TG Telegram Group Link
Channel: قناة فوائد الشيخ فتحي الموصلي
Back to Bottom
والمقصود من هذه الفائدة هو التذكير على اعتبار جانب ( الأغراض والمقاصد من القتال والدفع في تقرير أحكام النوازل والفتن ) وعلى ضوء استظهار تلك المقاصد يكون الكلام فيها بعلم وعدل .

وقد بين الفقيه المقاصدي المجتهد شيخ الإسلام ابن تيمية هذه الفهم الدقيق في التعامل مع النوازل ؛ فقال في كلامه على أغراض التتار ومقاصدهم في المجموع ( ٢٨/ ٥٥١ ) : ( فإن هؤلاء التتار لا يقاتلون على دين الإسلام ؛ بل يقاتلون الناس حتى يدخلوا في طاعتهم ، فمن دخل في طاعتهم كفوا عنه وإن كان مشركاً أو نصرانيا أو يهوديا ، ومن لم يدخل كان عدوا لهم وإن كان من الأنبياء الصالحين ).

وقال شيخ الإسلام أيضاً في بيان مقاصد مقاتلة بعض المسلمين للتتار في المجموع ( ٢٨/ ٤٣٥ : ( وبعضهم إنما ينفرون عن التتار لفساد سيرتهم في الدنيا ، واستيلائهم على الأموال واجترائهم على الدماء والسبي ؛ لا لأجل الدين ).

ومن هذا التأصيل يظهر لنا أهمية الحكم في النازلة بالنظر إلى الأغراض والمقاصد :
-فبعضهم يقاتل أو يعاون لأجل نشر مذهبه الباطني!
-والآخر من الكفار يقاتل من أجل الدين والارض فهو يستبيح الدماء دينا لا دنيا !
-وقد يقاتل الكافر المسلمين من أجل دنياهم لا من أجل دينهم .

فأحكام الدفع والمدافعة تتبعض بحسب ذلك ؛ والفتوى التي لا تبنى على المقاصد والأغراض من القتال ناقصة … والسيف الذي لا يتبع المقاصد لا تقوم به مصلحة السنة والإسلام .

والله من وراء القصد

وكتبه ناصحاً ومشفقاً:

فتحي بن عبدالله الموصلي
19-جمادى الثاني 1445هـ
2024-1-1م

👈 للإشتراك بالقناة👇👇

https://hottg.com/Sheikhfathialmousli
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الفائدة :(711)

(فَوَائدُ مِنْ مَجَالسِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِاللهِ فَتْحِي المَوْصِلْيّ حَفِظَهُ اللهُ).

كيف يمكن للعبد أن يتحرى الحق ويرحم الخلق تطبيقاً لا تنظيراً:

من اعتقد أن قضية ما هي الحق ؛ فالواجب عليه أولاً أن يحيط علماً بأدلة هذا الحق ومعانيه ، ثم الإيمان به والعمل بمقتضاه ، ثم يجتهد في الاستقامة عليه ؛
ثم تأتي النتيجة وهي التواضع والخشوع والانقياد لهذا الحق .
وصاحب هذه المنزلة
يتواضع في حمل الحق ، وينقاد لهذا الحق ، ويرحم الخلق في تبليغ هذا الحق ، لا يعلو بهذا الحق على الخلق ولا يمتحن الناس بهذا الحق ولا يتفاخر على الخلق بوصوله إلى الحق … وقد بيّن القرآن طريقة أهل الإيمان في التعامل مع الحق علماً وإيمانا واستقامةً وتواضعاً ؛ فقال تعالى : { وَلِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُواْ بِهِۦ فَتُخْبِتَ لَهُۥ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهَادِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ }.

لهذا من علامات اتباع المنهج الصحيح في حمل الحق هو إخبات القلوب وخشوعها وتواضعها وانقيادها لا مجرد الانتساب الى الأسماء والطرائق ؛ من هنا انقسمت القلوب في التعامل مع الحق إلى ثلاثة أقسام :
-القلوب القاسية الجامدة.
-والقلوب المريضة اللينة.
-والقلوب المرحومة المخبتة.
وصاحب القلب الأخير -الذي يكون صاحبه هادياً إلى الحق - يجمع بين العلم والرحمة في قلبه ، ويجمع بين التواضع والخشوع في تعليمه ، ويجمع بين الحرص على هداية الخلق وإرادة الخير لهم في دعوته وخطابه وهو في ذلك يطمع في إخراج أهل الضلال من ضلالهم لا إخراج أهل الحق من دينهم …
وصاحب هذا الوصف هو المؤهل لتطبيق القاعدة العلمية الشرعية الربانية : (يتحرون الحق ويرحمن الخلق) .
إذن هذه القاعدة تطبق بـ( التواضع في حمل الحق وعدم الاستطالة على الخلق ) .

👈 للإشتراك بالقناة👇👇

https://hottg.com/Sheikhfathialmousli
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الفائدة :(712)

(فَوَائدُ مِنْ مَجَالسِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِاللهِ فَتْحِي المَوْصِلْيّ حَفِظَهُ اللهُ).
*إيقاظ لمن كانت همته عالية وبصيرته نافذة* :

إذا تعيّن الواجب في أي باب من أبواب الشريعة وكانت مصلحة هذا الواجب تتعلق بمصالح المسلمين العامة أو كانت تأييداً لدين الله ونصرةً لشرع الله أو مُنع بهذا الواجب فساد كبير أو ضرر عظيم ؛ فلا يُلتفت إلى :
- نية صاحب هذا الواجب .
- ⁠ولا إلى توجهاته وميوله .
- ⁠ولا إلى انتسابه وأسمائه .
- ⁠ولا إلى زمانه ومكانه .
- ⁠ولا إلى وظيفته ومنصبه .
لأن مصلحة الواجب تارة تقوم بأهل الدين الكامل وتارةً تقوم بأهل الدين الناقص ، ولأن الواجب مطلوب الوقوع بالنوع من غير التفاتٍ إلى فاعله ؛ وتعليق فعل الواجب بصفات الفاعل تفويتٌ وتأخيرٌ وتعطيلٌ للواجب .
ولسبب ثالث وهو : أن سنن التدافع تقتضي أحياناً التقابل بين أهل الباطل فينصر الله الدين بظهور بعضهم على بعض ، أو بدفع بعضهم ببعض ، أو بردّ بعضهم على بعض … وهذا كثير .
*وهنا تنبيهان ضروريان في فهم هذا التأصيل* :
الأول : أن اشتراط أن لا يقبل العمل ، أو النصرة ، أو الإعانة ، أو القيام بالمصلحة ، أو دفع المظلمة إلا من أهل الاعتقاد الصحيح والمنهج السديد يعدّ تحجيراً للمصالح وتضييقاً للمطالب وتحزيباً
للمواقف .
التنبيه الثاني : -وهو المهم - أن حصول الواجب من أهل الدين الناقص أو الباطل لا يمنع من الردّ عليهم ودفع باطلهم *بشرط أن لا يكون هذا الردّ أو الدفع عائقاً من أدائهم الواجب وقيامهم بالمصالح* ؛ فالمؤمن مع هؤلاء وغيرهم يعين على الحق ويدفع الباطل ، ولا يكون دفعه للباطل مانعا من تحصيل الحق ؛ كما لا يكون طلبه للحق وحبه له مسوغا للسكوت على الباطل ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديبية : ( والَّذي نفسي بيدِهِ ، لا يَسأَلوني اليومَ خُطَّةً يُعظِّمونَ بِها حَرَماتِ اللَّهِ إلَّا أعطيتُهُم إيَّاها ) .

وهذه هي الموازنة الشرعية ، وهي عين الحكمة العلمية والبصيرة الشرعية التي ينبغي على الدعاة وطلبة العلم الاتصاف بها .
وقد ضاع الحق وانتشر الباطل بسبب تغييب هذه الحكمة ومعاداة هذه البصيرة .
والله المستعان .

👈 للإشتراك بالقناة👇👇

https://hottg.com/Sheikhfathialmousli
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الفائدة :(713)

(فَوَائدُ مِنْ مَجَالسِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِاللهِ فَتْحِي المَوْصِلْيّ حَفِظَهُ اللهُ).

أخلاق الكبار بعد الهزيمة العسكرية كما بيّنها القرآن

أدقّ مرحلة تمر بها الأمة هي مرحلة ما بعد الهزيمة العسكرية والإنكسارات النفسية … فهذه مرحلة مهمة وخطيرة تُكشف فيها معادن الرجال، وتُمتحن بها القيم والأخلاق، ويُختبر بها أصحاب الدين والمروءات .

ولقد بيّن القرآن الاخلاق الكاملة والصفات الجامعة للمؤمنين بعد وقوع الهزائم العسكرية والإنكسارات النفسية في معركة أحد ، وهي المعركة التي خالف فيها نفرٌ من المسلمين أوامر النبي صلى الله عليه وسلم حتى تسببت هذا المخالفة بضرر كبير وخطب عسير على الإسلام والمسلمين .

وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وذهبت كل طائفة تداوي جراحها ، وذهب المسلمون يدفنون بأيديهم أكابر الصحابة رضي الله عنه وقد بلغت القلوب الحناجر في مشهد عظيم ، ترى أن الذين كانوا سببا في الهزيمة ينظرون ويترقبون كيف سيعاملهم النبي صلى الله عليه وسلم على صنيعهم ؟! .

وفي هذا الموضع العظيم وفي هذا الحدث الكبير نزل القرآن في بيان فقه المناصحة والمعالجة لا أسلوب الغلظة والمعاقبة ؛ فقال تعالى في سورة آل عمران : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } .

وهنا حقائق مهمة - في الآية - في مجال الأخلاق القرآنية بعد الهزيمة العسكرية ، وهي :

الحقيقة الأولى:
أن أسلوب اللين بمعناه الشرعي هو أكمل وسيلة وفضيلة لمعاجلة الأخطاء والتعامل مع الهفوات والزلات …
واللين الشرعي : هو الذي يكون بلا ضعف ولا مجاملة ولا مبالغة ؛ فهو لين الهدف منه تصحيح الأفكار ، والوعي في التعامل مع الأحداث ، والإعانة على القيام بمصالح الدين والدنيا ؛ لهذا قال صاحب التحرير والتنوير في تفسير الآية : ( فكان لينه [ صلى الله عليه وسلم ] رحمةً من الله بالأمة في تنفيذ شريعته بدون تساهل وبرفق وإعانة على تحصيلها ) .

فاللين في معناه الشرعي هو أسلوب من أساليب المعاجلة التربوية النفسية ؛ فلا يلزم من اللين في الشرع الضعف ؛ بل هو عنوان الحكمة والقوة والرفق .

الحقيقة الثانية
: الأمة بعد الهزيمة العسكرية لا تنتفع في هدايتها واجتماع كلمتها وترميم حصونها وتضميد جراحها إلا من أصحاب القلوب الصافية الرقيقة الرحيمة كما وصفها ابن القيم صاحبها : ( فيرى الحق والهدى بصفائه ، وتحصل منه الرأفة والرحمة والشفقة برقته ) ؛ أما أصحاب القلوب الحجرية القاسية أو أصحاب القلوب المائية الضعيفة ؛ فهؤلاء لا يصلحون لا للتربية ولا للتنقية ولا يكون دورهم نافعا في معالجة النوازل والفتن الواقعة ؛ لهذا بيّن القرآن هذا المعنى : { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } .
فحري بصاحب القلب الحجري بعد الهزيمة العسكرية أن يصمت ، مثلما حري بصاحب القلب المائي أن يكف عن التنظير .

الحقيقة الثالثة:
وهي جبر الخواطر بأهل المصيبة ومن كان سبباً في الهزيمة العسكرية والإنكسارات النفسية جبراً لا يفضي إلى كسر معالم الهدى ولا إلى رفع منار الضلالة ، وقد بيّنه القرآن بياناً شافياً : { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } …. يقول العلامة ابن سعدي في تفسير الآية : ( أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يعفو عنهم ما صدر منهم من تقصير في حقه صلى الله عليه وسلم ، ويستغفر لهم في التقصير في حق الله ، فيجمع بين العفو والإحسان ) .

الحقيقة الرابعة
: الاهتداء بالحق والهدى حتى يتحول النزاع إلى اجتماع … لهذا تحول الخلاف في معركة أحد إلى اجتماع … وربما تحول الاجتماع في زماننا إلى خلاف !! .

والحقيقة الخامسة
: وهي تحويل الهزيمة إلى نصر … وكان المنطلق لهذا التغيير والتحويل هو اعتماد أسلوب المشاورة والمناصحة في بحث قضايا الامة بلا مكابرات حزبية ولا مهاترات منفعية ومن غير مزايدات سياسية ؛ لهذا ختمت الآية : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر } .

ثم يأتي السبب الشرعي الأكبر والأعظم ، وهو الاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } .

فالامة - اليوم - بعد هذه الانكسارات والتحديات تحتاج إلى اللين لتعالج به أزماتها ، وتحتاج إلى أصحاب القلوب الصافية الرقيقة لتصحيح واقعها ، وتحتاج إلى جبر الخواطر لتداوي جراحها ، وتحتاج إلى الاجتماع على قدواتها لتدفع عدوها ، وتحتاج إلى توظيف الهزيمة لصالحها حتى تكون منطلقا إلى النصر والتمكين .
والله من وراء القصد .

👈 للإشتراك بالقناة👇👇

https://hottg.com/Sheikhfathialmousli
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الفائدة :(714)

(فَوَائدُ مِنْ مَجَالسِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِاللهِ فَتْحِي المَوْصِلْيّ حَفِظَهُ اللهُ).

كيف ينتقل الداعية من مرحلة التأصيل والتنظير إلى مرحلة التنزيل والتطبيق

قد يتصف كثير من الدعاة بالحكمة العلميّة ؛ فيكلم -تنظيراً أو تفصيلاً - بالكلام النافع واللفظ الجامع ؛ لكن عندما يتعامل مع الواقع لا يوفق إلى القول الصائب أو الحكم الراجح ؛ لعدم اتصافه بالحكمة العملية ؛ فالكلام في المفاهيم والتصورات شيء ، والكلام في الواقع والجزئيات شيء آخر …

وهذا النوع من الدعاة موفق في التنظير والتأصيل لا في التنزيل والتطبيق ؛ فلا يلزم من القدرة على التنظير وجود ملكة في التطبيق ؛ كما لا يلزم من الكلام في الواقع أن يكون المتكلم مؤصلاً في فهم الواجب ؛ فقد يجتمعان وقد يفترفان ، واجتماعها صفة كمال وشرط في بعض الأحوال ؛ كما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) ؛ فجمع له التأصيل والتنزيل معاً .

ولنضرب مثالاً للتوضيح والتبيين:
في التعامل مع الواقع المعاصر عند وقوع الحوادث والنوازل والاختلاف والتنازع : نرى تنظيرا عاماً أو أحكاماً مطلقة إما بالحث على الفعل أو بالحث على الترك ؛ بمعنى : إما أيقال : بوجوب الحرص على اجتماع الكلمة وتوحيد الصفوف وجعل هذا أصلا ترجع إليه باقي الأصول والفروع ، أو بالقول بوجوب الصدع بالحق وعدم التأخير في بيان الحقيقة وجعل هذا أصلا ترجع إليه باقي الأصول والفروع .
وكل قائل بأحد الأصلين له حظ من الحكمة في مجالها العلمي التنظيري لا في مجالها العملي التطبيقي .
ولهذا يتحول التنظير والجدل فيه إلى تنازع واختلاف بسبب غياب الحكمة العملية التي هي عنوان ( فقه التنزيل ).
ولعل سائلا يسأل -وهو في رغبة وتشوف الى النتيجة - : أين صورة التنزيل في هذا المثال ؟

والجواب : أن يقال :

إن الطريقة العملية التي بينها القرآن في التعامل مع الحوادث والوقائع عند الاشتباه أو عند التحصين والبناء هي النظر إلى الأصلحيّة والمناسبة ؛ بمعنى نفعل في كل وقت ومع كل واقعة وحدث الأصلح في ذلك الوقت أو الأنسب في كل واقعة أو حادثة ؛ فيفعل فيها بحسب المقامات ، وهي ثلاثة :

الأول:
بيان الحق والأمر بالواجب والنهي عن المنكر إذا كان هدا هو الأصلح وكان الفاعل مستطيعا ويترتب على فعله مصلحة راجحة ….
الثاني:
وهو المهم والدقيق : ويطبق عندما لا يكون بالضرورة المصلحة في بيان الحق وإنما المصلحة في منع الاختلاف على الحق والسعي في الصلح بين المتخاصمين ؛ إذ قد تكون مفسدة إزالة الفُرقة راجحة على مصلحة تحرير الحق وبيانه؛ لجواز تأخير بيان هذا النوع من الحق .
فليس بالضرورة في كل وقت ومع كل حادثة أو قضية أن يأمر الداعية بالحق وأنما قد تكون مهمته ( الإصلاح بين المتنازعين ) .
والثالث:
وعندنا يتعذر عليه الآمرين السابقين ، أو أن المصلحة تكون في الترك والسكوت لا في الأمر ولا في المبادرة إلى الإصلاح ؛ فيطالب العبد حينئذٍ بالسكوت أو بالترغيب العام بالخير والتحذير العام من الشر ويجتهد في تأليف قلوب الناس على ذلك ؛ فيكون سكوته وسعيه في الترغيب والترهيب وتأليف قلوب الناس على الخير صدقة يتصدق بها الإنسان على نفسه ؛ لأن مفهوم الصدقة عام شامل لكل خير ولو كان في سعي العبد في كفّ شر نفسه بالسكوت عن الغير ؛ كما جاء في الحديث : ( قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عن بَعْضِ العَمَلِ؟ قالَ: تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ فإنَّها صَدَقَةٌ مِنْكَ علَى نَفْسِكَ ) .

إذن الحكمة العملية أن تصدع بالحق وتأمر بالمعروف تارةً ، وأن تجتهد في الإصلاح بين المتنازعين تارةً ثانية ، وأن تلتزم السكوت وعدم الخوض والتقليل من الشر فتكون لك صدقة تارةً ثالثة ؛ كما قال تعالى : { لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } .
ومن هذا البيان والتأصيل يظهر لنا أمرين :
الأول:
الأمة تحتاج إلى التأصيل الدقيق والتنزيل الحكيم .
والأمر الثاني:
أن الانتقال من الحكمة العلمية إلى الحكمة العملية ، ومن التنظير إلى التطبيق ، ومن التأصيل إلى التنزيل متوقف على التدبر الدقيق لكتاب الله تعالى والاهتداء بمعانيه ومقاصده وكلياته .


👈 للإشتراك بالقناة👇👇

https://hottg.com/Sheikhfathialmousli
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الفائدة :(715)

(فَوَائدُ مِنْ مَجَالسِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِاللهِ فَتْحِي المَوْصِلْيّ حَفِظَهُ اللهُ).

الإيواء إلى الأسباب الشرعية :

قال تعالى : *{ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا }*( (10) : الكهف ) .

في الآية فوائد عقدية ولفتات تربوية ووقفات تفسيرية :

الأولى :
الدعاء والابتهال إلى الله تعالى عند الدخول إلى المساكن وإلبيوت من الشرع المشترك بين الأنبياء .

الثانية :
من نعم الله على الناس أن يجعل لهم مأوى يحفظون فيها نفوسهم ويحتمون بها من المخاطر والأضرار .

الثالثة :
الفتوة في لغة القرآن تطلق على الكامل في الرجوليّة وفي القوة العلمية والعملية ، الكمال الحسي والمعنوي .

الرابعة :
الاحتماء بالكهف وبما يغيب به الإنسان عن مواضع الفتن وموارد الخطر داخل في الأخذ بالأسباب .

الخامسة :
أن الإيواء إلى الكهف من باب الأخذ بالأسباب الحسية ، والمبادرة بالدعاء عند الدخول من باب الأخذ بالأسباب الشرعية ؛ فجمعوا بين الكمالات في الرجولية والعبودية وفِي السنن الشرعية والكونية .

السادسة :
حسن الاتباع ؛ فقالوا جميعا هذا القول ؛ وتوافقهم على القول إما حاصل بطريق الإلهام أو بطريق التعلم من بقايا آثار الأنبياء ... وفِي المحن قد يلهم العبد الصادق من الأدعية ما تكون سببا في النجاة .

السابعة :
دعوا باسم الرب ؛ فقالوا ( ربنا ) لبيان حالهم في الافتقار ولحاجتهم إلى طلب الإحسان ، ولاستصحاب معنى أن المربي لهم بالتربية الخاصة على الحقيقة هو الله تعالى .

الثامنة :
طلبوا من ربهم أن يشملهم بالرحمة الخاصة ؛ إذ الرحمة العامة حاصلة لهم ولغيرهم من عموم الناس ؛ لذلك قالوا ( آتنا من لَّدُنك رحمة ) ... فإذا حصلت لهم الرحمة الخاصة دخلوا على الفور في المعية الخاصة ... *وهكذا كل من يدخل في محطات الدعوة ومقامات العبودية كهفاً أو غاراً أو مسكناً أو لازم مكتبةً أو تجنب فتنةً احتسابا ومصابرةً ؛ فعليه أن يتشوّف إلى المعية الخاصة* ؛ كما قال تعالى : { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } .

التاسعة :
قدّموا في دعائهم الرحمة على طلب الرشاد ؛ لأن الرحمة غاية وطلب الرشاد وسيلة ... ففي النوازل والمحن والشدائد يكون تشوف فَقِيه النفس إلى المقاصد قبل طلب الوسائل .

والفائدة العاشرة :
لما طلبوا من ربهم بلوغ سبيل الرشاد ( الذي هو العلم الموصل إلى الهدى والعمل والتقوى ) ؛ طلبوا أسباب الوصول ؛ بأن يهيء لهم ربهم من أسباب بلوغ الرشاد ؛ فالوصول إلى رحمة الله الخاصة يكون بالابتهال الخالص ، والوصول إلى الرشاد يكون بتهيئة الأسباب ؛ فقالوا ( وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ) ...

فالرحمة تحصل بالمجاهدة والإخلاص، وطريق الرشاد يدرك بالهداية إلى الأسباب .
وقد دلّت هذه الآية على قاعدة كبيرة وعظيمة ، وهي : ( إن مصلحة الدين لا تقوم إلا إذا اقترنت الهداية بالرحمة )

فهذه عشرة نافعة


👈 للإشتراك بالقناة👇👇

https://hottg.com/Sheikhfathialmousli
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
#الفائدة :(716)

(فَوَائدُ مِنْ مَجَالسِ شَيْخِنَا أَبِي عَبْدِاللهِ فَتْحِي المَوْصِلْيّ حَفِظَهُ اللهُ).

ثلاثيات في طريق التصحيح والبناء
:

الأولى
: الكمال في طريق المنهاج يكون بالكمال في العلم والفكر والعقل معاً ؛ أي : بالعلم النافع ، والفكر الصحيح ، والعقل الواعي … فالعلم بلا فكر ولا عقل يفضي إلى الفتنة ، والعقل بلا علم ولا فكر يفضي إلى البدعة ، والفكر بلا علم ولا عقل يفضي إلى الفُرقة .
وكثير من الأخطاء الدعوية من بعض الدعاة سببها النقص في إحدى هذه العناصر ؛ فلا ترى إلا المواقف الغريبة ، والآراء الضعيفة ، والأفكار البعيدة ؛ لهذا لا يكون المدح ، ولا تظهر النتائج إلا إذا اجتمعت هذه العناصر الثلاثة .
والمعالج للواقع ينبغي أن يكون علاجه وبناؤه على هذا المعنى .

الثانية
: هنا ثلاثية أخرى ، وهي : ( الوجود ، والتأثير ، والنفع ) ؛ فمن الدعاة من يحرص أن يكون حاضراً موجوداً في ميادين الدعوة ، ويريد بعض الدعاة أن تكون له بصمة في كل عمل دعوي ، ويجتهد في برامجه الدعوية حتى يكون مؤثراً ... وكل هذا عمل مشكور ؛ لكن العبرة ليست في أن تكون حاضرا أو لك بصمة أو مؤثرا ... *وإنما العبرة كل العبرة أن تكون نافعا* ؛ ولو كان هذا النفع قليلا ؛ فقليلٌ دائم خيرٌ من كثير منقطع ؛ لهذا يقول الله تعالى : { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ } .

الثالثة
: وهنا ثلاثية ثالثة ، وهي أن حقيقة الاعتدال تكون في الاعتدال في التكفير ، والاعتدال في التجريح ، والاعتدال في التعديل ؛ لأن الغلو تارةً يكون في التسرع بتكفير المسلمين ، وتارةً يكون بالغلو في تجريح الدعاة والعلماء ، وتارةً يكون بالغلو في التزكية والتعديل لأهل الأهواء والبدع … لهذا لا يستقيم العبد إلا بالاعتدال الجامع والتوسط الشامل .

فالثلاثية الأولى تكون في البناء ، والثلاثية الثانية في السير إلى أمام ، والثلاثية الثالثة في تصحيح الأفكار والتصورات.



👈 للإشتراك بالقناة👇👇

https://hottg.com/Sheikhfathialmousli
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
HTML Embed Code:
2024/04/20 10:48:12
Back to Top