TG Telegram Group Link
Channel: مجلة الصحوة الإسلامية
Back to Bottom
الإجازة السنوية .. كيف نستفيد منها ؟

📝 سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي

جرت العادة في الجامعات الإسلامية والمعاهد الشرعية في بلادنا بانتهاء العام الدراسي من أواخر شهر رجب إلى أواخر شوال، فيتوقّف العمل التعليمى المقرّر في مدارسنا ثلاثة أشهر، وهي تعدّ أيام إجازة للمدرسين والطلاب وإن شئتَ سمّها أيام العطلة.
بهذا تتاح للمدرسين والطلبة فترةٌ مقدارها تسعون يوما وليلة، يمكن إنجاز الكثير من الأعمال خلالها، وما يؤسفنا أنّ هذه الأيام قد تضيع بلا استفادة مع أنها تعدّ من عمرنا وحياتنا، وبإضاعتها قد أضعنا قسطا كبيرا من الحياة كما أننا باغتنامها قد وفّقنا لاغتنام جزء كبيرء من العمر والحياة.
ولنعم ما قال الشاعر:
حياتُك أنفاسٌ تُعدُّ فكلّما
مضى نَفَسٌ أنقصتَ به جُزءًا

وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِیهِما کثیرٌ مِن النّاس: الصِحَّه و الفراغُ». (رواه البخاري)
وقد قال بعضُ السلف: "من استوى يوماه فهو مغبون".
إنّ الوقت هو الحياة، وإن أهميته لا تخفى على أحد. وكل ما نراه من أعمال مفيدة وإنجازات كبيرة فهي ثمرات لجهود قوم اغتنموا الوقت واستفادوا منه. ولم يضيّعوا ساعات الحياة ودقائقها ولحظاتها، كما أنّ كل ما نراه من خيبة و خسران فهى من تبعات الغفلة وإضاعة الأوقات.
فالأوقات والفرص هي من نعم الله التى يمنحها لكل إنسان، ولها أهميّتها وقيمتها لدى كل عاقل بصير.
امّا أنتم أيها الطلاب الأفاضل، ينبغي لكم أن تعرفوا قيمة الوقت والزمن أكثر من أي طبقة وشريحة أخرى. كيف وإنكم بناة المستقبل وهداة الناس ومخرجوهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.
ألاترون الفتن تزداد وتحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم. ألا ترون الغزو الحضارى والفكري الذى يستهدف جيلنا المعاصر؟ ألا ترون التحديات السافرة التى تهدّد كيان المجتمع الإسلامى وتريد أن توهِن وتقوِّض دعائم الأخلاق والقيم في أمتنا؟ ألا تشاهدون النشاطات الهدّامة للأعداء التى لا تتوقف ولا تنقطع ولا تتخفف. فإذا كان الأمر كذلك فهل من مبرّر للتكاسل والغفله وتضييع الأوقات والاشتغال بما لا يعني ولا يفيد؟ ألا تكفينا وإياكم الإنذارات من المفكرين والناصحين والمصلحين. فهل من مدّكر، وهل من واعٍ، وهل من رجل رشيد؟!
انطلاقا من هذا ينبغي أن نجدّد النظر في أوضاعنا وأعمالنا ونبحث عن مواطن الضعف في جميع شؤوننا، ونعرف الداء معرفةً دقيقة ثم نبحث عن الدواء بحثا جادّا لعلنا نجد حلولا ناجعة لحاضرنا ومستقبلنا.
يجدر بنا أن نستخدم هذه الفرصة (الإجازة) لجبر ما فاتنا من العلم والعمل وإصلاح نفوسنا، وتحسين أوضاعنا. وهو ما يتطلب منا العزم والإخلاص والبرمجة والاستعانة بذوى الخبرات من المشايخ والأساتذة والزملاء.
ولعل الاهتمام بما يلى يسبّب تغييرا إيجابيّا فينا وفي المجتمع. والله وليّ التوفيق:
١. الخروج في سبيل الله والاتصال بعامة الناس وخاصتهم ودعوتهم وتذكيرهم وإنذارهم، لعلهم يحذرون.
٢. المشاركة في الدورات التدريبة لكسب المهارات اللازمة للعلماء والدعاة.
٣. ملازمة المشايخ المربّين ومجالستهم لإصلاح الأعمال والسلوك وتزكية النفوس.
٤. مدارسة كتب مفيدة في موضوع السيرة والتاريخ وحاضر العالم الإسلامى وحياة الصالحين مع شباب الأسرة والقرية والبلد.
٥. حفظ القرآن الكريم والعناية بالتجويد.
٦. مساعدة الوالدين وخدمتهما والحصول على دعواتهما، إذ يكمن في ذلك من الخير والبركة ما لا يعلمه إلا الله.
٧. القيام برحلات علمية داخل المحافظة وخارجها.
٨. مطالعة الكتب المفيدة التي صدرت من أقلام الأعلام والمفكرين وكتابة المقالات النافعة.
٩. الاهتمام بالعبادة والتلاوة والدعاء والاعتكاف في شهر رمضان المقبل.
١٠. اجتناب التوغّل في مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والأفلام والمسلسلات والبرامج المسلّية. وتحذير أفراد الأسرة والأصدقاء من هذا.

ولعلّ اللهَ يُحدِثُ بعد ذلك أمرًا. وهوالمستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(افتتاحية مجلة "الصحوة الإسلامية" العدد (الـ ١٤٩)، الصادرة عن جامعة دار العلوم زاهدان)
مجلة الصحوة الإسلامية
149-150 تلجرام.pdf
العدد الجديد (١٥٠-١٤٩) لمجلة "الصحوة الإسلامية" الصادرة عن جامعة دار العلوم زاهدان.
مجلة الصحوة الإسلامية pinned «العدد الجديد (١٥٠-١٤٩) لمجلة "الصحوة الإسلامية" الصادرة عن جامعة دار العلوم زاهدان.»
كيف نستفيد من شهر رمضان المبارك؟

(لـسماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي)

نحمد الله تعالى على أنه بلّغنا شهر رمضان المبارك، نتمنى أن لا يحرمنا فرصة الحياة فيه ويُمهلنا موفّقين للاستفادة منه ومن رمضانات قادمة.
ذكر العلامة السيد أبو الحسن الندوي (رحمه الله) في إحدى كتبه أنّ الكبار والصالحين كانوا حينما يرون هلال شوال (العيد) يحنّون من فورهم إلى رمضان القادم، آخذين في عدّ الأيام لمجيئه. وفي هذا يقول الشاعر وهو "رشيد بن بدر النابلسي":
هذا الذي كانت الآمالُ تنتظرُ
★★★
فليُوفِ لله أقوامٌ بما نَذَروا

لا شكَ أن رمضان يشكّل نعمة كبيرة وفرصة ذهبية للمؤمن، لمنحه التوفيق لمجاهدة النفس الأمّارة والتغلب عليها. إذ الشياطين الذين هم مساعدو النفس يُحبسون في هذا الشهر، ويُسلبون فرصة تضليل الناس وإغوائهم، وتُفتح أبواب الرحمة بشكل خاص. ممّا يجعل منه أفضل فرصة للتزكية والاستعداد للآخرة والحصول على معرفة الله. فسعيدٌ من وفّق للاستفادة من هذه الفرصة الذهبية وشقيٌ من حرم بركات هذا الشهر العظيم.
🔹يوصي بعض المربّين في شهر رمضان بأمرين:
*الأول:* تنزيل ما في الذهن بشأن الاستفادة من رمضان من الأهداف والمخطّطات على ورقة ثم ممارستها حسب الأولوية.
*الثاني:* تشخيص الأمور المضيّعة للأوقات لتفاديها. والحرص على ممارسة الأعمال التي هي عبادة بالذات.

🔷 أهم ما ينبغي أن نهتم به في شهر رمضان:

1- تلاوة القرآن الكريم
إن رمضان شهر القرآن، فقد أنزل الله أفضل كتبه في أفضل شهر في أفضل ليلة. مما يتطلب منا الاجتهاد لتعزيز علاقتنا مع القرآن الكريم خلال هذا الشهر أكثر مما مضى، نتلوه في الصلوات، وكذلك عامة الناس ينبغي أن يهتموا بتلاوة القرآن، وحفظ سور منتخبة، وأما الذين لا يعرفون قراءة القرآن فيستفيدون من هذا الشهر كفرصة لتعلّمه.
وليكن الاستماع إلى القرآن من اهتماماتنا الرمضانية، فنختار مسجدا يُختم فيه القرآن، وندقق في اختيار الحافظ ليكون بجنب إتقانه للحفظ مراعيا لأحكام التجويد. فنحضر ذلك المسجد بمواظبة حتى يتيسر لنا ختم القرآن في الصلاة.

2- الاهتمام بالنوافل
وكما نحافظ على أداء الصلوات المكتوبة في الجماعة بإدراك التكبيرة الأولى وخاصة صلاة الفجر والعصر. ينبغي أن يهمنا أيضا في هذا الشهر أداء النوافل، وفي الحديث النبوي أن النافلة في رمضان تعدل الفريضة، كما أنها تكون سببا للتقرب إلى الله والحصول على حبه، ففي الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أحبّه...". والحضور في مجالس الصالحين يغتنم ذلك أيضا من وجد إليه سبيلا.

3- التصدّق والإنفاق في سبيل الله
ورد في الأحاديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان أجودَ بالخير في رمضان من الريح المرسَلة. فلنحرص على المشاركة في تفطير الصائمين. وليكن تفقّد الفقراء والمساكين وذوي الحاجات حولنا ومساعدتهم ضمن اهتماماتنا.

4- اجتناب المعاصي
نوصي جميع الإخوة والأخوات وخصوصا الشباب باجتناب الذنوب والمعاصي في هذا الشهر، كمشاهدة الأفلام في التلفاز والفضائيات والاستماع إلى الموسيقى وغيرها. ولأن أداء الأعمال الصالحة يورث المؤمنَ نوراً، فلا ينبغي تبديد هذا النور بارتكاب المعاصي.

5- اغتنام العشرة الأخيرة
من الآن نأخذ في الاستعداد للعشرة الأخيرة، والاعتكاف، والقيام في ليالي القدر، فليس أحد منا يعرف هل هو يعيش إلى رمضان القادم أم لا؟ كما أن الكثير من ذوينا أو العائشين حولنا قد كانوا معنا في رمضان الماضي ولكنهم ليسوا في رمضان الحالي. فينبغي أن نتعامل مع رمضان على أنه آخر رمضان في عمرنا.

6- الدعاء والتضرع
ينبغي أن يلقى الدعاء والتضرع اهتماما كبيرا منا في رمضان، وللمشايخ في هذا لطيفة، يقولون: "رمضان شهر الدعاء والطلب من الله"، فلنلجأ إلى الدعاء في أوقات السحر والإفطار.
ونوصي النساء وربّات البيوت بالسعي للتفرّغ من أعمال الطبخ وإعداد مائدة الإفطار قبل نصف ساعة من الغروب على الأقل. ليشتغلن في هذا الوقت بالدعاء والمناجاة، لأنها لحظات الاستجابة.
وكما نهتمّ بالدعاء لأنفسنا بالإصلاح والتزكية والهداية خلال هذا الشهر، كذلك نهتمّ بقضايا البلاد الإسلامية وأزماتها، ونخصص لها الدعاء، ولا ننسى أموات المسلمين في دعواتنا.
هذا ونرجو أن يصبح رمضان هذا العام مصدرا للتغيير الإيجابي المطلوب، في حياتنا وفي حياة الأمة الإسلامية جمعاء.

🔸 تعريب: سيد مسعود

(* بتصرّف من حوار أجراه القسم الفارسي لـ موقع «سني أون لاين» مع سماحة الشيخ بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك ١٤٤٢هـ.ق.)
https://hottg.com/alsayyed90
مجلة الصحوة الإسلامية pinned «كيف نستفيد من شهر رمضان المبارك؟ (لـسماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي) نحمد الله تعالى على أنه بلّغنا شهر رمضان المبارك، نتمنى أن لا يحرمنا فرصة الحياة فيه ويُمهلنا موفّقين للاستفادة منه ومن رمضانات قادمة. ذكر العلامة السيد أبو الحسن الندوي (رحمه الله)…»
Forwarded from احمد جمال البلوشي (Ahmad Jamal Albalushi)
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
‏هكذا كانت ‎#صلاة_العيد#صلاة_عيد_الفطر في بلوشستان ‎#ايران مدينة زاهدان ‎#عاصمة_السنة في بلاد الفارس
📢 *إعلان هام ونداء عاجل*

🌐 نظرًا إلى تكثيف انتهاكات الصهاينة في الأقصى المبارك خلال الأيام الماضية وتصاعد أعمال العنف في الأرض المقدسة، تعلن إدارة مجلة «الصحوة الإسلامية» الصادرة عن جامعة دار العلوم زاهدان، عن عزمها على إصدار «ملف خاص» حول فلسطين الحبيبة، تضامنا معها.
لذا توجّه نداءً إلى كتّاب العربية في الداخل والخارج للمساهمة في إعداد هذا الملف بما يتيسر لهم من المقالات والدراسات والتحليلات والتقارير والقصائد والأشعار.

📧 *عنوان البريد الإلكتروني لإرسال المواد:*
abdulrahmmane22gmail.com
☎️ *رقم الاتصال:* 00989158745576

*آخر موعد لتسليم المواد:*
٢٠ شوال المكرم.

*(إدارة مجلة الصحوة الإسلامية)*
6️⃣1️⃣ التعريف بالتاريخ الإسلامي واتخاذ الدروس والعبر منه.

🌐 *الحوافز والميزات.*

1️⃣ توفير الكتب العربية والأدبية في المكتبة الخاصة بقسم الدراسات العليا، وفي صف التخصص في الأدب العربي.
2️⃣ توفير الاحتياجات اليومية بما فيها السكن والطعام والمداواة وغيرها من الضروريات.
3️⃣ تخصيص منحة شهرية لكل دارس في قسم الدراسات العليا.
4️⃣ توفير المجلات والصحف العربية للطلاب وحلها، وإكساب المهارة في أدب الصحافة.
5️⃣ تدريب الطلاب على كتابة اللغة العربية والإتقان، ونشر مقالاتهم في مجلة الصحوة الإسلامية وجريدة الرائد.
6️⃣ تأهيل الطالب على الكتابة في المجلات والمواقع والصحف العالمية، وإيجاد الذوق الأدبي فيه.
7️⃣ إقامة مؤتمرات وندوات علمية على المستوى العالمي وقد أقيم مؤتمر الإمام أبي الحسن الندوي وحظي باستقبال عالمي.
8️⃣ وغيرها من الميزات.


🌐 *ميزات متفردة*

1️⃣ يشتمل هذا التخصص على سنتين كاملتين، وفي السنة الثانية تركيز خاص على إعداد رسالة أدبية تحت إشراف أستاذ إخصائي في هذا الفن.
2️⃣ يدرّس في قسم التخصص في الأدب العربي كبار الأساتذة الذين أتقنوا هذه اللغة وتخصصوا فيها.
3️⃣ يفضل ترشيح المتخصصين في الأدب العربي للتدريس في المدارس المعتبرة.

🌐 *شروط الالتحاق*

1️⃣ أن يتخرج من إحدى المعاهد الدينية أو ما يعادلها.
2️⃣ أن يكون له إلمام باللغة العربية.
3️⃣ أن يجتاز مرحلة الاختبار الشفوي والكتبي بالجامعة.


*موعدنا*
٢٠ شوال المعظم

📧 *العنوان*
زاهدان - شارع خيام - جامعة دارالعلوم زاهدان- مكتب الدراسات العليا بالجامعة.

☎️ *رقم الاتصال*
00989159907483
00989158745576

*رقم التسجيل*👆👆👆

🏃🏼‍♂️ *أسرعوا، فإن الوقت ضيق والمقاعد محدودة*
*أفغانستان بين تطوّرات الحاضر ومسؤوليات المستقبل*

📝 سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي

هاجمت أمريكا أفغانستانَ وأجلبت عليها بخيلها ورجلها، بحجة محاربة الإرهاب. ولم تأل جهدا فيما قصدت من قصف وتدمير وإبادة وإهانة مختبرةً أسلحتها مجرّبة أجهزتها. وقتلت آلافا من الرجال والنساء والولدان، دون تفريق بين السليم والمريض، والغني والفقير، والكبير والصغير، وهدمت المساجد والمدارس ودور التعليم ومراكز التربية والثقافة، وشاركتها في مشروعها المشؤوم أكثر دول العالم سيما حلفاؤها وخلفاؤها والراقصون بإشارتها، كما ساعدها جلاوزتها من الأفغان، من المتملقين والخونة والظالمين والمنافقين.
لعل أمريكا خططت لبقاءها في أفغانستان وامتصاص خيراتها وإغارة ثرواتها لمدة طويلة. ولا يعزبن عن البال أن الله تعالى متّع بلاد أفغانستان بنعم كثيرة وثروات هائلة من البترول والأحجار الثمينة وينابيع الغاز وغيرها. ولم يدر في خلد أحد ممن آمن بالقوة المادّية وأيقن بالطاقات البشرية في ضوء التجارب الحديثة أن أمريكا تنهزم يوما، ثم تعترف بهزيمتها وتخرج من أرض أفغانستان بخفي حنين، ذليلة مهينة خائبة، ولكن الله حقق ما شاء.
وقد تنبّأ الرجل المجاهد العصاميّ المؤمن الملا محمد عمر، عندما استولت أمريكا على أفغانستان قائلا: _(سوف نعطي أمريكا درسا لا تنساه).
إن الذين سمعوا مقولة الرجل المؤمن، آنذاك تعجبوا، ومنهم من استهزأ ومنهم من كذّب وظن هذا ضربا من الخيال، فلم تمض عشرون عاما إلا وقد شاهد العالم السجناء الطرداء بالأمس جالسين على طاولة المفاوضات، وجها لوجه مع الأمريكان، ففرح المؤمنون وحزن الآخرون من المنافقين والظانيّن بالله ظن السوء. هكذا تجلت إرادة الله وقدرته وهو العليم القدير، ولنعم ما قال عزّ من قائل: كَم مِن فِئَةٍ قَليلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثيرَةً بِإِذنِ اللَّهِ. وقال في مقام آخر: إِن يَنصُركُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُم ۖ وَإِن يَخذُلكُم فَمَن ذَا الَّذي يَنصُرُكُم مِن بَعدِهِ ۗ وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ.
إن كاتب هذه السطور لما رأى الأمريكان عند مغادرتهم قواعد بغرام، وهم يخرّبون بيوتهم ويجمعون أثاثهم وما جاءوا بها من إمكانيات هائلة حديثة -وقد زار ترامب وأشياعه هذه القواعد- تذكر هذه الآية من كتاب الله المعجز: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ.
غني عن القول أنهم لم يبنوا هذه القواعد ليتركوها بعد عشر سنين بل بنوها ليحكموا أفغانستان ويوسّعوا سيطرتهم على الدول المجاورة وعلى الشرق الأوسط ليفسدوا فيها، جاعلين أعزة أهلها أذلة، فاعلين فيها ما يشاؤون، ولكن الله خيّب آمالهم وخرّب بنيانهم وجعلهم عبرة لمن خلفهم.
إن التاريخ تكرر وإن العالم المعاصر شاهد، كيف خرج الطغاة الغاشمون من أفغانستان خائبين نادمين بعد أن أنفقوا أموالا باهظة وتحملوا خسائر فادحة في الأموال والأرواح، ولم يحصدوا في أفغانستان إلا مقتا في القلوب ونفرة في النفوس وسوء سمعة بين الشعوب.
وينبغي لنا العودة إلى أعتاب الماضي مستحضرين المقولة الشهيرة آنذاك: "إذا قيل لك التّتار انهزموا فلا تصدّق" وهكذا المعجَبون بقوة الأمريكان وبكبريائهم اليوم فهم يقولون: «إذا قيل لك إن الأمريكان انهزموا فلا تصدّق». ولكن صدّق أنت، كما سيصدّق الجميع بأن الطاغوت الأمريكي انهزم وافتضح في أفغانستان. وسوف يأتي يوم يشهد العالم فيه انهيار الولايات المتحدة الأمريكية وتحولها إلى أثر بعد عين. وليس انهيار الاتحاد السوفيتي عنكم ببعيد.
أجل، انهزمت أمريكا وولّت عساكرها مدبرين صاغرين وساءت سمعتهم في العالمين. وانتصر المظلومون المضطهدون وأورثهم الله أرض أفغانستان وعرشها، فينظر كيف يعملون. ولا ريب أنهم خرجوا من ابتلاء ودخلوا في ابتلاء أكبر منه. وتوجهت إليهم مسؤولية عظيمة إذ يلتفت إليهم البعيد والقريب والعدو الصديق كيف يديرون البلاد وكيف يعمّرون الأرض بعد خرابها وكيف يطبّقون الشريعة الإسلامية وكيف يعاملون أهلها، وكيف وكيف...؟ إذن لم ينته الجهاد بل جاء أوان جهاد هو أكبر وأجلّ من الجهاد الأول.

▪️ *إنكم في رباط دائم أيها الأفغان*
هناك نقاط مهمة يجب أن ينتبه لها أهل أفغانستان، لأنها مما يضمن لهم العزة والكرامة ويسبب لهم النصر والثبات.
*الأولى:*
التوجه إلى الله تعالى بالشكر والتقوى والابتعاد من الإعجاب والغفلة والكبرياء. وَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَ أَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‌ .
*النقطة الثانية:*
إن الإسلام دين كامل خالد معتدل، وهو بمعزل عن التطرف والتنطّع، والغلو والعنف. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: هلك المتنطّعون. وقال الرب سبحانه: وَكَذٰلِكَ جَعَلناكُم أُمَّةً وَسَطًا. وقال لأهل الكتاب: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ. (رواه مسلم).
ولا شك أن هناك أمورا ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والأحوال، وأمور أخرى هي قابلة للتغيير اقتضاءً لتحقيق لرفق. إذن لا بد من التمييز بين هذا وذاك. ولا يقدر على ذلك إلا جهابذة العلم والفراسة والدراية، ولا مبرر للجمود والإصرار على بعض المفاهيم كما يجب الثبات والاستقامة على بعض المبادئ والأصول الثابتة التي لا تقبل التغيير.
مما يتطلب الاستفادة من آراء ذوي العلم والخبرة من الرجال ودعوتهم إلى أفغانستان وعقد مؤتمرات لهذا الهدف، يحضرها الراسخون في العلم، القادرون على الاجتهاد بشأن القضايا المعاصرة المتعلقة بإدارة الحكومة في ضوء الشريعة الإسلامية.
*الثالثة:*
الاحترام لأصحاب التخصصات والكفاءات؛ لأن عالمنا المعاصر يختلف عما كان في القديم فاليوم ظهرت اختصاصات ومهارات وفنون لها أهلها رجالها، فلا بد من الاستفادة منهم في مجالاتهم الخاصة، الأمر الذي يوجب التقدم والعمران ويسبب الرقي والازدهار سيما في مجالات العلم والاقتصاد والرفاهية وتوفير الإمكانيات الحديثة، والحذر كل الحذر من توسيد الأمر إلى غير أهله، إذ يوجب ذلك الضغينة، ويفقد الثقة، ويسبب تهجير الأدمغة القوية والرجال النوابغ إلى بلاد الكفر والفساد. كما شاهدنا ذلك في بعض الدول التي غلبت فيها العنصرية والتمييز والعصبية والحزبية فجرّت ويلات وآفات للبلاد.
*الرابعة:*
إن أهم شيء في حياة الأمم الراقية ذات الرسالة الخالدة الاهتمام البليغ بالتعليم والتربية؛ ولا ريب أن ما ينفق على تعلم أبناء الشعب وتربيتهم لا يعد تكلفة وإنما هو استثمار وخطوة عظيمة نحو التقدم والرقي.
إن معظم البلاد الإسلامية قصّرت في تعليم أبناء الأمة وتربيتهم وفق المعايير الإسلامية، إن المناهج التعليمية والتربوية في البلاد الإسلامية مستوردة من الغرب اللاديني ولا تناسب الشخصية الإسلامية ولا تصنع رجالا أكفاء، يعيدون للأمة الإسلامية مجدها التليد وعزّتها المنشودة.
إذن لا بد من اجتهاد في هذا المجال والاستعانة بذوي الخبرة من الرجال في حقل التعليم والتربية في البلاد الإسلامية والمعنيين بشأن مستقبل المسلمين. كما يجب الاهتمام بشأن تطوير المعاهد الدينية القديمة وإصلاح مناهجها، ليتخرج فيها رجال أكفاء مؤهّلون في العلوم الإسلامية بجميع شعبها. وعند ذلك تحتل أفغانستان مكانة مرموقة في العالم الإسلامي، ولسوف يؤمّها الأقاصي والأداني من أبناء البلاد الإسلامية. وعليه فلا بدّ للإمارة الإسلامية بذل قصارى جهودها لمنع هجرة أبنائها واستعطاف العلماء، وإن كلّفتها ذلك تكلفة باهظة.
ومن الجدير بالذكر أن الدول الكبرى التي تدّعي الزعامة في مجالات العلم والتحقيق والدراسات الواسعة هي التي تخصص أكبر ميزانية للعلوم والأبحاث.
وكما تفيد التقارير إن الولايات المتحدة الأمريكية تصرف 3% من ميزانيتها الكلية على البحث العلمي، واليابان وآلمانيا تصرفان 2.5% من ميزانيتهما على الأبحاث العلمية، وبريطانيا وفرنسا تصرفان 2 إلى 3% في هذا المجال. أما البلاد الإسلامية والعربية فإن المخصص من ميزانيتها للبحث العلمي 1% أو أقل من ذلك. فلا ترى في هذه البلاد رقيا علميا مرموقا، ولا اختراعات حديثة ولا شيئا جديدا يبهر العقول والأبصار، وجُلّ ما نشاهده التخلف والعجز والفقر والبؤس، والاستهلاك لا الإنتاج، والتوريد لا التصدير، وكانت النتيجة أن لا يرغب أحد ممن رزق النبوغ أن يبقى في هذه البلاد ولا يرغب أحد ممن في الدول الأخرى أن يومّها، ولا قيمة للشهادات والمؤهلات العلمية الصادرة في جامعاتنا عند الدول المتقدمة والراقية.
وفي الأخير نتمنى النجاح للنظام الجديد وندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق الذين بأيديهم مقاليد الأمور لما يحبّ ويرضى من القول والفعل والنية.
ولعلّ اللهَ يُحدِثُ بعد ذلك أمرًا.

*(فاتحة مجلة «الصحوة الإسلامية» العدد ١٥٤، الصادرة شهريا عن جامعة دار العلوم زاهدان).*
@alsahvatulislamiya
🌀 *اعتذار ونداء عاجل*

👇👇👇👇👇👇
🔻 *تعلن إدارةمجلة الصحوة الإسلامية الصادرة من جامعة دار العلوم زاهدان*🔻
◻️في ظل فشو كورونا تأخر إصدار بعض أعداد المجلة لمدة شهر ونصف ومع الأسف.
◻️لذا فإن إدارة مجلة الصحوة الإسلامية:
👈 *أولا:* تقدّم الاعتذار إلى قراءها الكرام لأجل تأخير بعض أعدادها.
👈 *ثانيا:* تعزم على إصدار الأعداد التالية في عشرين من كل شهر.
👈 *ثالثا:* سيصدر عدد شهر المحرم في ٢٧ من شهر صفر.
👈 *رابعا:* نرجو من كل من يريد أن يكتب في المجلة للعدد الجديد، فليرسل مقاله إلى الرقم الواتسابي الآتي ذكره.
👈 *خامسا:* آخر الموعد لإرسال المقال: ٢٥ صفر.
👈 *سادسا:* سيصدر عدد شهر صفر في غرة شهر ربيع الأول إن شاء الله.

🔸 *الوقت محدود، والمجلة على وشك الإصدار، فأسرعوا*🏃🏼‍♂️🏃🏼‍♂️🏃🏼‍♂️

📧 إرسال المقالات إلى الرقم الواتسابي:
٠٠٩٨٩١٥٨٧٤٥٥٧٦
🔵🔵🔵🔵🔵
https://hottg.com/alsahvatulislamiya
مجلة الصحوة الإسلامية
4_5951959455389190402.pdf
*النسخة الإلكترونية لـ مجلة الصحوة الإسلامية، (العدد الـ ١٥٤) الصادرة شهريا عن جامعة دار العلوم زاهدان- إيران.*
*أفغانستان؛ نهوض جديد وتحديات مستقبلية*

عبد الرحمن محمد جمال

بعد مضي عشرين عاما من الاحتلال الأمريكي والناتو أرض الأفغان، ها هي اليوم تخرج وهي تجر أذيال الخيبة والهزيمة النكراء، وقد نصر الله المجاهدين المدافعين عن وطنهم ودينهم وعرضهم، وأنجز وعده، ونصر عباده، وثبت أقدامهم.
بمجرد خروج قوات الاحتلال وسعت طالبان هجماتها على أفغانستان، وفتحت المدن واحدة تلو أخرى، وتمت السيطرة الكاملة بعد أقل من أسبوعين. وبذا أطيح على عملاء أمريكا وأذنابه، وأصبحت البلاد في أمان من التدخل الأجنبي المباشر وغير المباشر.
بعد خروج الاحتلال وهزيمة العملاء وفرارهم من البلاد، أو سلب الاختيار عنهم، أصبح الشعب هو المقرر لمصيره، بيده الأمر والنهي، والشعب هو وحده الآن من يقرر لمستقبله، ويعزل وينصب، ويقنن ويشرع في ضوء الشريعة الإسلامية.
الأسئلة التي تطرح نفسها هي: ما هي السيناريوهات المستقبلية لأفغانستان في ظل الحكم الجديد؟ كيف سيتعامل العالم مع النظام الجديد وكيف سيتعامل النظام الجديد مع العالم؟ إلى أين سيصير اقتصاد أفغانستان، وهل تبادر الدول الكبرى لتحقيق المشاريع الاقتصادية في أرض أفغانستان؟ و...
بالنسبة إلى السيناريوهات المستقبلية لأفغانستان فإن طالبان أعلنوا في حكمهم السابق قبل الإطاحة بهم من قبل أمريكا بأن الإسلام هو المهيمن في جميع مفاصل الدولة، وأن الشريعة ستطبق في أرجاء أفغانستان وقد فعلوا ذلك. لذلك يستعبد أن يختار طالبان حكما غير حكم إسلامي.
أما بالنسبة إلى تعامل العالم معهم وبالعكس فإن كثيرا من الدول تتخوف من الحكم الجديد، ولهذا التخوف عوامل عديدة، منها أن معظم الدول والقوى العالمية والنخب العلمانية المتجذرة في البلاد الإسلامية تتوجس خوفا من تطبيق الشريعة الإسلامية، فإن تطبيق الشريعة معناه فضح القوانين الوضعية التي فرضت على العالم وجرّت عليه أنواع البلايا، وكشف عورات العلمانيين الذين تستروا وراء الحداثة لإحكام سيطرتهم على الشعوب الإسلامية، ولعبوا بمشاعر الشعوب، وأخضعوهم بالحديد والنار. ومنها أن بعض الدول الإسلامية تطمح لأن تنفرد بقيادة العالم الإسلامي، وتخشى أن يكون طالبان منافسا لها في توسيع السلطة.
لذلك وإلى الآن لم تبادر أي دولة بإعلان التطبيع مع النظام الجديد. وبعض الدول تنتظر حتى يعلن طالبان بالحكومة الجديدة لينظروا في نوعية النظام الجديد، وعلى أساس ذلك يقيموا علاقاتهم مع طالبان.
وعليه فإن النظام الجديد يواجه تحديات حقيقية على الأصعدة المختلفة بما فيها السياسية والاقتصادية، والمستقبل مجهول.
وعلى أن النظام الجديد يجعل تطبيق الشريعة نصب عينيه لذلك فإن العالم الآن ينظر إلى أفغانستان بغير المنظار الذي كان ينظر إليها من ذي قبل.
وإذا أراد النظام الجديد أن يحقق إنجازاته ويلبي متطلبات الحياة ويتماشى مع مستجدات العصر، ويستميل الدول الأخرى إليه للاعتراف به وتوطيد العلاقات معه في مجال الاقتصاد وتحسين البنى التحتية، فعليه:
١. توثيق العلاقة مع العالم على أساس الضوابط والأصول المقررة المعترف بها دوليا.
٢. الانفتاح وقبول كل جديد يصلح للبلاد، على أساس قاعدة "خذ ما صفا ودع ما كدر"
٣. شمولية جميع المذاهب والمكونات والأعراق الموجودة في أفغانستان، دون النظر في انتماءه ولونه وعرقه، ويكون الأهلية هو المعيار للقبول.
٤. توفير الأمن، وهذا ما فعلوه فعلا، ولكنه بحاجة إلى تكوين جيش قوي يتربى على الأصول والضوابط الدولية.
٥. تحسين مستوى المعيشة، وهذا شيء مهم، فإن أول ما يهم الشعب الاقتصاد، فإذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية بجنب الأمنية فإن البلاد ستشهد نموا زائدا، وإقبالا كثيفا من سائر الناس.
٦. العفو العام، وهذا ما فعلوه فعلا.
٧. دعوة النخب والعلماء والمفكرين والمبدعين لتكوين البلاد، وذلك بعقد المؤتمرات والندوات في موضوعات مختلفة والتشاور مع أهل الفكر والمعنيين برفع المستوى المعيشي للناس.
٨. الإبداع، فإن التطوير والتغيير والتحديث يجنب من الجمود والركود ويساعد على النمو والرقي.
٩. الاهتمام بوسائل الإعلام بمعناها الواسع، فإن الإعلام اليوم يلعب دورا مهما للغاية في تغيير الاتجاهات، وتغيير الأفكار، وقد يكون أحدّ من السيف.
١٠. الإيمان القوي والنية الصادقة والدعاء والإخلاص والخدمة بصدق. قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...(النور:٥٥) وقال تعالى: وَلَقَدْ کتَبْنا فِی الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّکرِ أَنَّ الأَرْضَ یرِثُها عِبادِی الصَّالِحُون. (الأنبیاء: ۱۰۵)
مجلة الصحوة الإسلامية، العدد:١٥٤
https://hottg.com/alsahvatulislamiya

https://hottg.com/abdulrahmmane
*رجالٌ فَقَدْناهم*

📝 سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي

لقد شاء اللهُ سبحانه وتعالى أن نفاجأ في العام الدراسي الجاري بفقد بعض المشايخ والأحبّة، بدايةً برحيل صديقنا الفاضل الأستاذ أدهم السباهي (27 ذو الحجة 1442) ثم وفاة الأستاذ الجليل مولانا الشيخ عبد الرحمن المحبّي (٢ محرم١٤٤٣) ومؤخرا بارتحال الشيخ العلّام مولانا خدا رحم الروديني (27 صفر 1443). رحمهم الله جميعا.
قد أصيبت جامعة دار العلوم زاهدان وطلابها ومجتمعنا بفراق هؤلاء الثلاثة الذين كانوا من خيرة الرجال وشامّة بين أهل العلم والفضل. وفيما يلي نبذةٌ عن كل واحد منهم.

*مولانا الشيخ المحبي*
كان مولانا المحبي (رحمه الله) من أقدم أساتذة دار العلوم زاهدان، قضى مدة تربو على 40 عاما في التدريس والإفادة، وكان خير خلف لخير سلف، بدأ حياته الدراسية في ظروف قاسية وفي عهد لم يكن في بلوشستان معهدٌ ديني لعطشى العلوم الدينية، فحداه الشغف العلمي إلى باكستان، فطاف البلاد ولقي الرجال وتعرّف عليهم واستفاد من معارفهم. منهم سماحة الشيخ المحدّث العلامة محمد يوسف البنّوري صاحب«معارف السنن، شرح جامع الترمذي» ، والشيخ العارف مولانا حماد الله الهاليجوي، والشيخ المفسر مولانا غلام الله خان، والشيخ المحدث عبد الله الدرخواستي، والشيخ المحقق مولانا عبدالغني الجاجروي -رحمهم الله جميعا- ومما يجدلر بالذكر أن الشيخ لم يكتف بأخذ الدروس من أساتذته بل لازمهم وأخذ منهم السلوك والخلق الحسن وتأسّى بهم في خدمة الدين والإفادة.
كان معجَبا بشيوخه وأساتذته بل يعشقهم ولم ينسهم طيلة حياته، يذهب إليهم في فرص الإجازات السنوية ويتحمل متاعب السفر، ويستنير بأفكارهم النيّرة. وكان يقول: درستُ التفسير أربع مرات في حلقة الشيخ غلام الله خان حتى وثق بي وكان يأمرني بإلقاء الدروس أمامه.
أمّا العلامة المحدث السيد محمد يوسف البنوري فكان أحبّ أساتذته، قرأ عليه صحيح البخاري وسجّل إفاداته العلمية وقام بجمع هذه الفوائد في كتاب، لا يستغني عنه الطلاب والباحثون. كان إعجابه بالعلامة السيد البنّوري شديداً بحيث قلّما يخلو مجلسُه من ذكر أحواله.
سافر إلى الهند وزار العلماء والمشايخ سيما العلامة السيد أبي الحسن الندوي، لقيه وتحدّث معه واستفاد من منهله العذب، كما ذهب إلى مركز جماعة الدعوة والتبليغ، والتقى بمولانا الشيخ إنعام الحسن وكان يقول: سألتُ مولانا إنعام الحسن عن مستقبل الإسلام والمسلمين في بلاد الهند قائلا: هل يمكن للإسلام أن يفتح هذه البلاد مرة أخرى وتعود العزة السالفة إلى المسلمين؟ فأجاب: إنّ الجهود جارية لتحقيق هذه الأمنيّة، وليس ذلك على الله بعزيز.
عاش حياة حافلةً بالخدمات الدينية من التدريس والوعظ والإفادة والتأليف والتضحية، سالكا طريق الصالحين، شاكرا صابرا محتسبا، قد ابتلي بأمراض كثيرة في الأعوام الأخيرة، مما أقعده وجعله رهين الفراش، ولكن لم نسمعه قطّ كلمة تدل على الجزع والشكوى، بل كان يلهج لسانُه بالذكر والشكر.
إن في حياة الشيخ المحبي وفي رحلاته وسعة دراسته ومطالعته للمكتبة الإسلامية، وصبره على شدائد التحصيل، واتصاله بالأساتذة والمشايخ، واهتمامه بالتزكية والسلوك، وشكره على النعم، وصبره عند المصائب، وهدوئه في الأزمات والمشكلات، لدروسا وعبرا لأولى العلم والنهى عامة، ولطلاب العلوم الشرعية خاصة.
وإن كاتب هذه السطور لمدين بنصائحه وشفقته وعناياته، وأدعو الله تعالى أن يكرمه برحمته وفضله في جنات النعيم ويملأ الفراغ الكبير الذي حدث برحيله في جامعة دار العلوم والمنطقة وهو الوليّ الكريم.

*مولانا الشيخ خدا رحم الروديني*
كان الشيخ خدارحم (رحمه الله) عالما حكيما حاذقا في العلوم العقلية والنقلية، واسع الدراسة، ناطقا بالحكمة والصواب. لقد ظلّ مغمورا في الصفوف العامة رغم كونه رجل علم وحكمة، نيّر الفكر، سديد الرأي، قد فرّ إلى المدرسة طالبا للعلم، عاشقا للحكمة. أكبّ على الدراسة والتحصيل أكثر من 30 عاما، فأحيا ذكرى الرحّالين الأوّلين وترك بتحمله المشاقّ ورحلته الطويلة درسا للمتكاسلين والمستعجلين، حبّ العلم وأهله ساقه من قرية إلى قرية، ومن بلدة إلى أخرى، ومن شيخ إلى آخر، دون أن يلتفت إلى الوراء ولم يفكّر في العودة حتى نال بغيته ووجد منشوده، قد حظي بهمّة عالية وطلب صادق وجهد مُضنٍ، ونفس توّاقة إلى المعالي، وهذه هي بضاعته التي يجدر الاغتباط عليها، هكذا قضى شبابه وأغلى أيام حياته في طلب أفضل شيء وهو علم الدين وعلم الآخرة وعلم الكتاب والسنة والحكمة.
انتهل من منهل كبار العلماء والمشايخ مثل الشيخ المحدث البحاثة والمفسر الجليل مولانا سرفراز خان الصفدر والمفسر الشهير مولانا عبد الغني الجاجروي والشيخ سليم الله خان، والشيخ عبد الله الدرخواستي وأمثاله. وعاد إلى بلاده قرير العين مرتاح البال، جامعا للمعقول والمنقول، مستعدا للإفادة والإرشاد.
ومع العودة إلى البلاد بدأ المرحلة الثانية من حياته في التعلم والتربية وصناعة الرجال، فلم تغرّه بالله الغرور ولم يفتنه لمعان الدنيا وزخارفها، فعاش عيشة نزيهة لا همّ له سوى التدريس والمطالعة وإرشاد الناس والانقطاع إلى خدمة الدين وعبادة الرب سبحانه وتعالى.
كان شديد الحبّ لتلاميذه يحبّهم ويُكرمهم ويُرشدهم وينصحهم، لم ينقطع عن التدريس والإفادة ولم يفارق الطلاب والجامعة رغم هجوم الأمراض عليه في آخر حياته إلى أن وافته المنية فلبى ربه، وأوصى أن يصلي عليه أصحابه وتلاميذه في فناء الجامعة، وهكذا ضرب مثالا رائعا للحبّ والوفاء، باختاره العيش مع طلاب العلم إلى أن فارق الدنيا، فأقام الصلاةَ عليه فضيلة الشيخ عبد الحميد، في فناء الجامعة، مع جموع من أهل العلم والطلاب والصالحين الذين شيّعوه إلى مثواه الأخير رحمه الله.
إنا إذ نحزن بفراقه، نعزّي أهله وذويه وأصحابه وتلاميذه، سائلين الله تعالى أن يتغمّده برحمته، وينزل عليه سحائب كرمة، ويتقبّل جهوده ويلحقه بسلفه الصالحين.

*الصديق الفاضل الأستاذ أدهم السباهي*
فقدت جامعة دار العلوم زاهدان والأوساط العلمية والأدبية فضيلة الأستاذ الفاضل السيد أدهم السباهي «فإنا لله وإنا إليه راجعون» ورحمه الله رحمة واسعة.
كان الأستاذ السباهي من الذين يندر وجودُهم هذا الزمان، فقد أكمل الدراسة الجامعية ونال درجة الماجستير في الأدب العربي وصار أستاذا ناجحا في الجامعة وقدوةً للأساتذة الجامعيين في إجادة التدريس وتربية التلاميذ، نال إعجاب الطلاب بأسلوبه الممتع الشائق، فأحبّوه وأحسنوا الاستفادة منه. ولما تقاعد عن العمل في الجامعة العصرية، لم يجلس في بيته منطويا على نفسه ولم يشتغل بالدنيا وزخارفها شأن كثير من المتقاعدين، بل دخل المدرسة الشرعية، آخذا في دراسة العلوم الدينية، وكان له إلمام بها من قبل.
فاختار من أهل العلم أساتذة له، ولم يستنكف من الاستفادة حتى التحق بدورة الحديث النبوي بجامعة دار العلوم زاهدان، منهيا مرحلة العالِمية بجد واجتهاد، وهكذا تيسّر له الجمع بين الثقافتين العصرية والدينية. ونظرا إلى مؤهلاته تم اختياره مديرا لـ «مركز المطالعات والدراسات» التابع لجامعة دار العلوم زاهدان، فنجح في مهمّته وأثبت جدارته، وتمّ في عهده تأليف وترجمة عدد من الكتب المفيدة.
كان يتمتع بصفات طيبة وخلق حسن، مَن صحبه وعاشره أحبّه، كان يحترق قلبه للجيل المعاصر ويتفكر فيه ويخطّط لهدايته وتوجيهه توجيها دينيا ربانيا، كما يتفكر لتثقيف المتخرجين في المدارس الدينية وتزويدهم بالعلوم العصرية ليكونوا جامعين بين الأصالة والمعاصرة. ولايرى حرجا في تطوير المناهج الدراسية والاستفادة من تجارب العصر الحديث، بل يرى ذلك ضروريا نظرا إلى حاجة المجتمع المعاصر، واستطاع أن يكون كقنطرة تصل بين المثقفين وأهل العلم، وتقلقه الفجوة الموجودة بين الطبقتين.
لقد خسرت الأوساط العلمية برحيل هذا الأستاذ المتفكر المخلص، وقد فقدت دار العلوم زاهدان رجلا محنكا وأحد أساتذتها الناجحين.
إننا إذ نحزن بفراقه نسأل الله تعالى أن يغفر له وينزل عليه شآبيب رحمته ويرفع درجاته ويسكنه فسيح جناته، ويوفق أنجاله وتلاميذه لمواصلة طريقه، إنه وليّ التوفيق وهو الرحيم القدير.

*(فاتحة مجلة «الصحوة الإسلامية» العدد (١٥٦-١٥٥) الصادرة عن جامعة دار العلوم زاهدان).*
https://hottg.com/alsahvatulislamiya
*في رثاء الشيخ القاضي نظام الدين روانبُد*

📝 سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي

نبأ وفاة الشيخ القاضي نظام الدين روانبُد (رحمه الله) حمله إليّ طالب من دورة الحديث، بعد صلاة الفجر، يوم الأحد 17 ربيع الأول 1443 هـ.ق. وبما أعرف شخصية الراحل أدركتُ حجم الخسارة اللاحقة مع وفاته. فإنّا للّه وإنّا إليه وراجعون.

ما إن تلقّيتُ الخبرَ حتى عزمتُ على الحضور في صلاة الجنازة، غير أنّ الموعد المبكّر الذي أعلِن لإقامة الصلاة، منعَنا عن الانطلاق من زاهدان إلى بيشين، ثم بعد الانصراف عن الرحلة، اقتناعا بعدم الوصول في الموعد المحدّد، نشر إعلانٌ جديدٌ يفيد أنّ موعد إقامة الصلاة أخّر إلى الساعة الثانية مساءً. ولكن لم يتيسر لي الحضور في تشييع الجنازة لتأخّر الوقت. فاتصلتُ بالأخ الدكتور عبيدالله وكان في نوبنديان وطلبتُ منه أن يحضر الجنازة مع وفد من أساتذة مدرسة نوبنديان، فوفّق للحضور في صلاة الجنازة وإيصال رسالة العزاء إلى أهل بيشين من قبل فضيلة الشيخ عبد الحميد ومن قبلي.
عندي الكثيرُ من الخواطر لعلماء منطقة بيشين، لأنّ مسيرتي العلمية قد بدأتُها من بيشين، كان العلامة إبراهيم الدامني - رحمه الله- يعمل في ذلك العهد مدرّسا في مدرسة تعليم القرآن في بيشين التي أسّسها والد القاضي نظام الدين، العلامة عبد الله روانبد. سجلتُ في هذه المدرسة ومكثتُ فيها ثلاثة أشهر، وأذكر أنّ المفتي نظام الدين يدرس آنذاك في دار التحفيظ.
إنّ أسرتنا كان لها من قديم الزمان علاقة مخلصة مع علماء بيشين. وكان الوالد يعمل في مركز الشرطة في بيشين، وأمي وسائر أعضاء الأسرة غيري ذهبوا جميعا إلى بيشين، إلى أن تقاعد الوالد عن العمل هناك وعاد إلى قريتنا «سنكان». وبيتنا دائما كان يجري فيه ذكر علماء بيشين، والأم والجدة كانتا تحكيان لنا ما سمعتا في بيشين مدة الإقامة فيها. ممّا جعل اسم القاضي عبد القادر (والد زوجة مولانا عبد الله روانبد) والقاضي يحيى (والد مولانا عبد الله روانبد) مألوفا عندي، منذ عهد الطفولة.
حینما كنتُ أدرس في قسم التخصص فی الفقه بجامعة دار العلوم بكراتشي بلغني أن الشيخ نظام الدين وأخاه الحافظ عبد الرحمن قد أتيا إلى كراتشي وسجّلا في الجامعة الفاروقية، فسُررتُ بهذا الخبر، وأذكر أنّ الأخوين جاءا ذات يوم ونزلا عندنا في جامعة دار العلوم. وتحدثتُ معهما ذلك اليوم في موضوعات مختلفة. ومما دار بيننا في ذلك المجلس: ماذا علينا القيامُ به تجاه الجيل القادم.
في عام 1364 هـ.ش. الموافق لـ 1405 هـ.ق. عندما جئت إلى جامعة دار العلوم زاهدان وفوّضتْ إليّ مسؤولية الشؤون التعليمية، جعلتُ من برامجي التعرّف على المدرسين الأكفاء البارعين في المنطقة والاقتراح على فضيلة الشيخ عبد الحميد لتوظيفهم في جامعة دار العلوم. وذات يوم ذكرتُ مولانا نظام الدين فبعثني الشيخ إلى بيشين للتفاوض مع والد الشيخ نظام الدين حول انتقاله إلى زاهدان، فحضرتُ عنده مبلّغا تحية الشيخ ورسالته، ولكنه لم يقبل، وقال إنه يساعدني في أمور القضاء والإفتاء، فقلتُ: لك أبناء آخرون هم معك يساعدونك، فقال: إن القضاء ليس مما يُجيده الجميع. ثم عندما كان اطّلع أهل بيشين على هذا الأمر ذهبوا إلى الشيخ نظام الدين، ملتمسين منه أن لا يغادر بيشين ولا يتركهم.
عند تأسيس المجمع الفقهي لأهل السنة في إيران، كان الشيخ نظام الدين ممّن أرسلنا له طلبا للعضوية في المجمع، فقبل الطلب، إلا أن كثرة أعماله من جانب وتواضعه من جانب آخر كان يسبب في أن يقلّ حضوره في جلسات المجمع، ولكنه مع هذا ما ضنّ بالدلالة والتوجيه كلما راجعناه عند مواجهة قضية.
كان المفتي نظام الدين عالما متضلّعا ومتواضعا يقصده الناس من مدينة شابهار، وسرباز، وإيرانشهر وغيرها لحلّ قضاياهم وخلافاتهم، فيحسم النزاعات والخلافات بأحسن وجه. والجميع ينزل إلى قضائه ويرتضيه، وكنا قد ندلّ الناس عليه للقضاء بينهم. لقد كان الراحل ركنا ركينا فقدناه، وقد تقدّمت مدرسة تعليم القرآن بيشين في عهده بشكل ملحوظ، حتى تحوّلت إلى إحدى المدارس المرموقة في المحافظة. وكان الراحل بعلمه وعمله وأخلاقه وتواضعه يذكّر الجميع بوالده العظيم مولانا عبد الله روانبد فقيه بلوشستان الكبير. رحمهما الله.
قد عاش الشيخ نظام الدین في غاية البساطة وكان مرجعا موثوقا لدى الناس أجمعين، وقّافا عند الحق بحيث لو ناقشه أحد في مسألة علمية وقدّم دليلا قويّا على خلاف رأي الشيخ، يقبل دليله دونما حرج، راجعا عن قوله. توفّي الشيخ في وقت لم يكن عامة الناس هم المحتاجون إليه فحسب بل الخواصّ والعلماء كذلك بحاجة إلى علمه وفقهه وتوجيهاته، مما يجعل الخسارة فيه كبيرة. قد كان وجوده نعمة كبيرة للمنطقة، خصوصا في عصرنا الذي نعاني فيه قحط الرجال. وأنا شخصيا آلمني رحيله جدا، ولكن ليس لنا غير الرضا بقضاء الله وقدره، وكل حيّ إلى الفناء يؤول.

رحمه الله تعالى ورفع درجاته، ورزق ذويه وجميع المتفجّعين فيه الصبر والسلوان، وملأ الفراغ الحادث برحيله.
HTML Embed Code:
2024/06/03 13:54:14
Back to Top