TG Telegram Group Link
Channel: منبر الخطباء والدعاة
Back to Bottom
بــِســْم الله الـرَحْـمَٰنِ الرَحـِيـمْ

خُطْبَةُالجُمُعة لشخينا العلامـة/محمد بن عبد الله الإمام ـ حفظه الله ورعاه ـ

بِــعِنـوَان:"مَنْ أَرَاَدَ السّعَادَةَ الأَبَدِيَة فَليَلزَم عَتَبَةَ العُبُودِية".

أُلقِيَتْ فـي دَارِ الحَدِيِثِ بِـمَعبَرٍ ـ حَرَسهَا الله ـ بتأريخ: ٢٣/رمضان /١٤٤٤هـ
اَليَمَن ـ ذمارـ معبر

تَفْرِيـغ الخُطْبَة
✒️✒️✒️📝

ـ الخطبــة الأولــى ـ

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ
بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِىَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
 
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
 
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ  ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
 
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِلامُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَُدْى هُدْى مُحَمَّدٍ ـ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ـ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ.

أما بعد: فعـنوان هذه الخطبة: "مَنْ أَرَاَدَ السّعَادَةَ الأَبَدِيَة فَليَلزَم عَتَبَةَ العُبُودِية ".
معاشر المسلمين: إن الله ـ عز وجل ـ قال في كتابه الكريم ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الذاريات : 56 ].
قال الإمام العلامة محمد بن إسماعيل بن الأمير الصنعاني ـ رحمه الله ـ «فكلٌ من الثقيلن؛ الجن والإنس قد هيأهم الله، ويسّر لهم عبادته، وفطرهم على معرفته، فمن عدل عن نهج الهدى فإنما من سوء اختياره أوتي».
فربنا ـ جل شأنه ـ أخبرنا أنه خلق المخلوق البشري، وهكذا المخلوق من الجن لعبادته، فهيأهم لذلك، وأعدهم لذلك، وجعلهم أهلًا لذلك بما هَيِءَ لهم ويسّر لهم من ذلك، ولهذا فطرهم على الإسلام، فهذا المخلوق البشري خُلِقَ لعبادة الله؛ فلا بد له من عبادة الله لا بد له من ذلك؛ لأنه قد خُلِقَ لها، فكما أن هذا المخلوق خُلِقَ مجبولًا على الأكل والشراب والجماع.. إلخ، فلا بد له من ذلك؛ فهكذا ـ أيظًا ـ خلق الله العباد لعبادته فلا بد لهم منها؛ لأن العبادة قوت القلوب، وغذاء الأرواح، ونعيم النفوس، ونور العقول، وقوة الأبدان؛ فكما أن الجسد يحتاج إلى القوت الغذائي حتى تدوم عافيته، وحتى يتنعّم، وحتى يسمن فكذلك ـ أيظًا ـ القلوب لابد لها من الغذاء الذي جعله الله غذاءً لها، ومن لم يعبد الله ـ عز وجل ـ بأن حاد من منّهاج الله وعما فطره الله عليه فلا بد أن يعبد غيره، لا يعني ـ أبدًا ـ أنه لن يعبد غير الله، فمن لم يعبد الله؛ عبد غير الله هكذا لا بد أن يكون الأمر، قال الله: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِىٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطٰنَ ۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِى ۚ هٰذَا صِرٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾
[ سورة يس : 61-٦٢ ].
فالذين حادوا عن عبادة الله عبدوا شر المخلوقين، عبدوا أشقى المخلوقين؛ ألا وهو الشَّيْطٰنَ الرجيم، عدوهم وعدو أبيهم آدم تسبب في إخراجه من الجنة، وهو يريد لهم أن يكونوا من أهل النار، كما قال الله: ﴿ إِنَّ الشَّيْطٰنَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُۥ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحٰبِ السَّعِيرِ ﴾
[ سورة فاطر : 6 ].
هذه الحقيقة لا بد أن يعلمها كل مسلم ناصحًا لنفّسه، يريد النجاة لنفّسه، وقال الله في كتابه الكريم: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتّٰى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾
[ سورة الحجر : 99 ].
ومعنى : أعْبُدْ رَبَّك أي: أطعه وانقد لشرعه، وخضع لدينه، ومعنى: ﴿حَتّٰى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾: أي: إلى أن تموت، وواصل في عبادة الله، وداوم على طاعة الله حتى تلقى الله، أجّمع المفسّرون على أن معنى ﴿حَتّٰى يَأْتِيَكَ الْيَقِين﴾ أي: حتى يأتيك الموت، فليس للعبادة وقتٌ معين؛ أن تؤدى فيه ثم تترك وتهمل، وينقطع العابد عن عبادة الله هذا ليس له وجود في الشريعة، ولا قبول له، ولهذا أخرج الإمام أحمد في "الزهد" عن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ قال:« إنّ الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلًا دون الموت». فأنت عبد لله؛ حتى تلقى الله، فمن تأخر عن ذلك في ساعة من الساعات، وفي لحظة من اللحظات؛ فإنما مال إلى عبادة غير الله ـ عياذًا بالله ـ.
معاشر المسلمين: إنّ أمر الإستمرارية على عبادة الله وطاعته هو الأمر الأجل والأمر الأعظم، الذي يجب على كل مسلم ومسلمة أن يوطنوا أنفسهم على المداومة على عبادة الله قال الله في كتابه الكريم ﴿ إِنَّ الْإِنسٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿٢٠﴾ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا ﴿٢١﴾ وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿٢٢﴾ إِلَّا الْمُصَلِّين َ ﴿٢٣﴾ الَّذِينَ هُمْ عَلٰى صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ ﴾
[ سورة المعارج : ١٩-٢٣ ].
هكذا يبين الله أن أمر المسلم في أمر دينه؛ أنه أمر ديمومة، ومعنى: ﴿ دَآئِمُونَ﴾ أي: مواظبون ومستمرون ومحافظون، على أداء الصلوات الخمس المكتوبة، هكذا أمر الله، وفرض الله وأوجب الله، ودعا الله عباده المؤمنين؛ الذين آمنوا ببعثة محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ، والصلاة هي أعظم أنواع العبوديات الظاهرة، وأعظم أنواع الطاعات الظاهرة في اليوم والليلة، وهي العبودبة الباقية بين العبد وربه من العبدات الظاهرة، لا ينقطع العبد عنها، ولا يتركها، ولهذا فرضها الله على العباد، على المؤمنين والمؤمنات، في السفر كما فرضها في الحظر، وفي المرض كما فرضها في العافية، وفي الخوف كما فرضها في الأمن، وفي الضعف كما فرضها في القوة، هكذا فريضة الصلاة، فليس في الصلاة رخصة أن تترك بعذر من الأعذار، من الأمراض والأسفار أو الضعف أو الخوف هذه كلها ليست أعذارًا تقبل عند الله؛ بل يجب على كل مسلم أن يدوام على الصلاة حتى يلقى الله، أو يذهب عقله بحيث لا يعرف التكاليف، ولا يعرف ما يخاطب به، ولا يطالب به، فإذا ذهب عقله، رفع عنه التكليف، فلا صلاة ولا تكليف في غيرها، هكذا شأن أمر الصلاة، التي هي صلة بين العبد وربه، وروى الإمام البخاري وغيره من حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: " أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ ما داوم عليه صاحبه وَإِنْ قَلَّ ".
هذا الحديث العظيم يبين لنا أن حقيقة العبودية لله ـ عز وجل ـ هي المداومة على أداء الفرائض والواجبات، وليست بالإنقطاع، ولو أكثر العبد من العبادات في وقت ثم إنقطع عنها في وقت آخر؛ فهذا انحراف عظيم ـ عياذًا بالله ـ، وسمعتم في هذا الحديث " أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ "، تريد أن تكون على أعمال يحبك الله، ويحب أعمالك فداوم على الطاعات وإن قلّت، ومعنى" قَلّت " إن اكتفى المسلم بالفرائض، وترك النوافل ـ مع أن الوافل فيها خيرات كثيرة ـ، لكن إذا لم ييسّر للمسلم أن يكثر من النوافل فيكتفي بالفرائض، ولا يترك الفريضة، ويأتي بما تيسر من النوافل ولو كانت قليلة، هذا معنى الحديث الذي سمعتم، وأفاد هذا الحديث أن دين الإسلام يسر، فليس دين يطالب المسلم أن يجهد نفسه بكثرة النوافل في العبادات، وبكثرة الطاعات، بل يأخذ ما تيسر، روى الإمام البخاري ومسلم من حديث أنس ـ رضي الله عنه ـ أنّ رجلًا من الأعراب جاء ألى الرسول ـ عليه الصلاةوالسلام ـ وقال  يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ ؟ قَالَ : " وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ " قال والله ما أعددت لها من كثرة صلاة ولا صيام، وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فقَال له ـ عليه الصلاة والسلام ـَ : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ".
قال أنس ـ رضي الله عنه ـ: « فما فرحنا بشيء كفرحنا بهذا الحديث، فإننا نحب الله، ونحب رسول الله، ونحب أبا بكر وعمر، وإن لم نعمل عملهما».
كان بعض الصحابة يفهم أن المسلم لا يكون محبوبًا عند الله إلا إذا أكثر من نوافل العبادات، فلما جاء هذا الأعرابي، وسأل فسأله الرسول؛ وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ فقال والله ما أعددت لها من كثرة صلاة ولا صيام، ومعنى كلامه: لست مكثرًا من نوافل الصلاة، ولا من نوافل الصيام، كشأن العابدين الذين يكثرون من هذه النوافل، أصلي الفريضة، وأصوم الفريضة، وآتي بما تيسر من النافلة، هذا معنى كلامه، فقال له الرسول لما قال:" وَلَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَه" بمعنى: لم أكن مقلًا من النوافل أني أكره ما شرع الله، وما حث الله عليه، وما دعا الله ورسوله إليه، من الإكثار من النوافل، لم يكن هذا مني من باب الإكراه لما شرعه الله، ولما جاء به رسوله، ولكن بعتبار أنه يرى أنه يكتفي بأداء الفريضة، وما تيسر من النافلة، فقال له الرسول : " أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ ".
أي: أنت معي ومع أصحابي هذا في يوم القيامة، فهذا الحديث بشارة عظيمة لجميع المسلمين من تجار وصُنّاع وزراع وغيرهم من المسلمين، الذين لا يتسنا لهم الأمر أن يتوسعوا في نوافل الطاعات، وأن يكثروا من نوافل العبادات، فيؤدون الفرائض وما تيسّر معها من بقية النوافل، هذه بشارة لهم؛ أنهم من رفقاء سيد الأولين والآخرين في الآخرة بإذن الله.
وقال ﷲ في كتابه الكريم:﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقٰمُوا ﴾
[ سورة الأحقاف : 13 ].
قال الإمام الحبر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: " أدوا الفرائض ". ﴿اسْتَقٰمُوا ﴾ أي: أدوا الفرائض، أنظروا إلى بيان أهمية الإستقامة، وما هو واجب، ولا تكون الإستقامة إلا به وهو تأدية الفرائض، واجتناب المحرمات والمنكرات.
وقال المفسّر السُدي ـ رحمه الله تعالى ـ:" استقاموا على الإخلاص، وإلى العمل إلى الموت ". هكذا الإستقامة على الدين، وهكذا المسلم المتدين، والمسلم الذي اتصل بالله، وصار عبدًا لله، ليس فيه عبودية لغير رب العالمين ـ سبحانه وتعالى ـ، فما أحوج المسلم إلى أنه يوطّن نفسه على أن يعبد الله، ويترك عبادة الشيطان، إنتبه على نفسك، جاء من حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ سئل أي الأعمال أفضل؟ قال : " ما داوم عليه صاحبه وَإِنْ قَلَّ ".
مفاد الحديث: أنّ الذي لا يداوم فهذا على خطر عظيم، وقد جاء من حديث عبد الله بن عمر ـ عند الإمام أحمد وغيره ـ أنّ الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: " إن لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَهتدىَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ".
ومعنى الحديث: " إن لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ " أي: نشاط وإقبال ورغبة، هذا يحصل من بعض المسلمين، أنه ينشط للعبادات، وينشط للخير في أوقات، وفي أوقات يترنح، وفي أوقات يُصرف عن العبادات والطاعات، قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ " أي: نشاط وإقبال ورغبة وحرص على ذلك، قال: "وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ"، أي: يعقب النشاط والإقبال على العبادات والطاعات، فتور، وضعف، ووهن، وكسل، وملل، وتأخر، هذا يحصل في حق من يبالغ في الإكثار من العبادة في وقت، قد يبتلى بأن يصاب بهذا الفتور، أما من أعتدل في أمر العبودية، فيؤدي الفريضة، وما تيسّر من النافلة، ولا يبالغ هذا في الغالب أن يبقى أمره على الإستمرار ، وعلى السداد؛ وعلى كلّا ليسمع هذا الحديث من عود نفسه أنه في رمضان لله من العابدين، وبعد رمضان لله من المعادين، ومن التاركين لعبادته وطاعته، والمنتقلين إلى عبادة غيره، ليسمعوا هذا الحديث، ويحذروا الوقوع في هذا الهلاك، قال:" وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُه" أي: فتوره "إِلَى سُنَّتِي" أي: ديني وطريقتي، وهديي "فَقَدْ أَهتدىَ" فهذا الذي هداه الله ووفقه وسدده وثبته على الدين، وعلى الحق المبين، قال: "وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ ". ـ عياذًا بالله ـ يكون قد هلك بسبب أنه قد انقطع عما كان عليه من عبادات وطاعات، مما أوجب الله عليه، أما لو انقطع عن بعض النوافل والمستحبات، لا يكون هالكًا، إنما الهلاك في ترك الفريضة، روى الإمام البخاري وغيره من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: " مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ ".
أي: كأنما إفتقد أهله وماله، فوجىء بإفتقاد أهله، وبإفتقاد ماله وأولاده لم يبقى معه من ذلك شيء، لو رأيتم أحدنا أصيب بهذه المصيبة لرحمتموه كلكم، وربما بذل بعضكم له ما بذل من الإعانة والإصلاح لما رأى من عظيم المصيبة، ومن كبر النكبة ـ عياذًا بالله ـ، يامسلم الذي يترك صلاة العصر مرة واحده حتى يخرج وقتها هذه مصيبته في دينه، وهي أعظم من مصيبة في دنياه في مال أو غيره؛ بل روى الإمام البخاري وغيره من حديث بريدة بن الحصيب ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قَالَ : " مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ".
صلاة واحدة تترك يعاقب تاركها، يتركها حتى يخرج وقتها، يعاقب تاركها بإحباط عمله، لماذا؟! لأنه قطع صلته بالله؛ لأن الصلاة صلة بالله، وتركها إنقطاع عن الله ـ عز وجل ـ، أيرضا عاقل أن يعرض نفسه لهذه العقوبة ـ عياذًا بالله ـ، وجاء من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ عند الطبراني في ـ الكبير ـ وغيره، أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال:" إعملوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات الله؛ فإن لله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده ".

أيها المسلم الكريم: إذا ابتلاك الله بمرض خطير، وداء وبيل، وشر كبير؛ ألا وهو التكاسل عن الصلاة، والتلاعب بها، فإستعن بالله أن الله يمدك بمدد من عنده لِيُقوي عزيمتك، ولِيُعينك على أن تطرد هذا المرض، وعلى أن تحارب الشيطان الذي هو ساعٍ في تخذيلك وفي تكسيلك عن العبادة والطاعة، وإلا ما بينك وبين الله؟ حتى لا تقبل على عبادته! هل الله عدوك لك؟ هل الله ظالم لك؟ هل الله آخذٌ لحقك؟ حتى تقول لا أستجيب لربّي، ولا أُقبل على طاعة مولاي! إحذر الشيطنة إحذر الشيطنة إحذر الشيطنة.
أيها المسلم الكريم: قد يقول قائل الصلاة فيها مشقة، وفيها شيءٌ من التعب، أُصلي في اليوم والليلة خمس صلوات في المسجد، وأتردد على المسجد خمس صلوات؟ والجواب: أن ما يجد في الصلاة من مشقّة، ليست مشقّة لا تطاق، ليست مشقّة تحول بين الشخص وبين مصالحة، وبين دنياه، وبين راحته؛ فهي دقايق، ويكوز الشخص قد أدى الصلاة، ورجع إلى دنياه، فكم يسرف في الوقت في أمور دنياه، في الظحك في النوم في اللعب في في.. إلخ فلمذا جاء الحسااااب الشديد إذا جاء وقت الصلاة، وقتي سيذهب، إحذر الشيطنة، فالشيطان ذئب الآنسان، الشيطان ذئب الإنسان، روى الإمام مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَ قوله تعالى :﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾
[ سورة البقرة : 284 ].
جاء الصحابة إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ،وجثوا على ركبهم،وقالوا يارسول الله قد كُلِّفْنَا مَا نُطِيق مِنَ الْأَعْمَال والعبادات، كُلِّفْنَا بالصَّلَاةَ فصلينا، وكُلِّفْنَا بَالصِّيَامَ فصمنا، وكُلِّفْنَا بَالصَّدَقات فتصدقنا كُلِّفْنا َبَالْجِهَادَ فجاهدنا ، وإننا لا نُطِيقُ هَذِهِ الْآيَةُ ".
مرادهم: قوله ـ تعالى ـ:﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ ﴾ خافوا أن يحاسبوا على الخواطر التي تخطر في قلوبهم، خافوا ـ رضي الله عنهم ـ أن يحاسبوا على الخواطر التي تخطر في قلوبهم من خواطر الشر ـ رضي الله عنهم ـ فقالوا: إنا لا نُطِيقُ هَذِهِ الْآيَةُ، أنظروا الفقه عند الصحابة ـ رضي الله تعالى عنهم ـ فقال لهم الرسول: " أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ بَلْ قُولُوا : ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾". فَقَالُوا : ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾؛ فأنزل الله: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ... الآيات إلى آخر السورة، أنزل الله هذه الآيات.

إذًا معاشر المسلمين: المطلوب أن يحافظ على أمر الدين، لا سيما الصلاة؛ لأنها العبادة بينك وبين الله، التي بينك وبين الله في الليل والنهار، لا تقطعها فتُقطع عن الله.

ـ أستغفر الله إنه هو العفور الرحيم ـ

ـ الخطبــة الـثـانيـة ـ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه أما بعد:
قال الإمام الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: «فمن قابل الصيام الذي وفقه الله إليه؛ بأنه بعد رمضان أقبل على المعاصي، فقد بدّل نعمة الله كفرًا..
الله يُنعم عليه بالهداية وبالإسلام، وهو يترك ذلك، ويأتي إلى غير الإسلام ـ عياذًا بالله ـ ثم قال ـ رحمه الله ـ: ومن صام رمضان وهو ينوي أنه بعد رمضان يرجع إلى المعاصي.. فإن عبادته عليه مردودة، وأبواب الرحمة عليه مسدودة».
إحذروا أن يغالط العبد نفسه، ويقول: أنا مؤمن، أنا عبد لله؛ بدليل أني صمت رمضان، وبدليل أني صليت في رمضان، سئل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فيمن يصلي ويخلي ـ يصلي بعض الصلوات ويترك بعضها، تارة يأتي بها كلها، وتارة يأتي ببعضها ـ قال: «في الوقت الذي يصلي فهو مسلم، وفي الوقت الذي لا يصلي ليس بمسلم ».
إحذروا الخروج من الإسلام، والمعادة للدّين، فإن المتلاعب بالصلاة، وإن التارك لها؛ كأنه لا يريد الله، ولا يريد جنة الله، ولا يريد رحمة الله، ولا مغفرة الله، ولا يريد أن يكون عبدًا لله، كأنه مسغنٍ عن ذلك، يا عبد الله أنظر إلى هذه العبادات والطاعات التي أوجبها الله عليك، ماذا تُعطى بسببها؟ تعطى الجنة أبد الآبدين، نعـيم صرّمدي تعطاه بهذه العبادات القليلة التي تقوم بها، والتي أوجبها الله عليك، أنظر يا أيها المسلم إلى دنياك كم تبذل من وقتك؟ وكم تعاني؟ وكم تتعب! وكم وكم؛ من أجل أن تتحصل على لقمة العيش، ربما بعضنا ذهب عمره كله، ولم يتحصل على لقمة العيش كلها، لا يزال في فقر، لا يزال في ضيق، لا يزال في شدائد في أمر المعيشة، مع أنه يكّد كدّ الوحوش لي الليل وفي النهار في طلب الدنيا، يا مسلم أما ترضى أن تكون هذه الطاعات، أن تنال بها عز الدنيا والسعادة في الدنيا وفي الآخرة! أما ترضى بهذا!، أترضى بضياع وقتك، وترضى بأن تجعل أوقاتك في دنياك، وهي دنيا زائلة، وهي منتهية، وأنت عنها راحل، وأنت لها تارك، والذي سيبقى لك، والذي سينفعك نفعًا أبديًا صرّمديًا تتلاعب به! أهذه عقول مستنيرة! أهذه عقول متصلة بخالقها وباريها، أن هذا هو الجهل، وهو تسلط شيطاني على بعض الناس.

إذًا أيها المسلمون: إستقيموا على دين الله، وحافظوا على شرائع الله، أنتم عبيدٌ لله، لا تخرجوا عن هذا، لا تتركوا هذا، إستمروا على هذا الخير الذي قد أسداه الله إليكم، والذي قد إصطفاكم به، واصطفاكم له، ودعاكم وهيأكم إلى ذلك.
فيا أيها المسلم الكريم: جاهد نفسك مجاهدة، جهادًا أكبر على أن تحافظ على طاعة الله، وعلى مرضاة الله، ولا تخضع لعدوك الشيطان قال الله:﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطٰنُ فَأَنسٰىهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ۚ أُولٰٓئِكَ حِزْبُ الشَّيْطٰنِ ۚ أَلَآ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطٰنِ هُمُ الْخٰسِرُونَ ﴾
[ سورة المجادلة : 19 ].

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم لا تدع لنا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًا إلا فرّجته، ولا دينًا إلا قضيته، ولا عدوًا إلا قصمته، اللهم عليك بأعداء الإسلام، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا ترده عن القوم المجرمين
اللهم حبب ألينا الإيمان، ورزينه في قلوبنا ، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان؛ إنك أرحم الراحمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دار الحديث للعلوم الشرعية بمعبر ـ حرسها الله وسائر بلاد المسلمين ـ اليمن _ذمار_.
خطبة تعظيم قدر العلماء
والحادثه الاليمة في محافظة شبوة
الحمد لله مجري القلم فوق متن الكتاب، وهادي الأمَّة إلى السُّنَّة والكتاب، الحمد لله على ما أنعم، وعلى ما أعطى وعلَّم، الذي أعزَّ بالعلم بلالاً، وهو العبد الحبشيُّ، وأذلَّ بالجهل أبا جهلٍ، وهو الحرُّ القرشيُّ، رفع بالعلم أقواماً، وأذلَّ بالجهل حكَّاماً، والعاقبة للمتَّقين. وأشهد أن لا إله إلَّا الله الواحد الفرد الصمد الذي جعل العلم منار الفالحين، وسفين نجاة الصَّالحين. وأشهد أنَّ محمَّدا رسول الله، ختم به الأنبياء، وبكتابه الكتب، فتمَّ له ما ليس في عجمٍ ولا عربٍ. اللهمَّ صلِّ وسلم وبارك عليه، ما دام الَّليل والنَّهار، وما دامت السَّموات والأرض.[١]

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وراقبوه في السر والنجوى ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى الله ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ {البقرة:281}.
معاشر الموحدين
:-- العلماء وما ادراك ما العلماء
العلماء أئمة الهدى
العلماء مصابيح الدجى
العلماء أهل الرحمة والرضاء
العلماء بهم يحتذى
العلماء بهم يهتدى
العلماء بهم يقتدى
العلماء هم أهل الفضل
ما الفضلُ إِلا لأهلِ العلمِ إِنهمُ …… على الهُدى لمن استهدى أدلاءُ

وقيمةُ المرءِ ما قد كان يحسِنُهُ ….. والجاهِلونَ لأهل العلمِ أعداءُ

فقمْ بعلمٍ ولا تطلبْ به بدلا ….. فالناسُ مَوْتى وأهلُ العلمِ أحياءُ
العلماء ومكانتهم في ديننا
معاشر المؤمنين : للعلم والعلماء مكانة في الدين لا تنكر، وفضل كبير لا يكاد يحصر، فقد جاءت نصوص الشرع متوافرة متعاضدة تعزز من مكانتهم، وتبين فضلهم، فهم من شهود الله على أعظم مشهود به وهو توحيد الله عز وجل كما قال تعالى: ﴿ شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾ ، قال الإمام القرطبي رحمه الله : " في هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء وفضلهم؛ فإنه لو كان أحدٌ أشرفَ من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن اسم العلماء " ، ويكفيهم شرفاً أن الله تعالى رفع شأنهم ، فجعلهم أهل خشيته من بين خلقه ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ ﴾ {فاطر:28} وأبى سبحانه التسوية بينهم وبين الجهلة بشريعته ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ {الزُّمر:9} , ورفعهم الله تعالى درجات فقال سبحانه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [المجادلة: 11].
وورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكانة العلماء حشد من النصوص المذكرة بفضل العلماء, وعلو درجتهم, فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّل الله له طريقاً إلى الجنة ، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع ، وإن العالم ليستغفر له مَنْ في السموات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ وافر" رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب . وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ" رواه الترمذي وصححه الألباني في صحيح الترمذي ، فيا لها من مكانة، ويا له من فضل، ويا له من تشبيه لهذا الذي يحمل العلم.
وقال العلامة ابن القيم رحمه تعالى في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين: " العلماء هم في الأرض بمنزلة النجوم في السماء بهم يهتدي الحيران في الظلماء وحاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب ".
ولما كان أهل العلم بهذه المنزلة فقد جاء الشرع بتكريمهم والحض على توقيرهم، وليس بقتلهم والاعتداء عليهم فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه" رواه أحمد والترمذي .
ايها المسلمون عباد الله :
توقير العلم والعلماء؛ من إجلال الله تعالى، وتعظيم شريعته، وامتثال أمره، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ من إِجْلَالِ الله إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فيه وَالْجَافِي عنه وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» رواه
أبو داود وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع 2195، وأخذ الصحابي الجليل ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما بركاب أبي بن كعب رضي الله عنه فقيل له أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم تأخذ بركاب رجل من الأنصار فقال: إنه ينبغي للحبر أن يعظم ويشرف.
إخوة الايمان
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يدينون الله سبحانه ويتقربون إليه باحترام العلماء الهداة، بلا غلو ولا جفاء قال أبو جعفر الطحاوي في عقيدته المشهورة: " وعلماء السلف من السابقين، ومَن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر، لا يُذكَرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل ".
تعظيم العلماء وتقديرهم من تعظيم شعائر الله قال تعالى: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ﴾ [الحج: 30]، وقال جل وعلا: ﴿ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، والشعيرة كما قال العلماء: كل ما أذن وأشعر الله بفضله وتعظيمه. والعلماء بلا ريب يدخلون دخولاً أوليًّا فيما أذن الله وأشعر الله بفضلهم وتعظيمه بدلالة النصوص الكريمة السالفة الإيراد.
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في تفسيره : شعائر الله أعلام الدين الظاهرة ومعنى تعظيمها إجلالها والقيام بها وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمها تابع لتعظيم الله وإجلاله.
وعلى هذا فالنيل من العلماء وإيذاؤهم يعد إعراضًا أو تقصيرًا في تعظيم شعيرة من شعائر الله قال بعض العلماء: أعراض العلماء على حفرة من حفر جهنم.
ومن هنا وجب أن يوفيهم الناس حقهم من التعظيم والتقدير والإجلال وحفظ الحرمات، وما يوجد من بعض الناس في بعض المجالس أو المنتديات أو بعض وسائل الإعلام من انتقاصٍ أو ازدراء لأهل العلم بسبب خلافهم أو قولهم الحق والصدع به يجب إنكاره والرد على قائله ونصحه؛ لأن الوقوع في العلماء إسقاط لهم وحرمان للناس من الإفادة من علمهم، وحينئذ يتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فيفتوا بغير علم فيضلوا؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوساً جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا" رواه البخاري ومسلم.
إخوة الاسلام :--
وسلف هذه الأمة وخير قرونها تمثلوا هذا التوقير والتعظيم في مواقف كثيرة امتلأت بها بطون كتب التراجم والتواريخ وتناقلها العلماء تذكيراً بهذا الأدب، وتعميقاً لهذا الأصل في القلوب وتنبيهاً على استعماله لكل سالك.
وإنما جاء الشرع بهذا التوقير والتعظيم للعلماء لما فيه من مصالح عظيمة، فإن توقير العلماء أدعى إلى توقير علمهم الذي يحملونه وأقرب إلى أن يحرصوا على بذله للناس، فإن التوقير والأدب والتلطف يستدر بها العطف والود، كما أن في ازدرائهم وإهانتهم خطراًُ على المجتمع بكتمانهم العلم أو عجزهم عن إبلاغه، أو استهانة الناس بهذا العلم الذي يحملونه، ولذا كانت سنة الله تعالى فيمن اعتدى على أهل العلم والصلاح أن يفضحه الله ويكبته قال تعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ﴾.
إن محبة علماء الشريعة الربانيين، ومعرفة قدرهم، وحفظ مكانتهم، والذب عن أعراضهم، والانتصار لهم ممن بغى عليهم، منهج السلف الصالح ودليل الهدى والإتباع، وفي هذا يقول أبو حاتم الرازي رحمه الله تعالى:«إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة».
حفظ الله تعالى علماء الأمة الربانيين العاملين ، وأعلى ذكرهم، وزادهم من فضله، ونفع بهم خلقه، ورد عنهم قالة السوء، إنه سميع قريب.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...

الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
الحمدلله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى واشهد وان لااله الا الله وحده لا شريك واشهد أن محمد عبده ورسوله اما بعد
ايها المسلمون عباد الله:---
أن العلماء هم مصابيح النور لهذه الامه وان الجناية عليهم خرق في الدين كيف لا وابن المبارك يقول (( من استخف بالعلماء ذهبت آخرته ))
أن الاعتداء على العلماء هو حرب على الله إذ يقول الله في الحديث القدسي (( من عادى لي وليا فقد آذنته الحرب ))
ولله در الحسن بن ذكوان عندما ذكر رجل عالما بسوء فقال له الحسن ((مه لاتذكر العلماء بسوء فيميت قلبك ))
فكيف بمن يعتدي على علماء الامه ودعاتها بالقتل وان ماحدث في يوم عيد الفطر لشي يقطع القلب
لمثل هذا يذوب القلب من كمد أن كان في القلب اسلام وإيمان
وماحادثة مقتل الشيخ عبدالله الباني عنا ببعيد
أن هذه الجريمة النكراء احزنت وآلمت كل من سمع بها
حدث غريب لاول مره تحدث في تاريخنا
ان مقتل الشيخ عبدالله الباني الم كل حر
ان مقتل الشيخ عبدالله الباني آلم كل غيور على دين الله
لقد عرف شهيدنا بدعوته إلى إصلاح البين
لقد عرف شهيدنا بدعوته إلى جمع الكلمه ووحدة الصف وما تكلم الكلمات التي ودع بها هذه الدنيا الا اكبر شاهد وخير برهان
لقد عرف شهيدنا بخدمته لمديريته فكان نعم الابن لمديريته
خدم مديريته من منبره
خدم مديريته في عمله الإداري والصحي ويشهد بذلك آثاره الطيبة
انني في هذا المكان أوجه ثلاث رسائل
أما رسالتي الاولى فهي لامخرج للعباد الا بإقامة الحدود الشرعية وتطبيق شرع الله في تكلم الايادي الغادره التي طالت شهيدنا
(( ولكم في القصاص حياه يا أولي الألباب ))
واما رسالتي الثانيه فهي لأسرة شهيدنا
لستم من فقد الشيخ عبدالله
من فقد الشيخ عبدالله هو منبره الذي كان يذكر الناس فيه بكلام الله
لقد فقد الشيخ عبدالله مرفقه الصحي الذي قدم فيه كل خير

لقد فقد الشيخ عبدالله الأيتام
لقد فقد الشيخ عبدالله الأرامل
لقد فقد الشيخ عبدالله الفقراء
لقد فقد الشيخ عبدالله المساكين
لقد فقد الشيخ عبدالله كل محتاج.
واما رسالتي الثالثه فهي إلى أصحاب الإعلام المضلل اقول لكم اتقوا الله لقد سلم الله ايديكم من دم الشيخ عبدالله
فلتسم منه السنتكم تذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمه جاء يوم القيامة ومكتوب على جبينه ((آيس من رحمة الله ))
اعملوا انكم بين يدي الله محاسبون وعما كتبت ايديكم وتكلمت ألسنتكم مسئولون .
.
الاوصلوا وسلموا على من امركم الله الصلاة والسلام عليه.
▪️هل تعـلمون كيـف مـات الإمـام البخـاري !؟

تعرض الإمـام البخاري لاضطـهاد شديد في نهاية حياته من حكام المدن الإسلامية في شرق العالم الاسلامي وتحديدًا ( نيسابور - بخارى - سمرقند ) لأسباب كثيرة منها :

كان يرفض تعليم أبناء الحكام في قصورهم ويقول :
"العلـم يـؤتى ولا يذهـب بـه إلى الأبـواب"
وكان يحسده البعض بسبب شهرته وسيرته الحسنة.

وعندما بلغ الإمـام البخـاري ٦٢ عام، وصلته أوامر من حاكم مدينة نيسابور أن يغادر المدينة وانه غير مرغوب فيه.

فهاجر منها حتى وصل مسقط رأسه مدينة بخـارى، فاستقبله الناس على أبواب المدينة ورحبوا به، ولكن سرعان ما غضب من شهرته حاكم بخـارى، و وصلته رسائل من حاكم نيسابـور بضرورة طرد الإمـام من مدينة بخـارى أيضًا كما سبق وطُرد من نيسابـور.

فوصل مبعوث حاكم المدينة لبيت الإمـام البخـاري يطلب منه وبشكل عاجل أن يترك المدينة، وكانت الأوامر أن الآن يترك المدينة، لدرجة ان الإمـام لم يمهل أن يجمع كتبه ويرتبها.

فخرج من المدينة ومكث على مشارفها في خيمة له ثلاثة أيام يضبط كتبه ويرتبها ولا يعرف أين يذهب.

ثم تحرك الإمـام البخـاري في إتجاه مدينة سمرقنـد لكنه لم يدخل المدينة نفسها بل اتجه نحو قريـة من قراها أسمها خرتنك ليحل ضيفًا على أقاربه هناك بمرافقة إبراهيم بن معقل.

ولم يمر وقت طويل حتى وصل الحرس لأبواب البيت الذي نزل فيه الإمـام بأوامرهم من حاكم سمرقنـد هذه المرة أن لابد أن يخرج الإمـام البخـاري من نواحي سمرقنـد وقراها.

وكانت هذه ليلة عيد الفطر لكن الأوامر أن يخرج الآن وليس بعد العيد، فخشي الإمـام أن يتسبب بأي ضرر لأقاربه الذين أكرموه، فرتب له إبراهيـم بن معقل الكتب فوق دابته الأولى وجهز الثانية ليركب عليها الإمـام.

وخرج الإمـام البخـاري وهو يتحامل على ابن معقل، وهما يمشيان بإتجاه دابة الركوب وبعد ما يقارب الـ ٢٠ خطوة، شعر الإمـام البخـاري بالتعب أكثر فأكثر، فطلب من ابن معقل ان يمهله دقائق ليستريح، فجلس الإمـام البخـاري بجانب الطريق ثم نام.

وما هي إلا دقائق عندما أراد ابن معقل ان يوقظ الإمـام وجده قد فاضت روحه إلى الله

مات الإمـام البخـاري على جانب الطريق ليلة عيد الفطر يوم ١ شوال عام ٢٥٦ هجريا وهو مطرود من مدينة واخرى وثالثة وقد تجاوز عمره الـ ٦٢ عام محتسبًا لله عز وجل وليس منعمًا في القصور ولا الأموال ولا الجاه.

اليوم لا يعرف أحد من الناس أسماء حكام نيسابـور وبخـارى وسمرقنـد، لكن الجميع وبفضلٍ من الله يعرف من هو الإمـام البخـاري وفضله على المسلمين.

هذا هو الإمـام البخـاري رضي الله عنه وجعله من أهل الجنة.

صحيح_البخاري

🌹🌹🌹🌹🌹🌹
ببسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 21 شوال 1444 هـ الموافق 12 مايو 2023م
الخطبة الأولى : الحمد لله رب العالمين قيوم السماوات والأرضين مدبر أمر الخلائق أجمعين ، نحمده تبارك وتعالى أنعم علينا بنعمة الدين وجعله نظاما شاملا كاملا صالحا للعالمين ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تستقيم بها حياتنا وتصلح بها أوضاعنا وتستنير بها قلوبنا ونفوز بها (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله من بعثه الله كافة للناس بشيرا ونذيرا وسراجا منيرا صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم وسار على نهجهم إلى يوم الدين ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله والعمل بطاعته في كل شؤون حياتنا ، والاهتداء بهديه في كل علاقاتنا ومعاملاتنا ، والجهاد في سبيله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) ، (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما بعد فإن من عظمة الإسلام أنه منهج شامل ونظام كامل يتناول جميع مظاهر الحياة وجوانبها وينظم كل شؤون الناس الفردية والجماعية في أمور الدين والدنيا ، ويقيمها على أحسن الآدب والأخلاق والأحكام والقيم وصدق الله (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) والقائل كذلك (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
ومن المصالح العامة أيها المؤمنون التي ينظمها الدين الطريق فلها حقوق وآداب وأخلاق وأحكام باعتبارها شريان حياة ومرفقا من المرافق الضرورية التي تتعلق بها مصالح الناس وحركتهم لقضاء حوائجهم من أداء وظائفهم والقيام بأعمالهم والتواصل فيما بينهم . وتنظيم السير من شأنه أن يحقق مصالح المجتمع ويدفع عنهم المشاق والمضار والشحناء والبغضاء وضياع الأوقات والأموال والدماء ، ولذلك نجد القرآن والسنة والفقه والقانون تعطي أهمية كبيرة للآداب والأحكام التي تتعلق بالطريق وبمناسبة أسبوع المرور العربي وحملة المرور التي تنفذها شرطة محافظة مارب أقف بحضراتكم مع موضوع حق الطريق من خلال حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إيَّاكُمْ والْجُلُوسَ بالطُّرُقاتِ" قالوا: يا رَسولَ اللهِ، ما لنا بُدٌّ مِن مَجالِسِنا نَتَحَدَّثُ فيها فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "إذا أبَيْتُمْ إلَّا المَجْلِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قالوا: وما حَقُّهُ؟ قالَ: "غَضُّ البَصَرِ، وكَفُّ الأذَى، ورَدُّ السَّلامِ، والأمْرُ بالمَعروفِ، والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ" رواه البخاري ومسلم ، وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا قُعُودًا بِالْأَفْنِيَةِ نَتَحَدَّثُ , فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عَلَيْنَا , فَقَالَ: مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ ؟ اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ , فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِمَا بَأسٍ , قَعَدْنَا نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ وفي رواية: نَغْتَمُّ فِي الْبُيُوتِ , فَنَبْرُزُ فَنَتَحَدَّثُ قَالَ: " فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ , فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ " قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ , قَالَ: " غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى , وَرَدُّ السَّلَامِ وَحُسْنُ الْكَلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ وَإِرْشَادُ السَّبِيلِ وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وفي رواية: " وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ "
فها هو من لا ينطق عن الهوى يخبرنا بأن للطريق وللمارة فيها ولمستخدميها حق يلزم الوفاء به من كل الناس رعاية للحق العام وتأدبا بآداب الإسلام والتزاما بالقانون والنظام ، ومن هذه الحقوق عدم الجلوس على الطرقات أو نصب الخيام للأعراس والمناسبات ، أو استخدام الطريق لمصلحة شخصية فردية كتوقيف السيارات أو التضييق عليها بالبسطات أو وضع المطبات ولعب الكرات أو الجلوس في الطريق لبيع الماء أو غيره ، أو نصب النقاط غير الرسمية والتي تستهدف قطع الطريق ونهب الناس وابتزاز أموالهم وتهديد أمنهم واستهداف المركبات العسكرية أو المدنية أو القيام بإخافة الطريق بالقتل والاغتيالات فكل هذه المظاهر والسلوكيات داخلة في تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من الجلوس في الطرقات ، فهذه الممارسات كلها لا تجوز شرعا ولا خلقا ولادينا ولا
عرفا وبعضها كما هو واضح يعد كبيرة من الكبائر وجريمة من الجرائم تصنف بعضها في حكم الحرابة وتنطبق على فاعلها عقوبة المحاربين التي نص عليها القرآن في قوله تعالى (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
ومن حق الطريق أيها المؤمنون أن لا يسلط الإنسان بصره على المارة ونسائهم وحرماتهم وخصائصهم ويحد بصره إلى داخل سياراتهم وألا يجلس في مكان الناظر والمراقب على الطريق لغير مصلحة ولا مهمة أمنية يقوم بها ، لأن في ذلك إيذاء للمارة من الرجال والنساء وفيه إثم وذنب ومعصية لله تعالى الذي أمرنا بغض البصر رجالا ونساء على حد سواء فقال تعالى: (قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِما يَصنَعُونَ * وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنّ) وقال (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) فعلى من اقتضى عمله أو حاجته أن يكون ناظرا للطريق أو مشرفا عليها أن يغض بصره وأن يكف أذاه عن الناس فما أعظم وأجل هذه الآداب وما أحرانا أن نتشرف بالعمل بها.
ومن آداب وحق الطريق والمارة فيها كف الأذى عن الناس بكل أنواعه وأشكاله فكلمة الأذى كلمة جامعة لها تبعات كثيرة، فتتناول كلّ أذى يصيب الإنسان من أخيه الإنسان؛ من قول أو فعل أو إشارة، أو نظر، ومن أنواع الأذى في الطّرقات استخدام السّيّارات والدّراجات والتي هي نعمة من نعم الله لإزعاج الآخرين؛ سواء كان بالتّفحيط بها أو السرعة الجنونية ، أو بتجاوز من له حقّ المرور، أو بإغلاق الطّريق بها على المارّة، أو بتشغيل صوت الأغاني الصّاخبة فيها دون مراعاة لشعور الآخرين ، أو بتجاوز الإشارات المرورية أو برمي الأوساخ والقاذورات والقمامات وبقايا الأطعمة والفضلات ، أو برمي قطع الزّجاج المكسّر أو المسامير المعدنيّة؛ أو بالوقوف الخاطئ أو بإزعاج المارة باستخدام الهون بغير مبرر أو بالحفريّات التي تحفر في الطّريق لإصلاح بعض خدمات الناس فتترك فترة طويلة دون ردمها، وكذا التّحرش بالنّساء سواء بالقول أو بالفعل أو بالإشارة أو النّظر، أو بالمخالفة لقواعد المرور والحركة والذي يتسبّب بإيذاء المارّة سواء كانوا يسيرون مشيًا على أقدامهم أو بسيّاراتهم أو بدرّاجاتهم ،فكلّ ذلك من الأذى الذي نبذه الإسلام وأمر بإماطته وإزالته والترفع عنه فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْإِيمَانُ بِضْعَةٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ قَالَ: بِضْعَةٌ وَسِتُّونَ - بَابًا، أَفْضَلُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَصْغَرُهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ) رواه البخاري ومسلم ، وفي الحديث الصحيح "بيْنَما رَجُلٌ يَمْشِي بطَرِيقٍ وجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ علَى الطَّرِيقِ فأخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ له فَغَفَرَ له"، فعلينا أن نتعود ونعود أولادنا ومجتمعنا على كف الأذى والأوساخ عن الطريق وكلما يعرقل السير عن الطريق وعدم السمح بتوسيخها مطلقا
ومن حق الطريق والمارة ردّ السلام على من ابتدأ به فإلقاء السّلام سنّة مستحبّة، ولكنّ ردّ السّلام واجب شرعا لقوله تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) ، ولقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كما في حديث أبي هريرة، رضي الله عنه: قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ علَى أخِيهِ: رَدُّ السَّلامِ، وتَشْمِيتُ العاطِسِ، وإجابَةُ الدَّعْوَةِ، وعِيادَةُ المَرِيضِ، واتِّباعُ الجَنائِزِ" رواه مسلم .وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فإن من آداب وحقّ الطّريق كذلك وجوب الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر والنصيحة للناس والإرشاد للضال وإغاثة الملهوف ومعاونة المحتاج ، إذ يعدّ هذا الباب بابا عظيم القدر والشأن، حيث كانت به أمّة الإسلام خير الأمم، ودليل ذلك قول الله تعالى: (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ)، ولأنّ في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فوائد جمّة للناس ، من أهمّها تحصين المجتمع من الفواحش والرّذائل والاختلالات الفكرية والعقدية .
وحراسة الدين والفضيلة بين الناس وإقامة الفرائض والواجبات ونشر الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة فتستقر الحياة وتستمر وتسعد وتتطور وصدق الشاعر :
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وبه تتسع مساحة الخير والمعروف وتضيق مساحة الشر والانحراف ويتعبد الناس بهذه العبادة فينالون أجرها وخيرها ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِنَبِيِّهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) رواه مسلم
ومن آداب الطريق السير المعتدل الجاد الذي لا يضيع الوقت على المارة بهدوئه ولا يتهور بحيث يعرض نفسه والآخرين للخطر وهو معنى قول الله (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ) ، ويحرم التهور الذي يفقد فيه السائق التحكم في مركبته لما فيه من المخاطرة بأرواح الناس سواء الركاب أو الأطفال في الشوارع والمارة وهو مظهر من الكبر والبطر الذي لا يحبه الله ولا يفعله إلا الطائشون قال تعالى (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا) ، ومن المخاطرة أن تعطى السيارات لا سيما العسكرية والأطقم لشباب متهورين فيضرون بالآخرين ويضرون بأنفسهم ويسيؤون السمعة لرجال الأمن والجيش بتصرفاتهم الصبيانية ، وكم من الحوادث التي حصلت من جراء هذا السلوك المشين والتهور مما يستدعي أن نصلح هذه الأخطاء وأن نعلم أبناءنا وأفرادنا آداب الطريق وأن نحاسب ونعاقب على ما نشاهد من تجاوزات لهذه الآداب ومن يقصر في ذلك فإثمه بقدر ما تحدثه تصرفاته أو تصرفات من هو تحت مسؤوليته من أضرار وجنايات ف(كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ )
ولا ننسى أيها الكرام أن نؤكد على رسالة الصيف حماية لأبنائنا وأجيالنا وهويتهم الدينية والوطنية من مخاطر الفكر الحوثي الإرهابي المتطرف فلندفع بأبنائنا للمراكز الصيفية هنا ولنذكر إخواننا في مناطق الاحتلال الحوثي من ترك الأبناء فريسة للحوثي وأفكاره المنحرفة ، كل ذلك يلزمنا أن نراعي فيه آداب الإسلام وأحكامه حتى نحظى بالأجر والثواب ويعم الخير والألفة في المجتمع ويسلم الناس من الأذى والشقاق وصدق الله (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ، وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) ثم الدعاء والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
.
📌 *#مفارقات_عجيبة* 📌

✒️✒️✒️

*#نثور_ونغضب ونستنكر ونطالب بالمقاطعة لأن شخص سويدي كافر عربيد احرق المصحف في حادثة مؤلمة لكل مسلم، وهذا أمر واجب على كل مسلم غيور على دينه ومقدساته ، بل ومن كمال الإيمان ومن صميم العقيدة أن نغضب من اجل الله ومن أجل كل المقدسات الاسلامية ونعبر عن غضبنا واستنكارنا بكل الوسائل والأساليب الرادعة لمن تسول له نفسه تكرار ذلك ...*

*ولكن الذي يثير الحيرة والعجب بل والغضب أننا نجد من أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين سواءا من مصر او السعودية او العراق او اليمن او الإمارات أو تركيا او المغرب او.... او......الخ ذكورا وإناثا ممن ارتدوا عن دينهم وانسلخوا عن عقيدتهم وكفروا بربهم ، فصدرت منهم أفعال وقبائح كفرية ولا زالت في منصة (, #السوشيال_ميديا ) مواقع التواصل الاجتماعي مستمرة إلى الآن وليس في حادثة واحدة وانتهت مثل السويدي .. !! بل مستمرة كل يوم..!!*

*فالبعض منهم يمزقون المصحف ويحرقونه ويطعنون فيه وفي أحكامه، بل ووصل الأمر ببعضهم أنهم يشتمون الله استغفر الله وحاشاه جل في علاه بألفاظ كفرية وبكل سخرية واستهزاء استغفر الله العظيم والبعض يشتمون بعض الانبياء ويطعنون فيهم....! بل وما تركوا شيئا يتعلق بالله وبدينه وبكتابه وبرسوله الا وطعنوا فيه وقاموا بأفعال لم يقم بها من قبلهم الا فرعون وأمثاله ....*

*فاذا كان فرعون قال ما علمت لكم من اله غيري .... فهؤلاء أنكروا وجود الله وجحدوا به وبدينه وشرعه وكفروا بكتابه ونبيه واثاروا الشبهات حول كل ما يتعلق بالله وما صدر عنه من أوامر ونواهي وزواجر وعقوبات جل في علاه وتعالى الله علوا كبيرا... !!*

*ومع ذلك لم نسمع اي تنديد أو مسيرات أو مقاطعة أو حتى بيان رسمي من حكوماتهم يطالبون بتسليمهم ومحاكمتهم وإقامة حد الردة عليهم أو فضحهم وتحذير شباب المسلمين منهم ومن متابعتهم ومن سماع سموم أفكارهم ...! إلا الناذر من بعض الحكومات ومن بعض العلماء والدعاة ممن كان لها موقف حق ومشرف ضد هؤلاء الكفرة السفهاء ..* *أما البقية فكأن ذلك حرام على الأجانب حلال على العرب والمسلمين ، استغفر الله العظيم *

*شيء مخجل أمام العالم أننا نثور ونغضب من حرق السويدي للمصحف في حادثة وقعت وانتهت ، ولا #نثور_ونغضب ونحترق بل وتحترق احشاءنا وقلوبنا ونحن نشاهد كل يوم مقاطع جديدة تتجدد باستمرار لحوادث كثيرة ابشع وافضع من حرق المصحف، فقد تجرؤا على الله وليس على كتابه فقط ، فهم يسبون الإله العظيم ويتبجحون بكل سخرية ووقاحة في منصة السوشيال ميديا أمام كل العالم وبعضهم يدوسون على المصحف ويحرقونه ويحرفونه ويسبون النبي محمد صلى الله عليه بل يسبون كل ما يتعلق بالله ودينه ونبيه وتجد لهم مئات الآلاف من المتابعين المسلمين في كل مواقع التواصل الاجتماعي ( #السوشيال_ميديا ) والمحزن والمؤسف أنك تجد من يشجعهم في ذلك بالمتابعة والمشاركة بل وبالتعليقات المؤيدة لافعالهم الكفرية والإلحاد بالله والسخرية منه ومن دينه وكتابه ورسوله استغفر الله واتوب اليه .....!!*

وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله ......

✒️.. كتبها الفقير الى عفو ربه غفر الله له ولوالديه

.
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 3 محرم 1445هـ الموافق 21 يوليو 2023م
دروس وعبر من الهجرة النبوية الشريفة
الخطبة الأولى : بعد الحمدلة والشهادتين والأمر بالتقوى : أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام ونحن في بداية عام هجري جديد يطيب لنا أن نقف بحضراتكم وقفات للعظة والعبرة من الهجرة النبوية الشريفة والتي كانت ولا تزال مدرسة حية تتدفق منها التوجيهات والدروس للأجيال على الدوام ، ونحن بأمس الحجاة إلى دروسها لأننا في هجرة وجهاد ونواجه الظلم والاستبداد ، والرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا في ذلك ومن هديه نتعلم وصدق الله (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)
نعم أيها الكرام الهجرة هي المفارقة الحسية والمعنوية لبلد يسيطر عليه سلطان الظلم والطغيان والجاهلية ويمنع الناس من القيام بواجباتهم الدينية والدعوية والجهادية إلى بلد يكون فيه سعة وحرية ومنعة ونصرة ، وهي بذلك تحول بحملة الحق من الضيق إلى السعة ومن الكبت والاضطهاد إلى الحرية ومن الركود إلى النماء ومن الدعوة إلى الدولة ومن الضعف إلى القوة ومن التدين الفردي إلى التدين الجماعي ومن الصبر على فرعنة الباطل إلى مواجهته بالقوة والسلاح .
وهي حالة متكررة دائمة تقوم على قانون التدافع والصراع الأبدي بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين العدل والظلم وبين الحرية والاستبداد فلا تعايش ولا مهادنة بينهما البتة فهما ضدان لا يجتمعا ، وهذا ما حدث لخاتم النبيين وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم اضطره وألجأه قومه إلى الهجرة من بلده مكة وضيقوا عليه وعادوه وعاندوه وحاولوا قتله مرات عديدة وفتنوا أصحابه وعذبوا المستجيبين لدعوته أشد التعذيب وقالوا فيه وفي دينه وأصحابه أبشع الدعايات الكاذبة ، لا لذنب اقترفوه ولا لخطإ فعلوه إلا معاداة للحق الذي يحملوه قال تعالى مبينا ذلك (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) وقال (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ) وقال (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وعلى ذلك فالهجرة عبادة مستمرة باقية ما بقيت الدنيا وما بقي الحق والباطل
وفي ظل هذه الأجواء من التضييق أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بعمل الأسباب لنصرة الدين والبحث عن مكان آمن تستمر فيه الدعوة وتنمو وتتمكن ، وحثه عليها من خلال إبراز القدوة في هجرة أصحاب الكهف الذين قال الله لهم (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا) ، ومن خلا هجرة إبراهيم ولوط عليهما السلام واللذين قال الله فيهما ﴿ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ، ومن خلال قصة موسى عليه السلام وهجرته وقد خرج من مصر خائفا يترقب فقيل له لا تخف نجوت من القوم الظالمين ، ومن خلال البشارات الربانية بمستقبل أفضل ونصر وتمكين وسعة للمهاجرين كقوله تعالى (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ ففي الآية بشارة بأن الهجرة فيها سعة وفيها منعة وفيها مراغمة وإغاضة للعدو حين يخرج المؤمنون من تحت سلطانه إلى مكان فيه حماية ومنعة وقوة ومقاومة ، ومن خلال تبشيره للذين فتنوا وعذبوا وسجنوا بقوله :"ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ" ، ومن خلال وعده بعظيم الأجر والمثوبة لمن مات أو قتل في أرض الهجرة والرباط والجهاد بقوله "وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرازقين ) ، ومن خلال بيان شمولية هذا الثواب على الهجرة والجهاد للرجال والنساء بقوله "فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثواب".
فكان في ذلك حث وترغيب للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين على الهجرة مع أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بقوله (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) فقرر الهجرة واتجه فعلا نظره إلى الحبشة لأن بها ملكا لا يظلم عنده أحد ، وقامت على ذلك الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة ، ثم وجه الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة وأراه إياها في المنام جاء في الحديث (إني أريت دار هجرتكم بأرض ذات نخل بين لابتين) فعلم المسلمون أنها المدينة فهاجروا إليها متخفين استجابة لأمر الله ، وتبعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبتلك الاستجابة لربهم بالهجرة والجهاد نالوا شرف الهجرة وشرف الجهاد وشرف نشر الدعوة وشرف بناء الدولة وبذلك أثنى الله عليهم ومدحهم وخلد ذكرهم فقال : (للْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ وقال ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾
وبالمقابل شنع القرآن على من رضي لنفسه العيش في ظل الكفر والاستبداد والظلم والطاغوت والأصنام والأوثان المادية والمعنوية يعيش بينهم مستضعفا ، لقد عد القرآن هذا الصنف من الناس ظالما لنفسه لأنه يعرضها للفتنة والاضطهاد وتقديم التنازلات يوما بعد يوم فقال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) فتوعدهم بأشد العذاب في جهنم ، ثم عذر المستضعفين فقال ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)  ومعنى ذلك أن من يبقى تحت سلطة الظلم والطغيان مع القدرة على التحول إلى بلد فيه حرية وفرصة للقيام بالواجبات العبادية والدعوية والجهادية ظالم لنفسه محاسب على ذلك تؤنبه وتبكته الملائكة من وقت الوفاة مباشرة وتتوعده بالنار وبئس القرار .
بل أقام الولاء بين المؤمنين على أساس الهجرة والنصرة وقطع الولاء بينهم وبين من لم يهاجر فقال ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )
ولقد كان من أهم أهداف الهجرة إقامة فريضة الجهاد الذي أذن الله لهم فيه بعد الهجرة بقوله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ، جهاد لتحرير الأرض وإنقاذ المستضعفين من المؤمنين والمقهورين في أرجاء الأرض من سيطرة الطغاة والظالمين ، ولذلك نجد الربط الدائم بين الجهاد والهجرة في أغلب مواضع ورودها في القرآن كقوله تعالى ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ ، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية : بعد الحمدلة والشهادتين أما بعد : فيا أيها المؤمنون الكرام لقد نقلت الهجرة المؤمنين إلى عهد جديد وبوم جديد من أيام الله عز وجل المباركة مليء بالخيرات والبركات والانتصارات ولذلك قال الله لعبده وسوله محمد صلى الله عليه وسلم (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ) فأخذ العلماء منها أنها تبشر بعهد جديد وميلاد جديد ووضع جديد ، ومنها أخذ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه التاريخ الهجري الذي يميز الأمة وربطه بالهجرة واعتبرها الحدث الأبرز الذي
يبدأ منه التاريخ المشرق للأمة لقول الله (من أول يوم ) وعلينا أن نعتز بخصائص أمتنا وتاريخها الإسلامي فهو يميزنا عن غيرنا
ومن معالم هذا اليوم تشكيل القاعدة الصلبة من المهاجرين والأنصار التي قامت عليها الدعوة وانتشرت في العالم وقامت عليها الدولة وحميت بها العزة والكرامة وتحققت بها الحماية والمنعة ، تجمعت بها الطاقات واستنفرت بها المواهب والقدرات ووظفت فيها جميع التخصصات وحصل بها التمايز بين مجتمع الحق ومجتمع الباطل فكان مقربا للنصر لقوله تعالى (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
ضحى فيها المهاجرون بالمال والنفس وكل المصالح الدنيوية وكل العلاقات والقرابات والروابط الأسرية والقبلية من أجل الدين واستقبلهم الأنصار بقلوب فسيحة تقية نقية (يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)
أعدت العدة وجهزت القوة التي أمر الله بها فأوجدت حماية للحق مساندة للحجة والبرهان ومنه نتعلم بأن الحق لا بد له من قوة تحميه وصدق الله (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
توالت بشائر النصر مع طلائع الهجرة وسرعان ما تحولت إلى واقع ابتداء من وعد الله لرسوله (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) ، وتأكيدا بقول الله: " إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ، وفي البخاري عن  خَبَّابِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ".، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم خارجا في طريق الهجرة يتبعه سراقة بن مالك فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم مبشرا : كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى وجلست على عرشه ، فأبشروا وبشروا يا أيها المهاجرون المجاهدون واحتسبوا هجرتكم وجهادكم وثباتكم فالله ناصركم ومعزكم وهو معكم ولن يتركم أعمالكم ، فكونوا سندا لجيشكم وأمنكم ، وليكن جيشنا وأمننا وقبائلنا على أعلى درجات الحذر والثبات والتحدي والصبر والمصابرة والمرابطة وعلى أهبة الاستعداد والجاهزية القتالية ، وندعو الرئاسة والحكومة ومجلس النواب للقيام بواجباتهم في إنجاز معركة تحرير اليمن وتوفير متطلبات هذه المعركة والعمل بجد لتخفيف الضائقة الاقتصادية وتحسين وضع العملة ورفع المعاناة عن كاهل المواطنين
ثم نتواصى بصيام يوم عاشوراء والذي سيكون يوم الخميس والجمعة القادمين وقد سئل النبي عن صيام عاشوراء فقال يكفر ذنوب سنة ماضية ، وشرع لهذه الأمة أن تصوم التاسع والعاشر مخالفة لليهود فلنتقرب إلى الله بذلك شكرا لله على نصره وتأييده لعبده ورسوله موسى عليه السلام واتباعا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال نحن أحق بموسى منهم فصام عاشوراء وأمر الناس بصيامه
ثم الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعوة للجهاد بالمال وأقم الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة 10محرم 1445هـ الموافق 28 يوليو 2023م
الخطبة الأولى : بعد الحمدلة والشهادتين والأمر بالتقوى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أما بعد فيا أيها المؤمنون الكرام ونحن في يوم عاشوراء العاشر من محرم الحرام يطيب لنا أن نقف وقفات مع هذا اليوم المبارك من أيام الله عز وجل نذكر ونتذكر ونعظ ونتعظ وقد أمرنا الله بذلك فقال (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) ، وهذا يوم عظيم هو بالنظرة الشرعية القرآنية النبوية يوم فرحة وسرور ويوم نصر وتمكين للدين وللمؤمنين ويوم شكر لله عز وجل ذلك لأن الله تعالى أهلك فيه رمز الطغيان والاستبداد فرعون وجنوده ونصر فيه الحق والعدل والحرية متمثلا في موسى وقومه ، وفيه بشارة للمؤمنين بالنصر دائما وإنذار للظالمين بالخسارة والبوار والهلاك ، وهو عند الشيعة يوم حزن وبكاء ورثاء وعزاء ، نقف مع هذين المشهدين المتضادين المتناقضين وقفة شرعية بعيدة عن الأهواء والخرافات والبدع .
نعم أيها المؤمنون يشرع لنا في هذا اليوم أن نصوم يوم التاسع والعاشر ولعلكم قد وفقتم إليهما جاء في الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ فَرَأَى اليَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟»، قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ: «فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ»، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه البخاري ومن فضائل صيامه أنه يكفر ذنوب سنة ماضية عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) رواه مسلم فالحمد لله الذي وفقنا لصيام هذا اليوم ونسأل الله أن يتقبل من الجميع
والحديث أيها الكرام عن فرعون ونهاية طغيانه في هذا اليوم هو حديث عن أكبر دولة ومملكة من ممالك الظلم والطغيان والاستبداد في الأرض ، عن حاكم تعالى على الناس وأضفى على نفسه القداسة وعد نفسه ربا وإلها وحيدا وادعى العصمة لرأيه وأنه حجة ملزمة على الناس وأن الحكم والملك حقه الخاص ولا حق لأحد في الحكم غيره ، والبقية رعية يعيشون على فضله بما تفضل به ، ذلك ما خلده القرآن الكريم ليؤكد لنا بأن هذه النزعة الاستعلائية للحاكم هي الداء الأكبر الذي يصيب الحياة بالعقم والجمود والركود والتخلف قال تعالى عنه (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) وقال (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) وقال (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) ، وقال (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
ومن سياسته تفريق المجتمع إلى فئات ومجموعات صغيرة ضعيفة متناحرة متقاتلة يشغل بعضهم ببعض ، ويسلط بعضهم على بعض ، وهذه إحدى الثوابت السياسية للحكام الظالمين في القديم وفي الحديث سياسة (فرق تسد) ولذلك قال الله عن سياسته (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) ، ومن سياسته التنكيل والبطش بالمتدينين وبالدعاة والصالحين والمصلحين وهذا ما فعله بموسى عليه السلام وقومه من بني إسرائيل حيث قرر قتل الرجال واستخدام النساء بقصد طي صفحة هذه الفئة تماما وإنهاء وجودها قال تعالى عن سياسته (يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ) ، ومن سياسته إفساد الحياة السياسية والاقتصادية والأخلاقية والعلاقات بالأهواء والشهوات (إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) .
إن الحديث عن ذلك فيه بشارة للمؤمنين بأن الله تعالى لا شك ناصر دينه معز أولياءه ممكن للحق وأهله كما نصر موسى وقومه مع قلة العدد والعدة والحيلة وبذلك قضت إرادة الله التي لا تتخلف ، وقضت كذلك بأن نهاية الظلم والاستبداد والفرعنة إلى نكال وإلى زوال قال تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) ، قضت إرادة الله بنصر الحق وأهله وهزيمة الباطل كما قال سبحانه (وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ، لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) وفي ذلك إنذار لجميع المستبدين لا سيما من يتسيدون على الناس باسم الدين ومن يضفون على أنفسهم القداسة من الشيعة الروافض الحاقدين ومن
الحوثيين الضالين المضلين فالقانون الرباني يشمل جميع الظالمين قال تعالى(وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا)
ولكن ذلك أيها المؤمنون لا يعني أن الله ينصر الدين وينصر المؤمنين ويهلك الظالمين بدون أسباب وجهد من الأمة .. لا .. بل تعبدنا الله بإعداد المستطاع من القوة ، وبمواجهة الظلم باليد والجهاد والقتال والأمر والنهي ، وباللسان بفضح ضلالاته وتلبيسه على المجتمع ، وبالقلب إنكارا وبغضا ولذلك قال الله مؤكدا (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ، وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) هذه هي سنة الله واضحة بينة ، وقال تعالى (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)
وبين سبحانه بأن فرعون إنما استبد بالناس بسبب سكوتهم وتسليمهم لباطله وعدم مقاومتهم لظلمه فقال (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ، فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ، فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ )
ونتعلم من قصة موسى وفرعون أيضا أن الله يملي للظالم ويمهله حتى إذا استوفى ما يستحق به النكال ساقة إلى حتفه رغم أنفه وأعمى بصره وبصيرته وأخذه من حيث يظن أنها النجاة وتأمين دولته وساق له الخطر إلى بيته وربى عدوه في داره ومملكته وعلى نفقته ورعايته ونصر الحق رغم كراهته وهذا ما حصل لدولة فرعون فقد دفنت بكل قوتها في جزء بسيط من الوقت في يوم عاشوراء وصدق الله (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) وقال (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) واستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية : بعد الحمدلة والشهادتين أما بعد : فإن يوم عاشوراء عند الشيعة يختلف عن عاشوراء الذي جاء به القرآن والسنة ، يوم عاشوراء عند الشيعة يوم حزن وبكاء وعزاء ورثاء ولطم للخدود وشق للجيوب وجلد للظهور ، لماذا ؟ قالوا حزنا على مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في هذا اليوم ، صحيح أن الحسين رضي الله عنه قتل في هذا اليوم مظلوما ولكن هل شرع لنا العزاء والبكاء عليه إلى يوم القيامة ؟ لم يشرع الله للأمة أن تبكي على موت أو قتل أحد ولا تعبدنا بالبكاء لموت أحد ولا وعدنا بأجر على البكاء إلا أن يكون من خشية الله ، ولكن الحزن على قتل الأخيار مشروع والعزاء حسب السنة ثلاثة أيام فقط وليس ألفا وأربعمائة سنة ، ثم إذا كان العزاء مشروعا في هذه الحقب كلها من الزمن فلم لم نعز لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فإن قلتم مات موتا عاديا نقول ..لا.. بل مات مسموما متأثرا بسم اليهودية في خيبر فهو شهيد صلى الله عليه وسلم ؟ ولماذا لم نعز على مقتل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وكلهم لحقوا بربهم شهداء ، إنه الضلال والتضليل الذي ليس له دليل (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)
ثم ما حكم ما أحدثه الشيعة في يوم عاشوراء من لطم الخدود وشق الجيوب وجلد الظهور ؟ إنها أفعال ليست من الدين في شيء بل هي من الكبائر وصاحبها ملعون في الحديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ» رواه البخاري ، وما حكم ما أحدثه الروافض والحوثيون أيضا من شق لصف الأمة وسفك لدمائها وإثارة للفتن بين أبنائها ونشر للعصبيات الجاهلية والتسويق للثأر عبر التاريخ تحت لافتة الثأر للحسين وما علاقة الأمة اليوم بما حصل في ذلك الزمان البعيد فلا تزر وازرة وزر أخرى ، وهل من حقنا أن نحاكم ذلك الجيل والله يقول لنا (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ؟ وما حكم تقديس وتعظيم القبور والأشخاص الأحياء والأموات ودعاء غير الله والاستغاثة بالقبور والأضرحة ؟ أليس ذلك كله شرك وجاهلية ووثنية ؟ إذ الاستغاثة والدعاء من العبادة التي لا تجوز إلا لله قال تعالى (فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ
إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) وقال تعالى (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) ، بل يعد أولئك الحج إلى تلك البقاع في كربلاء أفضل من الحج إلى البيت الحرام فمن أين لهم هذه الخرافة ؟ (سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ) ، وكل يوم يزيد الشيعة من خرافاتهم بحسب قابلية المجتمع ومن هنا فمن يقبل ويسلم لهذه الخرافات والشركيات فهو شريك في الإثم والواجب أن تقابل هذه الأفكار الضالة بالرفض المجتمعي حتى تموت في مهدها وذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كما ينتهج الشيعة والحوثيون سياسة التجهيل التي تهيئ المجتمع للقبول بفرعنتهم وضلالاتهم والواقع يشهد على عداوتهم للعلم والمعرفة وهدمهم لكل مؤسسات التعليم بكل أنواعها والعلم أساس الحياة ، كما يتبعون سياسة الإفقار للشعوب فما دخلوا بلدا وتحكموا فيها إلا دمروا مقومات الاقتصاد فيها بحيث يبقى المال بيد السلالة المتحكمة فقط وبقية الشعب يموت جوعا ، وهو واضح من سياستهم في إيران ولبنان وسوريا والعراق واليمن
والأسوأ في ذلك كله نسبة تلك الشركيات والخرافات والوثنيات والظلم والاستبداد إلى الدين (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) كما ينسبون ذلك زورا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته أمثال علي بن أبي طالب والحسن والحسين وهم برءاء من ذلك فما كانوا إلا على توحيد الله الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى شرعه القائم على العدل قال تعالى (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ، وهم آثمون بنسبة السوء إلى أولئك الأخيار(وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) وقال (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)
ثم الدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والدعوة إلى الجهاد بالمال وأقم الصلاة
(بسم الله الرحمن الرحيم)

خطبة جمعة بعنوان

*فضائل القرآن وأهمية تدبره*

*﴿ الخطبة الأولى﴾*

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء: 1]
{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]
أما بعد :
فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
أما بعد:
أيها المؤمنون عباد الله اعلموا أن الله كرَّم هذه الأمة بكرامات عظيمة من أجلها بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم هذا الكتاب الذي جعله الله نوراً وهدى وروحاً لهذه الأمة
قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ } [الشورى: 52، 53]
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 174، 175]
وقال تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإسراء: 9، 10]
وقال تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ } [يونس: 57، 58]
وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [الإسراء: 82]

وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]
وقال تعالى: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [المائدة: 48]
وقال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل: 44]
وقال تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32]
وقال تعالى: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى } [طه: 1 - 3]
وقال تعالى: {الم (1) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (2) هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ} [لقمان: 1 - 3]
وقال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ } [هود: 1، 2]
وقال تعالى: {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [فصلت: 1 - 3]

وقال صلى الله عليه وسلم «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة، وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة».
HTML Embed Code:
2024/06/15 22:50:25
Back to Top