TG Telegram Group Link
Channel: معهد إعداد المفسّر
Back to Bottom
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
📚

🔴 أنواع جمع القرآن

📌النوع الأول:


جمعه حفظاً في الصدور، وقد جمعه النبي صلى الله عليه وسلم في صدره، وجمعه حملة القرآن من الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم منهم: أبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وسالم مولى أبي حذيفة، وثابت بن قيس، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين.

📌النوع الثاني:


جمعه كتابةً في مصحف واحد، وهو الجمع الذي تولاه أبو بكر بإشارة من عمر بن الخطّاب لمّا استحرّ القتل في القراء في وقعة اليمامة.

📌النوع الثالث:


جمعه على رَسْمٍ واحدٍ، ولغةٍ واحدةٍ هي لغة قريش، وهو الجمع الذي تولاه عثمان رضي الله عنه لما رأى اختلاف الناس في القراءات وخشي أن تحدث فتنة بسبب ذلك الاختلاف.

✍️ المشرف العام الشيخ/ عبد العزيز الداخل -حفظه الله-

ـــــــ🌼ـــــــ

#دورة_جمع_القرآن
#منتقى_الفوائد

.
📚

❇️ ما سبب عدم جمع القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟

1️⃣ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من أن ينسى شيئاً من القرآن؛ فكانت حياته ضماناً لحفظ القرآن وإن لم يُكتَب.

2️⃣ أن القرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان يزاد فيه بالوحي وينسخ منه؛ فكان جمعه في مصحف واحد في عهده مظنة لاختلاف نسخ المصاحف وتعددها، وفي ذلك مشقة بالغة.
قال النووي: (وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو، ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته صلى الله عليه وسلم)ا.هـ

✍️ المشرف العام الشيخ/ عبد العزيز الداخل -حفظه الله.

ـــــــ🌼ـــــــ

#دورة_جمع_القرآن
#منتقى_الفوائد

.
📚

⭕️ التعريف ببعض كتاب الوحي:

🔻معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشي

أوَّل ملوك المسلمين، وخال المؤمنين، أسلم في عمرة القضاء، وأظهر إسلامه يوم الفتح، وكان شابا فهماً حصيفاً يحسن الكتابة.

وقال أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاوية: (( اللهم علمه الكتاب والحساب، وقه العذاب)).

وفي مسند الإمام أحمد من طريق أبي عوانة عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس يقول: كنت غلاما أسعى مع الغلمان، فالتفتُّ فإذا أنا بنبي الله صلى الله عليه وسلم خلفي مقبلاً، فقلت: ما جاء نبيّ الله صلى الله عليه وسلم إلا إليَّ.
قال: فسعيتُ حتى أختبئَ وراء باب دار.
قال: فلم أشعر حتى تناولني، فأخذ بقفاي فَحَطَأَني حَطْأَة؛ فقال: ((اذهب فادع لي معاوية))
قال: وكان كاتبه، فسعيت فأتيت معاوية، فقلت: (أجب نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّه على حاجة).

وكان معاوية حليماً حكيماً، عالماً فقيهاً، ذا سياسة وكياسة، وكان داهية من دهاة العرب المعدودين؛ وكان عمر إذا نظر إليه قال: (هذا كسرى العرب).

قال همام بن منبه: سمعت ابن عباس يقول: (ما رأيت رجلا كان أخلق للملك من معاوية، كان الناس يَرِدُون منه على أرجاءِ وادٍ رَحْب). رواه عبد الرزاق.

وقال قبيصة بن جابر: (صحبت معاوية، فما رأيت رجلا أثقل حلماً، ولا أبطأ جهلاً، ولا أبعد أناةً منه) رواه ابن عساكر.


✍️ المشرف العام الشيخ/ عبد العزيز الداخل -حفظه الله-

ـــــــ🌼ـــــــ

#دورة_جمع_القرآن
#منتقى_الفوائد

.
#مسائل_علوم_القرآن |
السؤال: هل جَرْس ألفاظ القرآن من وجوه إعجازه؟ وما رأيك في تسمية ذلك بالإعجاز الصوتي؟

الجواب:
الحديث عن جرس الألفاظ وتناسبها وتأثيرها وصلة ذلك بطريقة الأداء تكتنفه صعوبات، وقد أحسن بعض العلماء والكتاب في الحديث عن بعض جوانبه، ولا يكاد يخلو الحديث عنه من خطأ وتكلّف، لكثرة الاعتماد فيه على التذوق، وهو مما يتعسّر ضبطه.
ولا يُنكر أن لجرس الألفاظ تأثيراً ملحوظاً، ولذلك فإنّ القرآن قد يسمعه الأعجمي الذي لا يحسن العربية فيُرى تأثره الشديد به.
ولو قيل: إن هذا مما يختص به القرآن لعُزي ذلك إلى ما أودع الله فيه من البركة والخصائص، وهذا أمر لا ينكر، لكن ليست هذه العلة، ودليل ذلك أن من الأشعار والأمثلة السائرة، والعبارات المؤثرة ما يحسّ بأثره الشديد في النفس،
ولا سيما ما يؤدّى بصوت مؤثر، فإن أثره على كثير من الأرواح يكون مشاهداً معلوماً ، وهو يشبه تأثير المعازف من وجه، وكان مما تكرر في أشعار العرب وصف شدّة تأثرهم بنوح الحمام:
قال عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
ربّ ورقاء هتوف في الضحى ... قد صدحت من فَنَنٍ عن فنن
ربما أبــكــــى فلا أُفـهمـها ... وهي قـد تبــكي فلا تـفهمني
غـيـر أنـي بالجــوى أعـرفـها ... وهي أيضاً بالجوى تعرفني

وقال آخر:
ألا قاتل الله الحمامة غدوةً ... على الأيكِ ماذا هيّجت حين غنّت
تغنّت غناء أعجمياً فهيّجت ... جوايَ الذى كانت ضلوعي أكنّت

وقال حميد بن ثور الهلالي:
إذا شئتُ غنّتني بأجزاع بيشة .. أو النخل من تثليث أو من يَبَنْبَما
مطوّقة خطباء تصدح كلما .. دنا الصيف وانزاح الربيع وأنجما
عجبتُ لها أني يكون غناؤها .. فصيحاً ولم تفغر بمنطقها فما
فلم أر محزوناً له مثل صوتها .. ولا عربياً شاقَه صوتُ أعجما

ولعل من تفسير تأثير تلك الأصوات المتناغمة على النفس أنّ النفس كانت مكتنزة بمشاعر وأحاسيس اكتناز المآقي بالدمع الحائر؛ وهي تتطلّب التنفيس ولا تجد إليه سبيلاً؛ فكانت تلك النغمات سبيلاً للتنفيس،
ومستثيرة لدفائن النفس.
وممن أحسن التعبير عن هذا المعنى العوام بن عقبة بن كعب بن زهير بن أبي سلمى حيث قال يبكي على امرأة كان يريدها؛ فماتت فتصبَّر عن البكاء عليها حتى سمع صوت حمامة تنوح فهيّجت ما في نفسه فبكى وأنشد يعاتب نفسه على البكاء:
أأن سجعت فى بطن وادٍ حمامةٌ ....... تجاوب أخرى ماء عينيك غاسق
كأنك لم تسمع بكاء حمامة ....... بليلٍ ولم يحزنك إلف مفارق
ولم تر مفجوعا بشئ يحبه ....... سواك ولم يعشق كعشقك عاشق
بلى فأفق عن ذكر ليلى فإنما ....... أخو الصبر من كف الهوى وهو تائق

ومثله قول عدي بن الرقاع العاملي
ومما شجاني أنني كنت نائماً ... أُعَلّلُ من فرطِ الجوى بالتنسّمِ
إلى أن دعت ورقاء في غصن أيكة ... تردّد مبكاها بحسن الترنم
بكتْ شجوها تحت الدجى فتساجمت ... إليها غروب الدمع من كل مسجم
فلو قبل مبكاها بكيتُ صبابة ... بسُعدى شفيتُ النفس قبل التندم
ولكن بكت قبلى فهيّج لي البكا ... بكاها فقلت: الفضل للمتقدم

وتُروى هذه الأبيات لنُصيب ولابن مقبل.

ومما ذكره المبرد في الكامل أنّ رجلاً من العرب سمع جارية فارسية تغنّي غناء فارسياً، ولم يفهم كلامها لكن وصف شدّة تأثّره بما سمع فقال:
حمدتُكِ ليلةً شرُفتْ وطابتْ ... أقام سهادُها ومضى كراها
سمعتُ بها غناء كان أولى ... بأن يقتادَ نفسي من عناها
إلى أن قال:
ومسمعةٍ يحار السمع فيها ... ولا تُصْمِمْه لا يَصْمُم صداها
مَرَت أوتارَها فشَفَت وشاقت ... فلو يسطيع حاسدُها فداها
ولم أفهمْ معانيَها ولكن ... وَرَت كبدي فلم أجهل شجاها
فكنتُ كأنني أعمى معنَّى ... بحبّ الغانيات وما يراها

فهذا الشاعر قد تأثر من جرس الألفاظ الأعجمية تأثراً شديداً لتناغمها على مسمعه، وأداء المغنيّة بصوتها الذي أشجاه.
وقد ذكر أبو هلال العسكري أن هذا الرجل هو أبو تمام.

وقال سويد بن أبي كاهل اليشكري في وصف امرأة حسنة الحديث:
وَدَعَتْني برُقاها إنها ..... تُنزل الأعصمَ من رأس اليَفَع
تُسمع الحُدّاث قولاً حسنا ..... لو أرادوا غيره لم يُستمع

والأعصم هو الثور الوحشي الذي في يديه بياض، منازله في المرتفعات، سريع الجري شديد الحذر، يقول: إن حديثها كالرقية للنفس من حسنه وقوة تأثيره واستمالتها به من تحدثه فلا يملك إلا أن يميل إليها، حتى لو أنها حدثت الثور الأعصم المعروف بشدة حذره ونفوره من الإنس لنزل من أعلى الجبل؛ فكيف لا أستجيب لها ولا يستميلني حديثها.

فإذا كان هذا في تأثير بعض الأصوات والحروف المنتظمة في كلام الناس؛ فألفاظ القرآن أشدّ تأثيراً على من يفقه تناسبها وجرسها، ولذلك كان سلطانه على الأرواح بالرقية أعظم.
والفرق بين جَرْس ألفاظ القرآن وتناسبها وبين ألفاظ الناس شعرائِهم وبلغائِهم كالفرق بين بيان القرآن وبيان بلغاء الناس، البون فيه شاسع، وهذا قدر معجز لا يقدر الناس على مثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
وقد ذكرتُ في كتاب "طرق التفسير" فصلاً في تناسب ألفاظ القرآن ومعانيه، فليراجعه من شاء، وهو نوع من أنواع تأثير ألفاظ القرآن، لكن تسمية ذلك بالإعجاز الصوتي فيه نظر، لأنّ الصوت صوت القارئ، وأصوات القراء غير معجزة، إنما المعجز ألفاظ القرآن بترتيبها وتركيبها وتناسقها.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس التاسع: مسائل في التفسير
موعد المجلس:
الثلاثاء 19 شوال 1444 هـ، من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.
أستقبل أسئلتكم في مسائل التفسير في التعليقات، وأسأل الله تعالى التوفيق للصواب.
#مسائل_التأصيل_العلمي
س3:كيف ينمّي طالب العلم مهارة الاستنباط لديه؟
الجواب: مهارة الاستنباط من أهم المهارات العلمية التي يحتاجها طالب العلم، وهي مرتبطة بفهم المسائل العلمية، ومعرفة مآخذها، وما يتصل بها من العلوم،
وإذا اكتسب طالب العلم تأصيلاً حسناً في علوم الشريعة واللغة العربية كانت لديه أدوات تعينه على إحسان الاستنباط والبراعة فيه، والتفطّن لمسائل قد تخفى على كثير من الناس، وربما استخرج بالاستنباط علماً غزيراً مباركاً ، وذلك فضل من الله يؤتيه من يشاء.
والاستنباط ملكة علمية أصلها موهبة، لكنها قد تكتسب بكثرة التمرّن والدراسة المتدرّجة بإشراف علمي، ومن كان لديه أصل الموهبة، تعاهدها بالصقل والمران والتدرّب وكثرة الإفادة منها نبغ نبوغاً علمياً ظاهراً.
وكثير من العلماء الذين تكلموا في كثير من المسائل العلمية بكلام بديع معجب نافع لم يتلقنوا ذلك الكلام من شيوخٍ لهم، ولم يقتبسوه من غيرهم، وإنما هو مما منّ الله به عليهم من حسن الفهم وجودة البيان.
وطالب العلم إذا كانت لديه ملكة حسنة في الاستنباط وأدوات علمية يستخرج بها المسائل والدلائل أصبح البيان عنها قضية مساعدة يمكنه التدرّب عليها، لكن أصل العلم هو ما اختزن لديه وتحصل له من الاستخراج والاستنتاج.

ومن الأمور التي تعين على تنمية مَلَكَة الاستنباط:
الأمر الأول: أن يحسن دراسة طرق استخراج المسائل، وأن يجتهد في إتقان المهارات المتصلة بها، وقد خصصنا درسين في دورة "مهارات التفسير" لاستخراج المسائل اشتملا على شرح وتمثيل وتطبيقات مساعدة.
ومهارة استخراج المسائل أصل متقدّم على استنباط الأحكام والفوائد وأوجه الدلالات؛ لأن من لم يتنبّه لأصل المسألة لم يمكنه أن يتكلم في الاستنباط فيها.
الأمر الثاني: دراسة الدلالات التي تُستخرج بها الأحكام والفوائد واللطائف، وهي دلالات كثيرة متنوعة منها ما يتعلق بالدلالات اللفظية منطوقها ومفهومها، ومنها ما يتعلق بدلالات المفردات والتراكيب والأساليب، وقد عقدت دورتين في شرح تلك الدلالات هما: دورة أصول تدبر القرآن، ودورة أصول التفسير البياني، وفيهما دروس شارحة لتلك الدلالات بالتوضيح والتمثيل والتطبيقات المساعدة.
الأمر الثالث: القراءة في كتب العلماء الذين لهم براعة في الاستنباط وعناية به؛ من أمثال الشافعي، والبخاري، ومحمد بن نصر المروزي، وأبي جعفر الطحاوي، وابن خزيمة، وابن جرير، وأبي سليمان الخطابي، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وابن حجر، ومحمد بن عبد الوهاب، والسعدي، وابن عثيمين؛ فالقراءة في كتب هؤلاء العلماء وأضرابهم تنمي ملكة الاستنباط والتفنن في الاحتجاج مع مراعاة القواعد والأصول والضوابط، ومن أكثر من قراءة كتبهم حصل له اعتياد على طرائقهم في استخراج المسائل والدلائل، وتأثّر بأسلوبهم في البيان عنها.
وطالب العلم اللبيب إذا وقف على استنباط لطيف لبعض أهل العلم أفاده ذلك في إجراء مثله في نظائر تلك المسألة؛ فيتحصّل له بكثرة اجتماع لطائف الاستنباطات ثروة علمية لا يستهان بها إذا أحسن الإفادة منها، واستعمالها في نظائرها.
الأمر الرابع: مجالسة النابهين المفيدين من طلاب العلم إما مجالسة حضورية عن قرب، أو مجالسة افتراضية عن بعد بوسائل التواصل الاجتماعي، وذلك أن العقول إذا اجتمعت تلاقحت، وأثّر بعضها في بعض، ولا سيما في حال المذاكرة والتدارس، وللجليس أثرٌ لا يخفى على جليسه، ولا سيما مع اعتياد المجالسة.
قال النووي رحمه الله: (مذاكرة حاذق في الفنّ ساعة أنفع من المطالعة والحفظ ساعات بل أياماً).
لأن الحاذق لديه من المهارات والأدوات العلمية والخبرة ما يختصر على المستفيد منه كثيراً من الوقت والجهد ويقرّب له الفائدة ملخصة مبيَّنة، وبعض تلك الفوائد قد لا يجدها في الكتب؛ لأن كثيراً منها من جنس المهارات والتخريجات العلمية التي لا تُدرَّس تدريساً نظرياً، وإنما تكتسب بمجالسة أهل العلم الحاذقين به؛ فيستفيد من طريقة الحاذق بالعلم ما لا يستفيده بكثرة القراءة النظرية المجردة عن ذلك.
وينبغي لطالب العلم أن يجتنب صُحبةَ البطالين والهازلين ومجالستهم؛ حتى لا تسري إليه بعض أخلاقهم وطبائعهم، وإذا احتاج إلى مجالستهم لحقوق واجبة عليه أو ابتلي بمجالستهم فينبغي أن يكون مؤثراً فيهم لا متأثراً بهم، وأن يبادر بدلالتهم على ما ينفعهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة والموعظة بالتي هي أحسن، وأن لا يدع لهم زمام قيادة المجلس إلى اللهو الباطل والهزل المذموم؛ فإذا غُلب على ذلك ولم يمكنه إنكار المنكر في المجلس فليدع ذلك المجلس.
الأمر الخامس: بناء أصل علمي في الاستنباط والفوائد العلمية التي يقتنصها طالب العلم أو تظهر له باستخراجه واستنباطه، فمن داوم على تدوينها في أصل مكتوب بخط اليد أو ملف إلكتروني استفاد فائدتين عظيميتن:
إحداهما: أن تدوينه لتلك الاستنباطات المستخرجة، والنقول المستجادة فيه يحفظها من الضياع والنسيان، ويجتمع له بعد مدة من الزمن ثروة علمية لا يستهان بها.
والأخرى: أنه بكثرة تعاهد هذا الأصل بالمراجعة والتهذيب والتصنيف والزيادة تتنمَّى لديه ملكة الاستنباط، وتتجدد البواعث له، وتُصقَل الموهبة، ويرسخ العلم المستفاد منها، وتتفتّق له كوامن العلوم.

والأصول العلمية مهمة جداً لطالب العلم لأنها بمثابة العدة العلمية له؛ فكلما استفاد فائدة أضافها إلى أصوله؛ حتى ينمو بناؤه العلمي ويشتدّ، ويقوى عوده في العلم، ويرسخ فيه، وهي من أهمّ ما يعينه على نشر العلم؛ لأنه متى عرضت له حاجة إلى الحديث في باب من أبواب العلم نهل من أصوله العلم واغترف فانتفع ونفع الناس، نسأل الله تعالى من فضله.
#مسائل_التأصيل_العلمي
س6: أريد الاستفسار عن الكتب المقترحة لدراسة علم التفسير من الأساسيات إلى مرحلة الإتقان.

الجواب: تعلّم علم التفسير والحذق فيه يعتمد على أمرين:
أحدهما: ضبط المسائل والأقوال والتفسيرية، وجملة من علوم القرآن الكريم.
والآخر: إتقان المهارات التفسيرية بدءاً من طرق استخراج المسائل التفسيرية إلى توجيه أقوال المفسرين.

ولا يتحقق لطالب علم التفسير التمكن في علم التفسير إلا إذا أخذ الأمرين على عالم بالتفسير أو طالب علم متمكن، لأن الدراسة الأولية يُحتاج فيها إلى تأنٍّ، وتفهّم، وتدرّج، وكذلك تعلم المهارات يُحتاج فيه إلى تكرار وتمرّن كثير، ولا يتحقق الأمران إلا بإشراف علمي.

فالأهمّ من اقتراح الكتب بيان المنهج الصحيح لتعلّم علم التفسير؛ لأنه إذا عُرف المنهج الصحيح بقيت مسألة اختيار الكتب التي تفي بغرض الطالب في كل مرحلة والموازنة بينها مسألة اجتهادية هينة تختلف فيها الأنظار، ولا يضرّه أن يختار كتاباً على كتاب مقارب له في مرحلة من المراحل ما دام حريصاً على تحقيق الأمرين المتقدّم ذكرهما.

وقد وضعنا - ولله الحمد والمنة - في معهد إعداد المفسر خططاً علمية متدرّجة لتعلّم علم التفسير، بدءاً من مرحلة التأسيس في علم التفسير إلى التأهيل العالي للمفسر، تشتمل كلّ خطة على دورات علمية تعنى بجانبي المعارف والمهارات.
#مجالس_الأسئلة_العلمية | المجلس الرابع عشر: مسائل في التفسير

موعد المجلس: الثلاثاء 24 ذو القعدة 1444 هـ
من الساعة التاسعة إلى الساعة العاشرة مساء بتوقيت الرياض.

🔹نستقبل الأسئلة الجديدة في التعليقات.
🔹 من بركة طالب العلم أن يكون سؤاله عما ينتفع به وينفع به إخوانه؛ وربّ سؤال كان سبباً لنفع عظيم، وأثر مبارك على من يقرأه ويبلغه طيلة حياته.
وقد روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (ما سألني رجلٌ عن مسألة إلا عرفتُ: فقيه هو أو غير فقيه).
الحمد لله على ما منّ به علينا من إدراك عشر ذي الحجة، وهي أيام فاضلة مباركة العمل فيها أحب إلى الله من العمل فيما سواها
فينبغي لكل مؤمن أن يجتهد في عمارتها بإحسان أداء الفرائض، وبالذكر وتلاوة القرآن وفعل الخيرات، وليحذر من تضييع الأوقات الفاضلة في اللغو وما لا نفع فيه.

ومن الأحاديث الصحيحة في فضائل الذكر وجوامع الدعاء:
1. قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرارٍ كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل). رواه مسلم من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
2. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال: حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده، مائة مرة، لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه).
3. وأتى رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: (قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني «ويجمع أصابعه إلا الإبهام» فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك). رواه مسلم.
4. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال». رواه البخاري.
5. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده). رواه البخاري.
6. وعن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟) قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: (إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده). رواه مسلم.
7. وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟»
قالت: نعم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته). رواه البخاري.
8. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر). رواه مسلم.
##مسائل_التفسير
س3: ما الفرق بين بني آدم وأرواح بني آدم في تفسير المراد بالروح في سورة النبأ؟
الجواب: اختلف في المراد بـ(الروح) في قول الله عز وجل: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُون} على أقوال كثيرة منها ما تحتمله اللغة، ومنها ما رويت فيه آثار عن السلف.
والأقرب أنّ المراد هنا هو المراد في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((سبوح قدوس ربّ الملائكة والروح)). رواه مسلم.

وهو يحتمل ثلاثة أوجه صحيحة:
أحدها: الروح اسم جنس فيعمّ جميع الأرواح؛ وهذا القول له مناسبة لأن اليوم المراد في قوله تعالى: {يوم يقوم الروح} هو اليوم الذي تنفخ فيه النفخة الثانية وهي نفخة القيام المذكورة في قول الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ ‌قِيَامٌ ‌يَنْظُرُونَ (٦٨)}، والنظر من شأن الأرواح؛ فلا يكون إلا بعد عودة الأرواح إلى الأجساد.
وإطلاق اسم الروح اسم على جميع الأرواح إطلاق لغوي صحيح، والتعريف فيه للجنس.
والثاني: الروح، هو المراد في قول الله تعالى: {ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي}، وهو الذي منه تنفخ الأرواح كما قال تعالى: {ونفخت فيه من روحي}، وقال تعالى: {فنفخنا فيها من روحنا}.
والفرق بين هذا الوجه والذي قبله أن الوجه الأول اسم جنس يعمّ جميع الأرواح، والتعريف فيه للجنس، وهذا الوجه يعنى به الأصل الذي منه تنفخ الأروح، والتعريف فيه للعهد الذهني.
والثالث: الروح جبريل عليه السلام، وهو قول الضحاك وروي عن الشعبي، وهذا القول يستدلّ له بقول الله تعالى: {نزل به الروح الأمين}، ويكون التعريف فيه للعهد الذهني.
وقد روي في المراد بالروح أقوال أخر فيها نظر، ومنها ما هو واهي الإسناد:
أحدها: الروح هو القرآن، وهو قول زيد بن أسلم، واستدلّ له بقول الله تعالى: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا}.
ويستدلّ له أيضاً بقول الله تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، فيكون المراد بالروح في هذه الآية هو المراد به في سورة النبأ.
لكن يشكل عليه أنّه لا يصحّ إلا على اعتبار أن التعريف للعهد الذهني ويكون منصرفاً إليه، وهذا خلاف المعهود في الذهن عند الإطلاق، وذكر الروح في آيتي النحل والشورى جاء مفسّراً بـ"من" البيانية.
والثاني: الروح هم بنو آدم، وهذا قول قتادة، رواه عنه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر.
ولعل مراده أرواح بني آدم بعد عودتها إلى الأجساد.
والثالث: أرواح بني آدم تقوم مع الملائكة بين النفختين قبل أن تردّ إلى الأجساد، وهذا القول رواه ابن جرير من طريق العوفيين عن ابن عباس، ولا يصحّ عنه.
والرابع: الروح خلقٌ يشبهون الناس وليسوا بناس، وهو قول مجاهد، وأبي صالح مولى أم هانئ، هذا القول يُحتاج فيه إلى دليل صحيح؛ لأنه ليس مما يدرك بالاجتهاد.
والخامس: الروح ملك أعظم الملائكة خلقاً، وهو رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ولا تصحّ نسبته إلى ابن عباس.
والسادس: الروح ملك في السماء الرابعة، وهو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة، وهذا القول رواه ابن جرير من طريق رواد بن الجراح العسقلاني، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن علقمة، عن ابن مسعود.
وأبو حمزة الأقرب أنه الثمالي ثابت بن أبي صفية وهو رافضي متروك الحديث.
#مسائل_التفسير
س: ما ترجيحكم لتفسير قول الله تعالى: {فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} هل الكلام عن آدم عليه السلام وزوجه أم عن ذريته؟

الجواب:
خلاصة الجواب أنه لم يصحّ في تفسير هذه الآية حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثر عن أحد من أصحابه.
روي فيها أثر عن أبيّ بن كعب ضعيف جداً، وآثار عن ابن عباس واهية الإسناد.
وأما التابعون فرويت عنهم آثار في تفسيرها فمنها ما يصحّ ومنها ما لا يصحّ عنهم من جهة الإسناد، وقد كتبت رسالة في تفسير هذه الآية، وخلاصة ما صحّ عنهم أنهم اختلفوا في تفسيرها على قولين:
أحدهما: أن مرجع ضمائر التثنية إلى آدم وحواء، واعتمدوا فيه على خبر إسرائيلي تعددت روايته ووقع فيها اختلاف إلا أنها اجتمعت على أنّ آدم وحواء سميا ولدهما عبد الحارث.
روي ذلك عن مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة، والسدي، ورجحه ابن جرير.
والقول الآخر: أنَّ الشرك إنما كان في ذرية آدم ولم يقع من آدم وحواء شرك، وهذا قول الحسن البصري، ورجحه ابن القيم وابن كثير.
وهو القول الصواب ولا يحتمل السياق غيره، ومرجحاته كثيرة، وتخريجه من جهة اللغة على وجهين:
أحدهما: المراد بالنفس الواحد وزوجها الذي جعل منها آدم وحواء؛ ثمّ استطرد من الشخص إلى النوع، وهذا قول ابن القيم رحمه الله في مواضع من كتبه، وقال به ابن كثير في البداية والنهاية.
- قال ابن القيم في روضة المحبين: (فالنَّفسُ الواحدةُ وزوجُها آدمُ وحوَّاء، واللَّذان ‌جعلا ‌له ‌شركاء فيما آتاهما المشركون من أولادهما، ولا يُلتفت إلى غير ذلك مما قيل: إن آدم وحواء كانا لا يعيش لهما ولدٌ فأتاهما إبليس؛ فقال: إن أحببتما أن يعيش لكما ولدٌ؛ فسمِّياه عبد الحارث ففعلا، فإن الله سبحانه اجتباه وهداه، فلم يكن ليشرك به بعد ذلك)ا.هـ.

والوجه الآخر: المراد أصل النفس البشرية، وأنّ البشر قد خلقوا من نفسٍ واحدة ثمّ خُلق منها زوجها أي جعلت الزوجة من نفس جنس الزوج، ولم تُجعل من جنس آخر، كما قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ‌أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} وذكر السكن في الآيتين لأنه من شأن الأنفس، وهي الأرواح؛ فليس لآدم وحواء ذكر في آية الأعراف إلا لموافقة كونهما أصل البشر، ومقصد الآية التنبيه على أصل خلق الأنفس، فهي نظير ما في سورة المؤمنون من التنبيه على أصل خلق الأجساد كما قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ ‌سُلَالَةٍ ‌مِنْ ‌طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣)}
وآدم لم يُجعل نطفة، وإنما انتقل الحديث من بيان أصل خلق أبي البشر من طين، إلى أصل خلق ذريته بعد ذلك من نطفة.
فذكر الإنسان المخلوق من سلالة من طين وإن كان هو آدم عليه السلام إلا أنه ليس مقصوداً لذاته، وإنما لبيان أصل خلق أجساد الناس.
وفي سورة الأعراف ذكر أصل خلق الأنفس وهي الأرواح؛ بذكر النفس الأولى، وهي نفس آدم، ثم انتقل الحديث إلى خلق ذريته؛ فليس ذكر آدم وحواء مقصوداً لذاته في الآيتين.
بل هذه الآية نظير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً}
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}
فذِكْر النفس الواحدة وزوجها، وذِكْر الذَّكَر والأنثى وإن كانا آدم وحواء ليس لأجل أشخاصهما، وإنما مقصد الآية تذكير الناس بأصل خلقتهم، ثم كيف كانت بعد ذلك بتقدير الله تعالى وحده، وتعريفهم بمنّة الله تعالى عليهم، وما كان من كثير من الناس في مقابلة تلك النعم العظيمة.
وعلى هذا فقوله تعالى: {فَلَمَّا تَغَشَّاهَا} أي تغشَّى الذكرُ الأنثى، لا يقصد به ذكرٌ بعينه، ولا أنثى بعينها، ولا يُقصد به النفس الأولى.
فإن قيل: لِـمَ لَـمْ يُعدل عن الإفراد إلى الجمع؟
قيل: الإفراد هو المتعيّن لبيان سنّة الله تعالى في خلق الذكر والأنثى وقيام الحياة الزوجية بينهما على تغشّي الذكر الأنثى ليولد لهما.
ولو أُتي بصيغة الجمع لفسد المعنى لاحتمال اللفظ لأن يتغشى الأنثى ذكورٌ عدة؛ فلا يصحّ أن يقال: فلما تغشى الذكور الإناث، ولا نحو هذه العبارات.
ولا يصحّ الإتيان بصيغة عموم؛ نحو: فلما تغشى كلَّ أنثى زوجها؛ لأنه يقتضي الإخبار بخلاف الحقيقة.
وقوله: {حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا ‌فَمَرَّتْ ‌بِهِ} هذا هو شأن عامة النساء في الحمل بتقدير الله عزّ وجلّ.
وقوله: {فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩)}
وهذا شأن عامّ في كلّ زوجين يترقبان الولد يجدان في أنفسهما توجّها إلى الله تعالى بطلب صلاح الولد وسلامته.

وقوله تعالى: {فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا} مرجع الضمير فيهما على الذكر والأنثى المتقدمين من غير تعيين لهما، كما هو الشأن في كثير من الآيات التي فيها ذكر لعامة ما يقع في الناس بنسبته إليهم من غير تعيين، والتثنية على اعتبار الجنسين، كما قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا اللَّذَيْنِ ‌أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩)} ).
فالمراد جنس شياطين الإنس، وجنس شياطين الجن؛ فصحت التثنية باعتبار الصنفين، وإن كان كلّ صنفٍ يشتمل على أفراد كثيرين.
وقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} استعمل ضمير الجمع حملاً على المعنى باعتبار تعدد الأفراد واشتراكهم في هذه الصفة، بخلاف الغشيان الذي استعمل فيه ضمير الإفراد ليختص بالرجل وامرأته، واستعملت التثنية في دعاء كل أبوين لولدهما؛ فكان استعمال الضمائر على أحسن الوجوه لتخليص المعاني بعضها من بعض.

وقوله تعالى: {جعلا له شركاء} ولم يقل شريكاً، وهذا دليل على أن المراد المشركون من ذرية آدم ، وليس آدم وحواء.
وفي الآية قراءتان:
أحدهما: [شِرْكاً] بكسر الشين وإسكان الراء، وهي قراءة نافع ورواية أبي بكر بن عياش عن عاصم.
والأخرى: شُركاء، وهي قراءة بقية السبعة.
والقراءتان متفقتان على ردّ القول المبني على الخبر الإسرائيلي، فإنّ آدم وحواء لم يجعلا لإبليس شِركاً فيما آتاهما الله، ولا يقبل ردّ مَن ردّ هذه القراءة؛ فإنها قراءة سبعية متواترة.
وقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} ولم يقل: يُشركان، دليل آخر على أنّ المراد جماعة أشركوا بالله فيما آتاهم.

ثم قوله تعالى بعدها: {أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193)}
كلّه ظاهر في أنّ المراد به المشركون من ذرية آدم، وليس لآدم وحواء في هذا الخطاب شيء يُتعلّق به.
#مسائل_التفسير
س: ما معنى اللام في قوله تعالى: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى}؛ فقد قرأت في تفسير ابن عاشور أنها لام علة أو لام اختصاص، وأحتاج إلى التوضيح.

الجواب:
ابن عاشور رحمه الله ذكر الاحتمالات التي يحتملها السياق لمعنى اللام في قول الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}
فهي تحتمل معنيين صحيحين لا تعارض بينهما:
أحدهما: أن تكون لام علة.
والآخر: أن تكون لام اختصاص.
وكونها لام علة فيه وجهان:
الوجه الأول: أن يكون سبب امتحان قلوبهم هو ما كانوا عليه من التقوى، أي: امتحن الله قلوبهم، وابتلاهم لأجل ما اتصفوا به من التقوى، وذلك ليتبين الذين يثبتون على التقوى من الذين لا يثبتون عليها، وهذا نظير قول الله عز وجل: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.
فالإيمان الأوّل الحاصل بالاستجابة يتبعه امتحان، وهو امتحان خاص غير الامتحان العام الذي يكون لعموم المكلفين: هل يستجيبون لداعي الإسلام أو لا يستجيبون؛ فإذا استجابوا امتحنوا امتحاناً آخر ليتبيّن من يثبت ممن لا يثبت؛ فهذا الوجه موافق لأدلة دل عليه القرآن، ودلت عليها السنة.
الوجه الثاني: {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} ليرفعهم إلى مرتبة تحقيق التقوى؛ فإن ادعاء التقوى شيء، وتحقيق مرتبة التقوى شيء آخر.
وقول الإنسان بلسانه: آمنت، غير تحقيق مرتبة الإيمان بالبصيرة في الدين والثبات عليه والصبر على البلاء.
فما يحصل بعد الابتلاء من الثبات، وتحقيق الإيمان والتقوى، وظهور آثارهما على العبد هو الذي يكون للعبد به مقام صدق عند الله عز وجل.
فلام العلة تحتمل الوجهين، وهما وجهان صحيحان.

وأما لام الاختصاص فوجه المعنى فيها أن التقوى مرتبة عالية رفيعة، والذين يمتحن الله قلوبهم لهذه المرتبة قد اختصهم بمنّة عظيمة، فكأنهم مخصوصون بالامتحان الذي يرفعهم الله به للتقوى.
فيكون المعنى امتحن الله قلوبهم ليختصهم بفضله ويتمَّ عليهم نعمته بأن يؤتيهم التقوى، فيبلغوا مرتبة المتقين؛ فإنّ التقوى منّة من الله تعالى يؤتيها من يجتبيهم من عباده، كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}
ولذلك يُشرع للعبد أن يسأل الله تعالى التقوى؛ وقد كان من دعاء النبي صل ى الله عليه وسلم: « اللهم آت ‌نفسي ‌تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها». رواه أحمد ومسلم من حديث عاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه مرفوعاً.
- وروى أحمد حديث نافع بن عمر الجمحي، عن صالح بن سُعيد، عن عائشة رضي الله عنها أنها فقدت النبي صلى الله عليه وسلم من مضجعه، فلمسته بيدها، فوقعت عليه وهو ساجد، وهو يقول: « رب ‌أعطِ ‌نفسي ‌تقواها، زكّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها».
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن ‌أبي الأحوص، عن ‌عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: « اللهم إني أسألك ‌الهدى ‌والتقى، والعفاف والغنى ».
فدلّت الآية والأحاديث على أنّ التقوى تُؤتى، وأنه يشرع للعبد أن يسأل الله عزَّ وجل أن يؤتيه التقوى.
وتحقيق التقوى هو أن يصدق على العبد أنه من عباد الله المتقين، وهذه مرتبة عظيمة لها آثار جليلة تتبعها:
- منها: معية الله عز وجل للمتقين، كما في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا}, وهي معية خاصة, لها بركاتها وآثارها العظيمة.
- ومنها: تقبّل الأعمال، كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.
والوعود التي وعد الله عز وجل بها عباده المتقين عظيمة معلومة.

والمقصود أنّ لام الاختصاص يستفاد منها أنّ مرتبة التقوى مرتبة عظيمة، وأن من امتُن لها فقد اختصَّ بفضل عظيم.
وهذا نظير ما في قول الله عز وجل: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}, فأولئك كانوا أحق بالتقوى وكانوا أهلا للتقوى, فهم مخصوصون بها؛ فكان ذلك من تشريف الله عز وجل لهم.
HTML Embed Code:
2024/05/09 04:23:16
Back to Top