TG Telegram Group Link
Channel: هـُدهُـد
Back to Bottom
وأنا صغير دخلتُ على نفرٍ من النّاس يشاهدون فيلم الرّسالة، فألقيتُ نظرة على الشّاشة، فعلّقتُ بعفويّة: المطاوعة يتقاتلوا بينهم البين؟!
فتبدّل اندماجهم الجاد إلى ضحك ألقاهم صرعى على السّجاد كأنّهم بقيّة من قوم عاد- حلو السّجع-.

لماذا جمعت الكفّار والمسلمين في لفظ مطاوعة؟
لأنّ جميعهم ذوو لحى، وكما زرع الزّراع في أذهان النّاس أن اللّحية سمة الذي أظهر التزامه الدّيني، فسمّي «مطوع» وهذه تسمية لم أرَ أحدًا قطّ استخدمها إلا وأراد بها التّحقير.

أكثر عبارة اسمعها عن «المطاوعة» إن المطوّع يربّي لحيته ليتستّر بقناع الدّين، وهذه صورة ذهنيّة جاءت من تجارب مسبقة، شخصٌ وثق بشخصٍ ملتحٍ وظنّ به خيرا، فصُدم لمّا خاب ظنّه وثقته.
لماذا وثق به، أو بالأحرى لماذا غرّته اللحية؟
لأنّها في ذهنه الصّفة الدّالة على العابد الزّاهد الحافظ لكتاب الله وسنّة رسوله، وهنا أحبّ أقول لهذا الشّخص أن المؤمن فطن، وأنت غِر، فالثّقة لا تأتي إلا بعد معرفة وتجربة، ولو كنّا نقيّم النّاس حسب أشكالهم، لكنّا أغباء ديانة على وجه الأرض، فأعلم أن ما أوقعك في الخيبة هي حماقتك لا لحيته، وحماقتك هي أيضًا من تجعلك الآن تزدري اللحيّة وتشكك بنوايا كلّ (مطوّع)، فقط لأنّه ملتحٍ.
لذلك أنا هنا، لأضع حدًا لحماقتك وأعيدك إلى رشدك، وسوف أخبرك أن اللحية محايدة، لا هي بيّنة صاحبها على صلاحه، ولا هي شبهة تثير حوله شكّ التستر بالدّين.
بالعودة إلى قصّة فيلم الرّسالة، ستلحظ أن اللحية جاهليّة، كان حمزة وعمر وعثمان ملتحين قبل بعثة النّبي عليه الصّلاة والسّلام، وتقاتل المسلمون والمشركون في بدر وجميعهم ذوو لحى، فماذا يعني هذا؟
أن اللحية سمة من سمات العربي، فحين ترى (مطوّعًا)، فقل (هذه هي صورة العربي الأصيل).
إذن، فلماذا يُقال إن اللحية سنّة؟
لمّا بعثُ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم كان العرب ملتحين ومشوربين، فقال لأصحابه «قصّوا الشّوارب واعفو اللحى»، فلو وضعت أمامك صورتين لعمر بن الخطّاب، إحداهما في جاهليته والأخرى في إسلامه، فقلتُ لك ما الفرق بينهما، لقلت: الشّارب، فيجدر بنا القول إن سنّة النبي عليه الصّلاة والسّلام جبّت الشّارب، وأعفت اللحية، إذن فهي سنّة لأن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أقرّها، لا لأنّه استحدثها.

وبناء على ما تقدّم، يفترض بأننا جميعًا ذوو لحى، لأنّنا عرب، وبلا شوارب، لأنّنا مسلمون اقتدوا بنبيّهم، لكنّنا لسنا كذلك إلا فئة قليلة، وهذه الأقلّيّة نراها تطوّعت بلحاها، فنسمّيهم (مطاوعة)، ونرى التّسمية مشيرةً إلى التّصنّع الدّيني، والحقيقة أنّ أمرهم ليس تطوّعًا ولا تصنّعًا، هم الذين يمثّلون الحالة الطّبيعيّة لهيئة العربي المسلم، ونحن الظاهرة الشّاذّة، وإن كنّا الغالبيّة الطّاغية، فالنّافر عن أصله، يبقى شاذًّا ولو طغى.
«ذاك الذي أسمعني ما أكره، كان بمقدوري أن أعلقه من لسانه كمشبك نشر الغسيل.
لكن رائحته الطيبة جعلتني أسأله عن اسم العطر المرشوش بين جوانحه.

أظن الرائحة الطيبة تُجزي عن الكلمة الطيبة، وأظن الاثنتين صدقة»
#ذكرى_زرقا 2020م

لاستشعاري بنعمة العطر، بحثت عن أصله، فشفت مؤرّخة فرنسية، تقول أصله من مملكة سبأ عصر بلقيس تحديدا!
إننا أصل كلّ جميل في الحياة
كيف تلقي صخرة عظيمة إلى مياه راكدة؟

صور الفتاة المحجّبة المنشورة على حساباتها الشّخصية في الانستقرام والفيسبوك، ظلّت محجوبة عن روّاد الميديا وكأنّها قطع كرتونية بلا ملامح تلفت نظرًا أو تثير إعجابًا وتعليقا!
ثمّ فجأة، صارت تلك الصّور أكثر تداولًا من ورقة العملة، وصارت الفتاة المغمورة ترند!
وما نزعت حجابها- والعياذ بالله- ولكنّها بكل دهاء تنقّبت وأعلنت توبتها مرفقًا بصورة ذات نقاب!
شغل أبالسة..

اللي تشتي تتوب على قولتها، تختفي مثل السر، مش تنشر صورة التوبة، عشان الناس تنشر صور الذّنوب!

#ذكرى_زرقاء
بعد هبوط آدم وحواء إلى غياط الأرض، جُعلت الجنّة خيالًا أدبيًا، وخُلق الأدباء؛ ليسكنوها ويروونها بأقلامهم حكايات يأويها القرّاء، ولأن إبليسًا يعرف من أين تؤكل الكتف، أولم لهم (شجرة الخلد) فأكلوا منها جميعًا إلا أنا، لأبقى بعد هبوط الجميع فردا، في مكان يسعني أن أضطجع، أقضي العمر منتظرًا أن تُخلقي من ضلعي.
الأعمى الدّجال

ألقت في هاتفها نظرةً، وإذا به ينفتح، فضحكتُ متعجّبًا، فسألتني: علام تضحك؟
قلت: على كلّ أمرٍ لا أملك تفسيره!
قالت: وأي أموري لا تملك تفسيره؟
قلتُ: كيف ملكتِ مفتاحه، فصار لا يُفتح إلا إذا تعرّض لعينيكِ؟!
قالت: بصمة العين في الهاتف قديمة يا متخلّف؟!
فغمزتها صديقتها التي كانت إلى جوارها وقالت لها: إنّما يعني قلبه لا هاتفكِ يا هبلا!
فضحكتُ متعجّبًا، فسألتني غاضبة: والآن ما الأمر الذي لا تملك تفسيره؟!
قلتُ: كيف أخطأتْه ذكيّةٌ لمّاحة، وصادته هبلا!؟
فنظرت في هاتفها، فنبّهتها صديقتها قبل أن تتكلّم: هو يعني قلبه أيضًا لا هاتفكِ، ركّزي!

فبكيتُ، فقالت صديقتها: لا تشفق عليّ، هذه سنّة الحياة، العقل وحسن الحظ لا يجتمعان لفتاة، إذ لابد لها أن تأخذ أحدهما، فأمّا وقد رأيتني ذكيّة، فأنّي سيئة الحظ، فلا يمكنني اصطياد مثلك!
قلتُ: ولكنّي أهبل، فلماذا لا يجرّكِ إليّ حظّك السيء؟!
فضحكتْ وفي عينها دمعة وانصرفت، فصرختُ: يا أيّها الأعمى الدّجال (أعني الحبّ) لماذا لا تجري خلفها!
لكن لا مفرّ من مواجهة الأقدار!
بقيتُ للهبلا، أشعر أنّي مثلها أهبل، قصّة حبّنا تشبه إلى حدٍّ كبير الأسطورة الشّعبية (ضاطة وضاط).
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
في مثل الوقت تمامًا خرجنا أمس من كامبالا، ونحن الآن على ضواحي نيروبي..
السفر خلال شرق إفريقيا متعة لا وعثاء..
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
الطريق إلى نيروبي.. شرق إفريقيا 💚
يومنا هذا الخميس وليس الأربعاء كما في ساعتي
وأنا صغير من صغار القرية، زرتُ مع عائلتي بعض الأهل الذين يسكنون المدينة، وكان معهم ولد في مثل سنّي، فكنتُ أرافقه أينما ذهب، وفي الحقيقة كان ذلك مخجلًا، أصدقاؤه يتنمّرون عليّ كولدٍ قروي أحمق، لا يعرف شيئًا، فكان يعلمني كيف أقطع الشّارع، كيف أمشي ولا أتلفّت حولي مثل المختل عقليًا، كيف أتكلّم، وكان يخرسني كثيرًا إذا شرعتُ في الكلام، ويتكلّم نيابة عنّي، لقد كنتُ في نظره أيضًا أحمقًا.

لكن رغم قسوة معاملته وتنمّره عليّ، تعلّقتُ به كثيرًا، لذلك حينما انتهت ضيافتنا في مدينتهم وعزمنا على العودة في إلى قريتنا، بقيتُ ألحُ على عائلتي أن نأخذ معنا هذا الولد، ليزور قريتنا، وقد كنتُ أقنعته بهذا الأمر، وصار هو أيضًا يلحُّ على عائلته. رضخت العائلتان، وسافر معنا وصار في قريتنا، يرافقني أينما ذهبتُ، وسبحان مغيّر الأحوال، لقد صار أضحوكة بين أصدقائي، وكأنني جلبتُ لهم من المدينة جحا على ظهر حمار، فكنتُ أعلّمه أصول كلّ شيء، كيف يلبس المعوز والجنبية، كيف يحمل البندقيّة، كيف يستخدمها، كيف يتكلّم مع النّاس، وأكثر عبارات أرددها عليه: أفعل كذا فضحتنا.. أسكت لا تفضحنا.. قع رجال، اشتحط..

ونحن كبار، ألتقيت مع ذلك الصّديق، فتذاكرنا أخبار الطفولة، فقال: لا أغبى من طفل قروي زار المدينة، أو طفل متمدّن زار القريّة، وذكر لي تلك القصّة القديمة وكيف تبدّلت أحوالنا، فضحكتُ وقلتُ له: هذا في خيالك، في الحقيقة الطّفل المتمدّن غبي ويظلّ طفلًا حتّى يكبر، بينما القروي فطن منذ طفولته، والدّليل أنّك حتّى الآن لم تفطن أنّي أخذتُك إلى قريتي، لكي أنتقم!
على قارعة الطريق..
يوم أمس، في المقهى، وأمامي هذا الكأس، ذكرني الفيس بمنشورٍ عائدٍ من 2021م:
«لابد أن هناك حكمةً في أن الجميلات لا يشربنّ القهوة!».

فذكرتُ هند عودة لأنّها كانت أبرز المحتجّين على مضمونه، لكنّي لم أجد تعليقها، وهذا ما حوّل المنشور إلى منشار بيد الحنين.. حنين الشّغوف إلى حرفٍ نادر توارى عن الفضاء!
بعد أن أخبرني أن الإسلام مكتفيٌ بالقرآن ولا يحتاج إلى غيره، أهداني أربعة كتب أصغرها لا يقل عن ثلاثمئة صفحة، فسألته متحيّرًا: على حدّ علمي أن القرآن كتاب واحد، متى صاروا أربعة قراءنات؟
فردّ بأسلوبه الذي يدل على تواضعه القرآني، وقال: هذه مؤلّفاتي!
قلت: أوووه يعني اكتفى الإسلام بالقرآن بعدما أضفت عليه أربعة مؤلّفات؟
وما زال يرد بكلّ تواضع وسعة صدر، فقال: أنت اقرأها وستفهم كلّ شيء!
قلت: ماهو أنا أشتي أعرف كيف أقرأها، هل أرتلها بأحكام التّجويد مثل السّور، أم أقراها كأحاديث قدسية؟!
قال: المهم أقرأها بتركيز، فهي كتب دينيّة معاصرة تخاطب العقل!
قلت: الآن فهمت، هذه أحاديثك الشّريفة، أنت أنكرت سنّة النبي عليه الصلاة والسلام وألفت لنا سنّتك المشرّفة، جميل جدًا، بس سؤال يحزّ في نفسي: ما معنى قولك إن الإسلام مكتفيٌ بالقرآن وأنت عاكف على تأليف الكتب الدّينيّة؟
قال: الجواب على هذا السؤال ستقرأه في كتابٍ خامس سأنشره قريبًا!
فأجهشت بالبكاء، ثمّ بكيت، فربت على كتفي وقال: لا تبك، كلّها أيام وسيكون الكتاب الخامس بين يديك!
قلت: لقد كان طموحي الأدبي أن أجمع أخبار الحمقى والمغفلين ثمّ أعمل على تأليف كتاب على غرار ابن الجوزي، ولم أكن أتوقّع أنّي سأراهم يؤلّفون أخبارهم بأنفسهم!
قال: ماذا أفهم من كلامك؟!
قلت: في الإرث الأدبي شخصيّة خيالية تُدعى (جحا)، ومع ذلك والله لو نازعته مكانته الأدبيّة عمرك كلّه، لهلكت سوقيًا مغمورًا وعاش حجا أدبيًا شهيرا، فقد جمعت مع الحماقة ركاكة وثقالة دمّ، فزاد عليك بفصاحته وخفّة دمه، فكيف بك وأنت تنازع نبيًا مكانته الدّينيّة، وتؤلّف من حماقتك كتابًا يحلّ محل السّنة النبويّة؟!

لا تخافوا على سنّة النبي صلى الله عليه وسلّم، ليس لأنّ أعداءها حمقى، بل لأنّها صاحبها نبي، لو أمكن لمؤلّف أن يستبدلها، لكان الجدل اليوم يثار حول القرآن، هل ملزم أو غير ملزم، ولكن القرآن محفوظ ويحفظ السّنة، وبهما يُحفظ الدّين.
إنّما خافوا على أنفسكم، حين تجدون شذّاذ الآفاق والسّفهاء يطعنون في دينكم، فابحثوا عن سرّ جرأتهم!
أدراج النّسيان

لقيتُها بعد يومين من نقارٍ أودى بحنقها وافتراقنا، ألقيتُ عليها تحيّة السّلام، فردّت بأحسن منها وكأن شيئًا لم يكن، فتفاجأتُ وقلتُ لها:
ما زلتُ أفكّر، بأي اللغات أردّ المياه إلى مجاريها؟ بدبلوماسية السّفراء، أم بدهاء السّاسة، أم بفلسفة الحكماء؟
ولم أتصوّر أن العقدة ستحلّ بتحيّة بسلام، والآن آمنتُ أن العظماء لا يحوّجوننا حتّى إلى كُلفة الاعتذار، وذاك أن لهم نفوسٌ لا تشفى إلا بالصّفح، فيا لعظمتكِ، ويا لحظّي بمثلكِ!

نظرت إلى خلفها وما حولها، وحين لم تجد أحدًا، سألتني بخجلٍ:
المعذرة سيدي، هل هذا الكلام موجّه إليّ أنا!؟

رسمتُ لها نصف ابتسامة، وقلتُ:
ارتقت لغتكِ وتهذّبت ألفاظكِ، غير أنّي أفضّل لسانكِ السّليط على أن تخاطبيني كموظفة استقبال لا ألقي لترحيبها اعتبارًا، لأنّها تؤدّي وظيفتها.

بملامح من يحاول أن يتذكّر شيئًا، صمتت قليلًا، ثمّ قالت:
أشعر أنّي قابلتُك قبل الآن، وأعجز أن أذكر متى أو أين، لكن طالما وأنت تعرفني، فلابد أنّك تعرف عنّي متلازمة نسيان الأشخاص العابرين والأحداث العابرة، فهلّا تكرّمت وذكّرتني من أنت!؟

هنا دارت بي الذّاكرة إلى حيث قال لي حكيمٌ ذات يوم: تنقصك حكمة مهمة في حياتك، فإن تدفع ثمنها، بعتك أيّاها، فدفعتُ له ألفين ريال، فقبل الثّمن على مضض، وقال في حكمته:
«احذر أن تُخطئ بحقّ فتاة عنيدة، فإن كنت تحبّها، فعمرك سينقضي في محاولة فاشلة للصّلح».

يا لها من حكمة عظيمة تنقصني فعلًا، أدركتُ أنّي بخستُ ثمنها، فكان جزاءي أنّي نسيتُ العمل بها، لأجدني بصدد أعظم قضايا الصلح تعقيدًا، عنيدة حانقة، وتدّعي الزّهايمر، أحتاج معجزة عيسى، لأردّ لها ذاكرتها، وصبر أيوب حتّى أصالحها، احترتُ في أمرها برهة، ثمّ أجبتُها:
أعذريني يا عزيزتي، إذ ليس يمكنني تذكير ناسٍ بمن أكون، فلا كلام يشعرني بالإهانة أعظم من محاولة العودة الى ذاكرة أخرجتني، وأنا لو تعلمين طوع كبرياء يلزمني قانونه العادل «الجزاء من جنس العمل»، وقد نسيتُكِ كما نسيتِني.
لم يكن سهلًا عليها هذا الرّد، لقد لاحظتُ ما أحدثه في نفسها، من ذهول العينين إلى ارتعاش الأنامل، كأني دفعتُ طاولة من تحت قدميها، فتدلّت من مشنقة، فلم أشكّ بأنّي قد أعدتُ لها الذّاكرة!

لكن ما لبثتُ أن أدركتُ أني أخطأتُ التأويل، فلا شأن لردّي بما لاحظتُ في أوصالها المرتعدة، ربّما كان ذلك نتيجة هزّة أرضيّة لم أشعر بها، فلم تكن سوى لحظات نسفتها، ثمّ لمّت شعثها، ورسمت ابتسامة فهمتُ من خلالها أنّها غير مكترثة، وقالت:
صدّقني أنا لا أذكر من تكون، ولكن أعجبني كبّـ....

كانت تودّ أن تقول (كبرياؤك)، لكن خنقتها العبرة، فأدارت لي ظهرها ومشت في سبيلها ناسية وغير مكترثة..
وأنا أيضًا مشيتُ في سبيلي ناسٍ وغير مكترثٍ، أدندن لحن أغنية لا علاقة لها بما يحدث، حتّى مسيرة ساعة ونصف على الأقدام، استوقفني صراخها المفاجئ كفخّ نصبه قاطع طريق: ألا تتركني وشأني، ماذا تبقى لتفعله بي؟!

ألتفت إلى خلفي ونظرتُ إلى حولي، وحين لم أرَ أحدا، نظرتُ مستغربًا في عينيها الغارقتين في تنّور تفور، وقلت لها:
أمثل هذا السؤال يُلقى لعابر سبيل لا تعرفينه!؟

جلست القرقصاء، فشعرتُ وكأنّي كنتُ ركنًا يسند وقوفها، فحين أدركت أنّه لم يعد لها، لم تجد ما يمنعها عن السّقوط سوى الجلوس!
قالت بنبرة من يغصّ بالمبكيات: قابلتك بنسياني لأنّي عاتبة عليك، وكانت غايتي كلمة تجبر خاطري، لكنّك سحقته، فأرجوك، أنت من طريق وأنا من طريق!

ضحكتُ وقلتُ: لأنّي أمشي خلفكِ من ساعة ونصف، تظنّين أنّي أقتفي أثركِ! يا عزيزتي، أنا منسيٌ وأنتِ منسيّة، والمنسيون يذهبون أدراج النّسيان ثنائيات، كلّ ثنائي يأوي إلى درج، فطريقنا واحدة وغايتنا واحدة، فارضي بالقدر، فأنا قدركِ، وتحلِّ بالصبر، فما من سبيل يردّ القدر..

فاختلط ضحكها وبكاؤها، ثمّ نهضت تهيل عليّ الحصى والحجارة، وأنا أركض هاربًا كأنّ خلفي مجنونة، وهذا دليلٌ أن الصّلح قد تمّ وأن المياه قد عادت إلى مجاريها..
واصلت ركضي حتّى بلغتُ دار الحكيم، حكيت له القصّة التي نسفت حكمته، فقام إلى كوتٍ معلّق، أخرج من جيبه ألفين ريال، وقال: هذا ما قبضته منك، خذه، لم يعد من حقّي بعد أن مسخت الحكمة التي بعتها لك!

ضحكتُ لسذاجة تفكير الحكيم، وقلت له: لقد ساء فهمك وقصر نظرك وضاق أفقك، ليس من الحكمة أن أقطع إليك هذه المسافة، من أجل استرداد ألفين ريال، فاسمعني جيدًا، إن انصرفتُ الآن من دارك، وحكيتُ للنّاس هذه القصّة، فلن تبيع بعدها حكمة ولن تدعى بالحكيم، ولهذا أقول: لكي تظلّ بائعًا للكلام، عليك أن تشتري سكوتي، وقبل أن تسألني عن الثّمن، سأهديك الحكمة التي تنقصك مجانًا:
«إذا كان عليك أن تفتدي النّخلة بما تدّخر من تمرها، فأنت الرّابح فلا تساوم».
تمثّل بالحكمة التي أهديته، وقام بصمت يجمع كلّ ما اكتسبه من تجارة الحكمة ووضعه أمامي، فحملته وانصرفت، وبقي الدّار، أخذت حجّته، وبصّمتُ الحكيم على عقد إيجار.
وأنا أسمع سيدة تقص حلمها لمفسر الأحلام, أدهشني حسن السبك وتناسق الرؤيا كأنها رواية لا رؤيا, فرثيت لأحلامي المعصودة التي ما ناقص إلا أن يظهر في آخرها "سيناريو وإخراج نجيب غلاب"
#ذكرى_زرقاء

نجيب غلاب سياسي يكتب منشورات (تحدّاك أفهم شيء)
جبر حاظر

على حائط فتاة، وجدتُ خاطرًا مكسورًا، كسره ناقدٍ أرعن بتعليق قال فيه «أنتِ ناظمة متكلّفة لا تستحقّين صفة شاعرة».
فأقسمتُ لا أبرح حتّى أجبر خاطرها بتعليق:
«لا يدّخر الشّعر حُسنًا ينقصكِ، هو بعضُ سحرٍ كلّه في طرفكِ، وقد عرفته مثل الحبّ أعمى، وليس على الأعمى- إن ضلّ طريقه- حرج، إنّما يُحزنني أنّكِ في كلّ ليلةٍ تحيين لأجله سهرةً، وتسهرين بمفردكِ».

وذهبتُ أتمتم «من سار بين النّاس جابرًا للخواطر، أدركه الله في جوف المخاطر»، فما فرغتُ حتّى أدركتُني في جوف الحظر مكسور الفؤاد والخاطر، وصرختُ لمّا رأيتُ النّاقد الأرعن:
بأي الشّرائع، يلقى الجابر مصير الكاسر؟!

ضحك الأرعن وقال: والأدب مثل الطّب، لا يداوينا دائمًا، فكم طبيبٍ قتل مريضه بخطإ طبّي، وكم جابرٍ سحق خاطرًا بخطإ أدبي!
سألتُه: عن أي خطأ تتحدّث، تعليقي مديح واضح لا يحتمل تأويل آخر!
قال: هو خطأ بالنسبة لك، أما أنا، فأراك أصبت من غير قصد، كأنّك رميت يوسف، فأصبت الذّئب، فاتّفقت أهدافنا.
قلت: وعلى أي شيء يتّفق المتناقضان؟
قال: على المعنى!
قلت: الأعمى والبصير متناقضان لفظًا ومعنى!
قال: الأدب عالم تمرّد عن الثّوابت والبديهيات، اللفظ الذي يؤدّي وظيفة الثّناء في مقام، قد يؤدّي وظيفة الذّم في مقام آخر، ولذلك لمّا قرأتُ تعليقك، علمتُ أنّه سيجمعني بك في قائمة حظر واحدة، فهو لا يختلف عن تعليقي سوى أنّك صغته بأسلوبٍ أكثر استفزازا!
قلت: ما زلتُ لم أستوعب كيف لمصير أن يجمعني بأرعن وأنا نقيضه، وإذا بالأرعن يحاول إقناعني أنّي أكثر منه رعونة!
قال: في تعليقي قلتُ عنها «ناظمة متكلّفة» ولو أنّها سألتني ماذا أعني بهذه الجملة؟ لم أجد جوابًا أبلغ من تعليقك: «أنّكِ تحيين لأجل الشّعر سهرةً، وتسهرين بمفردكِ»، وهذا هو معنى النظم اصطلاحًا، فنحن متّفقان على أنّها ناظمة لا تكتب الشّعر.
قلت: أنت بترت تعليقي، فتجاهلت أوّله، وأخذت آخره وأجريت المقارنة، فبينما عبتَها أنت، لأنّها ضلّت الشّعر، عبتُ أنا الشّعر، لأنّه ضلّها!
قال: حيال كاتب عرض علينا نصًّا، لابد للتّقييم أن يكون أدبيًا لا خُلقيًا.
قلت: هي فتاة، لا شيء يطرب الفتاة أكثر من الإلتفات إلى جمالها، فكان عليها أن تشكرني على التّعليق لا أن تحظرني به.
قال: الفتاة في عالم الأدب غير، إنها محتوى نصّي، في النّص تضع جمالها ومسحوق التّجميل، فإن قللت من نصّها، فلا شيء ينفع، وأنت لم تقلل من شعرها بل أنكرت وجوده.
قلت: يا لغرابة هذا العالم! ويا ليتني علمتُ بما قلت، لكنتُ قد كحلتُها وما أعميتُها!
قال: أنت لم تعمِها، بل قلت ما ينبغي!
قلت: لم تكن غايتي غير أن أجبر بخاطرها!
قال: وهل كنت ستشهد على شعرها الغائب زورًا؟!
قلت: بل كنتُ سأكتفي بمدح شخصها دون التّطرق إلى نصّها!
قال: إذن لا تأسف، فلو تسنّى لك أن تغيّر تعليقك، لكررته بأسلوب آخر!
قلت: الآن سأمدح شخصها فقط، فكيف يكون تكرار؟!
قال: أما قلتُ لك، الأدب عالم لا تحكمه القوانين والثّوابت، إنّه لعبة الثّعالب، وعليك أن تتمرّس على بلاغة التّأويل، لو أن فتاة تحمل مؤهل في الطّب، ألقت قصيدة على الملإ، فقلت لها معلّقًا: (أنتِ طبيبة ماهرة)، فهذا إطراء ليس له غير معنى واحد: (أنتِ لستِ شاعرة).
قلتُ: الآن فهمت، لأنّها في مقام الشّعر لا مقام الطّب، قدّمت نفسها كشاعرة لا كطبيبة، وأنا تجاهلتُ شعرها ومدحتُ تخصّصها، ولا معنى للتّجاهل سوى النكران بأسلوب مستفزّ أعظم من التّصريح المباشر.
قال: وهذا بالضّبط ما صنعته بمجبورة الخاطر!
قلتُ: ولكنّه قادني إلى قائمة الحظر، إلى حيث ألتقيتُك، فعلمتُ منه أنّه عالم يحكمه الأبداع لا القواعد، عالم من العجائب، كلّ ما في غير سائد، حتّى وأنا أعبر سياجه، مررتُ في متوالية من التناقضات العجيبة!
لمّا ذهبتُ أجبر خاطرًا، كسرته، وحيثُ توقعتُ الشّكر، لقيتُ حظرًا، وفي القائمة الحظر وجدتُ ناقدًا، هو تصوّري الذّهني نقيض الأدب، لأنّه ينتقده، فكان هو الذي أضرم فيّ الشّغف الأدبي، وأقنعني أن الأدباء ثعالب وليس حمقى- كما كنتُ أعتقد-.
قال: وأزيدك من العجائب أعجوبة، ما دار بيننا ويدور الآن مجرّد خيال أدبي!
قلت: وهذا أعجب التناقضات العجيبة، ما ظننته واقعًا، أكتشفته خيالا!
قال: أمّا أعجبها، فلا أظنّك تستوعبها!
قلت: سرّ شغفي ما لا أستوعبه، فقل؟
قال: إنّك شخصيّة وهميّة في قصّة خيالية قمتُ بتأليفها!
ضحكتُ كثيرًا، وقلتُ له: ليس لحد انقلاب الشّخصيّة الوهميّة على مؤلّفها!.
قال: وهل حسبت أنّك المؤلّف وأنا الشّخصيّة الوهميّة؟!
قلتُ: نعم، لأنّي لا أعتقد أن للنّاقد خيال، ليؤلّف قصّة كهذا!
قال: أما قلتُ لك مرارًا إن الأدب عالم لا تحكمه الثوابت والمعتقدات، وقد قلتَ أنت أنه عالم من العجائب، فثق أن هذه أعجبها!
قلت: سرّ شغفي ما لا أستوعبه، لكن هذا سرّ جنوني!
أعدمت إيران فتاة دافعت عن شرفها، لأنّها لا تعدّ الشّرف مبررًا، وكلّنا يعرف قصّة ريحانة وخاض فيها.
ولأن إيران تحكم صنعاء اليوم، تفاجأنا لأوّل مرّة أن الشّرف تهمة عقوبتها الإعدام، فلن أطالب ادوات إيران أن تعفوا عن شريفٍ دافع عن شرفه، ولكن أقول باسم كلّ أخٍ يمني لكلّ أخت يمنيّة:

ولو أعدموا أحمد الزويكي على طريقة أصحاب الأخدود، لا مصير يردع اليمني عن حماية أخته، فأيّاكِ وفقدان الثّقة، فنحن من أجلكِ، يعرفنا العالم شعبًا عدد سكّانه «تسعون مليون قطعة سلاح»، فوالذي لا إله إلا هو، ما وجدتُ في اليمني عضوًا حساسًا يثير البندقيّة أعظم من الأخت، وأنا الذي شهدتُ في طفولتي أوّل حادثة قتل، وحين لم أعلم سببها، سألتُ بعض الحضور: لماذا قتله وداس على فمه؟ فقالوا: لأنّه سبّ أخته!
سبّها غيابيًا فقط، لم يمسّ منها شعرة، ولم يرَها ولا يعرف أساسًا إن كان لقاتله أخت أم لا، لكنّه سقط جثّة هامدة، ولم أجد أحدًا يستهين بالسّبب، فكانت العبرة الأولى التي تلقّنتها استعدادًا لهذا المجتمع المرعب:

من الواضح أن معركة التّراشق السّلمي (سببته، فسبّني) ليست إلا إحدى ألعاب الأطفال، أمّا الكبار، فعالمهم مختلف، كلٌ له فمان، أحدهما فو بندقيّة، وعليك- لكي تعيش- أن تزن كلّ كلمة قبل لفظها، لأنّك لا تدري من أيّهما يأتيك الرّد!

إنّما كلّ غيورٍ مدجّج يؤمن أن سلاحه ليس إلا بذل سبب، أمّا حصنه الحصين الذي يأوي إليه، فهو موضع سجوده:
اللهم إن أعداءك يعادون الدّين والشّرف، وأنت المعزّ، لتعزّنا والمذلّ، لتذلّهم، وأنت الحامي لكلّ شيء، فاحمِ أعراضنا قبل أي شيء.
بصوت علي الآنسي😁
HTML Embed Code:
2024/06/16 02:43:14
Back to Top