TG Telegram Group Link
Channel: قناة أحمد عبد المنعم
Back to Bottom
تبيّن لنا سورةُ الأنعام حرصَ المسلمين على هداية الكفار، وإصرارَ الكفار على طلب آية حسية بالرغم من وضوح الآيات الكونية والشرعية ولكنهم يصدفون عنها ويعرضون ويجحدون.
فأخبرنا الله أن الذين يسمعون ويعقلون هم الذين يستجيبون، وأما هؤلاء الموتى فلن تنفعهم الآيات ولو نزل إليهم قرطاس فلمسوه بأيديهم وكلّمهم الموتى وعاينوا الملائكة.

ثم تخبرنا سورة الأعراف عن الذين رأوا الآيات وظهرت لهم واضحة بيّنة، ثم أعرضوا عنها وانسلخوا منها، مثل إبليس وبني إسرائيل وذلك العالم الذي آتاه الله آياته.

نعوذ بالله من تقليب القلب، ونعوذ به من الزيغ والضلال بعد الهدى، ونعوذ به من الحور بعد الكور.

اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.
وقَوْلُهُ تَعالى ﴿وَإنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إعْراضُهُمْ﴾ ؛ اَلْآيَةَ؛

آيَةٌ فِيها إلْزامُ الحُجَّةِ لِلنَّبِيِّ صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وتَقْسِيمُ الأحْوالِ عَلَيْهِ؛ حَتّى يَتَبَيَّنَ أنْ لا وجْهَ إلّا الصَبْرُ، والمُضِيُّ لِأمْرِ اللهِ تَعالى.

والمَعْنى: "إنْ كُنْتَ تُعْظِمُ تَكْذِيبَهم وكُفْرَهم عَلى نَفْسِكَ، وتَلْتَزِمُ الحُزْنَ عَلَيْهِ، فَإنْ كُنْتَ تَقْدِرُ عَلى دُخُولِ سَرْبٍ في أعْماقِ الأرْضِ، أو عَلى ارْتِقاءِ سُلَّمٍ في السَماءِ؛ فَدُونَكَ وشَأْنَكَ بِهِ"، أيْ: "إنَّكَ لا تَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ مِن هَذا، ولا بُدَّ لَكَ مِنَ التِزامِ الصَبْرِ، واحْتِمالِ المَشَقَّةِ، ومُعارَضَتِهِمْ بِالآياتِ الَّتِي نَصَبَها اللهُ تَعالى لِلنّاظِرِينَ المُتَأمِّلِينَ؛ إذْ هو - لا إلَهَ إلّا هو- لَمْ يُرِدْ أنْ يَجْمَعَهم عَلى الهُدى، وإنَّما أرادَ أنْ يَنْصُبَ مِنَ الآياتِ ما يَهْتَدِي بِالنَظَرِ فِيهِ قَوْمٌ ويَضِلُّ آخَرُونَ؛ إذْ خَلَقَهم عَلى الفِطْرَةِ وهَدى السَبِيلَ، وسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ، ولَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِحَقِّ مِلْكِهِ تَعالى، فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الجاهِلِينَ في أنْ تَأْسَفَ وتَحْزَنَ عَلى أمْرٍ أرادَهُ اللهُ تَعالى وأمْضاهُ وعَلِمَ المَصْلَحَةَ فِيهِ"


ابن عطية
المعنى القرآني
﴿ولا تَلبِسوا الحقَّ بالباطل وأنتم تعلمون﴾
قال قتادة: لا تَلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، ﴿وأنتم تعلمون﴾ أنّ دين الله: الإسلام، وأنّ اليهودية والنصرانية: بِدْعَة ليست من الله.
(وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد ﷺ: ذرْ هؤلاء الذين اتخذوا دين الله وطاعتهم إياه لعبًا ولهوًا، فجعلوا حظوظهم من طاعتهم إياه اللعب بآياته، واللهوَ والاستهزاء بها إذا سمعوها وتليت عليهم، فأعرض عنهم، فإني لهم بالمرصاد، وإني لهم من وراء الانتقام منهم والعقوبة لهم على ما يفعلون، وعلى اغترارهم بزينة الحياة الدنيا، ونسيانهم المعادَ إلى الله تعالى ذكره والمصيرَ إليه بعد الممات.
(الطبري)
......

واعلم أنه تعالى أمر الرسول بأن يترك من كان موصوفا بصفتين:

الصفة الأولى: أن يكون من صفتهم أنهم اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، وفي تفسيره وجوه:

الأول: المراد أنهم اتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام لعبا ولهوا حيث سخروا به واستهزءوا به.

الثاني: اتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها دينا لهم.

الثالث: أن الكفار كانوا يحكمون في دين الله بمجرد التشهي والتمني، مثل تحريم السوائب والبحائر، وما كانوا يحتاطون في أمر الدين البتة، ويكتفون فيه بمجرد التقليد فعبر الله تعالى عنهم بأنهم اتخذوا دينهم لعبا ولهوا.

والرابع: قال ابن عباس: جعل الله لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله تعالى. ثم إن الناس أكثرهم من المشركين، وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لهوا ولعبا غير المسلمين فإنهم اتخذوا عيدهم كما شرعه الله تعالى.

والخامس: وهو الأقرب، أن المحقق في الدين هو الذي ينصر الدين لأجل أنه قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب. فأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرياسة وغلبة الخصم وجمع الأموال فهم نصروا الدين للدنيا، وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لعب ولهو. فالمراد من قوله: ﴿وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا﴾ هو الإشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه.

الصفة الثانية: قوله تعالى: ﴿وغرتهم الحياة الدنيا﴾ وهذا يؤكد الوجه الخامس الذي ذكرناه كأنه تعالى يقول: إنما اتخذوا دينهم لعبا ولهوا لأجل أنهم غرتهم الحياة الدنيا. فلأجل استيلاء حب الدنيا على قلوبهم أعرضوا عن حقيقة الدين واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوسلوا بها إلى حطام الدنيا.
(الرازي)
(وَلَكِنَّ الله يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ...)

والاجتباء كالاصطفاء، وأصله الجمع، فكأن من اجتباه الله ضمَّه إلى نَفْسِه حتى يكون له بأجمعه، بخلاف من قال فيه: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ)

وإلى ذلك الإِشارة بقوله: (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)

(الراغب الأصفهاني)
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قالَ: جاءَهُ رَجُلٌ، فَقالَ: إنّا نَجِدُ فِي بَعْضِ الكُتُبِ أنَّ لِله عِبادًا ألْسِنَتُهُمْ أحْلى مِنَ العَسَلِ، وقُلُوبُهُمْ أمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ، يَلْبَسُونَ لِلنّاسِ مُسُوكَ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ، ويَخْتِلُونَ* الدُّنْيا بِالدِّينِ، قالَ الله: عَلَيَّ يَجْتَرِئُونَ؟ وبِي يَغْتَرُّونَ؟ بِعِزَّتِي، لَأُتِيحَنَّ لَهُمْ فِتْنَةً تَدَعُ الحَلِيمَ حَيْرانَ،

فَقالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: هَذا فِي كِتابِ اللَّهِ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَياةِ الدُّنْيا ويُشْهِدُ الله عَلى ما فِي قَلْبِهِ وهُوَ ألَدُّ الخِصامِ﴾ [البقرة ٢٠٤]

فَقالَ الرَّجُلُ: قَدْ عَلِمْنا فِيمَن أُنْزِلَتْ. فَقالَ لَهُ مُحَمَّدٌ: «إنَّ الأمْرَ يَنْزِلُ فِي الرَّجُلِ، ثُمَّ يَكُونُ عامًّا»

(التفسير من سنن سعيد بن منصور، وذكره الطبري في تفسير الآية)

قال المحقق:
*الخَتْلُ هو الخِداع، يقال: خَتَله يَخْتله: إذا خدعه وراوَغَه، وخَتَل الذئبُ الصَّيْدَ: إذا تَخَفّى له. والمعنى هنا: أن تُطْلبَ الدنيا بعمل الآخرة.
﴿فإذا قرأت ٱلقرءان فٱستعذ بٱلله من ٱلشیطـٰن ٱلرجیم﴾ [النحل ٩٨]

ولما تقررت هذه الأحكام على هذه الوجوه الجليلة؛ وأشارت بحسن ألفاظها؛ وشرف سياقها إلى أغراض هي؛ مع جلالتها؛ غامضة دقيقة؛ فلاح بذلك أن القرآنَ تبيانٌ لكل شيء؛ في حق من سَلِم من غوائل الهوى وحبائل الشيطان؛ وختم ذلك بالحث على العمل الصالح؛ وكان القرآن تلاوة وتفكرا وعملا بما ضمن؛ أجل الأعمال الصالحة؛ تسبب عن ذلك الأمر بأنه إذا قرئ هذا القرآن المنزل على مثل تلك الأساليب الفائقة؛ يستعاذ من الشيطان؛ لئلا يحول بوساوسه بين القارئ وبين مثل تلك الأغراض والعمل بها؛ وحاصله الحث على التدبر؛ وصرف جميع الفكر إلى التفهم؛ والالتجاء إليه تعالى في كل عمل صالح؛ لئلا يفسده الشيطان بوساوسه؛ أو يحول بين الفهم وبينه؛ بيانا لقدر الأعمال الصالحة؛ وحثا على الإخلاص فيها وتشمير الذيل عند قصدها؛ لا سيما أفعال القلوب؛ التي هي أغلب ما تقدم هنا.

البقاعي
قال شيخ الإسلام في شرحه لحديث سيد الاستغفار:
(أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي)

قال بعض العارفين: ينبغي للعبد أن تكون أنفاسُه كلُّها نفسَيْن: نفسًا يَحمد فيه ربَّه، ونفسًا يستغفره من ذَنْبه.
ومتى شَهِدَ العبدُ هذين الأمرين استقامتْ له العبودية، وتَرقّى في درجاتِ المعرفةِ والإيمان، وتصاغرتْ إليه نفسُه، وتواضَعَ لربِّه.
وهذا هو كمالُ العبودية، وبه يَبرأُ من العُجْب والكِبْر وزينةِ العمل.
والمقصود هنا أن القرآن من تَدبّرَه تدبرا تامّا تبينَ له اشتمالُه على بيان الأحكام، وأنّ فيه من العلم مالا يُدرِكه أكثرُ الناس، وأنِّه يُبيّن المشكلاتِ ويَفصِل النزاع بكمالِ دلالتِه وبيانِه إذا أُعطِيَ حقَّه، ولم تُحرَّفْ كَلِمُهُ عن مواضعه.

شيخ الإسلام
قد يتساءل بعضنا عن حكمة بعض الابتلاءات والأقدار، ويتعجب من تقديرها.

لمّا تعجب الملائكة من خلق آدم وذريته ومعرفتهم بعض مآلات ذلك من سفك الدماء وإفساد الأرض= كانت الإجابة: إني أعلم ما لا تعلمون.

قال ابن كثير رحمه الله:
[قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال: ﴿إني أعلم ما لا تعلمون﴾ أي: إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم؛ فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعباد، والزهاد والأولياء، والأبرار والمقربون، والعلماء العاملون والخاشعون، والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله، صلوات الله وسلامه عليهم] انتهى.

فقد يترّتب على بعض الأقدار المؤلمة عبودياتٌ عظيمة يحبّها الله ويتزيّن بها الكون لم تكن لتخرج من المؤمنين إلا بتقدير تلك الآلام.
فمن الحكَم التي أخبرتنا بها سورة آل عمران عن القرح الذي أصاب أهل الإيمان= (ويتّخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين).

فلا تحزن على تلك البقاع التي أصابها الضر والبلاء؛ فإنّها مصابيح الأرض ونجومها بما تُزهر من عبوديات يُباهي بها اللهُ ملائكتَه، ولا تغترّ بتقَلُّب أهل الترف والفساد في أرجاء الأرض والبلاد، متاع قليل ثم إلى الله يُرجعون.

فيا أيها الذين آمنوا: اصبروا وصابروا ورابطوا، ولا تُفتَنوا بمُتشابهات الأقدار، ورُدّوها إلى مُحكمات ما تعلمون من رحمة الله وحكمته ولطفه.

(ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهَب لنا من لدنّك رحمة)
﴿ذَلِكَ بِأنَّ الله يُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهارِ ويُولِجُ النَّهارَ في اللَّيْلِ وأنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾

والباءُ لِلسَّبَبِيَّةِ. أيْ لا عَجَبَ في النَّصْرِ المَوْعُودِ بِهِ المُسْلِمُونَ عَلى الكافِرِينَ مَعَ قِلَّةِ المُسْلِمِينَ، فَإنَّ القادِرَ عَلى تَغْلِيبِ النَّهارِ عَلى اللَّيْلِ حِينًا بَعْدَ أنْ كانَ أمْرُهُما عَلى العَكْسِ حِينًا آخَرَ قادِرٌ عَلى تَغْلِيبِ الضَّعِيفِ عَلى القَوِيِّ، فَصارَ حاصِلُ المَعْنى: ذَلِكَ بِأنَّ الله قادِرٌ عَلى نَصْرِهِمْ.

والجَمْعُ بَيْنَ ذِكْرِ إيلاجِ اللَّيْلِ في النَّهارِ وإيلاجِ النَّهارِ في اللَّيْلِ لِلْإيماءِ إلى تَقَلُّبِ أحْوالِ الزَّمانِ فَقَدْ يَصِيرُ المَغْلُوبُ غالِبًا ويَصِيرُ ذَلِكَ الغالِبُ مَغْلُوبًا.

مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلى تَمامِ القُدْرَةِ بِحَيْثُ تَتَعَلَّقُ بِالأفْعالِ المُتَضادَّةِ ولا تَلْزَمُ طَرِيقَةً واحِدَةً كَقُدْرَةِ الصُّنّاعِ مِنَ البَشَرِ.

وفِيهِ إدْماجُ التَّنْبِيهِ بِأنَّ العَذابَ الَّذِي اسْتَبْطَأهُ المُشْرِكُونَ مَنُوطٌ بِحُلُولِ أجَلِهِ، وما الأجَلُ إلّا إيلاجُ لَيْلٍ في نَهارٍ ونَهارٍ في لَيْلٍ.

وفِي ذِكْرِ اللَّيْلِ والنَّهارِ في هَذا المَقامِ إدْماجُ تَشْبِيهِ الكُفْرِ بِاللَّيْلِ والإسْلامِ بِالنَّهارِ؛ لِأنَّ الكُفْرَ ضَلالَةُ اعْتِقادٍ، فَصاحِبُهُ مِثْلُ الَّذِي يَمْشِي في ظُلْمَةٍ، ولِأنَّ الإيمانَ نُورٌ يَتَجَلّى بِهِ الحَقُّ والِاعْتِقادُ الصَّحِيحُ، فَصاحِبُهُ كالَّذِي يَمْشِي في النَّهارِ.

فَفي هَذا إيماءٌ إلى أنَّ الإيلاجَ المَقْصُودَ هو ظُهُورُ النَّهارِ بَعْدَ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، أيْ ظُهُورُ الدِّينِ الحَقِّ بَعْدَ ظُلْمَةِ الإشْراكِ؛ ولِذَلِكَ ابْتُدِئَ في الآيَةِ بِإيلاجِ اللَّيْلِ في النَّهارِ، أيْ دُخُولِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ تَحْتَ ضَوْءِ النَّهارِ
.

وعَطْفُ ﴿وأنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ عَلى السَّبَبِ لِلْإشارَةِ إلى عِلْمِ اللَّهِ بِالأحْوالِ كُلِّها فَهو يَنْصُرُ مَن يَنْصُرُهُ بِعِلْمِهِ وحِكْمَتِهِ ويَعِدُ بِالنَّصْرِ مَن عَلِمَ أنَّهُ ناصِرُهُ لا مَحالَةَ، فَلا يَصْدُرُ مِنهُ شَيْءٌ إلّا عَنْ حِكْمَةٍ.

ابن عاشور
سورة الحج:
(أمر ختامي بعد رحلة عجيبة)

تطوف بك سورة الحج في مشاهد متنوعة، تبدأ ببيان مظاهر الفزع يوم القيامة، ثم مراحل خلق الإنسان، ثم أنواع الناس تجاه التعامل مع الحق، وبيان أن الكون كله يسجد لله، وتأكد لك الخصومة المستمرة بين أهل الحق وأهل الباطل حتى يذوق أهلُ الباطل مقامع الجحيم، وتذكرك بقصة إرساء قواعد التوحيد في الأرض وجهد إبراهيم عليه السلام في نفض تراب الشرك، وتزيدُ تقوى قلبك بتعظيم الحرمات والشعائر، وتكشف لك عن سنة التدافع حتى يأتي وعد الله، وتحذّر من الأمنيات التي يلقيها الشيطان في صدور أهل الحق، ثم تُبشّر بالرزق الحسن الذي ينتظر المجاهدين والمهاجرين مع التأكيد على قدرته تعالى على نصرهم وتأييدهم، ثم تفضح وتكشف عن كره أهل الباطل لسماع الآيات المتلوة من أهل الإيمان، ثم تُطمئنك بمثال واضح لقدرة الرب وضعف الخلق، وتوّدعك السورة بالحديث عن سنة الاصطفاء، ثم في الختام يأتي بعد هذا كله ذلك الأمر الذي يقع موقعه في قلوب أهل الإيمان؛ ذلك الأمر الذي يجعلهم يبذلون الغالي والنفيس بعدما تهيأت قلوبهم لتلقي ذلك الأمر وهو: (وجاهدوا في الله حق جهاده).
وإليك نسعى ونحفد (الاجتهاد في العشر الأواخر) | د. أحمد عبد المنعم
📌درس: وإليك نسعى ونحفد

عن الاجتهاد في العشر الأواخر.
اللهم بلغنا ليلة القدر..
اللهم أعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار
لا تنسونا من صالح دعائكم.❤️
▶️ youtu.be/W6B6ebGaMFU
🔁 hottg.com/itsquraan
وعبّر عن المشركين بــــ{المجرمين} لأن كفرهم بعد نزول القرآن إجرام.

ابن عاشور
انظر إلى خطاب العزة في سورة الأنبياء:

(لَا یُسۡـَٔلُ عَمَّا یَفۡعَلُ وَهُمۡ یُسۡـَٔلُونَ)

(وَمَن یَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّیۤ إِلَـٰهࣱ مِّن دُونِهِۦ فَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِیهِ جَهَنَّمَۚ كَذَ ٰ⁠لِكَ نَجۡزِی ٱلظَّـٰلِمِینَ)

(قُلۡنَا یَـٰنَارُ كُونِی بَرۡدࣰا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰۤ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ)

(إِنَّكُمۡ وَمَا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱلله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمۡ لَهَا وَ ٰ⁠رِدُونَ).

أشهد أن هذا الكلام لا يطيق صدرُ بشر أن يخترعه من عنده، ولكنه تنزيل من رب العالمين.

(وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن یُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱلله وَلَـٰكِن تَصۡدِیقَ ٱلَّذِی بَیۡنَ یَدَیۡهِ وَتَفۡصِیلَ ٱلۡكِتَـٰبِ لَا رَیۡبَ فِیهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ)
﴿وما تنزلت به ٱلشیـٰطین ۝٢١٠ وما ینبغی لهم وما یستطیعون ۝٢١١ إنهم عن ٱلسمع لمعزولون ۝٢١٢﴾

يقول تعالى مخبرا عن كتابه العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد: أنه نزل به الروح الأمين المؤيد من الله، ﴿وما تنزلت به الشياطين﴾ .

ثم ذكر أنه يمتنع عليهم من ثلاثة أوجه،

أحدها: أنه ما ينبغي لهم، أي: ليس هو من بغيتهم ولا من طلبتهم؛ لأن من سجاياهم الفساد وإضلال العباد، وهذا فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونور وهدى وبرهان عظيم، فبينه وبين الشياطين منافاة عظيمة؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وما ينبغي لهم﴾ .

وقوله: ﴿وما يستطيعون﴾ أي: ولو انبغى لهم لما استطاعوا ذلك، قال الله تعالى: ﴿لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله﴾

ثم بين أنه لو انبغى لهم واستطاعوا حمله وتأديته، لما وصلوا إلى ذلك؛ لأنهم بمعزل عن استماع القرآن حال نزوله؛ لأن السماء ملئت حرسا شديدا وشهبا في مدة إنزال القرآن على رسوله، فلم يخلص أحد من الشياطين إلى استماع حرف واحد منه، لئلا يشتبه الأمر.

وهذا من رحمة الله بعباده، وحفظه لشرعه، وتأييده لكتابه ولرسوله؛ ولهذا قال: ﴿إنهم عن السمع لمعزولون﴾.

ابن كثير
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم أوزعنا أن نشكر نعمك علينا.

ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.
HTML Embed Code:
2024/06/05 10:29:34
Back to Top