تحقق نجاحاً ذاتياً في أي مكان تقوم به؛ لأن الرسالة في ذاتها عظيمة تصلح لكل زمان ومكان، لكن من منظور هذه المجموعة من الدروس نحن نقول: كيف نبني أمة؟ فأول البناء هو وضع الأساس، ونحن نريد أن نعرف لماذا ربنا سبحانه وتعالى اختار هذا المكان بالذات لوضع الأساس لهذا المشروع العظيم، مشروع الإسلام. ما هي مواصفات هذا المكان؟ ما هي ظروفه؟ ما هي طبيعته؟ لو استطعنا أن نعرف هذه المواصفات لسوف نستخرج قواعد في غاية الأهمية لإعادة بناء الأمة الإسلامية على أساس صحيح، وسوف نعلم ما هي البيئة التي يمكن أن تكون أصلح لنشأة الدعوة الإسلامية، ولنشأة هذا الدين وتمكينه. أما الحكمة الكامنة وراء ذلك الأمر فلا يعلمها إلا الله عز وجل، لكن نحن نحاول أن نبحث على قدر الاستطاعة، ونسأل الله عز وجل التوفيق.
سلسلة السيرة النبوية_بدء الوحي الهدف من دراسة السيرة النبوية هو استخراج المواقف والعوامل التي بها يعود بناء الأمة على أساس متين، فقد كانت سيرته صلى الله عليه وسلم وحياً، وكل خطوة من خطواته كانت مؤيدة بالوحي، وقبل البعثة صنع على عين الله تعالى ورعايته، فقد حفظه الله عز وجل من عبادة الأصنام، ومن الأخلاق السيئة التي كانت سائدة في الجاهلية، فما علينا إلا أن نقفو كل موقف وكل خطوة من خطواته لنستلهم منها ما يكون به إعادة بناء الأمة بناء صحيحاً.
عظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وكبير مقامه بين الخلق
[عظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وكبير مقامه بين الخلق]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فها نحن اليوم مع موضوع من أهم الموضوعات في حياة المسلمين، بل في حياة الأرض بأكملها، نحن مع سيرة رجل هو أعظم رجل خلقه الله عز وجل منذ خلق آدم وإلى يوم القيامة. الناس عادة يتفوقون في مجال ويتأخرون في آخر، لكن هذا الرجل تفوق في كل مجال، تفوق في عبادته، في معاملاته، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في زهده، في حكمته، في ذكائه، في تواضعه، في كل شيء، إن هذا الرجل بحق قد سبق غيره! فمع سيرة الإنسان الذي خاطبه الله عز وجل وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. بل قد أقسم الله جل وعلا بحياة هذا الرجل فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]. مع سيرة الرجل الذي لن يحاسب الله عز وجل الخلائق يوم القيامة إلا عندما يشفع لهم، وكل نبي في الموقف لن يشفع حتى لأتباعه المؤمنين به إلا بعد أن يشفع هذا الرجل. مع سيرة الرجل الذي لن ندخل الجنة إلا خلفه، ولن نروى يوم القيامة إلا من حوضه وكوثره، وهذا متوقف على معرفتنا بسيرته ونهجه، واتباعنا له فيهما، فإن صنعنا ذلك كانت لنا النجاة في الدنيا والآخرة، وإن جهلنا طريقته أو خالفناها قيل لنا: سحقاً سحقاً. نحن أمام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الماحي الذي محا الله عز وجل به الكفر، وأول من يبعث من الخلائق يوم القيامة، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلم. أمام سيرة الرجل الذي فتحت له أبواب السماء ليخترقها بجسده إلى ما بعدها، لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل في رحلة المعراج إلى السماء وطرق الباب أجاب الملك فقال: (من؟ قال: جبريل. قال: ومن معك؟ قال: محمد. قال: أو أرسل إليه؟ قال: نعم) ففتح باب السماء، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان لم يدخله بشر قبل ذلك وهو حي. نعم، هذا هو الرجل الذي وصل إلى مكان لم يصل إليه بشر، ولم يتجاوزه حتى جبريل الملك العظيم، ويصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنه الرجل الذي شاهد الجنة والنار بعينه لا بعقله. ونحن هنا لا نقارن عظمة هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بعظمة بوذا وكونفوشيوس وهتلر ولينين وستالين كما فعل صاحب كتاب الخالدون المائة، وإن كان قد جعل أعظمهم محمداً، والعجيب أنك تجد الناس فرحين بذلك الكتاب. إن مقام هذا الرجل لا يسمح إلا بأن نضعه في مصافِّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ في رتبة أعلى من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل أنبياء الله عز وجل عليهم الصلاة والسلام أجمعين، في مقام ضخم جداً نقارنه بالملائكة أجمعين، بملك الأرزاق، بملك البحار، بملك الجبال، بحملة العرش، بل وبجبريل عليه السلام، جبريل لما وصل إلى سدرة المنتهى لم يستطع أن يتقدم، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تقدمت خطوة لاحترقت)، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم مكنه الله عز وجل أن يتقدم، فتقدم للقاء الله عز وجل. إن عظم مقام هذا الرجل جعل له ذكراً خالداً، وعلى قدر هذه العظمة يجب أن يكون اهتمامنا بسيرته وحياته، وبكل دقيقة مرت من حياته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
[عظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وكبير مقامه بين الخلق]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فها نحن اليوم مع موضوع من أهم الموضوعات في حياة المسلمين، بل في حياة الأرض بأكملها، نحن مع سيرة رجل هو أعظم رجل خلقه الله عز وجل منذ خلق آدم وإلى يوم القيامة. الناس عادة يتفوقون في مجال ويتأخرون في آخر، لكن هذا الرجل تفوق في كل مجال، تفوق في عبادته، في معاملاته، في شجاعته، في كرمه، في حلمه، في زهده، في حكمته، في ذكائه، في تواضعه، في كل شيء، إن هذا الرجل بحق قد سبق غيره! فمع سيرة الإنسان الذي خاطبه الله عز وجل وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. بل قد أقسم الله جل وعلا بحياة هذا الرجل فقال: {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر:72]. مع سيرة الرجل الذي لن يحاسب الله عز وجل الخلائق يوم القيامة إلا عندما يشفع لهم، وكل نبي في الموقف لن يشفع حتى لأتباعه المؤمنين به إلا بعد أن يشفع هذا الرجل. مع سيرة الرجل الذي لن ندخل الجنة إلا خلفه، ولن نروى يوم القيامة إلا من حوضه وكوثره، وهذا متوقف على معرفتنا بسيرته ونهجه، واتباعنا له فيهما، فإن صنعنا ذلك كانت لنا النجاة في الدنيا والآخرة، وإن جهلنا طريقته أو خالفناها قيل لنا: سحقاً سحقاً. نحن أمام سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الماحي الذي محا الله عز وجل به الكفر، وأول من يبعث من الخلائق يوم القيامة، وحامل لواء الحمد يوم القيامة، وصاحب المقام المحمود والحوض المورود صلى الله عليه وسلم. أمام سيرة الرجل الذي فتحت له أبواب السماء ليخترقها بجسده إلى ما بعدها، لما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جبريل في رحلة المعراج إلى السماء وطرق الباب أجاب الملك فقال: (من؟ قال: جبريل. قال: ومن معك؟ قال: محمد. قال: أو أرسل إليه؟ قال: نعم) ففتح باب السماء، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان لم يدخله بشر قبل ذلك وهو حي. نعم، هذا هو الرجل الذي وصل إلى مكان لم يصل إليه بشر، ولم يتجاوزه حتى جبريل الملك العظيم، ويصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنه الرجل الذي شاهد الجنة والنار بعينه لا بعقله. ونحن هنا لا نقارن عظمة هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بعظمة بوذا وكونفوشيوس وهتلر ولينين وستالين كما فعل صاحب كتاب الخالدون المائة، وإن كان قد جعل أعظمهم محمداً، والعجيب أنك تجد الناس فرحين بذلك الكتاب. إن مقام هذا الرجل لا يسمح إلا بأن نضعه في مصافِّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ في رتبة أعلى من نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وكل أنبياء الله عز وجل عليهم الصلاة والسلام أجمعين، في مقام ضخم جداً نقارنه بالملائكة أجمعين، بملك الأرزاق، بملك البحار، بملك الجبال، بحملة العرش، بل وبجبريل عليه السلام، جبريل لما وصل إلى سدرة المنتهى لم يستطع أن يتقدم، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو تقدمت خطوة لاحترقت)، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم مكنه الله عز وجل أن يتقدم، فتقدم للقاء الله عز وجل. إن عظم مقام هذا الرجل جعل له ذكراً خالداً، وعلى قدر هذه العظمة يجب أن يكون اهتمامنا بسيرته وحياته، وبكل دقيقة مرت من حياته الشريفة صلى الله عليه وسلم.
﴿ سُبحانَكَ لا عِلمَ لَنا إِلّا ما عَلَّمتَنا إِنَّكَ أَنتَ العَليمُ الحَكيمُ ﴾
قصة نزول الوحي وأهميته
[قصة نزول الوحي وأهميته] سنبتدئ القصة من الآن، لكنها بداية غير تقليدية، لن نبتدئ من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن من نقطة نزول الوحي، وليس هذا تقليلاً من أهمية الأربعين سنة من حياته صلى الله عليه وسلم التي سبقت الوحي، لكن منظور هذه المجموعة هو كيف نبني أمة؟ نحن لن نحكي حكاية الرسول صلى الله عليه وسلم من الميلاد إلى الممات، لكن سوف نستخرج نقاطاً هامة تفيد في بناء الأمة الإسلامية. الإسلام كدين وكشرع وطريقة بدأ على الأرض منذ لحظة نزول الوحي، ولذلك سنبدأ بالحديث من هذه النقطة، فهذا لا يمنع من أننا نرجع لتحليل بعض النقاط في حياة رسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة إذا كان لها علاقة في التمهيد للبعثة، لكن هذا لن يكون بالترتيب المألوف. كانت لحظة نزول الوحي على رسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء لحظة عظيمة في تاريخ البشرية، بل إنها أعظم لحظة مرت في تاريخ الأرض ككل إلى يوم القيامة، كثيراً ما نسمع عن هذا الحدث المهيب، لكن القليل منا من يعطي لهذا الحدث قدره، فالله سبحانه وتعالى أرسل رسولاً إلى الإنسان، ما رأيك لو أنك تلقيت رسالة من زعيم دولة عظمى ووصلت إلى بيتك، يقول لك فيها: أنا أحبك، وخائف عليك، ومهتم بك، وعندي لك خير كثير. ما موقفك لو تلقيت رسالة بهذا الوعد من هذا الملك العظيم، ولله المثل الأعلى؟! يا ترى كيف سيكون اهتمامك بالرسالة؟ إن الله سبحانه وتعالى بعظمته وجبروته وقدرته وقوته أرسل رسولاً إلى هذا الإنسان البسيط الضعيف الذي يعيش على ظهر كرة معلقة في الفضاء، لا تكاد ترى في الكون الفسيح، هذا حجم الأرض بالنسبة لحجم الكون، فكيف سيكون حجم الإنسان بالنسبة لحجم الأرض؟ حجم الإنسان بالنسبة لحجم الكون شيء لا يتخيل، كذلك حجم الإنسان بالنسبة للملائكة. إن الناس لا يقدرون لهذا الحدث قدره؛ لأنها لا تعطي لله عز وجل قدره. إن الله جل وعلا لا يحتاج إلينا ولا لغيرنا، لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، ومع ذلك من رحمته بنا وحبه لنا أرسل إلينا رسالة هداية وبشرى وإنذار، وهذه الرسالة نزل بها أشرف الملائكة جبريل عليه السلام، على أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، بأشرف الكلام القرآن الكريم. في لحظة الوحي هذه نزل الكلام الذي سيظل دستوراً في الأرض إلى يوم القيامة، هذا الحدث فيه تكريم للإنسان، كما قال ربنا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]، ومن أعظم صور التكريم أن أنزل له الوحي، ونزلت له الهداية من رب العالمين سبحانه وتعالى. أحياناً لا يقدر الإنسان قيمته كإنسان، والله يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]، وأرسل له رسولاً من السماء إلى الأرض، وأتى معه بدستور كامل يوضح له كل نقطة في حياته، لكن الإنسان لا يقدر قيمته كإنسان، فأحياناً يقضي حياته في ترف وملذات وشهوات وأوقات ضائعة وطموحات تافهة، وأحياناً يظلم غيره ويؤذيه ويعذبه، هو لا يدري أنه إنسان مكرم يظلم إنساناً مكرماً، بل إن قيمة الإنسانية تنحدر إلى درجات هي أقل بكثير من درجات الحيوانية، لكن التفكر في لحظة الوحي يغير كثيراً من مفهوم الإنسان عن نفسه، وإخوانه من البشر، والأرض التي يعيش عليها. الوحي عبارة عن رسالة من رب العالمين إلى الإنسان، رسالة لك ولي ولكل واحد على وجه الأرض، افعل ولا تفعل. الوحي هداية ونور ودليل ليس مجرد تكاليف وقيود أبداً. الوحي نعمة ورحمة من ربنا سبحانه وتعالى، الله عز وجل المطلع على كل شيء، العالم بكل شيء، الذي يدرك الماضي والحاضر والمستقبل يقول لك: من مصلحتك في هذه النقطة أن تفعل كذا، وإياك إياك أن تفعل كذا، فاتباعك للوحي فيه سعادة الدنيا والآخرة، ومخالفتك للوحي فيه شقاء الدنيا والآخرة. تخيل نفسك تائهاً في الصحراء ولا تدري أين الطريق، وأنت على مشارف الموت، وفجأة وجدت دليلاً ليس فقط يأخذك لمكان فيه أكل أو شرب، لا، بل لأحسن مكان في الكون ولا يريد منك أي شيء، كل هذا من أجل مصلحتك، فهذا هو الوحي في وسط التيه الكبير الذي تعيشه البشرية يأتي ليأخذ بأيدي الناس إلى السعادة في الدنيا، والسعادة في الآخرة في الجنة. يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:123 - 124] أي: من يعيش في التيه الذي اختاره بنفسه، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:124 - 126] أي: أتاك الوحي فنسيته، وسمعت به ولم ترض أن تتبعه، {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:126]، تداعيات ضخمة تحدث للإنسان بحسب فقهه لقيمة الوحي، الذي يتبع الوحي لا يضل ولا يشقى في الدنيا والآخرة
[قصة نزول الوحي وأهميته] سنبتدئ القصة من الآن، لكنها بداية غير تقليدية، لن نبتدئ من ميلاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن من نقطة نزول الوحي، وليس هذا تقليلاً من أهمية الأربعين سنة من حياته صلى الله عليه وسلم التي سبقت الوحي، لكن منظور هذه المجموعة هو كيف نبني أمة؟ نحن لن نحكي حكاية الرسول صلى الله عليه وسلم من الميلاد إلى الممات، لكن سوف نستخرج نقاطاً هامة تفيد في بناء الأمة الإسلامية. الإسلام كدين وكشرع وطريقة بدأ على الأرض منذ لحظة نزول الوحي، ولذلك سنبدأ بالحديث من هذه النقطة، فهذا لا يمنع من أننا نرجع لتحليل بعض النقاط في حياة رسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة إذا كان لها علاقة في التمهيد للبعثة، لكن هذا لن يكون بالترتيب المألوف. كانت لحظة نزول الوحي على رسول صلى الله عليه وسلم في غار حراء لحظة عظيمة في تاريخ البشرية، بل إنها أعظم لحظة مرت في تاريخ الأرض ككل إلى يوم القيامة، كثيراً ما نسمع عن هذا الحدث المهيب، لكن القليل منا من يعطي لهذا الحدث قدره، فالله سبحانه وتعالى أرسل رسولاً إلى الإنسان، ما رأيك لو أنك تلقيت رسالة من زعيم دولة عظمى ووصلت إلى بيتك، يقول لك فيها: أنا أحبك، وخائف عليك، ومهتم بك، وعندي لك خير كثير. ما موقفك لو تلقيت رسالة بهذا الوعد من هذا الملك العظيم، ولله المثل الأعلى؟! يا ترى كيف سيكون اهتمامك بالرسالة؟ إن الله سبحانه وتعالى بعظمته وجبروته وقدرته وقوته أرسل رسولاً إلى هذا الإنسان البسيط الضعيف الذي يعيش على ظهر كرة معلقة في الفضاء، لا تكاد ترى في الكون الفسيح، هذا حجم الأرض بالنسبة لحجم الكون، فكيف سيكون حجم الإنسان بالنسبة لحجم الأرض؟ حجم الإنسان بالنسبة لحجم الكون شيء لا يتخيل، كذلك حجم الإنسان بالنسبة للملائكة. إن الناس لا يقدرون لهذا الحدث قدره؛ لأنها لا تعطي لله عز وجل قدره. إن الله جل وعلا لا يحتاج إلينا ولا لغيرنا، لا تنفعه طاعة ولا تضره معصية، ومع ذلك من رحمته بنا وحبه لنا أرسل إلينا رسالة هداية وبشرى وإنذار، وهذه الرسالة نزل بها أشرف الملائكة جبريل عليه السلام، على أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، بأشرف الكلام القرآن الكريم. في لحظة الوحي هذه نزل الكلام الذي سيظل دستوراً في الأرض إلى يوم القيامة، هذا الحدث فيه تكريم للإنسان، كما قال ربنا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]، ومن أعظم صور التكريم أن أنزل له الوحي، ونزلت له الهداية من رب العالمين سبحانه وتعالى. أحياناً لا يقدر الإنسان قيمته كإنسان، والله يقول: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70]، وأرسل له رسولاً من السماء إلى الأرض، وأتى معه بدستور كامل يوضح له كل نقطة في حياته، لكن الإنسان لا يقدر قيمته كإنسان، فأحياناً يقضي حياته في ترف وملذات وشهوات وأوقات ضائعة وطموحات تافهة، وأحياناً يظلم غيره ويؤذيه ويعذبه، هو لا يدري أنه إنسان مكرم يظلم إنساناً مكرماً، بل إن قيمة الإنسانية تنحدر إلى درجات هي أقل بكثير من درجات الحيوانية، لكن التفكر في لحظة الوحي يغير كثيراً من مفهوم الإنسان عن نفسه، وإخوانه من البشر، والأرض التي يعيش عليها. الوحي عبارة عن رسالة من رب العالمين إلى الإنسان، رسالة لك ولي ولكل واحد على وجه الأرض، افعل ولا تفعل. الوحي هداية ونور ودليل ليس مجرد تكاليف وقيود أبداً. الوحي نعمة ورحمة من ربنا سبحانه وتعالى، الله عز وجل المطلع على كل شيء، العالم بكل شيء، الذي يدرك الماضي والحاضر والمستقبل يقول لك: من مصلحتك في هذه النقطة أن تفعل كذا، وإياك إياك أن تفعل كذا، فاتباعك للوحي فيه سعادة الدنيا والآخرة، ومخالفتك للوحي فيه شقاء الدنيا والآخرة. تخيل نفسك تائهاً في الصحراء ولا تدري أين الطريق، وأنت على مشارف الموت، وفجأة وجدت دليلاً ليس فقط يأخذك لمكان فيه أكل أو شرب، لا، بل لأحسن مكان في الكون ولا يريد منك أي شيء، كل هذا من أجل مصلحتك، فهذا هو الوحي في وسط التيه الكبير الذي تعيشه البشرية يأتي ليأخذ بأيدي الناس إلى السعادة في الدنيا، والسعادة في الآخرة في الجنة. يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:123 - 124] أي: من يعيش في التيه الذي اختاره بنفسه، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:124 - 126] أي: أتاك الوحي فنسيته، وسمعت به ولم ترض أن تتبعه، {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:126]، تداعيات ضخمة تحدث للإنسان بحسب فقهه لقيمة الوحي، الذي يتبع الوحي لا يضل ولا يشقى في الدنيا والآخرة
بدء الرسالة والأمر بالتبليغ
[بدء الرسالة والأمر بالتبليغ]
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، ثم نوديت، فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه حتى هويت على الأرض، فرجعت حتى أتيت خديجة فقلت: زملوني زملوني، دثروني دثروني) يعني: غطوني، بعد هذا الحدث مباشرة نزل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] أي: المتغطي بثيابه: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]، هذا أمر واضح بالرسالة والتبليغ والإنذار، حينها علم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رسول، عندها تغيرت حالة الرسول صلى الله عليه وسلم النفسية تماماً، وتحول من حالة الشك والحزن والاكتئاب التي كان يعيش فيها إلى حالة اليقين والعزيمة والإصرار والنشاط. وكانت السيدة خديجة تطلب منه أحياناً أن يستريح ولو قليلاً، فيقول: (مضى وقت النوم يا خديجة)، الآن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف كل شيء، عرف تفسير كل الأشياء الغريبة التي مرت به في حياته، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر، والرؤيا الصادقة، والرجل الذي جاءه في غار حراء، وبدأ الرحلة الطويلة، رحلة الدعوة إلى الله عز وجل، رحلة النبوة، رحلة البشارة والإنذار، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيات ولم يقعد إلى أن مات، قام وما ترك صغيراً ولا كبيراً، ولا سيداً ولا عبداً، ولا فرداً ولا قبيلة، إلا ودعاهم إلى الإسلام (مضى عهد النوم يا خديجة).
[بدء الرسالة والأمر بالتبليغ]
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، ثم نوديت، فرفعت بصري إلى السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه حتى هويت على الأرض، فرجعت حتى أتيت خديجة فقلت: زملوني زملوني، دثروني دثروني) يعني: غطوني، بعد هذا الحدث مباشرة نزل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] أي: المتغطي بثيابه: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]، هذا أمر واضح بالرسالة والتبليغ والإنذار، حينها علم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رسول، عندها تغيرت حالة الرسول صلى الله عليه وسلم النفسية تماماً، وتحول من حالة الشك والحزن والاكتئاب التي كان يعيش فيها إلى حالة اليقين والعزيمة والإصرار والنشاط. وكانت السيدة خديجة تطلب منه أحياناً أن يستريح ولو قليلاً، فيقول: (مضى وقت النوم يا خديجة)، الآن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف كل شيء، عرف تفسير كل الأشياء الغريبة التي مرت به في حياته، من سلام الحجر عليه، وشق الصدر، والرؤيا الصادقة، والرجل الذي جاءه في غار حراء، وبدأ الرحلة الطويلة، رحلة الدعوة إلى الله عز وجل، رحلة النبوة، رحلة البشارة والإنذار، فقام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآيات ولم يقعد إلى أن مات، قام وما ترك صغيراً ولا كبيراً، ولا سيداً ولا عبداً، ولا فرداً ولا قبيلة، إلا ودعاهم إلى الإسلام (مضى عهد النوم يا خديجة).
[منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في اختيار من يبدأ بدعوتهم]
أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصل بدعوته إلى كل إنسان على وجه الأرض، فبمن يبدأ؟ لكي نفهم منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار الناس الذين يبدأ بهم في الدعوة، لا بد أولاً أن نسأل هذا Q هل يؤمن الإنسان بقلبه أولاً، أم بعقله؟ يعني: إذا أردت أن تقنع إنساناً بفكرة ما هل من الأفضل أن يحبك أولاً بقلبه قبل أن يسمع الفكرة؟ بمعنى آخر: الحب أولاً أم الحجة؟ كلا الاثنين مهم، القلب والعقل مطلوبان. من الصعب جداً على الإنسان أن يقبل فكرة ما من إنسان يكرهه أو لا يحبه، غالباً ما يدخل معه في جدل عقيم وحوار طويل، ومناقشة قد لا تنتهي بخير، بينما على الناحية الأخرى هو يتقبل الكثير من الأفكار ممن يحب، مع أن هذه الأفكار قد تكون غريبة، وهذا واقع ملموس في حياتنا، لذا إذا كنت تريد من الناس أن تسمع كلامك لابد أن تجعلهم يحبونك أولاً. إن فكرة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة ومقنعة، إذا فكر فيها أي عقل سليم، ومع ذلك فالفكرة غريبة على أهل مكة، فقد مرت (600) سنة ليس فيها نبي، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، لذا استغرب الناس فكرة التوحيد على بساطتها ووضوحها، واستبعدوا فكرة أن يوجد رسول من البشر، كما في الحديث: (بدأ الإسلام غريباً). فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بدعوته كل أهل مكة، بل كل أهل الأرض أجمعين، فبدأ بأكثر الناس احتمالاً وقبولاً للفكرة دون تردد؛ من أجل أن يكونوا قاعدة قوية للدعوة نفسها، وحتى يساعدوه في أمر الدعوة، فأكثر الناس قبولاً لفكرته هم أكثر الناس حباً له، فكان هؤلاء هم الذين سيبدأ بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد شيء بالصدفة، كل شيء محسوب وعلى أساس ومنهج، وهذا المنهج لأهل الأرض أجمعين. إذاً: الحب هو أول مرحلة من مراحل الدعوة..
أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصل بدعوته إلى كل إنسان على وجه الأرض، فبمن يبدأ؟ لكي نفهم منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختيار الناس الذين يبدأ بهم في الدعوة، لا بد أولاً أن نسأل هذا Q هل يؤمن الإنسان بقلبه أولاً، أم بعقله؟ يعني: إذا أردت أن تقنع إنساناً بفكرة ما هل من الأفضل أن يحبك أولاً بقلبه قبل أن يسمع الفكرة؟ بمعنى آخر: الحب أولاً أم الحجة؟ كلا الاثنين مهم، القلب والعقل مطلوبان. من الصعب جداً على الإنسان أن يقبل فكرة ما من إنسان يكرهه أو لا يحبه، غالباً ما يدخل معه في جدل عقيم وحوار طويل، ومناقشة قد لا تنتهي بخير، بينما على الناحية الأخرى هو يتقبل الكثير من الأفكار ممن يحب، مع أن هذه الأفكار قد تكون غريبة، وهذا واقع ملموس في حياتنا، لذا إذا كنت تريد من الناس أن تسمع كلامك لابد أن تجعلهم يحبونك أولاً. إن فكرة الإسلام التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة ومقنعة، إذا فكر فيها أي عقل سليم، ومع ذلك فالفكرة غريبة على أهل مكة، فقد مرت (600) سنة ليس فيها نبي، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، لذا استغرب الناس فكرة التوحيد على بساطتها ووضوحها، واستبعدوا فكرة أن يوجد رسول من البشر، كما في الحديث: (بدأ الإسلام غريباً). فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخاطب بدعوته كل أهل مكة، بل كل أهل الأرض أجمعين، فبدأ بأكثر الناس احتمالاً وقبولاً للفكرة دون تردد؛ من أجل أن يكونوا قاعدة قوية للدعوة نفسها، وحتى يساعدوه في أمر الدعوة، فأكثر الناس قبولاً لفكرته هم أكثر الناس حباً له، فكان هؤلاء هم الذين سيبدأ بهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد شيء بالصدفة، كل شيء محسوب وعلى أساس ومنهج، وهذا المنهج لأهل الأرض أجمعين. إذاً: الحب هو أول مرحلة من مراحل الدعوة..
[بدء الرسول صلى الله عليه وسلم بخديجة في الدعوة إلى الإسلام ثم بأبي بكر وزيد بن حارثة] ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم برسالته أولاً إلى زوجته الصالحة خديجة رضي الله عنها، فكانت أول من آمن على ظهر الأرض، وكانت الوحيدة المتابعة لكل أحداث الوحي بكل تفاصيله منذ نزل جبريل في المرة الأولى بقول الله: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]، بل نستطيع أن نقول: إنها آمنت قبل التصريح بالرسالة، قبل: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2]، قالت: (كلا، والله لا يخزيك الله أبداً). فالسيدة خديجة أحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً لا يوصف، فكان هذا الحب هو الطريق لتصديق العقل. أيضاً الحب وحده لا يكفي، لابد أن يقتنع العقل، قالت: (إنك لتصل الرحم وتحمل الكل) إلى آخر الصفات، وهذه الصفات لا يمكن أن تكون في كذاب أو منافق، كذلك لا يمكن أن ربنا سبحانه وتعالى يخزي مثل هذا. ثم الكلام الذي قاله الملك ليس من كلام العرب ولا من كلام البشر، مع أن الحروف عربية. إذاً: هناك طاقة فوق إمكانيات البشر، وهذه الطاقة لابد أن تكون لله عز وجل، كل هذا دار في ذهن السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها، لكن لا أعتقد أبداً أنه كان سيدور بهذه السلاسة وهذه السرعة لو كان بينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم مشاكل وكراهية مستحكمة. إذاً: الحب أولاً ثم الحجة ثانياً. ثم ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أحب الرجال إلى قلبه، لو كانت السيدة خديجة هي أحب النساء إلى قلبه فإن أبا بكر الصديق هو أحب الرجال إلى رسول صلى الله عليه وسلم، كما صرح هو بذلك لما سئل عن أحب الرجال إليه؟ فقال: أبو بكر بدون تردد، وسيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لم يخيب ظن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد نور الله عز وجل قلبه، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة -أي: تردد ونظر- إلا أبا بكر ما إن ذكرته له حتى آمن وما تردد فيه)، لم يفعل أحد من البشر مثل هذا الفعل إلا هو والسيدة خديجة رضي الله عنها ورضي الله عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين. فسرعة إيمان أبي بكر يحتاج إلى دراسة، نقول: إن الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان أقرب الناس إلى أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكثيراً ما يختار من الآراء ما يختاره الرسول صلى الله عليه وسلم حتى في غياب أحدهما عن الآخر، ولم يمش على الأرض من هو خير من الصديق إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. كان بين الصديق رضي الله عنه وأرضاه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم توافق عجيب في أمور كثيرة من أمور الأخلاق، أشهرها: الصدق، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو الصادق الأمين، وأبو بكر هو الصديق رضي الله عنه وأرضاه، كذلك المروءة وخدمة الناس والتواضع والكرم والعفة، والبعد عن أماكن الفساد، كل هذه الأشياء أدت إلى سرعة إيمان الصديق رضي الله عنه وأرضاه. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، وكان بينهما حب كبير لدرجة أن زيد بن حارثة من بين كل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنه ابنه، وكان معروفاً بين الناس بـ زيد بن محمد وزيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه كان يحب الرسول صلى الله عليه وسلم حباً شديداً، بل فضله على أبيه وعمه، وكان لهذا قصة هي: أن زيد بن حارثة خُطف من أبيه من قبيلة بعيدة عن مكة وبيع في سوق الرقيق، واشتراه حكيم بن حزام رضي الله عنه وأرضاه، ابن أخي السيدة خديجة رضي الله عنها ثم أهداه لها، ولما تزوجت الرسول صلى الله عليه وسلم أهدته زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، وأصبح زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرت الأيام وعلم حارثة بن شرحبيل أن ابنه في مكة، فجاء إليها هو وعم زيد، وقالا للرسول صلى الله عليه وسلم: (خذ ما شئت من المال نظير أن ترد زيداً إلينا، فقال لهما: وهل لكما فيما هو خير من الفداء؟ فقالا: وما هو؟ قال: أدعوه لكما فخيراه بيني وبينكما، فإن اختاركما فهو لكما بغير مال، وإن اختارني فما أنا بالذي يرغب عمن يختاره)، هذه الأخلاق كلها كانت قبل البعثة، صنع على عين الله عز وجل، صنع ليكون نبياً صلى الله عليه وسلم، عندها قال الرجلان: (لقد أنصفت وبالغت في الإنصاف، فجيء بـ زيد وقيل له: من هذان؟ قال: هذا أبي حارثة بن شرحبيل وهذا عمي كعب، فقال صلى الله عليه وسلم: قد خيرتك إن شئت مضيت معهما، وإن شئت أقمت معي..
[مراحل الدعوة الجهرية والبدء بدعوة الأقربين] إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، إنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فهذا هو الدرس السادس من دروس السيرة النبوية المطهرة المشرفة. ذكرنا في الدرس السابق ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من بداية الدعوة السرية في أرض مكة، وكانت هذه الفترة قرابة ثلاث سنوات كاملة، وبلغ عدد المسلمين في آخر هذه الفترة نحو ستين فرداً من الرجال ومن النساء، وأصبح من المتعذر على أهل مكة أن يستأصلوا الإسلام بكامله؛ لأنهم كانوا من قبائل مختلفة، ومعظمهم من الأشراف، وهنا أذن الله عز وجل لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة، وكانت مرحلة الدعوة الجهرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرحلة جديدة. في أوائل هذه المرحلة أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته، بينما ظل بقية المسلمين في سرية ولم يجهروا، وهذا تدرج واضح في إيصال الدعوة للناس. أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وأن يبدأ بأقاربه دون بقية الناس، وهذا أيضاً نوع من التدرج في إيصال الدعوة إلى الناس، قال الله له: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214]، ولماذا الأقربون بالذات؟ أولاً: لوجود حب فطري للداعية لأقاربه، وهم أقرب إلى الإجابة من غيرهم؛ إذ القريب ليست بينه وبين الداعية حواجز قبيلة أو عنصرية فهو يحبه حباً فطرياً. ثانياً: حمية قبلية تدافع عنه، فهذا يعطي للداعية قوة، وبالذات إذا كانت للداعية عائلة كبيرة، فلو آمنت هذه العائلة بدعوته لأصبحت عضداً له في دعوته. ثالثاً: أن دعوة الأقارب هي المسئولية الأولى الملقاة على عاتق الداعية: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته). ومن هنا جاءت أهمية صلة الرحم وأهمية دعوة الأقربين، فلو أن الداعية يحارب من داخل بيته أو عشيرته أو قبيلته، أو أن أباه أو زوجته أو ابنه يعوق مسيرته، فإن هذه أمور تعيق طريق الدعوة. وهناك نقطة بنائية هامة لابد أن نخرج منها: وهي أن دعوة الأقربين أهم من دعوة عامة الناس؛ فهذا لوط عليه السلام عندما جاءه قومه يراودونه عن ضيفه، قال لهم: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80]؛ لأن لوطاً عليه السلام لم تكن له عائلة قوية، فكان يتمنى لو أن له عائلة قوية لوقف أمام القوم يدافع عن ضيوفه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم تعليقاً على هذا الكلام: (رحمة الله على لوط، لقد كان يأوي إلى ركن شديد -وهو الله عز وجل-، فما بعث الله بعده من نبي إلا في ذروة من قومه)، ليس عيباً أن الإنسان يحتمي بقومه وبعشيرته وبقبيلته مادام لا يتنازل عن شيء من عقيدته ودينه، على النقيض من هذا الموقف كان موقف شعيب عليه السلام، وانظر إلى قومه عندما جاءوا إليه ليعترضوا عليه قالوا: {وَلَوْلا رَهْطُكَ} [هود:91]، ولولا العائلة الضخمة الكبيرة التي تأوي إليها: {وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ} [هود:91]. إذاً: دعوة الأقربين هامة جداً في بناء الأمم، بل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نزلت عليه هذه الآية: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] تحرك بسرعة صلى الله عليه وسلم، ودعا (45) من أهله إلى الطعام، والدعوة إلى الطعام ترقق القلوب؛ لأن فيها ألفة ومودة، فمن أجل أن يكلمهم في أمر الدعوة دعاهم أولاً إلى الطعام، ثم بعد ذلك يبلغهم أمر الدعوة، لكن قبل أن يتكلم الرسول صلى الله عليه وسلم وقف أبو لهب وقال: هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصُّباة، واعلم أنه ليس لقومك طاقة بالعرب قاطبة. كان أبو لهب يسمع بأمر الدعوة وأمر الإسلام، ولكنه لم يعترض على الإسلام من قبل، ولم يعترض أحد من أهل قريش قبل ذلك، ومع اكتشافهم لبعض المسلمين؛ لأن المسلمين كانوا يكتفون بعبادات فردية، ويعبدون الله عز وجل في بيوتهم، فظن أهل قريش أنهم يفعلون أفعال الذين تنصروا أو اتخذوا الحنيفية ديناً، وأهل الباطل لا يمانعون أن تعبد ما تشاء في بيتك دون تدخل في المجتمع، أما أن يجمع محمد صلى الله عليه وسلم الناس، ويبدأ في دعوتهم إلى ما هو عليه، ثم يسفه ما يعبدون من دون الله، ثم يحكمون الله في أمورهم! فهذا ما يرفضه أهل الباطل من قريش. كانت هذه مبادرة أبي لهب، ثم أتبعها بكلام شديد، قال: ما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر مما جئت به، فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يدع الناس، ولم يدخل في جدل مع أبي لهب، وهي حكمة نبوية بالغة؛ لأن الظرف غير موات، فليس من الحكمة إلقاء الدعوة في هذا الجو، وأبو لهب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وله أتباع وأنصار، فليجمع الرسول صلى الله عليه وسلم..
[موانع دخول أهل مكة في الإسلام] قبل الحديث عن خطة مكة في القضاء على الدعوة الإسلامية لابد أن نبحث في موانع الإسلام عند أهل مكة، لماذا لم يؤمن أهل مكة؟ هل لأنهم لم يقتنعوا بالدعوة؟ لماذا حاربوا الدعوة ولم ينصروها مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم ومن داخلهم؟ ألأنهم لم يدركوا الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنا لا أعتقد هذا مطلقاً، على الأقل الغالبية منهم، فقد كانت الرسالة واضحة جداً، كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14]، القرآن كلام معجز، وهؤلاء هم أهل اللغة، ويعرفون أن هذا الكلام ليس من كلام البشر، ويعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله فعلاً ولا يكذب، ومع ذلك كان أبي بن خلف يقابل الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول له: إني سأقتلك، فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: بل أنا أقتلك إن شاء الله. فمرت الأيام وخرج أبي بن خلف متردداً إلى أحد يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضربه صلى الله عليه وسلم بسهم أصاب منه خدشاً في كتفه، فكان أبي بن خلف يصرخ من هذا الخدش صراخاً شديداً، فقال له الناس: هون عليك هذا أمر سهل، فقال أبي بن خلف: إنه قال لي بمكة: أنا أقتلك، فوالله لو بصق علي لقتلني! فانظروا إلى مدى تصديقه لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فأين كان عقلك يا أبي؟ أين كان عقل الذين سمعوك ولا يزالون يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم؟ إذاً: أهل مكة كانوا يوقنون أن هذا الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحق لا ريب فيه، فلماذا كذبوه؟ ذكرنا من الأسباب: التقاليد الذي كان عند أبي طالب والجبن الذي كان عند أبي لهب. من الأسباب أيضاً التي منعت بعض الناس من دخول الإسلام: القبلية، ففي مكة قبائل كثيرة، بل في داخل قريش بطون كثيرة، فـ أبو جهل من بني مخزوم، وكان يقول: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان، قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه. فالتعصب لقبلية أو لقومية أو لعرق معين من شيم الجاهلية، وأعداء الأمة يستغلون هذا المدخل منذ القديم وإلى يوم القيامة، وهذه هي النقطة التي دخل منها اليهود والإنجليز لإسقاط الدولة العثمانية، عندما فرقوا المسلمين إلى عرب وأتراك. وهي النقطة التي دخل منها الفرنسيون لإسقاط الجزائر عندما فرقوا المسلمين إلى عرب وبربر. وهي النقطة التي دخل منها شاس بن قيس اليهودي لعنه الله للتفرقة بين الأنصار إلى أوس وخزرج. ومن الناس من منعه الكبر عن الإسلام، وما أكثر الذين امتنعوا عن لزوم الحق بسبب الكبر، قال الله: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34]، فالكبر يقود إلى الكفر. وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبر بقوله: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، (بطر الحق) أي: تعرف الحق ثم تنكره. (وغمط الناس): أي: احتقارهم. وانظر إلى كلام الوليد بن المغيرة الذي حكاه القرآن الكريم، قال الله عز وجل في كتابه: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] القريتان هما: مكة، والطائف، فالمقصود بالعظيم في مكة هو الوليد بن المغيرة، والعظيم في الطائف هو عروة بن مسعود الثقفي، فيقولون: لو كان نزل القرآن على رجل عظيم لكنا آمنا به، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق، لكنهم يقيسون العظمة بكثرة الأموال لا بقيم الأخلاق والدين والعقيدة، فالله عز وجل يوضح في كتابه الكريم أن الذي يتصف بصفة الكبر من المستحيل أن يتبع الحق، قال الله عز وجل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146] أي: أن الله عز وجل بنفسه هو الذي سيصرف أولئك الذين يتكبرون عن آياته سبحانه وتعالى. ومن الناس من منعه الخوف على السيادة والحكم في أرض مكة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد تحكيم الله عز وجل في أمور العبادة، وهو صلى الله عليه وسلم ناقل عن رب العزة، وسيسحب البساط من تحت أقدام الزعماء كـ أبي سفيان وغيره؛ وذلك إن انتشر دين الإسلام بمكة، فكان الخوف على الحكم .
[المراحل السلمية لصد الدعوة الإسلامية] الدعوات الصحيحة لابد أن تحارب، ولابد أن يجتمع عليها أهل الباطل، قد تؤجل المعركة، قد تأخذ صوراً مختلفة، ولكن لابد لها من حدوث. بدأ الكفار في الكيد، وسلكوا السبيل الذي سلكه من قبلهم في صدر التاريخ، والذي سلكه أمثالهم إلى يومنا هذا، والذي سيظل كذلك إلى يوم القيامة، سنة الله عز وجل: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب:62] بدءوا يأخذون خطوات متدرجة لإيقاف المد الإسلامي، ونفس الخطوات تتكرر في كل زمان، يقول الله عز وجل: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53]، فهل أوصى بعضهم بعضاً بنفس الأساليب ونفس الطرق؟ قد تختلف اختلافات طفيفة لاختلاف الزمان أو المكان، لكن الأفكار واحدة، وطرق الصد واحدة.
HTML Embed Code: